الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35421" data-attributes="member: 329"><p>المطلب السابع: البدء بالأرفق </p><p>اعلم أن هذا المطلب مغاير للرفق الذي مضى، وهو مغاير أيضاً لما تحدثنا عنه من البدء بالأهم وتقديمه على المهم في عملية الاحتساب.. وكذلك فإنه لا يراد به ما سنتحدث عنه إن شاء الله في درجات الإنكار ومراتبه.</p><p>وإنما نعني بذلك أنه إذا كان أمام المحتسب لإزالة المنكر أو الأمر بالمعروف طريقان أحدهما يحتاج إلى جهود وبلاء وعناء.. والآخر يحتاج إلى شيء أقل من ذلك فعليه أن يسلك الطريق الآخر إن كان يتحقق المطلوب به ولم يكن مشتملاً على مخالفة للشرع؛ ويمكن توضيح هذا الأمر بذكر بعض الأمثلة التي تبينه فنقول: قال الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] فجعل الله عز وجل الإصلاح مقدماً في ذلك، ثم شرع استعمال القوة إن لم يثمر الإصلاح المطلوب؛ وبهذا يكون قد ترقى من الأرفق إلى الأغلظ في إزالة المنكر.</p><p>ومثل ما سبق ما جاء في قوله تعالى: {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] فأتي بالأمر على مراحل، وأحوال الناس تختلف في هذا.. فمنهم من يكفيه النظرة الدالة على الإنكار عليه.. ومنهم من يكفيه الإشاحة بالوجه.. ومنهم من تكفيه الموعظة.. ومنهم من يحتاج إلى الزجر والتعنيف.. ومنهم من لا يمتنع عن المنكر إلا بالحبس أو الضرب.. فمن كان يكفيه الإشاحة فلا حاجة لتعنيفه ولا لضربه وهكذا.</p><p>(ثم عليك أن تعلم أن الدعوة إلى الله تكون بطريقين: طريق لين، وطريق قسوة؛ أما طريق اللين فهي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإيضاح الأدلة في أحسن أسلوب وألطفه، فإن نجحت هذه الطريقة فبها ونعمت، وهو المطلوب، وإن لم تنجح تعين طريق القسوة بالسيف حتى يعبد الله وحده وتقام حدوده، وتمتثل أوامره وتجتنب نواهيه، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25].</p><p>ففيه الإشارة إلى إعمال السيف بعد إقامة الحجة، فإن لم تنفع الكتب تعينت الكتائب، والله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) وهذا إنما يكون لأهله وهم الولاة كما هو معلوم وليس ذلك لآحاد الناس لما سنبين لك إن شاء الله تعالى.</p><p>قال ابن القيم رحمه الله عند قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هي أَحْسَنُ} [النحل: 125]: (جعل الله سبحانه وتعالى مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر يدعى بالموعظة الحسنة وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن) ا.هـ .</p><p>وهذا يتطلب من المحتسبين معرفة أحوال المحتسب عليهم ولا شك، وسيأتي بيان شيء من ذلك في الكلام على المحتسب عليه.</p><p>هذا واعلم أن الدفع بالأرفق والبدء به ليس على إطلاقه، قال الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله-: إذا صار الصائل على الحريم بفعل الفاحشة، ووجده على الفراش على المرأة، فإنه لو تكلم عليه ربما يهرب.. فوجده على هذه الحال هل يتكلم عليه حتى يهرب أو يقتله؟</p><p>المفهوم من السنة أن له قتله، ولا يصيح به ليهرب، بل يضربه في تلك الحالة، مع أن من فيه غيرة لا يمكن أن يصبر عن قتله.. وقصة سعد فيمن وجد رجلاً مع امرأته.. وفيه سرور النبي صلى الله عليه وسلم بسعد وغيرته وبين أنه أغير من سعد وأن الله أغير من النبي صلى الله عليه وسلم.</p><p>ولكن قد علم وتقرر ما في القصة التي وقعت للرجل لما وجد رجلاً بين فخذي امرأته فضربه فقتله فقال: (إنما ضربت بالسيف بين فخذيها ففتشوا فوجدوا فكان عذراً له؛ فيظهر من حديث هذا وحديث سعد أنها متى قامت البينة على هذه الحالة فليس بمضمون) ا.هـ . </p><p>المطلب الثامن: مراعاة المصالح وتحقيقها ودرء المفاسد وتعطيلها(13837)</p><p>تمهيد</p><p>وهذا أصل عظيم جليل طلبه الشارع واعتبره قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] وقال: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وقال: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28].</p><p>وقال صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) .</p><p>وقال صلى الله عليه وسلم ((لا ضرر ولا ضرار)) .</p><p>ومن مقررات الشريعة المتفق عليها: لزوم الدية في القتل على العامد والمخطئ، والعالم والجاهل، والصغير والكبير؛ وكذا غرام المتلفات على جميع هؤلاء تحقيقاً لمصالح العباد.</p><p>وبعد تقدير المصالح وتمييزها والقدرة على الموازنة بينها وبين المفاسد من أدق المسائل المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكما كان المحتسب أقدر على معرفة ذلك وتمييزه كلما كان احتسابه أقوى وأثبت.</p><p>ويكفي في بيان أهمية هذا الجانب أن مدار بعثة الرسل وإنزال الكتب والشرائع قائم عليه، فلم تبعث الرسل وتنزل الشرائع إلا لجلب المصالح وتحصيلها من عبادة الله وحده لا شريك له وظهور شرعه ودينه.. ودفع المفاسد وتعطيلها.</p><p>وهذه هي حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.</p><p>هذا وأعلم أن أصل المصلحة: المنفعة، وهي في اصطلاح الشرع (جلب المنفعة ودفع المفسدة في نظر الشارع) فهي إما أن تكون نفعاً يجلب أو ضرراً يدفع.</p><p>والمراد بالمنافع: اللذات والأفراح وأسبابها، وضدها المفاسد التي هي الآلام والغموم وأسبابها. وقد يعبر عنهما بالخير والشر والنفع والضر.</p><p>وطريق تحديد المصلحة إنما هو الشرع، لا القانون أو العرف أو العقل أو الذوق.. فكل ما أمر به الشرع فهو مصلحة، وكل ما نهى عنه فهو مفسدة.</p><p>ثم اعلم أن المصالح الشرعية دائمة أبدية تشمل الدنيا والآخرة، كما أنها شاملة، فلا تختص بالبعض دون غيرهم، أو فئة دون الأخرى، بل تخدم الأمة عامة وتعود على الناس بحفظ ضروراتهم وحاجياتهم وما كان لهم به نفع. </p><p>الفرع الأول: أقسام المصلحة من حيث اعتبار الشارع وعدمه </p><p>تنقسم المصلحة من هذه الحيثية إلى ثلاثة أقسام وهي:</p><p>1- ما نص الشارع على اعتبارها فهي الشرعية، كمصلحة حفظ الدين والتي تقوم بنشر العلم الشرعي النافع والدعوة إلى الدين علماً وعملاً بالقلم واللسان والسيف والسنان؛ وكذلك تحريم كل ما يضعفه أو يضاده من العلوم الرديئة والأعمال المنحرفة.. والمظاهر المخالفة.. ولذا جاء تحريم التصوير ولعن المصورين، كما حرم رفع القبور وتجصيصها والبناء عليها والكتابة فكل مأمورات الشرع داخلة في هذا وكذا نواهيه.</p><p>2- ما قام الشارع بإلغائه وعدم اعتباره، كمصلحة المرأة في مساواتها بالرجل في الميراث.. ويدخل في هذا القسم كل ما علم أن الشارع ألغى اعتباره، وإن رأى الإنسان بعقله القاصر أنه مصلحة؛ فهو ليس كذلك لمصادمته الشرع أو إخلاله بمقصد من مقاصده، أو لكونه معارضاً لمصلحة أعظم.</p><p>3- ما سكت عنه الشارع فلم يرد طلبه ولا إلغاؤه.. وهذا النوع هو ما يسمى بالمصالح المرسلة.. ولها شروط وضوابط وتفاصيل ليس هذا موضعها.</p><p>ثم إن المصلحة الشرعية الدنيوية (وهي الواقعة في الحياة الدنيا) من عبادات ومعاملات.. لابد وأن يشوبها شيء من المفسدة.. للحوق المشقة بها سواء كانت على وجه التقدم عليها أو المقارنة أو التأخر عنها.</p><p>فالمصلحة في هذه الدار راجحة غالبة لا خالصة، بخلاف الأخروية –وهي نعيم أهل الجنة- فإنها خالصة لا كدر فيها.</p><p>وقد تعارض المصلحة الشرعية بمصلحة مرجوحة فتكون غالبة، وقد لا يعارضها غيرها فتكون راجحة كما سيأتي.</p><p>ومقصود الشارع إنما هو المصلحة الراجحة – الواقعة في الدنيا – وكذلك الخالصة وهي الواقعة في الآخرة كما تقدم.</p><p>ثم إن المصالح الشرعية تتفاوت قوة وضعفاً بحسب متعلقها... فهي لا تخلو من أن تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية..</p><p>فالضرورية هي التي لابد من توفرها لقيام حياة الناس على الوجه المستقيم دون اضطراب كالمحافظة على الدين –وهو أعلاها- بتثبيت دعائمه ورفع ما يضاده.. وكالمحافظة على العقل وسلامته ومقاومة ما يفسده من مسكر ومخدر حسي أو معنوي؛ وكالمحافظة على الأعراض والأنساب ودفع كل ما يعترضها من فساد بأي صورة كان، سواء عن طريق مقارفة الفواحش، أو ما يجر إليها كالسفور والتبرج واللحن بالقول والخضوع فيه.. وكنشر الصور والمجلات الرديئة أو الأفلام والأغاني الماجنة؛ وكذا حفظ النفوس والمحافظة على سلامتها، ولذا حرم كل ما يضر البدن كالدخان والميتة وأنواع السموم ونحوها من الأمور الضارة.</p><p>وكذا حفظ المال وبقائه بأن شرع أنواع العقود المباحة، وبين طرق أخذ المال وإنفاقه.. وحرم الربا وغيره من المحرمات المتعلقة بالمعاملات المالية.. كما تقدم.</p><p>والمصالح الحاجية هي التي يفتقر إليها الناس لرفع الحرج والضيق عنهم؛ أما التحسينية فكالأخذ بمحاسن الأمور والجري على مكارم الأخلاق، ومن فروع ذلك خصال الفطرة كإعفاء اللحية وقص الشارب وكتحريم المستقذرات.</p><p>فالأكل منه ما لابد منه في قيام حياة الإنسان فهو ضروري، ومنه ما لو ترك لوقع الإنسان في ضرر وحرج لكنه لا يلحق به العطب فهو حاجي، وما زاد فهو تحسيني.</p><p>وعمل المحتسب يتعلق بجميع مراتب المصلحة وصورها الشرعية.</p><p>هذا وقد تكون المصالح عامة لأغلب الناس أو جميعهم، وقد تكون خاصة وقاصرة على بعض الأفراد أو الجهات.</p><p>وهي باعتبار التغير والثبات على قسمين:</p><p>الأولى: ثابتة، كالواجبات الشرعية وتحريم المحرمات.</p><p>الثانية: متغيرة حسب الأحوال زماناً ومكاناً، فتكون خاضعة للاجتهاد، كمقادير التعزيرات وكاتخاذ الدواوين.. ومن ذلك أيضاً اختلاف بعض أساليب الدعوة والتي لا يشوبها مخالفة للشرع كاتخاذ الكتب والمجلات والأشرطة والرحلات وغير ذلك من الأساليب المباحة بشرط عدم المخالفة.</p><p>أما باعتبار الوقوع فهي قسمان:</p><p>الأولى: قطعية الوقوع أو ما يقارب ذلك.</p><p>الثانية: ظنية الوقوع وهي ما يكون وقوعها جائزاً أو كثيراً لكن لا يصل إلى درجة اليقين أو ما يقاربه. </p><p>الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية</p><p>حتى تكون المصلحة معتبرة شرعاً لابد من توفر شرطين:</p><p>الأول: ورود النص أو القياس بطلبها.</p><p>الثاني: أن لا تكون معارضة بمصلحة أرجح منها أو مساوية، وطريق الترجيح بين المصالح لمعرفة مراتبها يكون كالآتي:</p><p>1- تقدم الضرورية على الحاجية، كما تقدم الحاجية على التحسينية. ومن هنا يعلم أن قاعدة (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) ليست على إطلاقها، بل هي مقيدة بأن تكون المصلحة والمفسدة في رتبة واحدة وحد مستو، أما إن لم يوجد التساوي فيرجح الأعلى.</p><p>2- تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة إن كانتا في رتبة واحدة. ومن هنا يعلم أن قاعدة المصلحة العامة على الخاصة ليست على إطلاقها، بل هي مقيدة بأن تكون المصلحتان في رتبة واحدة ومستوى متماثل.</p><p>3- إن كانتا ضروريتين وعامتين قدمت المصلحة المتعلقة بالدين على المتعلقة بالنفس ثم العقل ثم النسل ثم المال؛ فالمصلحة المتعلقة بالدين تقدم على غيرها من الضروريات الأخرى. قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] وكذلك ما كان ذو مرتبة أعلى فإنه يقدم على ما دونه.</p><p>توضيح ما سبق بالمثال:</p><p>من مقررات أهل السنة وجوب الجهاد مع كل أمير برا كان أو فاجرا.</p><p>فالجهاد به حفظ الدين وهو ضروري لارتفاع كلمة التوحيد.. أما كونه عادلاً فهو حاجي، فيقدم الجهاد مع البر والفاجر لكونه ضرورياً على ما كان مع العادل فقط لكون هذا الوصف في الإمام حاجي.</p><p>ثم إن الجهاد به حفظ للدين بإزهاق النفس فقدمت مصلحة حفظ الأديان على حفظ النفوس والأبدان.</p><p>ويمكن التمثيل على تقديم المصلحة العامة على الخاصة بالمنع من تلقي الركبان، فمصلحة أهل السوق عامة، وقدمت على مصلحة المتلقي الخاصة؛ وكالنهي عن الاغتسال بالماء الراكد مع كون المغتسل منتفعاً من ذلك لكنه يضر بالمصلحة العامة فيمنع منه لذلك. </p><p>الفرع الثالث: بيان نظر الشارع للنتائج واعتباره لها </p><p>تقدم عند الكلام على الحكم والفوائد من مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذكر إقامة الدين وظهور الشريعة.. وزوال الباطل أو التقليل منه.. وهذا ولا شك مطلب شرعي أصيل.. لابد للمحتسب من أن يضعه نصب عينيه وهو يؤدي هذه المهمة.</p><p>أما إن كان الناتج عن الأمر والنهي في بعض الحالات زيادة في المنكر الذي أردنا إزالته، أو زوال للمعروف الذي أردنا تكثيره.. فإن الآمر أو الناهي في هذه الحال يكون سبباً في ازدياد الباطل وتقليل المعروف علم أو لم يعلم .</p><p>ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما شرع لتحقيق ما يحبه الله ورسوله، فإذا ترتب على ذلك ما هو أنكر منه وأبغض إلى الشارع فإنه لا يسوغ إنكاره؛ وإن ترك الإنكار لا يعني إقرار المنكر.</p><p>ومثاله: الإنكار على الولاة المسلمين بالخروج عليهم.. فإن ما يترتب عليه من المفاسد أكبر مما يجلب من المصالح.. وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين قال في وصفهم: ((تعرفون وتنكرون)) فقال: ((لا ما صلوا، لا ما صلوا)) .</p><p>ومن تأمل ما جرى على الإسلام من الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه.</p><p>وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات –كالأصنام- ولا يستطيع تغييرها.. ولما فتح مكة عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم ومنعه من ذلك –مع قدرته عليه- خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام. ولهذا لم يأذن بالإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من المفاسد.</p><p>والحاصل أن ما يترتب على إنكار المنكر لا يخلو من أربع حالات:</p><p>الأولى: أن يزول ويخلفه ضده من المعروف، كما إذا نصحت رجلاً يبيع الأغاني وينشرها، فقبل النصح، فاستبدل ذلك بالأشرطة الإسلامية.</p><p>الثانية: أن يقل المنكر وإن لم يزل بجملته.. كما إذا نبهت بعض أصحاب المناهج المشتملة على بعض المخالفات أو البدع.. على مخالفته أو بدعته، فقبل منك، فترك بعض ما هو فيه من المنكر.. وكما إذا نصحت من يسب الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو الدين، فانتهى إلى سب آحاد المؤمنين.</p><p>الثالثة: أن يزول ويخلفه ما هو مثله.. كما إذا نصحت رجلاً عن سماع الأغاني الغربية، فانتقل منها إلى الأغاني العربية!!</p><p>وكما إذا بينت لنصراني فساد عقيدة التثليث، فعرف فسادها، فانتقل إلى اليهودية مثلاً..!</p><p>وكما إذا حاورت بعض المنتسبين إلى الدعوة إلى الإسلام، وهو ذو منهج تشوبه بعض البدع أو المخالفات، فانتقل إلى منهج في الدعوة يماثله في حجم الانحراف وقدره.</p><p>الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.. كما يقع في بعض الأحيان في صفوف النشء المقبل على الإسلام –أكثر من غيرهم- إذا واجه النقد المتبادل بين أوساط العاملين للإسلام.. فيتخلى عن الجميع وينحرف تماماً.</p><p>وكما إذا نصحت بعض أصحاب المهن بأن يتزين في لباسه إذا أراد المجيء إلى المسجد فيدع الصلاة فيه.</p><p>فالأولان مشروعان، والثالث موضع اجتهاد ونظر، والرابع محرم .</p><p>قال ابن القيم –رحمه الله-: فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة، إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الشارع كسباق الخيل.. وكما إذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون فإذا نقلته عنها إلى كتب أهل البدع والضلال والسحر فدعه.</p><p>وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه وقلت له: إنما حرم الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة.. وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم.</p><p>ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قطع الأيدي في الغزو.. مع كون القطع حد من حدود الله تعالى.. فنهى عنه خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين.</p><p>وقد نص أحمد وإسحاق والأوزاعي وغيرهم على أن الحدود لا تقام في أرض العدو . ا.هـ.</p><p>قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (.. فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به وإن كان قد ترك واجب وفعل محرم، إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباده وليس عليه هداهم) ا.هـ. </p><p>الفرع الرابع: العمل عند تعارض المصالح والمفاسد </p><p>يجب أن يكون الاحتساب بفقه ونظر فيما يصلح من هذا العمل وما لا يصلح فإذا تعارضت المصالح والمفاسد فيما يأمر به أو ينهى عنه نظر: فإن كانت المصلحة راجحة والمفسدة مرجوحة، فإنه لا يعتبر المفسدة حينئذ، وعليه الاحتساب في هذه الحال.</p><p>وهذا يكون مع مراعاة ما سبق من شرطية كون المتعارضين في مرتبة واحدة ونوعية واحدة كما تقدم بيانه، وإلا فإنه يرجح ما كان متعلقاً بالضروري على غيره، كما يرجح الحاجي على التحسيني.</p><p>وهذا كمن يريد شرب الخمر ليزيل به عطشاً يشق عليه تحمله لكنه لا يؤدي به إلى الهلاك، فإنه يحرم عليه، لتعلق المفسدة بالضروري وهو حفظ العقل، وتعلق المصلحة بالحاجي وهو إزالة ذلك العطش.. بخلاف ما إذا كان العطش يؤدي به إلى الهلاك.. فإنه يشرب في هذه الحالة لتعلق ذلك بالضروري وهو حفظ النفس، ولتعلق شرب الخمر بالعقل وهو ضروري لكنه دونه.</p><p>قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- ما ملخصه: (الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذاك كانت مفسدته أكثر، فإذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعاً، أو يتركوهما جميعاً، لم يجز أن يؤمروا بمعروف، ولا أن ينهوا عن منكر، بل ينظر فإن كان المعروف أكثر أمر به وإن استلزم ما دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، وإن كان المنكر أغلب نهى عنه، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف) اهـ .</p><p>أما في حال كون المفسدة أرجح من المصلحة: كتعطيل الدعوة ونحو ذلك فحينئذ تفوت المصلحة وتدفع المفسدة.. بالشرط المتقدم.</p><p>ومن صور هذه القاعدة: ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي وعدم قتله لئلا تأخذ الحمية قومه.. ولئلا يقول الناس: محمد يقتل أصحابه . ومن الأمثلة على ذلك إعراض المسلمات عن الدخول في مجالات الطب في جو المستشفيات المختلطة.. مع وجود مصلحة في ذلك إلا أن المفسدة فيه أكبر.. وكثيراً ما نسمع إيراد هذا الاعتراض على من رأى ما سبق (أترضى أن يطبب محارمك الرجال)؟.</p><p>يورد هذا الاعتراض وكأنه هو الخيار الوحيد!! فلماذا لا يقال بالعمل على إيجاد مستشفيات إسلامية!! ولماذا لا يطالب الناس بذلك!!؟</p><p>ولو فرض عدم الإمكان لكان هناك أمر ثالث. وهو أن يطبب نساءنا هؤلاء اللاتي ضحين بحشمتهن وقرارهن في البيوت!! لا أن نزج بفتياتنا حيث يذهب ماء وجوههن لكثرة المخالطة مع الرجال والتحدث معهم..!</p><p>ومن أمثلة هذا النوع القول بمنع ابتعاث الصغار وسائر من لا ينطبق عليه الشروط المعروفة للسفر إلى بلاد الكفار.. من اعتزاز بالدين ونحوه.. على ما في ذلك من المصلحة وهي تحصيل بعض العلم.</p><p>ومن أمثلة ذلك منع التلقي من أصحاب البدع –المخالفين لعقيدة أهل السنة والجماعة- في حال وجود غيرهم ممن يؤخذ عنه هذا العلم ولا يقع فيما وقعوا فيه.</p><p>ومن الأمثلة أيضاً على ذلك منع دخول البرلمانات ونحوها في البلاد التي تحكم القوانين.. مع أنه قد يوجد شيء من مصلحة في ذلك ولكن المفسدة أعظم من وجوه كثيرة لا مجال لذكرها هنا.</p><p>وقد حرمت الخمر لرجحان مفاسدها على منافعها..</p><p>أما إذا تساوت مقادير المصالح والمفاسد: في حال التعارض فإنه ينظر في مراتبهما من ضروري وحاجي –كما تقدم- فإن اتحدت عمل بقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) وإلا فيقدم الأقوى منهما.</p><p>قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر، وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي حيث كان المنكر والمعروف متلازمين، وذلك في الأمور المعينة الواقعة.</p><p>وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقاً، وينهى عن المنكر مطلقاً، وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة: يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها، ويحمد محمودها ويذم مذمومها، بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات معروف أكبر منه أو حصول منكر فوقه، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول ما هو أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه.</p><p>وإذا اشتبه الأمر استثبت المؤمن حتى يتبين له الحق، فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية..) ا.هـ . </p><p>الفرع الخامس: العمل عند تزاحم المصالح</p><p>إذا تزاحمت المصالح بحيث لا يمكن القيام إلا ببعضها وتفويت ما سواها.. ففي هذه الحالة ينظر فيما كانت مصلحته أرجح فيقدم.. سواء كان التفاضل والرجحان في المرتبة، كتقديم الضروري على الحاجي والحاجي على التحسيني.. وكتقديم ما يتعلق بحفظ الدين من الضروري على غيره، وتقديم ما يتعلق بالنفس من الضروري على ما تعلق بحفظ ما دونه؛ أو كان التفاضل واقعاً في صورة الحكم كالواجب مع المستحب.</p><p>وهذه المسألة دقيقة جداً وكبيرة الأهمية، ذلك لسعة هذه الشريعة وشمولها، حتى أن شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- شبهها بالشرائع المتنوعة.. فالواجبات أكبر من الأوقات وأوسع.. فينبغي تقديم ما هو أهم وآكد في مثل هذه الحال وأبلغ في التأثير والنفع في مجالات الدعوة المختلفة.</p><p>ومن صور هذه المسألة.. ازدحام بعض مجالات الدعوة عند بعض المشتغلين بها، كمن لم يتمكن إلا من القيام بشيء محدود من ذلك.. فأيهما يقدم.. العناية بتربية النشء على الإسلام أو خوض المجالات العامة؟ ويجاب عن هذا بأن الجمع بين الأمرين هو الأصل وهو المطلوب، لكن من لم يتمكن إلا من واحد منهما فإنه ينظر في حاله وحال زمانه من حيث حال الدعوة وسيرها في هذين السبيلين وحاجتها إلى الأعوان في كل منهما.. فيرجح على هذا الأساس.</p><p>ومن صور هذه المسألة تزاحم الأوقات بين الاشتغال بطلب العلم أو بنوافل العبادات وبين القيام بالدعوة.. فالمطلوب التوفيق بين هذه الأمور ومصلحة الدعوة من أهم المصالح فلا ينبغي إهمالها بل يوليها بعض اهتمامه ووقته حسب قدرته. </p><p>المبحث الثالث: الآداب المستحب توافرها في المحتسب</p><p>المطلب الأول: العمل على إيجاد البديل عن المنكر </p><p>إن الباطل يشغل حيزاً كبيراً في نفوس أصحابه.. لاسيما إذا صاحب ذلك إلف المنكر واعتياده.. فإنه من الصعوبة بمكان على صاحبه أن يفارقه ويتخلص منه.. بل إنه يشعر في بعض الأحيان أنه قد أصبح يمثل جزءاً من كيانه لا يتصور الاستغناء عنه بحال من الأحوال.. وهذا مشاهد وملموس في واقع الكثير من الناس.</p><p>إذا عرفت هذا تبين لك جلياً مدى حاجة الناس إلى إيجاد بدائل تحل محل تلك المنكرات.</p><p>وأنت إذا تأملت سير التشريع الرباني رأيت أنه لم يهمل هذا الجانب بل اهتم به. فحينما حرم الله عز وجل أعياد الجاهلية.. أبدل المسلمين عنها بعيدين عظيمين كريمين. كما أباح لهم أضرباً من اللهو المباح فيهما.</p><p>ومن هذا الباب في القرآن قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا...} [البقرة: 104] ومما يدخل تحته أيضاً قول الله تبارك وتعالى مخبراً عن قول لوط –عليه الصلاة والسلام- لقومه: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 165-166].</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35421, member: 329"] المطلب السابع: البدء بالأرفق اعلم أن هذا المطلب مغاير للرفق الذي مضى، وهو مغاير أيضاً لما تحدثنا عنه من البدء بالأهم وتقديمه على المهم في عملية الاحتساب.. وكذلك فإنه لا يراد به ما سنتحدث عنه إن شاء الله في درجات الإنكار ومراتبه. وإنما نعني بذلك أنه إذا كان أمام المحتسب لإزالة المنكر أو الأمر بالمعروف طريقان أحدهما يحتاج إلى جهود وبلاء وعناء.. والآخر يحتاج إلى شيء أقل من ذلك فعليه أن يسلك الطريق الآخر إن كان يتحقق المطلوب به ولم يكن مشتملاً على مخالفة للشرع؛ ويمكن توضيح هذا الأمر بذكر بعض الأمثلة التي تبينه فنقول: قال الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] فجعل الله عز وجل الإصلاح مقدماً في ذلك، ثم شرع استعمال القوة إن لم يثمر الإصلاح المطلوب؛ وبهذا يكون قد ترقى من الأرفق إلى الأغلظ في إزالة المنكر. ومثل ما سبق ما جاء في قوله تعالى: {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] فأتي بالأمر على مراحل، وأحوال الناس تختلف في هذا.. فمنهم من يكفيه النظرة الدالة على الإنكار عليه.. ومنهم من يكفيه الإشاحة بالوجه.. ومنهم من تكفيه الموعظة.. ومنهم من يحتاج إلى الزجر والتعنيف.. ومنهم من لا يمتنع عن المنكر إلا بالحبس أو الضرب.. فمن كان يكفيه الإشاحة فلا حاجة لتعنيفه ولا لضربه وهكذا. (ثم عليك أن تعلم أن الدعوة إلى الله تكون بطريقين: طريق لين، وطريق قسوة؛ أما طريق اللين فهي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإيضاح الأدلة في أحسن أسلوب وألطفه، فإن نجحت هذه الطريقة فبها ونعمت، وهو المطلوب، وإن لم تنجح تعين طريق القسوة بالسيف حتى يعبد الله وحده وتقام حدوده، وتمتثل أوامره وتجتنب نواهيه، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25]. ففيه الإشارة إلى إعمال السيف بعد إقامة الحجة، فإن لم تنفع الكتب تعينت الكتائب، والله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) وهذا إنما يكون لأهله وهم الولاة كما هو معلوم وليس ذلك لآحاد الناس لما سنبين لك إن شاء الله تعالى. قال ابن القيم رحمه الله عند قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هي أَحْسَنُ} [النحل: 125]: (جعل الله سبحانه وتعالى مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر يدعى بالموعظة الحسنة وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن) ا.هـ . وهذا يتطلب من المحتسبين معرفة أحوال المحتسب عليهم ولا شك، وسيأتي بيان شيء من ذلك في الكلام على المحتسب عليه. هذا واعلم أن الدفع بالأرفق والبدء به ليس على إطلاقه، قال الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله-: إذا صار الصائل على الحريم بفعل الفاحشة، ووجده على الفراش على المرأة، فإنه لو تكلم عليه ربما يهرب.. فوجده على هذه الحال هل يتكلم عليه حتى يهرب أو يقتله؟ المفهوم من السنة أن له قتله، ولا يصيح به ليهرب، بل يضربه في تلك الحالة، مع أن من فيه غيرة لا يمكن أن يصبر عن قتله.. وقصة سعد فيمن وجد رجلاً مع امرأته.. وفيه سرور النبي صلى الله عليه وسلم بسعد وغيرته وبين أنه أغير من سعد وأن الله أغير من النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن قد علم وتقرر ما في القصة التي وقعت للرجل لما وجد رجلاً بين فخذي امرأته فضربه فقتله فقال: (إنما ضربت بالسيف بين فخذيها ففتشوا فوجدوا فكان عذراً له؛ فيظهر من حديث هذا وحديث سعد أنها متى قامت البينة على هذه الحالة فليس بمضمون) ا.هـ . المطلب الثامن: مراعاة المصالح وتحقيقها ودرء المفاسد وتعطيلها(13837) تمهيد وهذا أصل عظيم جليل طلبه الشارع واعتبره قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] وقال: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وقال: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) . وقال صلى الله عليه وسلم ((لا ضرر ولا ضرار)) . ومن مقررات الشريعة المتفق عليها: لزوم الدية في القتل على العامد والمخطئ، والعالم والجاهل، والصغير والكبير؛ وكذا غرام المتلفات على جميع هؤلاء تحقيقاً لمصالح العباد. وبعد تقدير المصالح وتمييزها والقدرة على الموازنة بينها وبين المفاسد من أدق المسائل المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكما كان المحتسب أقدر على معرفة ذلك وتمييزه كلما كان احتسابه أقوى وأثبت. ويكفي في بيان أهمية هذا الجانب أن مدار بعثة الرسل وإنزال الكتب والشرائع قائم عليه، فلم تبعث الرسل وتنزل الشرائع إلا لجلب المصالح وتحصيلها من عبادة الله وحده لا شريك له وظهور شرعه ودينه.. ودفع المفاسد وتعطيلها. وهذه هي حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا وأعلم أن أصل المصلحة: المنفعة، وهي في اصطلاح الشرع (جلب المنفعة ودفع المفسدة في نظر الشارع) فهي إما أن تكون نفعاً يجلب أو ضرراً يدفع. والمراد بالمنافع: اللذات والأفراح وأسبابها، وضدها المفاسد التي هي الآلام والغموم وأسبابها. وقد يعبر عنهما بالخير والشر والنفع والضر. وطريق تحديد المصلحة إنما هو الشرع، لا القانون أو العرف أو العقل أو الذوق.. فكل ما أمر به الشرع فهو مصلحة، وكل ما نهى عنه فهو مفسدة. ثم اعلم أن المصالح الشرعية دائمة أبدية تشمل الدنيا والآخرة، كما أنها شاملة، فلا تختص بالبعض دون غيرهم، أو فئة دون الأخرى، بل تخدم الأمة عامة وتعود على الناس بحفظ ضروراتهم وحاجياتهم وما كان لهم به نفع. الفرع الأول: أقسام المصلحة من حيث اعتبار الشارع وعدمه تنقسم المصلحة من هذه الحيثية إلى ثلاثة أقسام وهي: 1- ما نص الشارع على اعتبارها فهي الشرعية، كمصلحة حفظ الدين والتي تقوم بنشر العلم الشرعي النافع والدعوة إلى الدين علماً وعملاً بالقلم واللسان والسيف والسنان؛ وكذلك تحريم كل ما يضعفه أو يضاده من العلوم الرديئة والأعمال المنحرفة.. والمظاهر المخالفة.. ولذا جاء تحريم التصوير ولعن المصورين، كما حرم رفع القبور وتجصيصها والبناء عليها والكتابة فكل مأمورات الشرع داخلة في هذا وكذا نواهيه. 2- ما قام الشارع بإلغائه وعدم اعتباره، كمصلحة المرأة في مساواتها بالرجل في الميراث.. ويدخل في هذا القسم كل ما علم أن الشارع ألغى اعتباره، وإن رأى الإنسان بعقله القاصر أنه مصلحة؛ فهو ليس كذلك لمصادمته الشرع أو إخلاله بمقصد من مقاصده، أو لكونه معارضاً لمصلحة أعظم. 3- ما سكت عنه الشارع فلم يرد طلبه ولا إلغاؤه.. وهذا النوع هو ما يسمى بالمصالح المرسلة.. ولها شروط وضوابط وتفاصيل ليس هذا موضعها. ثم إن المصلحة الشرعية الدنيوية (وهي الواقعة في الحياة الدنيا) من عبادات ومعاملات.. لابد وأن يشوبها شيء من المفسدة.. للحوق المشقة بها سواء كانت على وجه التقدم عليها أو المقارنة أو التأخر عنها. فالمصلحة في هذه الدار راجحة غالبة لا خالصة، بخلاف الأخروية –وهي نعيم أهل الجنة- فإنها خالصة لا كدر فيها. وقد تعارض المصلحة الشرعية بمصلحة مرجوحة فتكون غالبة، وقد لا يعارضها غيرها فتكون راجحة كما سيأتي. ومقصود الشارع إنما هو المصلحة الراجحة – الواقعة في الدنيا – وكذلك الخالصة وهي الواقعة في الآخرة كما تقدم. ثم إن المصالح الشرعية تتفاوت قوة وضعفاً بحسب متعلقها... فهي لا تخلو من أن تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية.. فالضرورية هي التي لابد من توفرها لقيام حياة الناس على الوجه المستقيم دون اضطراب كالمحافظة على الدين –وهو أعلاها- بتثبيت دعائمه ورفع ما يضاده.. وكالمحافظة على العقل وسلامته ومقاومة ما يفسده من مسكر ومخدر حسي أو معنوي؛ وكالمحافظة على الأعراض والأنساب ودفع كل ما يعترضها من فساد بأي صورة كان، سواء عن طريق مقارفة الفواحش، أو ما يجر إليها كالسفور والتبرج واللحن بالقول والخضوع فيه.. وكنشر الصور والمجلات الرديئة أو الأفلام والأغاني الماجنة؛ وكذا حفظ النفوس والمحافظة على سلامتها، ولذا حرم كل ما يضر البدن كالدخان والميتة وأنواع السموم ونحوها من الأمور الضارة. وكذا حفظ المال وبقائه بأن شرع أنواع العقود المباحة، وبين طرق أخذ المال وإنفاقه.. وحرم الربا وغيره من المحرمات المتعلقة بالمعاملات المالية.. كما تقدم. والمصالح الحاجية هي التي يفتقر إليها الناس لرفع الحرج والضيق عنهم؛ أما التحسينية فكالأخذ بمحاسن الأمور والجري على مكارم الأخلاق، ومن فروع ذلك خصال الفطرة كإعفاء اللحية وقص الشارب وكتحريم المستقذرات. فالأكل منه ما لابد منه في قيام حياة الإنسان فهو ضروري، ومنه ما لو ترك لوقع الإنسان في ضرر وحرج لكنه لا يلحق به العطب فهو حاجي، وما زاد فهو تحسيني. وعمل المحتسب يتعلق بجميع مراتب المصلحة وصورها الشرعية. هذا وقد تكون المصالح عامة لأغلب الناس أو جميعهم، وقد تكون خاصة وقاصرة على بعض الأفراد أو الجهات. وهي باعتبار التغير والثبات على قسمين: الأولى: ثابتة، كالواجبات الشرعية وتحريم المحرمات. الثانية: متغيرة حسب الأحوال زماناً ومكاناً، فتكون خاضعة للاجتهاد، كمقادير التعزيرات وكاتخاذ الدواوين.. ومن ذلك أيضاً اختلاف بعض أساليب الدعوة والتي لا يشوبها مخالفة للشرع كاتخاذ الكتب والمجلات والأشرطة والرحلات وغير ذلك من الأساليب المباحة بشرط عدم المخالفة. أما باعتبار الوقوع فهي قسمان: الأولى: قطعية الوقوع أو ما يقارب ذلك. الثانية: ظنية الوقوع وهي ما يكون وقوعها جائزاً أو كثيراً لكن لا يصل إلى درجة اليقين أو ما يقاربه. الفرع الثاني: ذكر ضوابط المصلحة الشرعية حتى تكون المصلحة معتبرة شرعاً لابد من توفر شرطين: الأول: ورود النص أو القياس بطلبها. الثاني: أن لا تكون معارضة بمصلحة أرجح منها أو مساوية، وطريق الترجيح بين المصالح لمعرفة مراتبها يكون كالآتي: 1- تقدم الضرورية على الحاجية، كما تقدم الحاجية على التحسينية. ومن هنا يعلم أن قاعدة (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) ليست على إطلاقها، بل هي مقيدة بأن تكون المصلحة والمفسدة في رتبة واحدة وحد مستو، أما إن لم يوجد التساوي فيرجح الأعلى. 2- تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة إن كانتا في رتبة واحدة. ومن هنا يعلم أن قاعدة المصلحة العامة على الخاصة ليست على إطلاقها، بل هي مقيدة بأن تكون المصلحتان في رتبة واحدة ومستوى متماثل. 3- إن كانتا ضروريتين وعامتين قدمت المصلحة المتعلقة بالدين على المتعلقة بالنفس ثم العقل ثم النسل ثم المال؛ فالمصلحة المتعلقة بالدين تقدم على غيرها من الضروريات الأخرى. قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] وكذلك ما كان ذو مرتبة أعلى فإنه يقدم على ما دونه. توضيح ما سبق بالمثال: من مقررات أهل السنة وجوب الجهاد مع كل أمير برا كان أو فاجرا. فالجهاد به حفظ الدين وهو ضروري لارتفاع كلمة التوحيد.. أما كونه عادلاً فهو حاجي، فيقدم الجهاد مع البر والفاجر لكونه ضرورياً على ما كان مع العادل فقط لكون هذا الوصف في الإمام حاجي. ثم إن الجهاد به حفظ للدين بإزهاق النفس فقدمت مصلحة حفظ الأديان على حفظ النفوس والأبدان. ويمكن التمثيل على تقديم المصلحة العامة على الخاصة بالمنع من تلقي الركبان، فمصلحة أهل السوق عامة، وقدمت على مصلحة المتلقي الخاصة؛ وكالنهي عن الاغتسال بالماء الراكد مع كون المغتسل منتفعاً من ذلك لكنه يضر بالمصلحة العامة فيمنع منه لذلك. الفرع الثالث: بيان نظر الشارع للنتائج واعتباره لها تقدم عند الكلام على الحكم والفوائد من مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذكر إقامة الدين وظهور الشريعة.. وزوال الباطل أو التقليل منه.. وهذا ولا شك مطلب شرعي أصيل.. لابد للمحتسب من أن يضعه نصب عينيه وهو يؤدي هذه المهمة. أما إن كان الناتج عن الأمر والنهي في بعض الحالات زيادة في المنكر الذي أردنا إزالته، أو زوال للمعروف الذي أردنا تكثيره.. فإن الآمر أو الناهي في هذه الحال يكون سبباً في ازدياد الباطل وتقليل المعروف علم أو لم يعلم . ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما شرع لتحقيق ما يحبه الله ورسوله، فإذا ترتب على ذلك ما هو أنكر منه وأبغض إلى الشارع فإنه لا يسوغ إنكاره؛ وإن ترك الإنكار لا يعني إقرار المنكر. ومثاله: الإنكار على الولاة المسلمين بالخروج عليهم.. فإن ما يترتب عليه من المفاسد أكبر مما يجلب من المصالح.. وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين قال في وصفهم: ((تعرفون وتنكرون)) فقال: ((لا ما صلوا، لا ما صلوا)) . ومن تأمل ما جرى على الإسلام من الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات –كالأصنام- ولا يستطيع تغييرها.. ولما فتح مكة عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم ومنعه من ذلك –مع قدرته عليه- خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام. ولهذا لم يأذن بالإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من المفاسد. والحاصل أن ما يترتب على إنكار المنكر لا يخلو من أربع حالات: الأولى: أن يزول ويخلفه ضده من المعروف، كما إذا نصحت رجلاً يبيع الأغاني وينشرها، فقبل النصح، فاستبدل ذلك بالأشرطة الإسلامية. الثانية: أن يقل المنكر وإن لم يزل بجملته.. كما إذا نبهت بعض أصحاب المناهج المشتملة على بعض المخالفات أو البدع.. على مخالفته أو بدعته، فقبل منك، فترك بعض ما هو فيه من المنكر.. وكما إذا نصحت من يسب الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو الدين، فانتهى إلى سب آحاد المؤمنين. الثالثة: أن يزول ويخلفه ما هو مثله.. كما إذا نصحت رجلاً عن سماع الأغاني الغربية، فانتقل منها إلى الأغاني العربية!! وكما إذا بينت لنصراني فساد عقيدة التثليث، فعرف فسادها، فانتقل إلى اليهودية مثلاً..! وكما إذا حاورت بعض المنتسبين إلى الدعوة إلى الإسلام، وهو ذو منهج تشوبه بعض البدع أو المخالفات، فانتقل إلى منهج في الدعوة يماثله في حجم الانحراف وقدره. الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.. كما يقع في بعض الأحيان في صفوف النشء المقبل على الإسلام –أكثر من غيرهم- إذا واجه النقد المتبادل بين أوساط العاملين للإسلام.. فيتخلى عن الجميع وينحرف تماماً. وكما إذا نصحت بعض أصحاب المهن بأن يتزين في لباسه إذا أراد المجيء إلى المسجد فيدع الصلاة فيه. فالأولان مشروعان، والثالث موضع اجتهاد ونظر، والرابع محرم . قال ابن القيم –رحمه الله-: فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة، إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الشارع كسباق الخيل.. وكما إذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون فإذا نقلته عنها إلى كتب أهل البدع والضلال والسحر فدعه. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه وقلت له: إنما حرم الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة.. وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم. ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قطع الأيدي في الغزو.. مع كون القطع حد من حدود الله تعالى.. فنهى عنه خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين. وقد نص أحمد وإسحاق والأوزاعي وغيرهم على أن الحدود لا تقام في أرض العدو . ا.هـ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (.. فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به وإن كان قد ترك واجب وفعل محرم، إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباده وليس عليه هداهم) ا.هـ. الفرع الرابع: العمل عند تعارض المصالح والمفاسد يجب أن يكون الاحتساب بفقه ونظر فيما يصلح من هذا العمل وما لا يصلح فإذا تعارضت المصالح والمفاسد فيما يأمر به أو ينهى عنه نظر: فإن كانت المصلحة راجحة والمفسدة مرجوحة، فإنه لا يعتبر المفسدة حينئذ، وعليه الاحتساب في هذه الحال. وهذا يكون مع مراعاة ما سبق من شرطية كون المتعارضين في مرتبة واحدة ونوعية واحدة كما تقدم بيانه، وإلا فإنه يرجح ما كان متعلقاً بالضروري على غيره، كما يرجح الحاجي على التحسيني. وهذا كمن يريد شرب الخمر ليزيل به عطشاً يشق عليه تحمله لكنه لا يؤدي به إلى الهلاك، فإنه يحرم عليه، لتعلق المفسدة بالضروري وهو حفظ العقل، وتعلق المصلحة بالحاجي وهو إزالة ذلك العطش.. بخلاف ما إذا كان العطش يؤدي به إلى الهلاك.. فإنه يشرب في هذه الحالة لتعلق ذلك بالضروري وهو حفظ النفس، ولتعلق شرب الخمر بالعقل وهو ضروري لكنه دونه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- ما ملخصه: (الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذاك كانت مفسدته أكثر، فإذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعاً، أو يتركوهما جميعاً، لم يجز أن يؤمروا بمعروف، ولا أن ينهوا عن منكر، بل ينظر فإن كان المعروف أكثر أمر به وإن استلزم ما دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، وإن كان المنكر أغلب نهى عنه، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف) اهـ . أما في حال كون المفسدة أرجح من المصلحة: كتعطيل الدعوة ونحو ذلك فحينئذ تفوت المصلحة وتدفع المفسدة.. بالشرط المتقدم. ومن صور هذه القاعدة: ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي وعدم قتله لئلا تأخذ الحمية قومه.. ولئلا يقول الناس: محمد يقتل أصحابه . ومن الأمثلة على ذلك إعراض المسلمات عن الدخول في مجالات الطب في جو المستشفيات المختلطة.. مع وجود مصلحة في ذلك إلا أن المفسدة فيه أكبر.. وكثيراً ما نسمع إيراد هذا الاعتراض على من رأى ما سبق (أترضى أن يطبب محارمك الرجال)؟. يورد هذا الاعتراض وكأنه هو الخيار الوحيد!! فلماذا لا يقال بالعمل على إيجاد مستشفيات إسلامية!! ولماذا لا يطالب الناس بذلك!!؟ ولو فرض عدم الإمكان لكان هناك أمر ثالث. وهو أن يطبب نساءنا هؤلاء اللاتي ضحين بحشمتهن وقرارهن في البيوت!! لا أن نزج بفتياتنا حيث يذهب ماء وجوههن لكثرة المخالطة مع الرجال والتحدث معهم..! ومن أمثلة هذا النوع القول بمنع ابتعاث الصغار وسائر من لا ينطبق عليه الشروط المعروفة للسفر إلى بلاد الكفار.. من اعتزاز بالدين ونحوه.. على ما في ذلك من المصلحة وهي تحصيل بعض العلم. ومن أمثلة ذلك منع التلقي من أصحاب البدع –المخالفين لعقيدة أهل السنة والجماعة- في حال وجود غيرهم ممن يؤخذ عنه هذا العلم ولا يقع فيما وقعوا فيه. ومن الأمثلة أيضاً على ذلك منع دخول البرلمانات ونحوها في البلاد التي تحكم القوانين.. مع أنه قد يوجد شيء من مصلحة في ذلك ولكن المفسدة أعظم من وجوه كثيرة لا مجال لذكرها هنا. وقد حرمت الخمر لرجحان مفاسدها على منافعها.. أما إذا تساوت مقادير المصالح والمفاسد: في حال التعارض فإنه ينظر في مراتبهما من ضروري وحاجي –كما تقدم- فإن اتحدت عمل بقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) وإلا فيقدم الأقوى منهما. قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر، وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي حيث كان المنكر والمعروف متلازمين، وذلك في الأمور المعينة الواقعة. وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقاً، وينهى عن المنكر مطلقاً، وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة: يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها، ويحمد محمودها ويذم مذمومها، بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات معروف أكبر منه أو حصول منكر فوقه، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول ما هو أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه. وإذا اشتبه الأمر استثبت المؤمن حتى يتبين له الحق، فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية..) ا.هـ . الفرع الخامس: العمل عند تزاحم المصالح إذا تزاحمت المصالح بحيث لا يمكن القيام إلا ببعضها وتفويت ما سواها.. ففي هذه الحالة ينظر فيما كانت مصلحته أرجح فيقدم.. سواء كان التفاضل والرجحان في المرتبة، كتقديم الضروري على الحاجي والحاجي على التحسيني.. وكتقديم ما يتعلق بحفظ الدين من الضروري على غيره، وتقديم ما يتعلق بالنفس من الضروري على ما تعلق بحفظ ما دونه؛ أو كان التفاضل واقعاً في صورة الحكم كالواجب مع المستحب. وهذه المسألة دقيقة جداً وكبيرة الأهمية، ذلك لسعة هذه الشريعة وشمولها، حتى أن شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- شبهها بالشرائع المتنوعة.. فالواجبات أكبر من الأوقات وأوسع.. فينبغي تقديم ما هو أهم وآكد في مثل هذه الحال وأبلغ في التأثير والنفع في مجالات الدعوة المختلفة. ومن صور هذه المسألة.. ازدحام بعض مجالات الدعوة عند بعض المشتغلين بها، كمن لم يتمكن إلا من القيام بشيء محدود من ذلك.. فأيهما يقدم.. العناية بتربية النشء على الإسلام أو خوض المجالات العامة؟ ويجاب عن هذا بأن الجمع بين الأمرين هو الأصل وهو المطلوب، لكن من لم يتمكن إلا من واحد منهما فإنه ينظر في حاله وحال زمانه من حيث حال الدعوة وسيرها في هذين السبيلين وحاجتها إلى الأعوان في كل منهما.. فيرجح على هذا الأساس. ومن صور هذه المسألة تزاحم الأوقات بين الاشتغال بطلب العلم أو بنوافل العبادات وبين القيام بالدعوة.. فالمطلوب التوفيق بين هذه الأمور ومصلحة الدعوة من أهم المصالح فلا ينبغي إهمالها بل يوليها بعض اهتمامه ووقته حسب قدرته. المبحث الثالث: الآداب المستحب توافرها في المحتسب المطلب الأول: العمل على إيجاد البديل عن المنكر إن الباطل يشغل حيزاً كبيراً في نفوس أصحابه.. لاسيما إذا صاحب ذلك إلف المنكر واعتياده.. فإنه من الصعوبة بمكان على صاحبه أن يفارقه ويتخلص منه.. بل إنه يشعر في بعض الأحيان أنه قد أصبح يمثل جزءاً من كيانه لا يتصور الاستغناء عنه بحال من الأحوال.. وهذا مشاهد وملموس في واقع الكثير من الناس. إذا عرفت هذا تبين لك جلياً مدى حاجة الناس إلى إيجاد بدائل تحل محل تلك المنكرات. وأنت إذا تأملت سير التشريع الرباني رأيت أنه لم يهمل هذا الجانب بل اهتم به. فحينما حرم الله عز وجل أعياد الجاهلية.. أبدل المسلمين عنها بعيدين عظيمين كريمين. كما أباح لهم أضرباً من اللهو المباح فيهما. ومن هذا الباب في القرآن قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا...} [البقرة: 104] ومما يدخل تحته أيضاً قول الله تبارك وتعالى مخبراً عن قول لوط –عليه الصلاة والسلام- لقومه: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 165-166]. [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية