الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35419" data-attributes="member: 329"><p>فإذا بدأ المحتسب أو (الداعي) بعكس ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لو بدأ بالجهاد أو إقامة الدولة مثلاً فإنه لا يفلح في دعوته، وهذا ولا شك من ذلك الدخن الذي أخبرنا عنه –صلى الله عليه وسلم- قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي على الصراط المستقيم، والصراط المستقيم أقرب الطرق. وهو الموصل إلى حصول القصد) ا.هـ.</p><p>فكل دعوة إلى الإصلاح وكل أمر بمعروف أو نهي عن منكر لا ينتهجان ذلك المنهج السوي فلهما من المفارقة لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي هو منهج أهل السنة والجماعة بقدر المخالفة له.</p><p>فإن منهج أهل السنة وطريقهم لا يقتصر على مسائل الصفات فقط، أو قضايا العلم والاعتقاد، بل ذلك يكون في تلك القضايا وغيرها من الأمور العملية وإنما كثر التدوين في مسائل الصفات خاصة ومسائل الاعتقاد عامة لكثرة المخالفين فيها أولاً ثم لخطورة الخلاف في تلك المسائل ثانياً.</p><p>ونحن ندعو كل مسلم إلى التمسك بذلك المنهج فهو طريق الخلاص من هذا الواقع المرير.</p><p>الخامس: العلم :</p><p>تبين لك فيما سبق أنه لابد من بلوغ المطالبة بالتكليف إلى المكلف في العمل المعين.. وإلا فإنه لا يؤاخذ على تركه. وهذا ظاهر وهو الذي مر معك عند الكلام في شرطية العلم بالتكليف وأنه من شروط الوجوب، لكن العلم الذي نريد الحديث عنه هو العلم بما يأمر والعلم بما ينهى.</p><p>فلابد للآمر أن يعلم أن ما يأمر به هو من المعروف، كما لابد للناهي أن يعلم أن ما نهى عنه يعد من المنكر.. فلابد إذاً أن يكون فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه. فحاله كحال الطبيب لا يمكنه العلاج حتى يفهم المرض والدواء معاً.</p><p>قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] فدلت الآية على لزوم البصيرة وهي الدليل الواضح . قال ابن القيم –رحمه الله-: (وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها، فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه بل لابد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد أقصى ما يصل إليه السعي.</p><p>ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام، والله يؤتي فضله من يشاء) ا.هـ .</p><p>وإن مما يدخل في هذا العلم المطلوب: علم المحتسب بمواقع الحسبة وحدودها . قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: (من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح) .</p><p>قال النووي –رحمه الله-: (إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء) ا.هـ. بل لا يكون عمل المحتسب أو الداعي صالحاً ما لم يكن بعلم وفقه كما قال عمر بن عبد العزيز –رحمه الله-.. لأن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً واتباعاً للهوى.. وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام.</p><p>فلابد إذاً من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، كما لابد من العلم بحال المأمور وحال المنهي .</p><p>ولا تفهم مما سبق أن المطلوب منك عند قيامك بمهمة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تكون عالماً فقيهاً!! بل يكفي في ذلك أن تعلم أن هذا من المنكر فتنكره أو من المعروف فتأمر به وتدعو الناس إليه.</p><p>أما إذا اقتحم الجهال الدعوة، وترأسوا فيها، وأخذوا بالأمر والنهي بلا علم في ذلك كله، فإنهم يفسدون في هذه الحال أكثر مما يصلحون كما تقدم؛ فقد يأمر أحدهم بالمنكر وينهى عن المعروف جهلاً منه .. قال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ...} [النحل: 116].</p><p>وإن من أمارات الساعة ومن أسباب تعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رفع العلم كما قال –صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) .</p><p>قال الإمام البخاري في صحيحه: (باب لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه) ثم أورد حديث الزبير بن عدي قال: ((أتينا أنس ابن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج. فقال: اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه. حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم –صلى الله عليه وسلم-)) .</p><p>وقد ذكر الحافظ في شرحه أقوالاً متعددة ثم قال: ثم وجدت عند عبد الله بن مسعود التصريح بالمراد وهو أولى بالاتباع. فأخرج يعقوب بن شيبة من طريق الحارث بن حصيرة عن زيد بن وهب قال: (سمعت عبد الله بن مسعود يقول: لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاء من العيش يصيبه، ولا مالاً يفيده، لكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علماً من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فعند ذلك يهلكون). ومن طريق أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود إلى قوله (شر منه).</p><p>قال: فأصابتنا سنة خصب. فقال: ليس ذلك أعني، إنما أعني ذهاب العلماء). ومن طريق الشعبي عن مسروق عنه قال: (لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله، أما إني لا أعني أميراً خيراً من أمير ولا عاماً خيراً من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجد منهم خلفاً، ويجيء قوم يفتون برأيهم) وفي لفظ عنه من هذا الوجه: (ما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها، ولكن بذهاب العلماء، ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه) . والله المستعان.</p><p>هذا وقد يحمل الإقدام على الإنكار بغير علم ذوي النفوذ على الوقوف في وجه الحسبة وتعطيلها قال عبد الصمد بن المهتدي: لما دخل المأمون بغداد، نادى بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لأن الشيوخ بقوا يضربون ويحبسون، فنهاهم المأمون وقال: قد اجتمع الناس على إمام، فمر أبو نعيم، فرأى جندياً وقد أدخل يديه بين فخذي امرأة، فنهاه بعنف، فحمله إلى الوالي، فحمله الوالي إلى المأمون. قال: فأدخلت عليه بكرة وهو يسبح، فقال توضأ. فتوضأت ثلاثاً ثلاثاً على ما رواه عبد خير، عن علي، فصليت ركعتين، فقال: ما تقول في رجل مات عن أبوين؟ فقلت: للأم الثالث، وما بقى للأب، قال فإن خلف أبويه وأخاه؟ قلت: المسألة بحالها، وسقط الأخ، قال: فإن خلف أبوين وأخوين؟ قلت: للأم السدس وما بقى للأب. قال: في قول الناس كلهم؟ قلت: لا، إن جدك ابن عباس يا أمير المؤمنين ما حجب الأم عن الثلث إلا بثلاثة إخوة. فقال: يا هذا، من نهى مثلك عن الأمر بالمعروف؟! إنما نهينا أقواماً يجعلون المعروف منكراً. ثم خرجت .</p><p>السادس القدرة :</p><p>يقول الله عز وجل: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فمن كان بوسعه القيام بالأمر والنهي لزمه ذلك ومن لا فلا.</p><p>هذا واعلم أن الناس يتفاوتون في القدرة تفاوتاً كبيراً.. فالسلطان أقدر من غيره على القيام بذلك.. كم أن المتطوع أقل اقتداراً في الغالب من المنصوب للاحتساب.. وهكذا.</p><p>وكلما كان الإنسان أقدر كلما كان تعين ذلك عليه آكد .</p><p>فإذا كان يعجز عن القيام به بيده تعين اللسان، فإن عجز عنه تعين القلب، وقد بينا أن الإنكار بالقلب لا يسقط عنه بحال من الأحوال، كما بينا أن العجز يكون حسياً ويكون ملحقاً به كخوف لحوق الأذى .</p><p>لكن لو تمكن المرء من الإنكار على الضعفاء دون الأقوياء فهل يلزمه الإنكار على من قدر عليهم؟!</p><p>الجواب: نعم يلزمه ذلك. لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وهذا عمل بما يستطيع.. والله تعالى لا يكلفه ما لا يطيق {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286].</p><p>وفي القاعدة الثامنة من قواعد ابن رجب –رحمه الله-: (من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها أم لا) ؟</p><p>وهذا فيه تفصيل يهمنا منه لزوم بعض العبادات التي تقبل ذلك كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلو رأى منكرين أحدهما كبير والآخر صغير وقدر على إنكار الصغير منهما دون الكبير فإن إنكار الصغيرة لا يسقط عنه.</p><p>قال الخلاب: (باب الرجل يرى المنكر الغليظ فلا يقدر أن ينهى عنه ويرى منكراً صغيراً يقدر أن ينهي عنه كيف العمل فيهما)؟ أخبرنا سليمان بن الأشعث قال: سئل أبو عبد الله عن رجل له جار يعمل بالمنكر لا يقوى على أن ينكر عليه، وضعيف يعمل بالمنكر أيضاً، ويقوى على هذا الضعيف أينكر عليه؟ قال: نعم ينكر على هذا الذي يقوى أن ينكر عليه . </p><p>المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة</p><p>1) العدالة:</p><p>ذهب قوم إلى اشتراط العدالة مستدلين بما يأتي:</p><p>1- قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] قالوا: فالفاسق ليس من المفلحين، فيجب أن يكون الآمر الناهي غير فاسق.</p><p>2- قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] فأنكر عليهم أمرهم بالشيء وواقعهم يخالفه. ولذا قال بعض الأنبياء لأقوامهم: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ..} [هود: 88] وقال تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3-4].</p><p>واستدلوا بقوله –صلى الله عليه وسلم-: ((يؤتى بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه..)) إلخ قالوا: فهذا كان معاقب لكونه يأمر وينهى ولا يأتمر وينتهي بنفسه.</p><p>الجواب عما استدلوا به: يمكن أن يجاب عن الآية الأولى بأن الفلاح المذكور حاصل حتى للفاسق فإنه لا يكون مخلداً في النار.</p><p>أو يقال: بأن هذا ورد على سبيل التغليب، لأن الغالب أن لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من أصلح أحوال نفسه. فالعاقل يقدم ما يصلحها على ما يصلح غيره في الآجل.</p><p>وأما الجواب عن النصوص التي تضمنت الإنكار والوعيد لمن يأمر ولا يمتثل فيقال: قد اجتمع في هذا الموضع على المكلف واجبان:</p><p>الأول: الامتثال لأمر الله تعالى.</p><p>الثاني: حث الناس على ذلك وأمرهم به وتحذيرهم ونهيهم عما خالفه.</p><p>فإذا قصر في أحد هذين فإن ذلك لا يعني سقوط الآخر عنه.. فإن ترك الأمر والنهي بقي عليه الامتثال.. وإن ترك الامتثال بنفسه بقي عليه الأمر والنهي .</p><p>هذا وقد وقع الذم في تلك النصوص والوعيد على ارتكاب ما نهى عنه الناهي عن المنكر، ولم يقع الذم على نفس النهي عن المنكر، بل هذا يحمد ولا يذم فهو طاعة لله عز وجل وقربة، ولا شك أن وقوع المنكر ممن ينهى عنه أقبح من وقوعه ممن لا يعلم أنه منكر أو علم ولم يدع إلى تركه. وهذا لا يعني إعفاءه من الأمر والنهي كما تقدم .</p><p>وبهذا تعلم أن التوبيخ إنما وقع على نسيانهم لأنفسهم من المعروف الذي أمروا به، وليس التوبيخ على أمرهم ونهيهم .</p><p>قال ابن العربي: (وليس من شرطه أن يكون عدلاً عند أهل السنة ، وقالت المبتدعة: لا يغير المنكر إلا عدل. وهذا ساقط، فإن العدالة محصورة في قليل من الخلق، والنهي عن المنكر عام في جميع الناس) ا.هـ.</p><p> ومن المعلوم لديك أن شروط الطاعات لا تثبت إلا بالأدلة .</p><p>قال الجصاص: لما ثبت وجوب فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبينا أنه فرض على الكفاية.. وجب أن يختلف في لزوم فرضه البر والفاجر لأن ترك الإنسان لبعض الفروض لا يسقط عنه فروضاً غيرها.. ألا ترى أن تركه للصلاة لا يسقط عنه فرض الصوم وسائر العبادات، فكذلك من لم يفعل سائر المعروف، ولم ينته عن سائر المناكير، فإن فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير ساقط عنه ا.هـ.</p><p>وإن مما يبرهن على صحة ما ذكرنا أن العصمة من المعاصي ليست من شروط الاحتساب بالإجماع، فلو اشترط ذلك لتعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع الأعصار، وسواء في ذلك عصر الصحابة أو من بعدهم، إذ لا أحد معصوم من المعاصي منهم.. بل حتى الأنبياء تقع منهم الصغائر على القول الراجح لكنهم لا يصرون عليها.</p><p>ومن أجل ذا قال الإمام مالك وسعيد بن جبير –رحمهما الله-: (لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر).</p><p>قال مالك: (ومن هذا الذي ليس فيه شيء؟) .</p><p>قال عمر بن عبد العزيز –رحمه الله-: (لو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه، ويكمل الذي خلق له من عبادة ربه، إذاً لتواكل الناس الخير! وإذاً لرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقل الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض) .</p><p>وقال أبو الدرداء –رضي الله عنه-: (إني لآمركم بالأمر وما أفعله، ولكن لعل الله يأجرني فيه) .</p><p>وقد نقل عن الحسن أنه قال لمطرف بن عبد الله: عظ أصحابك. فقال إني أخاف أن أقول ما لا أفعل. قال: يرحمك الله! وأينا يفعل ما يقول! ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر .</p><p>ولو قال قائل إن ذلك مختص بالكبائر! قيل له: هل للزاني أو شارب الخمر مثلاً أن يغزو الكفار؟!</p><p>فإن قالوا: لا. فقد خرقوا الإجماع.. فلا زال جنود المسلمين منذ عهد الصحابة مشتملة على بعض من يقترف الكبائر، وقصة أبي محجن رضي الله عنه يوم القادسية مشهورة معلومة، ولم يمنعهم أحد لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من بعده عن الغزو .</p><p>وقال ابن كثير –رحمه الله- بعد أن قرر عدم اشتراط العدالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ولكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم، ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك) ا.هـ ثم ذكر جملة من الآثار الدالة على ذلك .</p><p>المبحث الثاني: الآداب الواجب توافرها في المحتسب(13787)</p><p>المطلب الأول: الرفق </p><p>لابد أن يكون المحتسب رفيقاً في احتسابه ما أمكنه ذلك، لأن هذه الصفة الطيبة –أعني الرفق- هي من الصفات المحببة إلى الخلق كما يحبها الخالق جل وعلا، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)) كما قال صلى الله عليه وسلم ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)) وعن جرير رضي الله عنه مرفوعاً: ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله)) .</p><p>ثم إن هذه الصفة محببة إلى الخلق، لأن الإنسان بطبعه وفطرته يحب الإحسان ويكره الإساءة.. وهو يقبل من طريق الرفق ما لا يقبل من طريق العنف والشدة، بل إن الإنسان –غالباً- إذا أمر بعنف فإنه تأخذه العزة بالإثم فيأنف ويصر على خطئه عناداً.. وهو بطبعه نفور من أهل الفظاظة والغلظة.. ومصداق ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] ولذا أرشده إلى المدخل إلى نفوسهم وقلوبهم وهو ضد ذلك الوصف الرديء.. فقال {فَاعْفُ عَنْهُمْ} وهذا لا شك إذا كان المقام يحتمل ذلك.. ثم أعقب ذلك بقوله: {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] فاتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالشفقة والرحمة والخوف على مصلحة المأمور أمر ضروري لقبول دعوته.</p><p>وهكذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى ممتناً ببعثته: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128] بل كان –صلوات الله وسلامه عليه- يشتد عليه إعراض قومه، ويتألم لذلك، ولهذا قال تعالى له مهوناً عليه: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127].</p><p>وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6] {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً} [آل عمران: 176] {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة: 41].</p><p>{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام: 33] {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} [يونس: 65] {وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ} [لقمان: 23].</p><p>هذا وإن الاحتساب المثمر هو الذي يجعل المحتسب عليه ينقاد لما يطلب منه من فعل أو ترك.. فإن رافق ذلك وصاحبه الاقتناع بما طلب منه كان ذلك أكمل وأفضل حتى يكون له وازع من نفسه وقلبه بضرورة فعل هذا الأمر أو تركه .</p><p>قيل للإمام مالك رحمه الله: الرجل يعمل أعمالاً سيئة، يأمره الرجل بالمعروف وهو يظن أنه لا يطيعه، وهو ممن لا يخافه كالجار والأخ؟! فقال: ما بذلك بأس. ومن الناس من يرفق به فيطيع؛ قال الله عز وجل: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] ا.هـ وقال الثوري: (أؤمر بالمعروف في رفق، فإن قبل منك حمدت الله عز وجل وإلا أقبلت على نفسك) ا.هـ .</p><p>وقال الإمام أحمد: (والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة، إلا رجلاً مبايناً معلناً بالفسق فيجب عليك نهيه وإعلانه لأنه يقال: ليس لفاسق حرمة، فهذا لا حرمة له) وقال أيضاً: كان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون: مهلاً رحمكم الله .</p><p>وقال أيضاً: ما أغضبت رجلاً فقبل منك كما سئل –رحمه الله- عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كيف ينبغي أن يأمر؟ قال: يأمر بالرفق والخضوع. ثم قال: إن أسمعوه ما يكره لا يغضب فيكون يريد ينتصر لنفسه .</p><p>وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر.. ولا يجوز أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطيش وتخرق.. وقد أنكر الثوري –رحمه الله- على من جانب هذا الوصف فلم يكتف بالدخول على أهل المنكر من أبوابهم –مع إمكان ذلك- وإنما عمد إلى تسلق الأسوار!! نقل ذلك الخلال في رسالته ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) من طريق أبي عبد الله بن الربيع الصوفي قال: دخلت على سفيان بالبصرة فقلت: يا أبا عبد الله! إني أكون مع هؤلاء المحتسبة فندخل على هؤلاء الخبيثين ونتسلق الحيطان. قال: أليس لهم أبواب؟ قلت: بلى ولكن ندخل عليهم لكيلا يفروا. فأنكر ذلك إنكاراً شديداً وعاب فعالنا فقال رجل: من أدخل ذا؟ قلت: إنما دخلت إلى الطبيب لأخبره بدائي.</p><p>فانتفض سفيان وقال: إنما أهلكنا أنا نحن سقمى ونسمى أطباء! ثم قال: لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث: (رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر عالم بما ينهى) وإن من الرفق أيضاً ترك التشهير بالمنصوح إلا إن اقتضى الحال والمصلحة ذلك والله المستعان. </p><p>المطلب الثاني: البدء بالنفس </p><p>قدمنا لك فيما سبق أن العدالة ليست بشرط للقيام بهذا العمل.. وإلا حكمنا بإبطال مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد قيل: </p><p></p><p>إذا لم يعظ الناس من هو مذنب </p><p>فمن يعظ الناس بعد محمد </p><p></p><p>وليس معنى عدم اشتراط العدالة من أجل القيام بتلك المهمة أن لا يلام من فرط فيها فارتكب محارم الله!!</p><p>بل القبح للذنب في حقه أعظم وأشد من غيره. ولذا كانت عقوبته في الآخرة من نوع خاص في جهنم!.. إنه يدور في أمعائه كما يدور الحمار في الرحى.. كما جاء ذلك صريحاً في حديث أسامة بن زيد –رضي الله عنه- مرفوعاً: ((يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان: ما شأنك؟ أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآيته)) .</p><p>ومن لطيف المناسبة هنا أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وهو غير ممتثل لما يأمر به ولا تارك لما ينهى عنه قد وقع تشبيهه في هذا الحديث بالحمار! كما أن الله عز وجل شبه حال المعرضين عن الأمر والنهي والموعظة والتذكير بالحمار أيضاً فقال: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 50-51] فما أسوأ الحالين وما أحرى المسلم بالابتعاد عنهما!!</p><p>قال السفاريني –رحمه الله-: </p><p></p><p>ومن نهى عما له قد ارتكب </p><p>فقد أتى مما به يقضي العجب </p><p></p><p>فلو بدا بنفسه فذادها </p><p>عن غيها لكان قد أفادها </p><p></p><p>وقال أيضاً: (إنما يصح التأديب بالسوط من صحيح البدن، ثابت القلب، قوي الذراعين، فيؤلم ضربه فيردع، فأما من هو سقيم البدن لا قوة له، فماذا ينفع تأديبه بالضرب؟ والنفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه ولا ينتفع به) ا.هـ.</p><p>وإنما كان التشنيع على هذا الصنف من الناس.. لكونهم عالمين بوجوب ما تركوا، أو بتحريم ما اقترفوا.. ولا أدل على علمهم بذلك من أمرهم به أو نهيهم عنه!!</p><p>وقد سبق أن قدمنا لك بعض النصوص الدالة على ذم هؤلاء كقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].</p><p>وقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] بعد أن وبخهم بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]؟</p><p>فمن أجل ذلك كله قال شعيب –عليه السلام- لقومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88].</p><p>فإذا امتثل الآمر ما يأمر به، وانتهى عما ينهى عنه، قبل الناس دعوته وانشرحت صدورهم بسماع كلامه.. أما إن اختل ذلك فإنه يكون داعياً لهم بلسانه، راداً ومنفراً لهم بحاله، وقد تنبه لهذا المعنى عمر بن عبد العزيز رحمه الله.. فحينما ولي الخلافة وأراد أن يرد المظالم إلى أصحابها.. بدأ بنفسه وأهل بيته أولاً.. فوقف على المنبر وقال: أما بعد: فإن هؤلاء أعطونا عطايا ما كان ينبغي لنا أن نأخذها وما كان لهم أن يعطوناها، وإني قد رأيت ذلك ليس علي فيه دون الله محاسب، وإني قد بدأت بنفسي وأهل بيتي، اقرأ يا مزاحم. فجعل يقرأ كتاباً كتاباً ثم يأخذه عمر وبيده الجلم فيقطعه حتى نودي بالظهر .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35419, member: 329"] فإذا بدأ المحتسب أو (الداعي) بعكس ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لو بدأ بالجهاد أو إقامة الدولة مثلاً فإنه لا يفلح في دعوته، وهذا ولا شك من ذلك الدخن الذي أخبرنا عنه –صلى الله عليه وسلم- قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي على الصراط المستقيم، والصراط المستقيم أقرب الطرق. وهو الموصل إلى حصول القصد) ا.هـ. فكل دعوة إلى الإصلاح وكل أمر بمعروف أو نهي عن منكر لا ينتهجان ذلك المنهج السوي فلهما من المفارقة لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي هو منهج أهل السنة والجماعة بقدر المخالفة له. فإن منهج أهل السنة وطريقهم لا يقتصر على مسائل الصفات فقط، أو قضايا العلم والاعتقاد، بل ذلك يكون في تلك القضايا وغيرها من الأمور العملية وإنما كثر التدوين في مسائل الصفات خاصة ومسائل الاعتقاد عامة لكثرة المخالفين فيها أولاً ثم لخطورة الخلاف في تلك المسائل ثانياً. ونحن ندعو كل مسلم إلى التمسك بذلك المنهج فهو طريق الخلاص من هذا الواقع المرير. الخامس: العلم : تبين لك فيما سبق أنه لابد من بلوغ المطالبة بالتكليف إلى المكلف في العمل المعين.. وإلا فإنه لا يؤاخذ على تركه. وهذا ظاهر وهو الذي مر معك عند الكلام في شرطية العلم بالتكليف وأنه من شروط الوجوب، لكن العلم الذي نريد الحديث عنه هو العلم بما يأمر والعلم بما ينهى. فلابد للآمر أن يعلم أن ما يأمر به هو من المعروف، كما لابد للناهي أن يعلم أن ما نهى عنه يعد من المنكر.. فلابد إذاً أن يكون فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه. فحاله كحال الطبيب لا يمكنه العلاج حتى يفهم المرض والدواء معاً. قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] فدلت الآية على لزوم البصيرة وهي الدليل الواضح . قال ابن القيم –رحمه الله-: (وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها، فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه بل لابد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد أقصى ما يصل إليه السعي. ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام، والله يؤتي فضله من يشاء) ا.هـ . وإن مما يدخل في هذا العلم المطلوب: علم المحتسب بمواقع الحسبة وحدودها . قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: (من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح) . قال النووي –رحمه الله-: (إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء) ا.هـ. بل لا يكون عمل المحتسب أو الداعي صالحاً ما لم يكن بعلم وفقه كما قال عمر بن عبد العزيز –رحمه الله-.. لأن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً واتباعاً للهوى.. وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام. فلابد إذاً من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، كما لابد من العلم بحال المأمور وحال المنهي . ولا تفهم مما سبق أن المطلوب منك عند قيامك بمهمة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تكون عالماً فقيهاً!! بل يكفي في ذلك أن تعلم أن هذا من المنكر فتنكره أو من المعروف فتأمر به وتدعو الناس إليه. أما إذا اقتحم الجهال الدعوة، وترأسوا فيها، وأخذوا بالأمر والنهي بلا علم في ذلك كله، فإنهم يفسدون في هذه الحال أكثر مما يصلحون كما تقدم؛ فقد يأمر أحدهم بالمنكر وينهى عن المعروف جهلاً منه .. قال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ...} [النحل: 116]. وإن من أمارات الساعة ومن أسباب تعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رفع العلم كما قال –صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) . قال الإمام البخاري في صحيحه: (باب لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه) ثم أورد حديث الزبير بن عدي قال: ((أتينا أنس ابن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج. فقال: اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه. حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم –صلى الله عليه وسلم-)) . وقد ذكر الحافظ في شرحه أقوالاً متعددة ثم قال: ثم وجدت عند عبد الله بن مسعود التصريح بالمراد وهو أولى بالاتباع. فأخرج يعقوب بن شيبة من طريق الحارث بن حصيرة عن زيد بن وهب قال: (سمعت عبد الله بن مسعود يقول: لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاء من العيش يصيبه، ولا مالاً يفيده، لكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علماً من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فعند ذلك يهلكون). ومن طريق أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود إلى قوله (شر منه). قال: فأصابتنا سنة خصب. فقال: ليس ذلك أعني، إنما أعني ذهاب العلماء). ومن طريق الشعبي عن مسروق عنه قال: (لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله، أما إني لا أعني أميراً خيراً من أمير ولا عاماً خيراً من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجد منهم خلفاً، ويجيء قوم يفتون برأيهم) وفي لفظ عنه من هذا الوجه: (ما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها، ولكن بذهاب العلماء، ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه) . والله المستعان. هذا وقد يحمل الإقدام على الإنكار بغير علم ذوي النفوذ على الوقوف في وجه الحسبة وتعطيلها قال عبد الصمد بن المهتدي: لما دخل المأمون بغداد، نادى بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لأن الشيوخ بقوا يضربون ويحبسون، فنهاهم المأمون وقال: قد اجتمع الناس على إمام، فمر أبو نعيم، فرأى جندياً وقد أدخل يديه بين فخذي امرأة، فنهاه بعنف، فحمله إلى الوالي، فحمله الوالي إلى المأمون. قال: فأدخلت عليه بكرة وهو يسبح، فقال توضأ. فتوضأت ثلاثاً ثلاثاً على ما رواه عبد خير، عن علي، فصليت ركعتين، فقال: ما تقول في رجل مات عن أبوين؟ فقلت: للأم الثالث، وما بقى للأب، قال فإن خلف أبويه وأخاه؟ قلت: المسألة بحالها، وسقط الأخ، قال: فإن خلف أبوين وأخوين؟ قلت: للأم السدس وما بقى للأب. قال: في قول الناس كلهم؟ قلت: لا، إن جدك ابن عباس يا أمير المؤمنين ما حجب الأم عن الثلث إلا بثلاثة إخوة. فقال: يا هذا، من نهى مثلك عن الأمر بالمعروف؟! إنما نهينا أقواماً يجعلون المعروف منكراً. ثم خرجت . السادس القدرة : يقول الله عز وجل: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فمن كان بوسعه القيام بالأمر والنهي لزمه ذلك ومن لا فلا. هذا واعلم أن الناس يتفاوتون في القدرة تفاوتاً كبيراً.. فالسلطان أقدر من غيره على القيام بذلك.. كم أن المتطوع أقل اقتداراً في الغالب من المنصوب للاحتساب.. وهكذا. وكلما كان الإنسان أقدر كلما كان تعين ذلك عليه آكد . فإذا كان يعجز عن القيام به بيده تعين اللسان، فإن عجز عنه تعين القلب، وقد بينا أن الإنكار بالقلب لا يسقط عنه بحال من الأحوال، كما بينا أن العجز يكون حسياً ويكون ملحقاً به كخوف لحوق الأذى . لكن لو تمكن المرء من الإنكار على الضعفاء دون الأقوياء فهل يلزمه الإنكار على من قدر عليهم؟! الجواب: نعم يلزمه ذلك. لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وهذا عمل بما يستطيع.. والله تعالى لا يكلفه ما لا يطيق {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]. وفي القاعدة الثامنة من قواعد ابن رجب –رحمه الله-: (من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها أم لا) ؟ وهذا فيه تفصيل يهمنا منه لزوم بعض العبادات التي تقبل ذلك كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلو رأى منكرين أحدهما كبير والآخر صغير وقدر على إنكار الصغير منهما دون الكبير فإن إنكار الصغيرة لا يسقط عنه. قال الخلاب: (باب الرجل يرى المنكر الغليظ فلا يقدر أن ينهى عنه ويرى منكراً صغيراً يقدر أن ينهي عنه كيف العمل فيهما)؟ أخبرنا سليمان بن الأشعث قال: سئل أبو عبد الله عن رجل له جار يعمل بالمنكر لا يقوى على أن ينكر عليه، وضعيف يعمل بالمنكر أيضاً، ويقوى على هذا الضعيف أينكر عليه؟ قال: نعم ينكر على هذا الذي يقوى أن ينكر عليه . المطلب الثاني: ذكر الشروط غير المعتبرة 1) العدالة: ذهب قوم إلى اشتراط العدالة مستدلين بما يأتي: 1- قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] قالوا: فالفاسق ليس من المفلحين، فيجب أن يكون الآمر الناهي غير فاسق. 2- قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] فأنكر عليهم أمرهم بالشيء وواقعهم يخالفه. ولذا قال بعض الأنبياء لأقوامهم: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ..} [هود: 88] وقال تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3-4]. واستدلوا بقوله –صلى الله عليه وسلم-: ((يؤتى بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه..)) إلخ قالوا: فهذا كان معاقب لكونه يأمر وينهى ولا يأتمر وينتهي بنفسه. الجواب عما استدلوا به: يمكن أن يجاب عن الآية الأولى بأن الفلاح المذكور حاصل حتى للفاسق فإنه لا يكون مخلداً في النار. أو يقال: بأن هذا ورد على سبيل التغليب، لأن الغالب أن لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من أصلح أحوال نفسه. فالعاقل يقدم ما يصلحها على ما يصلح غيره في الآجل. وأما الجواب عن النصوص التي تضمنت الإنكار والوعيد لمن يأمر ولا يمتثل فيقال: قد اجتمع في هذا الموضع على المكلف واجبان: الأول: الامتثال لأمر الله تعالى. الثاني: حث الناس على ذلك وأمرهم به وتحذيرهم ونهيهم عما خالفه. فإذا قصر في أحد هذين فإن ذلك لا يعني سقوط الآخر عنه.. فإن ترك الأمر والنهي بقي عليه الامتثال.. وإن ترك الامتثال بنفسه بقي عليه الأمر والنهي . هذا وقد وقع الذم في تلك النصوص والوعيد على ارتكاب ما نهى عنه الناهي عن المنكر، ولم يقع الذم على نفس النهي عن المنكر، بل هذا يحمد ولا يذم فهو طاعة لله عز وجل وقربة، ولا شك أن وقوع المنكر ممن ينهى عنه أقبح من وقوعه ممن لا يعلم أنه منكر أو علم ولم يدع إلى تركه. وهذا لا يعني إعفاءه من الأمر والنهي كما تقدم . وبهذا تعلم أن التوبيخ إنما وقع على نسيانهم لأنفسهم من المعروف الذي أمروا به، وليس التوبيخ على أمرهم ونهيهم . قال ابن العربي: (وليس من شرطه أن يكون عدلاً عند أهل السنة ، وقالت المبتدعة: لا يغير المنكر إلا عدل. وهذا ساقط، فإن العدالة محصورة في قليل من الخلق، والنهي عن المنكر عام في جميع الناس) ا.هـ. ومن المعلوم لديك أن شروط الطاعات لا تثبت إلا بالأدلة . قال الجصاص: لما ثبت وجوب فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبينا أنه فرض على الكفاية.. وجب أن يختلف في لزوم فرضه البر والفاجر لأن ترك الإنسان لبعض الفروض لا يسقط عنه فروضاً غيرها.. ألا ترى أن تركه للصلاة لا يسقط عنه فرض الصوم وسائر العبادات، فكذلك من لم يفعل سائر المعروف، ولم ينته عن سائر المناكير، فإن فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير ساقط عنه ا.هـ. وإن مما يبرهن على صحة ما ذكرنا أن العصمة من المعاصي ليست من شروط الاحتساب بالإجماع، فلو اشترط ذلك لتعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع الأعصار، وسواء في ذلك عصر الصحابة أو من بعدهم، إذ لا أحد معصوم من المعاصي منهم.. بل حتى الأنبياء تقع منهم الصغائر على القول الراجح لكنهم لا يصرون عليها. ومن أجل ذا قال الإمام مالك وسعيد بن جبير –رحمهما الله-: (لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر). قال مالك: (ومن هذا الذي ليس فيه شيء؟) . قال عمر بن عبد العزيز –رحمه الله-: (لو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه، ويكمل الذي خلق له من عبادة ربه، إذاً لتواكل الناس الخير! وإذاً لرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقل الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض) . وقال أبو الدرداء –رضي الله عنه-: (إني لآمركم بالأمر وما أفعله، ولكن لعل الله يأجرني فيه) . وقد نقل عن الحسن أنه قال لمطرف بن عبد الله: عظ أصحابك. فقال إني أخاف أن أقول ما لا أفعل. قال: يرحمك الله! وأينا يفعل ما يقول! ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر . ولو قال قائل إن ذلك مختص بالكبائر! قيل له: هل للزاني أو شارب الخمر مثلاً أن يغزو الكفار؟! فإن قالوا: لا. فقد خرقوا الإجماع.. فلا زال جنود المسلمين منذ عهد الصحابة مشتملة على بعض من يقترف الكبائر، وقصة أبي محجن رضي الله عنه يوم القادسية مشهورة معلومة، ولم يمنعهم أحد لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من بعده عن الغزو . وقال ابن كثير –رحمه الله- بعد أن قرر عدم اشتراط العدالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ولكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم، ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك) ا.هـ ثم ذكر جملة من الآثار الدالة على ذلك . المبحث الثاني: الآداب الواجب توافرها في المحتسب(13787) المطلب الأول: الرفق لابد أن يكون المحتسب رفيقاً في احتسابه ما أمكنه ذلك، لأن هذه الصفة الطيبة –أعني الرفق- هي من الصفات المحببة إلى الخلق كما يحبها الخالق جل وعلا، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)) كما قال صلى الله عليه وسلم ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)) وعن جرير رضي الله عنه مرفوعاً: ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله)) . ثم إن هذه الصفة محببة إلى الخلق، لأن الإنسان بطبعه وفطرته يحب الإحسان ويكره الإساءة.. وهو يقبل من طريق الرفق ما لا يقبل من طريق العنف والشدة، بل إن الإنسان –غالباً- إذا أمر بعنف فإنه تأخذه العزة بالإثم فيأنف ويصر على خطئه عناداً.. وهو بطبعه نفور من أهل الفظاظة والغلظة.. ومصداق ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] ولذا أرشده إلى المدخل إلى نفوسهم وقلوبهم وهو ضد ذلك الوصف الرديء.. فقال {فَاعْفُ عَنْهُمْ} وهذا لا شك إذا كان المقام يحتمل ذلك.. ثم أعقب ذلك بقوله: {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] فاتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالشفقة والرحمة والخوف على مصلحة المأمور أمر ضروري لقبول دعوته. وهكذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى ممتناً ببعثته: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128] بل كان –صلوات الله وسلامه عليه- يشتد عليه إعراض قومه، ويتألم لذلك، ولهذا قال تعالى له مهوناً عليه: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127]. وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6] {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً} [آل عمران: 176] {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة: 41]. {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام: 33] {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} [يونس: 65] {وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ} [لقمان: 23]. هذا وإن الاحتساب المثمر هو الذي يجعل المحتسب عليه ينقاد لما يطلب منه من فعل أو ترك.. فإن رافق ذلك وصاحبه الاقتناع بما طلب منه كان ذلك أكمل وأفضل حتى يكون له وازع من نفسه وقلبه بضرورة فعل هذا الأمر أو تركه . قيل للإمام مالك رحمه الله: الرجل يعمل أعمالاً سيئة، يأمره الرجل بالمعروف وهو يظن أنه لا يطيعه، وهو ممن لا يخافه كالجار والأخ؟! فقال: ما بذلك بأس. ومن الناس من يرفق به فيطيع؛ قال الله عز وجل: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] ا.هـ وقال الثوري: (أؤمر بالمعروف في رفق، فإن قبل منك حمدت الله عز وجل وإلا أقبلت على نفسك) ا.هـ . وقال الإمام أحمد: (والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة، إلا رجلاً مبايناً معلناً بالفسق فيجب عليك نهيه وإعلانه لأنه يقال: ليس لفاسق حرمة، فهذا لا حرمة له) وقال أيضاً: كان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون: مهلاً رحمكم الله . وقال أيضاً: ما أغضبت رجلاً فقبل منك كما سئل –رحمه الله- عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كيف ينبغي أن يأمر؟ قال: يأمر بالرفق والخضوع. ثم قال: إن أسمعوه ما يكره لا يغضب فيكون يريد ينتصر لنفسه . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر.. ولا يجوز أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطيش وتخرق.. وقد أنكر الثوري –رحمه الله- على من جانب هذا الوصف فلم يكتف بالدخول على أهل المنكر من أبوابهم –مع إمكان ذلك- وإنما عمد إلى تسلق الأسوار!! نقل ذلك الخلال في رسالته ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) من طريق أبي عبد الله بن الربيع الصوفي قال: دخلت على سفيان بالبصرة فقلت: يا أبا عبد الله! إني أكون مع هؤلاء المحتسبة فندخل على هؤلاء الخبيثين ونتسلق الحيطان. قال: أليس لهم أبواب؟ قلت: بلى ولكن ندخل عليهم لكيلا يفروا. فأنكر ذلك إنكاراً شديداً وعاب فعالنا فقال رجل: من أدخل ذا؟ قلت: إنما دخلت إلى الطبيب لأخبره بدائي. فانتفض سفيان وقال: إنما أهلكنا أنا نحن سقمى ونسمى أطباء! ثم قال: لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث: (رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر عالم بما ينهى) وإن من الرفق أيضاً ترك التشهير بالمنصوح إلا إن اقتضى الحال والمصلحة ذلك والله المستعان. المطلب الثاني: البدء بالنفس قدمنا لك فيما سبق أن العدالة ليست بشرط للقيام بهذا العمل.. وإلا حكمنا بإبطال مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد قيل: إذا لم يعظ الناس من هو مذنب فمن يعظ الناس بعد محمد وليس معنى عدم اشتراط العدالة من أجل القيام بتلك المهمة أن لا يلام من فرط فيها فارتكب محارم الله!! بل القبح للذنب في حقه أعظم وأشد من غيره. ولذا كانت عقوبته في الآخرة من نوع خاص في جهنم!.. إنه يدور في أمعائه كما يدور الحمار في الرحى.. كما جاء ذلك صريحاً في حديث أسامة بن زيد –رضي الله عنه- مرفوعاً: ((يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان: ما شأنك؟ أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآيته)) . ومن لطيف المناسبة هنا أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وهو غير ممتثل لما يأمر به ولا تارك لما ينهى عنه قد وقع تشبيهه في هذا الحديث بالحمار! كما أن الله عز وجل شبه حال المعرضين عن الأمر والنهي والموعظة والتذكير بالحمار أيضاً فقال: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 50-51] فما أسوأ الحالين وما أحرى المسلم بالابتعاد عنهما!! قال السفاريني –رحمه الله-: ومن نهى عما له قد ارتكب فقد أتى مما به يقضي العجب فلو بدا بنفسه فذادها عن غيها لكان قد أفادها وقال أيضاً: (إنما يصح التأديب بالسوط من صحيح البدن، ثابت القلب، قوي الذراعين، فيؤلم ضربه فيردع، فأما من هو سقيم البدن لا قوة له، فماذا ينفع تأديبه بالضرب؟ والنفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه ولا ينتفع به) ا.هـ. وإنما كان التشنيع على هذا الصنف من الناس.. لكونهم عالمين بوجوب ما تركوا، أو بتحريم ما اقترفوا.. ولا أدل على علمهم بذلك من أمرهم به أو نهيهم عنه!! وقد سبق أن قدمنا لك بعض النصوص الدالة على ذم هؤلاء كقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]. وقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] بعد أن وبخهم بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]؟ فمن أجل ذلك كله قال شعيب –عليه السلام- لقومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88]. فإذا امتثل الآمر ما يأمر به، وانتهى عما ينهى عنه، قبل الناس دعوته وانشرحت صدورهم بسماع كلامه.. أما إن اختل ذلك فإنه يكون داعياً لهم بلسانه، راداً ومنفراً لهم بحاله، وقد تنبه لهذا المعنى عمر بن عبد العزيز رحمه الله.. فحينما ولي الخلافة وأراد أن يرد المظالم إلى أصحابها.. بدأ بنفسه وأهل بيته أولاً.. فوقف على المنبر وقال: أما بعد: فإن هؤلاء أعطونا عطايا ما كان ينبغي لنا أن نأخذها وما كان لهم أن يعطوناها، وإني قد رأيت ذلك ليس علي فيه دون الله محاسب، وإني قد بدأت بنفسي وأهل بيتي، اقرأ يا مزاحم. فجعل يقرأ كتاباً كتاباً ثم يأخذه عمر وبيده الجلم فيقطعه حتى نودي بالظهر . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية