الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35407" data-attributes="member: 329"><p>المبحث الثالث: خطر الطعن على العلماء, وشؤم الحط من أقدارهم</p><p>الجناية على العلماء خرق في الدين، فمن ثم قال الطحاوي في (عقيدته): (وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين – أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر – لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء، فهو على غير السبيل) .</p><p>قال ابن المبارك: (من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته) .</p><p>وقال أبو سنان الأسدي: (إذا كان طالب العلم قبل أن يتعلم مسألة في الدين يتعلم الوقيعة في الناس؛ متى يفلح؟!) .</p><p>وقال الإمام أحمد بن الأذرعي: (الوقيعة في أهل العلم ولا سيما أكابرهم من كبائر الذنوب) .</p><p>وعن جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار يقول: </p><p> (كفى بالمرء شراً أن لا يكون صالحاً، وهو يقع في الصالحين) .</p><p>والطاعنون في العلماء لا يضرون إلا أنفسهم، وهم يستجلبون لها بفعلتهم الشنيعة أخبث الأوصاف: {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [ الحجرات: 11]. وهم من شرار عباد الله؛ بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت)) .</p><p>وهم مفسدون في الأرض، وقد قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [ يونس: 81]. </p><p>وهم عرضة لحرب الله تعالى، القائل في الحديث القدسي: ((من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب)) .</p><p>وهم متعرضون لاستجابة دعوة العالم المظلوم عليهم، فدعوة المظلوم – ولو كان فاسقاً – ليس بينها وبين الله حجاب، فكيف بدعوة ولي الله الذي قال فيه: ((ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)) .</p><p>قال الإمام الحافظ أبو العباس الحسن بن سفيان لمن أثقل عليه: (ما هذا؟! قد احتملتك وأنا ابن تسعين سنة، فاتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة) .</p><p>ولما أنكر السلطان على الوزير نظام الملك صرف الأموال الكثيرة في جهة طلبة العلم، أجابه: </p><p>(أقمت لك بها جنداً لا ترد سهامهم بالأسحار)، فاستصوب فعله، وساعده عليه .</p><p>وقيل: إن أولاد يحيى – أي ابن خالد البرمكي – قالوا له وهم في القيود مسجونين: (يا أبة صرنا بعد العز إلى هذا؟!) قال: (يا بني دعوة مظلوم غفلنا عنها، لم يغفل الله عنها) .</p><p>وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة: مثل البغي، وقطيعة الرحم)) . </p><p></p><p>يا صاحب البغي إن البغي مصرعة </p><p>فاعدل فخير فعال المرء أعدله </p><p></p><p>فلو بغى جبل يوما على جبل </p><p>لاندك منه أعاليه وأسفله </p><p></p><p></p><p>وبما أن الجزاء من جنس العمل؛ فليبشر الطاعن في العلماء المستهزئ بهم؛ بعاقبة من جنس فعله: </p><p>فعن إبراهيم رحمه الله قال: (إني أجد نفسي تحدثني بالشيء، فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى به). </p><p>وقال عمرو بن شرحبيل: (لو رأيت رجلاً يرضع عنزاً فضحكت منه؛ لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع). </p><p>وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلباً). </p><p>وقد حكي أن رجلاً كان يجرئ تلامذته على الطعن في العلماء وإهانتهم، وذات يوم تكلم بكلام لم يرق أحد تلامذته، فقام إليه فصفعه على رؤوس الأشهاد: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [ آل عمران: 182]، قال خالد بن زهير الهذلي: </p><p></p><p>فلا تجزعن من سنة أنت سرتها </p><p>فأول راض سنة من يسيرها </p><p></p><p>وليعلم أنه يخشى على من تلذذ بغيبة العلماء والقدح فيهم أن يبتلى بسوء الخاتمة عياذاً بالله منها، فهذا القاضي الفقيه الشافعي محمد بن عبد الله الزبيدي (ولد سنة عشر وسبعمائة) (شرح التنبيه في أربعة وعشرين مجلداً، درس وأفتى، وكثرت طلابه ببلاد اليمن، واشتهر ذكره، وبعد صيته، قال الجمال المصري: إنه شاهده عند وفاته وقد اندلع لسانه واسود، فكانوا يرون أن ذلك بسبب كثرة وقيعته في الشيخ محيي الدين النووي رحمهم الله جميعاً . </p><p></p><p>إن السعيد له في غيره عظة </p><p>وفي التجارب تحكيم ومعتبر </p><p></p><p>ثم الخائض في أعراض العلماء ظلماً وعدواً إن حمل عنه ذلك، واقتدى به فيه، فقد سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، والدال على الشر كفاعله، والسعيد من إذا مات ماتت معه سيئاته، قال تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [ يــس: 12]. </p><p></p><p>وما من كاتب إلا سيلقى </p><p>غداة الحشر ما كتبت يداه </p><p></p><p>فلا تكتب بكفك غير شيء </p><p>يسرك في القيامة أن تراه </p><p></p><p>وروي عن الإمام أحمد أنه قال: (لحوم العلماء مسمومة، من شمها مرض، ومن أكلها مات) .</p><p>وعن مخلد قال: حدثنا بعض أصحابنا قال: ذكرت يوماً عند الحسن بن ذكوان رجلاً بشيء، فقال: (مه لا تذكر العلماء بشيء، فيميت الله قلبك). </p><p></p><p>لحوم أهل العلم مسمومة </p><p>ومن يعاديهم سريع الهلاك </p><p></p><p>فكن لأهل العلم عونا، وإن </p><p>عاديتهم يوما فخذ ما أتاك </p><p></p><p>قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى: </p><p>(واعلم يا أخي – وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته – أن لحوم العلماء – رحمة الله عليهم – مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمر عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لِنَعش العلم خلق ذميم) .</p><p>وقال أيضاً رحمه الله: (.. ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب؛ ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [ النــور: 63]) .</p><p>ومن مخاطر الطعن في العلماء: </p><p>التسبب إلى تعطيل الانتفاع بعلمهم: </p><p>وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب الديك؛ لأنه يدعو إلى الصلاة فكيف يستبيح قوم إطلاق ألسنتهم في ورثة الأنبياء الداعين إلى الله عز وجل؟!</p><p>{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [ فصلت: 33]. </p><p>قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (ما نحن لولا كلمات الفقهاء؟!). </p><p>وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: (الدنيا كلها ظلمة، إلا مجالس العلماء) .</p><p>وقال الإمام السخاوي رحمه الله: (إنما الناس بشيوخهم، فإذا ذهب الشيوخ فمع من العيش؟!) .</p><p>ومن شؤم الطعن في العلماء: </p><p>أن القدح بالحامل يفضي إلى القدم بما يحمله من الشرع والدين، ولهذا أطبق العلماء على أن من أسباب الإلحاد: (القدح في العلماء). </p><p>لما استهزأ رجل من المنافقين بالصحابة رضي الله عنهم، قائلاً: (ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء) أنزل الله عز وجل:{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} [ التوبة: 65 - 66] .</p><p>ويقول العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله تعالى: </p><p>(بادرة ملعونة.. وهي تكفير الأئمة: النووي، وابن دقيق العيد، وابن حجر العسقلاني، أو الحط من أقدارهم، أو أنهم مبتدعة ضلال، كل هذا من عمل الشيطان، وباب ضلالة وإضلال، وفساد وإفساد، وإذا جرح شهود الشرع جرح المشهود به، لكن الأغرار لا يفقهون ولا يتثبتون) .</p><p>ومن شؤم تلويث الجو الدعوي بالطعن في العلماء، وتجريح الأخيار: </p><p>التسبب في انزواء بعض هؤلاء الأخيار، وابتعادهم عن ساحة التربية والتعليم والدعوة، صيانة لأعراضهم، وحفظاً لحياة قلوبهم؛ لأن القلوب الحرة يؤذيها التعكير: </p><p>(إن الحساسية تبلغ مداها لدى الداعية السوي، ونفسه تعاف كل جو خانق غير نقي، إن روحه لا تطيق الأجواء المغبرة وانعدام الأوكسجين، ومؤلمة هي لفحات التراب.. أسلوب في القتل هو الخنق، ونمط في الإرهاب الطائش هو العصف) .</p><p>(.. وإذا لم نتقيد بالضوابط في الممارسات الدعوية، فإن الأذواق ستفسد، ويكثر الصخب الذي يرهق الثقة المؤهل للتقدم، فينزوي حفاظاً على عرضه وسمعته، ولئلا يقسو قلبه عبر قيل وقال) .</p><p>فأقبح به من تعويق، وتثبيط، وتزهيد حذرنا منه العلامة الشيخ طاهر الجزائري (ت 1338هـ) وهو على فراش الموت بكلمات حقها أن تكتب بماء العيون لا بماء الذهب؛ إذ قال رحمه الله: </p><p>(عدوا رجالكم، واغفروا لهم بعض زلاتهم، وعضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم، ولا تنفروهم لئلا يزهدوا في خدمتكم) .</p><p>فإذا خلت الساحة من أهل العلم والتقى، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، يفتونهم بغير علم، وإذا أفتوهم بغير علم فلا تسأل عن الحرمات التي تستباح، والدم المعصوم الذي يهراق، والعرض الذي ينتهك، والمال الذي يهدر، ونظرة واحدة إلى الواقع الأليم في بعض بلاد المسلمين وما يقع فيها من مجازر ومذابح بأيدي الأدعياء الذين استبدوا برأيهم، وتأولوا بأهوائهم، وركبوا رؤوسهم، ولم يصغوا إلى نصائح العلماء؛ تنبئك عن مخاطر تغييب العلماء، وقطع الصلة بينهم وبين الشباب. </p><p>إن العلماء هم (عقول الأمة) والأمة التي لا تحترم عقولها غير جديرة بالبقاء.. </p><p>قال الطحاوي: وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.</p><p>هذه الجملة من هذه العقيدة المباركة قَرَّرَ فيها الطحاوي منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع أهل العلم من أهل الأثر وأهل الفقه.</p><p>فإنهم كما قال (لَا يُذْكَرُونَ إِلَّا بِالْجَمِيلِ) لأنَّهُم نَقَلَةْ الشريعة ولأنهم المُفتون في مسائل الشريعة، ولأنهم المُبَيِّنُون للناس معنى كلام الله عز وجل في كتابه ومعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين يدفعون عن الدين ويذبُّونَ عنه بتثبيت العقيدة الصحيحة وتثبيت سنة النبي صلى الله عليه وسلم ورد الموضوعات والأحاديث المنكرة والباطلة التي أضيفت للنبي صلى الله عليه وسلم.</p><p>فهم إذاً حُمَاةُ الشريعة الحماية العلمية، ولهذا كان العلماء ورَثَةَ الأنبياء؛ لأنَّ الأنبياء لم يُوَرِّثُوا دينارا ولا درهما وإنما وَرَّثُوا العلم، والذين حَمَى العلم هم الصحابة رضوان الله عليهم، وهم التابعون من علماء السلف وعلماء تابعي التابعين من أهل الحديث ومن أهل الفقه.</p><p>فهؤلاء منهج أهل السنة والجماعة أن يُذْكَرَ الجميع بالجميل، وأن لا نقع في عالمٍ من العلماء لا من أهل الحديث ولا من أهل الفقه، بل يُذْكَرُونَ بالجميل ولا يُذْكَرُونَ بسوء، وإنما يُرْجَى لهم فيما أخطؤوا فيه أنهم إنِّمَا اجتهدوا ورَجَوا الأجر والثواب والخطأ لا يُتَابَعُ عليه صاحبه.</p><p>وهذا الأصل ذكره الطحاوي في هذا المقام لأجل أنَّ طائفةً من غلاة أهل الحديث في ذاك الزمن كانوا يقعون في أهل الفقه، وطائفة من غلاة أهل الفقه كانوا يقعون في أهل الحديث ويصفونهم بالجمود.</p><p>وأهل السنة الذين تحققوا بالكتاب وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبهدي الصحابة يعلمون أنَّ الجميع مُحْسِنْ، وأنَّ هؤلاء وهؤلاء ما أرادوا إلا نصرة الشريعة والحفاظ على العلم والفقه.</p><p>نعم هم درجات في مقامهم وفي علمهم، لكنَّهُم لا يُذْكَرُونَ إلا بالجميل، والله - عز وجل - سَخَّرَ هؤلاء لشيء وسَخَّرْ هؤلاء لشيء، والوسط هو سِمَةُ أهل الاعتدال وسِمَةُ أهل السنة والجماعة كما كان عليه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والشافعي ومالك وأبي حنيفة وجماعات أهل العلم فإنهم كانوا على هذا السبيل.</p><p>ونذكر هاهنا مسائل:</p><p>المسألة الأولى:</p><p>أنَّ ذِكر العلماء بالجميل وعدم ذكرهم بأي سوءٍ أو قدح هذا امتثال لأمرين:</p><p>1- الأمر الأول: امتثال لقول الله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:71]، ولقوله: {يَرْفَع اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:11]، ولقوله عز وجل: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء:83]، فَبَيَّنَ الله - عز وجل - منزلة أهل العلم وبَيَّنَ فضل العلم وفضل أهله وأنهم مرفُوعون عن سائر المؤمنين درجات لِمَا عندهم من العلم بالله عز وجل.</p><p>وبَيَّنَ أنَّ المؤمن للمؤمن مُوالي، أنَّ المؤمن يُوالي المؤمن، ومعنى هذه الموالاة في قوله {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:71]، هي من الوَلَاية وهي المحبة والنُّصْرَة.</p><p>وهذه المحبة والنُّصْرَة عند أهل السنة والجماعة تتفاضل بتفاضل تحقق وصف الإيمان.</p><p>فالمؤمن يحب ويوالي المؤمن الآخر إذا كان كامل الإيمان أكثر من نُصْرَتِهِ ومحبته لمن كان دونه.</p><p>ومعلومٌ أنَّ العلماء هم الذين أثنى الله - عز وجل - عليهم وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم، فواجبٌ إذاً بنص الآية أن يُوَالَوا وأن يُذْكَرُوا بالجميل وأن يُحَبُّوا وأن يُنْصَرُوا وأن لا يُذْكَرُوا بغير الحَسَنِ والجميل.</p><p>2- الأمر الثاني: أنَّ القدح في أهل العلم فيما أخطؤوا فيه... يرجع في الحقيقة عند العامة إلى قَدْحٍ في حَمَلَةِ الشريعة ونَقَلَةِ الشريعة وبالتالي فيضعف في النفوس محبة الشّرع؛ لأنَّ أهل العلم حينئذٍ في النفوس ليسوا على مقامٍ رفيع وليسوا على منزلةٍ رفيعة في النفوس.</p><p>فحينئذ يُشَكْ فيما ينقلونه من الدين وفيما يحفظون به الشريعة، فتؤول الأمور حينئذ إلى الأهواء والآراء فلا يكون ثَمَّ مرجعية إلى أهل العلم فيما أشكل على الناس فَتَتَفَصَّمْ عرى الإيمان....</p><p>لهذا كان ذِكْرُ العلماء بسوء هو من جنس ذكر الصحابة بسوء، ولهذا أتْبَعَ الطحاوي ذكر الصحابة بذكر العلماء، يعني لمَّا فَرَغَ من ذِكْرِ الصحابة ذَكَرَ العلماء؛ لأنَّ القدح في الصحابة والقدح في العلماء منشؤه واحد ونهايته واحدة، فإنَّ القدح في الصحابة طعنٌ في الدين، والقدح في العلماء المستقيمين، العلماء الربانيين فيما أخطؤوا فيه أو فيما اجتهدوا فيه هذا أيضاً يرجع إلى القدح في الدين، فالباب بابٌ واحد. </p><p>الباب الثاني: الإمامة</p><p>تمهيد</p><p>الإمامة هل هي من مواضيع العقيدة أم من مواضيع الفقه؟ </p><p>الحق أن لها جوانب عقدية، ولها جوانب فقهية، كما أن لها جوانب تاريخية، ولذلك فعلماء السلف رحمهم الله عند ذكرهم لعقائدهم يذكرون ذلك، فلا نكاد نجد أحدًا ذكر عقيدته إلا وينص على التربيع بالخلفاء الأربعة وأن ترتيبهم في الخلافة على ترتيبهم في الفضل، كما ينصون على أن الإمامة في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله في النار، وينصون على الصلاة خلف كل إمام بر أو فاجر والجهاد والحج معه، وعلى تحريم الخروج على الأئمة، وعلى السمع والطاعة لهم في غير معصية، وهذه كلها من مباحث الإمامة، ولذلك نجد المتكلمين ينصون على باب الإمامة في أواخر كتبهم في العقيدة.</p><p>كما أنهم يوردون ذلك في مسائل العقيدة للرد على الانحرافات والبدع التي نشأت حول هذا الموضوع، كبدعة الروافض، واعتقاداتهم الفاسدة في الإمامة، وأنها من أركان الدين، واعتقاد العصمة، والرجعة، وعلم الغيب ونحو ذلك في أئمتهم، فيذكرها علماء السلف للرد عليهم، ولتبيين مخالفتهم في ذلك، ومع بدعة الروافض بدعة الخوارج في وجوب الخروج على الأئمة الفسقة ونحو ذلك.</p><p>وكذلك مما يجعلها من المسائل المتعلقة بالعقيدة في العصر الحاضر هو إنكار بعض المنتسبين للدين أنها من الدين، وهذه من أخطر المسائل الفكرية المعاصرة</p><p>الفصل الأول: تعريف الإمامة</p><p>المبحث الأول: تعريف الإمامة لغةً</p><p>الإمامة في اللغة مصدر من الفعل (أمَّ) تقول: (أمَّهم وأمَّ بهم: تقدمهم، وهي الإمامة، والإمام: كل ما ائتم به من رئيس أو غيره) .</p><p>ويقول ابن منظور: (الإمام كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين.. والجمع: أئمة، وإمام كل شيء قيَّمه والمصلح له، والقرآن إمام المسلمين، وسيدنا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إمام الأئمة، والخليفة إمام الرعية، وأممت القوم في الصلاة إمامة، وائتُم به: اقتدي به.</p><p>والإمام: المثال، وإمام الغلام في المكتب ما يتعلمه كل يوم، وإمام المثال ما امتثل عليه، والإمام: الخيط الذي يُمَدُّ على البناء فيبنى عليه ويسوى عليه ساف البناء..) اهـ .</p><p>وقال صاحب (تاج العروس): (والإمام: الطريق الواسع، وبه فُسِّر قوله تعالى: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} [سورة الحجر: 79] أي: بطريق يُؤم، أي: يقصد فيتميز) قال: (والخليفة إمام الرعية، قال أبو بكر: يقال فلان إمام القوم معناه: هو المتقدم عليهم، ويكون الإمام رئيسًا كقولك: إمام المسلمين)، قال: (والدليل: إمام السفر، والحادي: إمام الإبل، وإن كان وراءها لأنه الهادي لها..) اهـ .</p><p>وقال الجوهري في (الصحاح): (الأمُّ بالفتح القصد، يقال: أَمّه وأممه وتأممه إذا قصده) . إلى غير ذلك من المعاني المقاربة.</p><p>ومن جميع ما سبق نلاحظ تقارب مدلول هذه الألفاظ عند أصحاب اللغة. </p><p>المبحث الثاني: تعريف الإمامة اصطلاحاً</p><p>أما من حيث الاصطلاح: فقد عرفها العلماء بعدة تعريفات، وهي وإن اختلفت في الألفاظ فهي متقاربة في المعاني، ومن هذه التعريفات ما يلي:</p><p>(1) ما ذكره الماوردي حيث قال: (الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به) اهـ .</p><p>(2) ويقول إمام الحرمين الجويني: (الإمامة رياسة تامة، وزعامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا) اهـ .</p><p>(3) وعرفها النسفي في عقائده بقوله: (نيابة عن الرسول عليه السلام في إقامة الدين بحيث يجب على كافة الأمم الاتباع) .</p><p>(4) ويقول صاحب (المواقف): (هي خلافة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في إقامة الدين بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة) .</p><p>5) أما العلامة ابن خلدون فيعرفها بقوله: (هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به) أهـ .</p><p>(6) ويقول الأستاذ محمد نجيب المطيعي: (المراد بها - أي الإمامة- الرئاسة العامة في شؤون الدنيا والدين) .</p><p>إلى غير ذلك من التعريفات التي تدور حول هذه المعاني. </p><p>المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة</p><p>هذا وقد ورد لفظ (الإمام) في القرآن الكريم بصيغة الإفراد في عدة مواضع منها قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [ البقرة: 124]. والمعنى: (أني مُصَيِّرُك للناس إمامًا يؤتم به، ويقتدى به) .</p><p>كما ورد في قوله تعالى حكاية عن دعاء المؤمنين: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان: 74] أي: (أئمة يقتدي بنا من بعدنا) وقال البخاري: (أئمة نقتدي بمن قبلنا، ويقتدي بنا من بعدنا) .</p><p>وورد اللفظ بصيغة الجمع في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [ الأنبياء: 73]. أي: (أئمة يؤتم بهم في الخير في طاعة الله في اتباع أمره ونهيه، ويقتدى بهم، ويتبعون عليه) .</p><p>وفي قوله تعالى: {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5] أي: ولاة وملوكًا .</p><p>كما ورد اللفظ بمعنى: من يؤتم بهم في الشر. فقال تعالى: {فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] أي: (رؤساء الكفر بالله) وقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ} [القصص: 41] أي: (جعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على الله والكفر به) . لكن إذا أطلق لفظ (الإمام) فإنه لا ينصرف إلى أئمة الباطل، لأنه ورد ذكرهم في القرآن بهذه الكلمة مقيدة. كما في هذه الآيات.</p><p>وورد اللفظ أيضًا في مواطن كثيرة من الحديث النبوي الشريف منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الإمام الأعظم الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته..)) الحديث . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الأئمة من قريش)) . والمراد: الحاكم أو الخليفة.</p><p>إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.</p><p>وهكذا أخذت الإمامة معناً اصطلاحيًا إسلاميًا، فقصد بالإمام: خليفة المسلمين وحاكمهم، وتوصف الإمامة أحيانًا بالإمامة العظمى أو الكبرى تمييزًا لها عن الإمامة في الصلاة، على أن الإمامة إذا أطلقت فإنها توجه إلى الإمامة الكبرى أو العامة، كما أوضح ذلك ابن حزم رحمه الله . </p><p>المبحث الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين</p><p>والذي يبدو من استعراض الأحاديث الواردة في باب الخلافة والإمامة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين الذين رووها لم يفرقوا بين لفظ خليفة وإمام، ومن بعد تولية عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أضافوا إليها لفظ: أمير المؤمنين - وإلى ذلك ذهب العلماء فجعلوها من الكلمات المترادفة المؤدية إلى معنى واحد فيقول النووي: (يجوز أن يقال للإمام: الخليفة، والإمام، وأمير المؤمنين) .</p><p>ويقول ابن خلدون: (وإذ قد بيَّنَّا حقيقة هذا المنصب وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به تسمى خلافة وإمامة والقائم به خليفة وإمام) اهـ. ، ويعرف ابن منظور الخلافة بأنها الإمارة .</p><p>وإلى ذلك ذهب الأستاذ محمد نجيب المطيعي في تكملته (للمجموع) للنووي حيث قال: (الإمامة والخلافة وإمرة المؤمنين مترادفة) وكذلك الأستاذ محمد رشيد رضا ، ويفسر الشيخ أبو زهرة الترادف بين لفظي الخلافة والإمامة بقوله: (المذاهب السياسية كلها تدور حول الخلافة وهي الإمامة الكبرى، وسميت خلافة لأن الذي يتولاها ويكون الحاكم الأعظم للمسلمين يخلف النبي -صلى الله عليه وسلم - في إدارة شؤونهم، وتسمى إمامة: لأن الخليفة كان يسمى إمامًا، ولأن طاعته واجبة، ولأن الناس كانوا يسيرون وراءه كما يصلون وراء من يؤمهم الصلاة) أي يأتمون به، وقد كان الخلفاء هم الذين يتولون إمامة الصلاة خاصة الجمع والأعياد لكن لما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وضعفت الناحية العلمية عند الخلفاء، أخذوا ينيبون عنهم من يقومون مقامهم في إمامة الصلاة، وخطب الجمع والأعياد.</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35407, member: 329"] المبحث الثالث: خطر الطعن على العلماء, وشؤم الحط من أقدارهم الجناية على العلماء خرق في الدين، فمن ثم قال الطحاوي في (عقيدته): (وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين – أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر – لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء، فهو على غير السبيل) . قال ابن المبارك: (من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته) . وقال أبو سنان الأسدي: (إذا كان طالب العلم قبل أن يتعلم مسألة في الدين يتعلم الوقيعة في الناس؛ متى يفلح؟!) . وقال الإمام أحمد بن الأذرعي: (الوقيعة في أهل العلم ولا سيما أكابرهم من كبائر الذنوب) . وعن جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار يقول: (كفى بالمرء شراً أن لا يكون صالحاً، وهو يقع في الصالحين) . والطاعنون في العلماء لا يضرون إلا أنفسهم، وهم يستجلبون لها بفعلتهم الشنيعة أخبث الأوصاف: {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [ الحجرات: 11]. وهم من شرار عباد الله؛ بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت)) . وهم مفسدون في الأرض، وقد قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [ يونس: 81]. وهم عرضة لحرب الله تعالى، القائل في الحديث القدسي: ((من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب)) . وهم متعرضون لاستجابة دعوة العالم المظلوم عليهم، فدعوة المظلوم – ولو كان فاسقاً – ليس بينها وبين الله حجاب، فكيف بدعوة ولي الله الذي قال فيه: ((ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)) . قال الإمام الحافظ أبو العباس الحسن بن سفيان لمن أثقل عليه: (ما هذا؟! قد احتملتك وأنا ابن تسعين سنة، فاتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة) . ولما أنكر السلطان على الوزير نظام الملك صرف الأموال الكثيرة في جهة طلبة العلم، أجابه: (أقمت لك بها جنداً لا ترد سهامهم بالأسحار)، فاستصوب فعله، وساعده عليه . وقيل: إن أولاد يحيى – أي ابن خالد البرمكي – قالوا له وهم في القيود مسجونين: (يا أبة صرنا بعد العز إلى هذا؟!) قال: (يا بني دعوة مظلوم غفلنا عنها، لم يغفل الله عنها) . وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة: مثل البغي، وقطيعة الرحم)) . يا صاحب البغي إن البغي مصرعة فاعدل فخير فعال المرء أعدله فلو بغى جبل يوما على جبل لاندك منه أعاليه وأسفله وبما أن الجزاء من جنس العمل؛ فليبشر الطاعن في العلماء المستهزئ بهم؛ بعاقبة من جنس فعله: فعن إبراهيم رحمه الله قال: (إني أجد نفسي تحدثني بالشيء، فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى به). وقال عمرو بن شرحبيل: (لو رأيت رجلاً يرضع عنزاً فضحكت منه؛ لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلباً). وقد حكي أن رجلاً كان يجرئ تلامذته على الطعن في العلماء وإهانتهم، وذات يوم تكلم بكلام لم يرق أحد تلامذته، فقام إليه فصفعه على رؤوس الأشهاد: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [ آل عمران: 182]، قال خالد بن زهير الهذلي: فلا تجزعن من سنة أنت سرتها فأول راض سنة من يسيرها وليعلم أنه يخشى على من تلذذ بغيبة العلماء والقدح فيهم أن يبتلى بسوء الخاتمة عياذاً بالله منها، فهذا القاضي الفقيه الشافعي محمد بن عبد الله الزبيدي (ولد سنة عشر وسبعمائة) (شرح التنبيه في أربعة وعشرين مجلداً، درس وأفتى، وكثرت طلابه ببلاد اليمن، واشتهر ذكره، وبعد صيته، قال الجمال المصري: إنه شاهده عند وفاته وقد اندلع لسانه واسود، فكانوا يرون أن ذلك بسبب كثرة وقيعته في الشيخ محيي الدين النووي رحمهم الله جميعاً . إن السعيد له في غيره عظة وفي التجارب تحكيم ومعتبر ثم الخائض في أعراض العلماء ظلماً وعدواً إن حمل عنه ذلك، واقتدى به فيه، فقد سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، والدال على الشر كفاعله، والسعيد من إذا مات ماتت معه سيئاته، قال تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [ يــس: 12]. وما من كاتب إلا سيلقى غداة الحشر ما كتبت يداه فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه وروي عن الإمام أحمد أنه قال: (لحوم العلماء مسمومة، من شمها مرض، ومن أكلها مات) . وعن مخلد قال: حدثنا بعض أصحابنا قال: ذكرت يوماً عند الحسن بن ذكوان رجلاً بشيء، فقال: (مه لا تذكر العلماء بشيء، فيميت الله قلبك). لحوم أهل العلم مسمومة ومن يعاديهم سريع الهلاك فكن لأهل العلم عونا، وإن عاديتهم يوما فخذ ما أتاك قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى: (واعلم يا أخي – وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته – أن لحوم العلماء – رحمة الله عليهم – مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمر عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لِنَعش العلم خلق ذميم) . وقال أيضاً رحمه الله: (.. ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب؛ ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [ النــور: 63]) . ومن مخاطر الطعن في العلماء: التسبب إلى تعطيل الانتفاع بعلمهم: وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب الديك؛ لأنه يدعو إلى الصلاة فكيف يستبيح قوم إطلاق ألسنتهم في ورثة الأنبياء الداعين إلى الله عز وجل؟! {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [ فصلت: 33]. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (ما نحن لولا كلمات الفقهاء؟!). وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: (الدنيا كلها ظلمة، إلا مجالس العلماء) . وقال الإمام السخاوي رحمه الله: (إنما الناس بشيوخهم، فإذا ذهب الشيوخ فمع من العيش؟!) . ومن شؤم الطعن في العلماء: أن القدح بالحامل يفضي إلى القدم بما يحمله من الشرع والدين، ولهذا أطبق العلماء على أن من أسباب الإلحاد: (القدح في العلماء). لما استهزأ رجل من المنافقين بالصحابة رضي الله عنهم، قائلاً: (ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء) أنزل الله عز وجل:{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} [ التوبة: 65 - 66] . ويقول العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله تعالى: (بادرة ملعونة.. وهي تكفير الأئمة: النووي، وابن دقيق العيد، وابن حجر العسقلاني، أو الحط من أقدارهم، أو أنهم مبتدعة ضلال، كل هذا من عمل الشيطان، وباب ضلالة وإضلال، وفساد وإفساد، وإذا جرح شهود الشرع جرح المشهود به، لكن الأغرار لا يفقهون ولا يتثبتون) . ومن شؤم تلويث الجو الدعوي بالطعن في العلماء، وتجريح الأخيار: التسبب في انزواء بعض هؤلاء الأخيار، وابتعادهم عن ساحة التربية والتعليم والدعوة، صيانة لأعراضهم، وحفظاً لحياة قلوبهم؛ لأن القلوب الحرة يؤذيها التعكير: (إن الحساسية تبلغ مداها لدى الداعية السوي، ونفسه تعاف كل جو خانق غير نقي، إن روحه لا تطيق الأجواء المغبرة وانعدام الأوكسجين، ومؤلمة هي لفحات التراب.. أسلوب في القتل هو الخنق، ونمط في الإرهاب الطائش هو العصف) . (.. وإذا لم نتقيد بالضوابط في الممارسات الدعوية، فإن الأذواق ستفسد، ويكثر الصخب الذي يرهق الثقة المؤهل للتقدم، فينزوي حفاظاً على عرضه وسمعته، ولئلا يقسو قلبه عبر قيل وقال) . فأقبح به من تعويق، وتثبيط، وتزهيد حذرنا منه العلامة الشيخ طاهر الجزائري (ت 1338هـ) وهو على فراش الموت بكلمات حقها أن تكتب بماء العيون لا بماء الذهب؛ إذ قال رحمه الله: (عدوا رجالكم، واغفروا لهم بعض زلاتهم، وعضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم، ولا تنفروهم لئلا يزهدوا في خدمتكم) . فإذا خلت الساحة من أهل العلم والتقى، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، يفتونهم بغير علم، وإذا أفتوهم بغير علم فلا تسأل عن الحرمات التي تستباح، والدم المعصوم الذي يهراق، والعرض الذي ينتهك، والمال الذي يهدر، ونظرة واحدة إلى الواقع الأليم في بعض بلاد المسلمين وما يقع فيها من مجازر ومذابح بأيدي الأدعياء الذين استبدوا برأيهم، وتأولوا بأهوائهم، وركبوا رؤوسهم، ولم يصغوا إلى نصائح العلماء؛ تنبئك عن مخاطر تغييب العلماء، وقطع الصلة بينهم وبين الشباب. إن العلماء هم (عقول الأمة) والأمة التي لا تحترم عقولها غير جديرة بالبقاء.. قال الطحاوي: وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. هذه الجملة من هذه العقيدة المباركة قَرَّرَ فيها الطحاوي منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع أهل العلم من أهل الأثر وأهل الفقه. فإنهم كما قال (لَا يُذْكَرُونَ إِلَّا بِالْجَمِيلِ) لأنَّهُم نَقَلَةْ الشريعة ولأنهم المُفتون في مسائل الشريعة، ولأنهم المُبَيِّنُون للناس معنى كلام الله عز وجل في كتابه ومعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين يدفعون عن الدين ويذبُّونَ عنه بتثبيت العقيدة الصحيحة وتثبيت سنة النبي صلى الله عليه وسلم ورد الموضوعات والأحاديث المنكرة والباطلة التي أضيفت للنبي صلى الله عليه وسلم. فهم إذاً حُمَاةُ الشريعة الحماية العلمية، ولهذا كان العلماء ورَثَةَ الأنبياء؛ لأنَّ الأنبياء لم يُوَرِّثُوا دينارا ولا درهما وإنما وَرَّثُوا العلم، والذين حَمَى العلم هم الصحابة رضوان الله عليهم، وهم التابعون من علماء السلف وعلماء تابعي التابعين من أهل الحديث ومن أهل الفقه. فهؤلاء منهج أهل السنة والجماعة أن يُذْكَرَ الجميع بالجميل، وأن لا نقع في عالمٍ من العلماء لا من أهل الحديث ولا من أهل الفقه، بل يُذْكَرُونَ بالجميل ولا يُذْكَرُونَ بسوء، وإنما يُرْجَى لهم فيما أخطؤوا فيه أنهم إنِّمَا اجتهدوا ورَجَوا الأجر والثواب والخطأ لا يُتَابَعُ عليه صاحبه. وهذا الأصل ذكره الطحاوي في هذا المقام لأجل أنَّ طائفةً من غلاة أهل الحديث في ذاك الزمن كانوا يقعون في أهل الفقه، وطائفة من غلاة أهل الفقه كانوا يقعون في أهل الحديث ويصفونهم بالجمود. وأهل السنة الذين تحققوا بالكتاب وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبهدي الصحابة يعلمون أنَّ الجميع مُحْسِنْ، وأنَّ هؤلاء وهؤلاء ما أرادوا إلا نصرة الشريعة والحفاظ على العلم والفقه. نعم هم درجات في مقامهم وفي علمهم، لكنَّهُم لا يُذْكَرُونَ إلا بالجميل، والله - عز وجل - سَخَّرَ هؤلاء لشيء وسَخَّرْ هؤلاء لشيء، والوسط هو سِمَةُ أهل الاعتدال وسِمَةُ أهل السنة والجماعة كما كان عليه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والشافعي ومالك وأبي حنيفة وجماعات أهل العلم فإنهم كانوا على هذا السبيل. ونذكر هاهنا مسائل: المسألة الأولى: أنَّ ذِكر العلماء بالجميل وعدم ذكرهم بأي سوءٍ أو قدح هذا امتثال لأمرين: 1- الأمر الأول: امتثال لقول الله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:71]، ولقوله: {يَرْفَع اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:11]، ولقوله عز وجل: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء:83]، فَبَيَّنَ الله - عز وجل - منزلة أهل العلم وبَيَّنَ فضل العلم وفضل أهله وأنهم مرفُوعون عن سائر المؤمنين درجات لِمَا عندهم من العلم بالله عز وجل. وبَيَّنَ أنَّ المؤمن للمؤمن مُوالي، أنَّ المؤمن يُوالي المؤمن، ومعنى هذه الموالاة في قوله {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:71]، هي من الوَلَاية وهي المحبة والنُّصْرَة. وهذه المحبة والنُّصْرَة عند أهل السنة والجماعة تتفاضل بتفاضل تحقق وصف الإيمان. فالمؤمن يحب ويوالي المؤمن الآخر إذا كان كامل الإيمان أكثر من نُصْرَتِهِ ومحبته لمن كان دونه. ومعلومٌ أنَّ العلماء هم الذين أثنى الله - عز وجل - عليهم وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم، فواجبٌ إذاً بنص الآية أن يُوَالَوا وأن يُذْكَرُوا بالجميل وأن يُحَبُّوا وأن يُنْصَرُوا وأن لا يُذْكَرُوا بغير الحَسَنِ والجميل. 2- الأمر الثاني: أنَّ القدح في أهل العلم فيما أخطؤوا فيه... يرجع في الحقيقة عند العامة إلى قَدْحٍ في حَمَلَةِ الشريعة ونَقَلَةِ الشريعة وبالتالي فيضعف في النفوس محبة الشّرع؛ لأنَّ أهل العلم حينئذٍ في النفوس ليسوا على مقامٍ رفيع وليسوا على منزلةٍ رفيعة في النفوس. فحينئذ يُشَكْ فيما ينقلونه من الدين وفيما يحفظون به الشريعة، فتؤول الأمور حينئذ إلى الأهواء والآراء فلا يكون ثَمَّ مرجعية إلى أهل العلم فيما أشكل على الناس فَتَتَفَصَّمْ عرى الإيمان.... لهذا كان ذِكْرُ العلماء بسوء هو من جنس ذكر الصحابة بسوء، ولهذا أتْبَعَ الطحاوي ذكر الصحابة بذكر العلماء، يعني لمَّا فَرَغَ من ذِكْرِ الصحابة ذَكَرَ العلماء؛ لأنَّ القدح في الصحابة والقدح في العلماء منشؤه واحد ونهايته واحدة، فإنَّ القدح في الصحابة طعنٌ في الدين، والقدح في العلماء المستقيمين، العلماء الربانيين فيما أخطؤوا فيه أو فيما اجتهدوا فيه هذا أيضاً يرجع إلى القدح في الدين، فالباب بابٌ واحد. الباب الثاني: الإمامة تمهيد الإمامة هل هي من مواضيع العقيدة أم من مواضيع الفقه؟ الحق أن لها جوانب عقدية، ولها جوانب فقهية، كما أن لها جوانب تاريخية، ولذلك فعلماء السلف رحمهم الله عند ذكرهم لعقائدهم يذكرون ذلك، فلا نكاد نجد أحدًا ذكر عقيدته إلا وينص على التربيع بالخلفاء الأربعة وأن ترتيبهم في الخلافة على ترتيبهم في الفضل، كما ينصون على أن الإمامة في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله في النار، وينصون على الصلاة خلف كل إمام بر أو فاجر والجهاد والحج معه، وعلى تحريم الخروج على الأئمة، وعلى السمع والطاعة لهم في غير معصية، وهذه كلها من مباحث الإمامة، ولذلك نجد المتكلمين ينصون على باب الإمامة في أواخر كتبهم في العقيدة. كما أنهم يوردون ذلك في مسائل العقيدة للرد على الانحرافات والبدع التي نشأت حول هذا الموضوع، كبدعة الروافض، واعتقاداتهم الفاسدة في الإمامة، وأنها من أركان الدين، واعتقاد العصمة، والرجعة، وعلم الغيب ونحو ذلك في أئمتهم، فيذكرها علماء السلف للرد عليهم، ولتبيين مخالفتهم في ذلك، ومع بدعة الروافض بدعة الخوارج في وجوب الخروج على الأئمة الفسقة ونحو ذلك. وكذلك مما يجعلها من المسائل المتعلقة بالعقيدة في العصر الحاضر هو إنكار بعض المنتسبين للدين أنها من الدين، وهذه من أخطر المسائل الفكرية المعاصرة الفصل الأول: تعريف الإمامة المبحث الأول: تعريف الإمامة لغةً الإمامة في اللغة مصدر من الفعل (أمَّ) تقول: (أمَّهم وأمَّ بهم: تقدمهم، وهي الإمامة، والإمام: كل ما ائتم به من رئيس أو غيره) . ويقول ابن منظور: (الإمام كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين.. والجمع: أئمة، وإمام كل شيء قيَّمه والمصلح له، والقرآن إمام المسلمين، وسيدنا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إمام الأئمة، والخليفة إمام الرعية، وأممت القوم في الصلاة إمامة، وائتُم به: اقتدي به. والإمام: المثال، وإمام الغلام في المكتب ما يتعلمه كل يوم، وإمام المثال ما امتثل عليه، والإمام: الخيط الذي يُمَدُّ على البناء فيبنى عليه ويسوى عليه ساف البناء..) اهـ . وقال صاحب (تاج العروس): (والإمام: الطريق الواسع، وبه فُسِّر قوله تعالى: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} [سورة الحجر: 79] أي: بطريق يُؤم، أي: يقصد فيتميز) قال: (والخليفة إمام الرعية، قال أبو بكر: يقال فلان إمام القوم معناه: هو المتقدم عليهم، ويكون الإمام رئيسًا كقولك: إمام المسلمين)، قال: (والدليل: إمام السفر، والحادي: إمام الإبل، وإن كان وراءها لأنه الهادي لها..) اهـ . وقال الجوهري في (الصحاح): (الأمُّ بالفتح القصد، يقال: أَمّه وأممه وتأممه إذا قصده) . إلى غير ذلك من المعاني المقاربة. ومن جميع ما سبق نلاحظ تقارب مدلول هذه الألفاظ عند أصحاب اللغة. المبحث الثاني: تعريف الإمامة اصطلاحاً أما من حيث الاصطلاح: فقد عرفها العلماء بعدة تعريفات، وهي وإن اختلفت في الألفاظ فهي متقاربة في المعاني، ومن هذه التعريفات ما يلي: (1) ما ذكره الماوردي حيث قال: (الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به) اهـ . (2) ويقول إمام الحرمين الجويني: (الإمامة رياسة تامة، وزعامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا) اهـ . (3) وعرفها النسفي في عقائده بقوله: (نيابة عن الرسول عليه السلام في إقامة الدين بحيث يجب على كافة الأمم الاتباع) . (4) ويقول صاحب (المواقف): (هي خلافة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في إقامة الدين بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة) . 5) أما العلامة ابن خلدون فيعرفها بقوله: (هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به) أهـ . (6) ويقول الأستاذ محمد نجيب المطيعي: (المراد بها - أي الإمامة- الرئاسة العامة في شؤون الدنيا والدين) . إلى غير ذلك من التعريفات التي تدور حول هذه المعاني. المبحث الثالث: لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة هذا وقد ورد لفظ (الإمام) في القرآن الكريم بصيغة الإفراد في عدة مواضع منها قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [ البقرة: 124]. والمعنى: (أني مُصَيِّرُك للناس إمامًا يؤتم به، ويقتدى به) . كما ورد في قوله تعالى حكاية عن دعاء المؤمنين: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان: 74] أي: (أئمة يقتدي بنا من بعدنا) وقال البخاري: (أئمة نقتدي بمن قبلنا، ويقتدي بنا من بعدنا) . وورد اللفظ بصيغة الجمع في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [ الأنبياء: 73]. أي: (أئمة يؤتم بهم في الخير في طاعة الله في اتباع أمره ونهيه، ويقتدى بهم، ويتبعون عليه) . وفي قوله تعالى: {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5] أي: ولاة وملوكًا . كما ورد اللفظ بمعنى: من يؤتم بهم في الشر. فقال تعالى: {فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] أي: (رؤساء الكفر بالله) وقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ} [القصص: 41] أي: (جعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على الله والكفر به) . لكن إذا أطلق لفظ (الإمام) فإنه لا ينصرف إلى أئمة الباطل، لأنه ورد ذكرهم في القرآن بهذه الكلمة مقيدة. كما في هذه الآيات. وورد اللفظ أيضًا في مواطن كثيرة من الحديث النبوي الشريف منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الإمام الأعظم الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته..)) الحديث . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الأئمة من قريش)) . والمراد: الحاكم أو الخليفة. إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة. وهكذا أخذت الإمامة معناً اصطلاحيًا إسلاميًا، فقصد بالإمام: خليفة المسلمين وحاكمهم، وتوصف الإمامة أحيانًا بالإمامة العظمى أو الكبرى تمييزًا لها عن الإمامة في الصلاة، على أن الإمامة إذا أطلقت فإنها توجه إلى الإمامة الكبرى أو العامة، كما أوضح ذلك ابن حزم رحمه الله . المبحث الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين والذي يبدو من استعراض الأحاديث الواردة في باب الخلافة والإمامة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين الذين رووها لم يفرقوا بين لفظ خليفة وإمام، ومن بعد تولية عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أضافوا إليها لفظ: أمير المؤمنين - وإلى ذلك ذهب العلماء فجعلوها من الكلمات المترادفة المؤدية إلى معنى واحد فيقول النووي: (يجوز أن يقال للإمام: الخليفة، والإمام، وأمير المؤمنين) . ويقول ابن خلدون: (وإذ قد بيَّنَّا حقيقة هذا المنصب وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به تسمى خلافة وإمامة والقائم به خليفة وإمام) اهـ. ، ويعرف ابن منظور الخلافة بأنها الإمارة . وإلى ذلك ذهب الأستاذ محمد نجيب المطيعي في تكملته (للمجموع) للنووي حيث قال: (الإمامة والخلافة وإمرة المؤمنين مترادفة) وكذلك الأستاذ محمد رشيد رضا ، ويفسر الشيخ أبو زهرة الترادف بين لفظي الخلافة والإمامة بقوله: (المذاهب السياسية كلها تدور حول الخلافة وهي الإمامة الكبرى، وسميت خلافة لأن الذي يتولاها ويكون الحاكم الأعظم للمسلمين يخلف النبي -صلى الله عليه وسلم - في إدارة شؤونهم، وتسمى إمامة: لأن الخليفة كان يسمى إمامًا، ولأن طاعته واجبة، ولأن الناس كانوا يسيرون وراءه كما يصلون وراء من يؤمهم الصلاة) أي يأتمون به، وقد كان الخلفاء هم الذين يتولون إمامة الصلاة خاصة الجمع والأعياد لكن لما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وضعفت الناحية العلمية عند الخلفاء، أخذوا ينيبون عنهم من يقومون مقامهم في إمامة الصلاة، وخطب الجمع والأعياد. [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية