الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35427" data-attributes="member: 329"><p>قال القرطبي –رحمه الله- أمر الله –سبحانه- بعبادته وتوحيده وجعل بر الوالدين مقروناً بذلك، كما قرن شكرهما بشكره فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] وقال: والبر بهما والإحسان إليهما أن لا يتعرض لسبهما ولا يعقهما فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف .</p><p>وقد ورد في صحيح البخاري أن عبد الله سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ فقال: ((الصلاة على وقتها. قال ثم أي؟ قال: بر الوالدين)) الحديث.</p><p>وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك)) .</p><p>وعن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله حرم عقوق الأمهات)) الحديث.</p><p>وعن أبي بكرة عن أبيه –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين..)) الحديث.</p><p>فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على عظمة حقوق الوالدين، فقبل أن يقدم على أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر عليه أن يضع قاعدة طاعتهما وحقوقهما نصب عينيه.</p><p>وكون لهما هذه الحقوق العظيمة فإن ذلك لا يعني ولا يمنع من أن يأمرهما بالمعروف وينهاهما عن المنكر، فهما من جملة من أمر الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، إلا أنه بناء على الحقوق التي جعلها الله لهما فإنه يجب أن يكون هناك أسلوب خاص عند أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر. </p><p>فعلى المحتسب أن يراعي عند الاحتساب على الوالدين زيادة الرفق بهما والتلطف لهما.. وأن لا يتعدى ذلك إلى الشتم أو الضرب مثلاً .</p><p>سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل له والدة تسيء الصلاة والوضوء؟</p><p>قال: يأمرها ويعلمها، قال: تأبى أن يعلمها، تقول: أنا أكبر منك تعلمني! قال فترى له أن يهجرها أو يضربها على ذلك؟ قال: لا، ولكن يعلمها ويقول لها، وجعل يأمره أن يأمرها بالرفق .</p><p>هذا وإن على المحتسب على الوالدين ملاحظة أمرين:</p><p>الأول: أن يفرق بين ما إذا كان المنكر متعلقاً بشخص أحد الوالدين فإنه ليس له ضربه ولا تقبيحه.</p><p>الثاني: إن كان المنكر غير متعلق بشخصهما، وإنما كان تعلقه بالدار أو المال أو المركب، ففي هذه الحال عليه أن ينظر إلى نوع هذا المنكر وحجمه ومدى أثره وإثمه، بالإضافة إلى النظر إلى ما يترتب على إزالته له من سخط الوالد أو الوالدة.. فإن كان لا يترتب على إزالته مفسدة أعظم، أزاله وإلا فلا.</p><p>ومثل هذا يقال في احتساب الزوجة على زوجها، والعبد مع سيده، بخلاف التلميذ مع شيخه فإنه يعامله بموجب علمه لأنه لا حرمة لعالم لا يعمل بعلمه .</p><p>وهذا الإحسان والرفق مطلوب حتى مع الأبوين الكافرين كما قال تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]. مع مراعاة أصل الولاء والبراء. </p><p>المبحث الثامن: إنكار الوالدين على الولد</p><p>المطلب الأول: إنكار الوالد على أولاده</p><p>أما إنكار الوالد على الولد فهو من الأمور التي نص عليها الشرع وأكد عليها.</p><p>يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].</p><p>يقول الزمخشري: {قوا أنفسكم} بترك المعاصي وفعل الطاعات. بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم .</p><p>ويقول سيد قطب –رحمه الله- حول هذه الآية: (إنها تبعة المؤمن في نفسه وفي أهله ثقيلة رهيبة. فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله وعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظر هناك...) .</p><p>فهذا أمر من الله تعالى يتضمن معنى النصيحة بأن يبذل الإنسان جهده في إصلاحه نفسه وأهله حتى يحول صلاحه نفسه وأهله دون النار.</p><p>وورد في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الأعظم الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) .</p><p>فهذا الحديث العظيم يبين مسؤولية الرجل تجاه أولاده بل تجاه أسرته.</p><p>وورد عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع)) .</p><p>وجاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما نحل والد ولداً أفضل من أدب حسن)) .</p><p>وروى أبو داود في سننه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها)) .</p><p>وفي رواية ((مروا أولادكم بالصلاة...)) .</p><p>فهذه الأحاديث كلها تبين مسؤولية الوالد تجاه أبنائه فعليه أن يتقي الله ويحسن تربيتهم، فهي أمانة في عنقه وعليه أن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ومن أهم المعروف ربطهم بالمساجد وحلق الذكر وتعليم القرآن وربطهم بالشباب الصالح الأتقياء الذين يدلونهم على كل خير ويحذرونهم من كل شر.</p><p>وعليه أن ينهاهم عن المنكر. ومن أعظم المنكرات اتصالهم بالشباب الفاسد المنحرف الذين يدلونهم على كل شر ويبعدونهم من كل خير. </p><p>المطلب الثاني: إنكار الأم على أولادها</p><p>ولا ننسى أن للمرأة دوراً كبيراً في تربية أولادها، وحتى مع وجود والدهم؛ لأن المرأة جالسة في البيت طيلة الوقت بخلاف الرجل فهي تعرف أموراً لا يعرفها الرجل، فعليها أن تتقي الله وتحسن تربية أولادها وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وتنفذ خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي خاطبها به بقوله: ((والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم)) .</p><p>فهذا نص صريح من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن المرأة مسؤولة عن تربية أولادها وإصلاحهم.</p><p>يقول أبو بكر الجصاص حول قول الله تعالى عن أم مريم –عليها السلام-: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران: 35].</p><p>يقول: يدل على أن للأم ضرباً من الولاية على الولد في تأديبه وتعليمه وإمساكه وتربيته، لو أنها لا تملك ذلك لما نذرت في ولدها . </p><p>المبحث التاسع: تغيير الزوجة على زوجها</p><p>تغيير الزوج على الزوجة واضح الدلالة في الكتاب والسنة. وهو مقبول شرعاً وعقلاً للقوامة التي جعلها الله للرجل على المرأة.</p><p>يقول تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [النساء: 34].</p><p>يقول الجصاص: (قيامهم عليهن بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة) .</p><p>ولكن الذي يحتاج إلى توضيح هو (تغيير الزوجة على الزوج) فنقول: كثيراً من الزوجات تبلى بزوج غير صالح، فإما أن يكون من التاركين لصلاة الجماعة أو الصلاة كلية وقد يكون مبتلى بشرب المسكرات والمخدرات وغير ذلك.</p><p>فما هو موقف الزوجة من ذلك؟</p><p>لا شك أن الزوجات يختلفن –أيضاً- كالرجال صلاحاً وفساداً قوة وضعفا، فبعض النساء تكون مستسلمة لزوجها العاصي وحتى لو كانت صالحة فهي ساكتة عنه تراه يفعل المنكرات صباح مساء ولا تنكر عليه، بل ربما كانت تهيئ له الجو لفعل ذلك.</p><p>وبعضهن تنكر تارة وتسكت أخرى وتغضب تارة وترضى بعدها.</p><p>والواجب على كل زوجة أن تتقي الله تعالى وتعرف أنها مسؤولة عن إصلاح زوجها بقدر المستطاع. فتنظر إلى المنكرات التي يفعلها زوجها فإن كانت صغائر أو غير مكفرة تحاول معه وتكثر المحاولة وتستخدم الأساليب الجيدة التي تراها تناسب زوجها وينقاد معها فيها وكل امرأة أعرف بظروف زوجها، وأما إذا كانت المنكرات مكفرة كترك الصلاة كلية فعليها أن تبين أحكام الصلاة له وحكم تاركها وتبين أن العلاقات الزوجية لا تصلح معه دون الصلاة وتحاول مرة بعد مرة فإن أصر استعانت بأهلها وأهله، فإن أصر على ذلك فلها الحق أن تطلب الطلاق. والشرع يطلقها منه ولو لم يرض إذا ثبت فعلاً أنه لا يصلي البتة.</p><p>وفي الغالب إذا كانت المرأة حكيمة وقوية في نفس الوقت وقد ملأت قلب الرجل حباً في إخلاصها ووفائها وخوفها من ربها وطاعتها فإنه لا يعصي لها أمراً. فعليها أن تقوم بما يجب حياله حتى تكون مسموعة الكلمة. </p><p>المبحث العاشر: شبهات حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر</p><p>الشبهة الأولى: وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية</p><p>يقول بعض الناس:</p><p>يجب علينا أن نترك الناس وشأنهم ولا نتدخل في شؤونهم الخاصة بأمرهم بالمعروف الذي لا يرغبون في فعله، ونهيهم عن المنكر الذي يرغبون فيه، لأن هذا يتعارض مع (الحرية الشخصية الثابتة في الإسلام).</p><p>ويستدل هؤلاء على صحة رأيهم بقوله عز وجل: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].</p><p>كشف النقاب عن حقيقة هذه الشبهة:</p><p>سنبين بعون الله تعالى حقيقة هذه الشبهة ضمن العناوين التالية:</p><p>1- عدم وجود (الحرية الشخصية) المزعومة.</p><p>2- المفهوم الإسلامي للحرية الشخصية.</p><p>3- الخطأ في فهم الآية: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.</p><p>4- ثبوت وجوب الحسبة بنصوص الكتاب والسنة.</p><p>5- قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بالاحتساب.</p><p>6- تشريع الحدود والتعزيزات ينقض الشبهة.</p><p>أولاً: عدم وجود (الحرية الشخصية) المزعومة:</p><p>لنا أن نسأل أصحاب هذا القول: أين تلك (الحرية الشخصية) المزعومة؟. أفي مشارق الأرض أم في مغاربها؟ هل وجدتموها في أنظمة شرقية أم في أنظمة غربية؟ كلا، لا عند هؤلاء، ولا عند أولئك. يطالب المرء بالخضوع والامتثال لقواعد وأنظمة على رغم أنفه حيثما حل وارتحل.</p><p>هل يسمح لأحد في الشرق أو الغرب أن يعبر التقاطع والإشارة حمراء؟ هل يعطي في الغرب لأحد حق بناء بيت بماله الذي اكتسبه بكد جبينه على الأرض التي اشتراها بخالص ماله كيفما شاء من غير مراعاة الضوابط التي وضعتها أمانة تلك المدينة التي هو فيها؟ والأمر في الشرق أدهى وأمر، ليس له أن يملك بيتا.</p><p>ثانيا: المفهوم الإسلامي للحرية الشخصية:</p><p>الحرية الشخصية التي منحها الإسلام للعباد هي أنه أخرج العباد من عبودية العباد، ولا يعني هذا إخراجهم من عبودية رب العباد. ما أحسن ما عبر القرآن الكريم عن هذا:</p><p>{ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزُّمر: 29].</p><p>فالمطلوب في الإسلام أن يتحرر العبد من كل من سوى الله ويصير عبداً منقاداً مطيعاً مستسلما لله الواحد الخالق المالك المدبر. وهذا ما عبر عنه سيدنا ربعي بن عامر رضي الله عنه مجيباً على سؤال رستم بقوله:</p><p>(الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله) .</p><p>ومن النصوص التي تدل على أن المؤمنين مطالبون بالاستسلام لله تعالى والعمل بجميع أوامره وترك جميع نواهيه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208].</p><p>يقول الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: (يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك) .</p><p>وبين المولى عز وجل أنه لا يبقى لمؤمن ولا مؤمنة أدنى خيار بعد مجيء أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].</p><p>وصور لنا السميع البصير مبادرة المؤمنين إلى امتثال أوامره وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم حيث يقول عز من قائل: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [النور: 51].</p><p>فأين أصحاب (الحرية الشخصية) المزعومة من أولئك؟</p><p>ثالثا: الخطأ في فهم الآية: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}:</p><p>ليس معنى الآية بأن للناس كلهم فعل ما يشاؤون وترك ما يشاؤون، وليس لأحد إلزامهم على فعل الخير الذي تركوه أو اجتناب الشر الذي فعلوه، بل المراد بالآية – والله أعلم بالصواب – كما يقول الحافظ ابن كثير: (أي لا تكرهوا أحد على الدخول في الإسلام) .</p><p>وحتى هذا ليس لغير المسلمين كلهم بل رجح كثير من المفسرين بأن هذا الحكم خاص بأهل الكتاب ومن شابههم. وأما عبدة الأوثان من مشركي العرب ومن شابههم فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتال معهم. وفي هذا يقول الإمام ابن جرير الطبري بعد نقله أقوالاً مختلفة في تفسير الآية: (وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في خاص من الناس – وقال: عني بقوله تعالى ذكره: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} أهل الكتاب والمجوس وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق، وأخذ الجزية منه) .</p><p>ثم يقول مبينا سبب ترجيح هذا القول: (وكان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الإسلام قوماً فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبد الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه، وإقراره، على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم) .</p><p>قد آن لنا أن نسأل أصحاب هذه الشبهة: أيهود أنتم أو نصارى، فيكتفى بقبول الجزية منكم، فلا يأمركم أحد بمعروف تتركونه ولا ينهاكم عن منكر تفعلونه؟</p><p>رابعاً: ثبوت وجوب الحسبة بنصوص الكتاب والسنة:</p><p>إن هؤلاء أخذوا آية واحدة وحاولوا تأويلها وفق أهوائهم, وتجاهلوا تلك النصوص الكثيرة الصريحة الواضحة التي لا تترك مجالاً للشك والتردد في فرضية الحسبة. أين هؤلاء من تلك النصوص التي وردت فيها صيغة أمر للقيام بالاحتساب، وصيغة نهي للمنع عن تركه؟ وذلك مثل قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم)) . ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يمنعن رجلاً منكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه وعلمه)) .</p><p>وكيف يؤول هؤلاء النصوص التي قرن الإيمان فيها بالاحتساب، فحكم فيها بقوة الإيمان وضعفه مع قوة الاحتساب وضعفه؟ وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) .</p><p>وبماذا يفسر هؤلاء تلك النصوص التي تجعل (التواصي بالحق) من شروط نيل الفوز والفلاح؟ وذلك مثل قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1-3].</p><p>وكيف يتجرأ هؤلاء على تحريف النصوص التي وعد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيهما بالعذاب على ترك الاحتساب؟ وذلك مثل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الأنفال: 25].</p><p>ألا يستحي هؤلاء من تكذيب ما أخبر به من هو أكبر شيء شهادة وأصدق قيلاً عن نزول اللعنة على ترك الاحتساب؟ وذلك في قوله عز من قائل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78-79].</p><p>أليس في هذا وذاك ما يمنع هؤلاء من القول: (إن الاحتساب يتعارض مع الحرية الشخصية الثابتة في الإسلام؟) فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً؟</p><p>خامسا: قيام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالاحتساب:</p><p>لنا أن نسأل أصحاب هذا القول: على من أنزلت الآية: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}؟ أعليكم أنزلت أم على سيد الأولين والآخرين, إمام الأنبياء وقائد المرسلين صلى الله عليه وسلم؟ أأنتم أعلم بمرادها أم هو الذي أسند إليه أمر بيان المنزل؟ يقول تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].</p><p>وهل أمر عليه الصلاة والسلام الناس بالمعروف, ونهاهم عن المنكر, أم تركهم وشأنهم مراعياً مبدأ الحرية الشخصية المخترعة؟ لقد قام صلى الله عليه وسلم بالاحتساب في البيت والشارع، وفي المسجد والسوق، وفي الحضر والسفر، وفي الحرب والسلم. ويغنينا في هذا المقام عن ذكر أمثلة احتسابه وصف أصدق القائلين اللطيف الخبير له بقوله: {يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ} [الأعراف: 157].</p><p>ونستفسر أصحاب هذه الشبهة أيضاً: أمرنا باقتداء من؟ أأمرنا باقتداء من اتخذ إلهه هواه؟ أم أمرنا بالتأسي بمن كان آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر؟ تعالوا، فلنقرأ جميعاً قول الباري سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].</p><p>سادساً: تشريع الحدود والتعزيرات ينقض هذه الشبهة:</p><p>ماذا سيكون موقف هؤلاء من الحدود والتعزيرات التي شرعت لمعاقبة مرتكبي بعض الجرائم؟ أيردون تلك النصوص الثابتة الصريحة التي جاء فيها بيانها؟</p><p>ومن تلك النصوص – على سبيل المثال – ما جاء فيها من عقوبة الزاني: ((البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) .</p><p>وما جاء فيها عمن تزوج امرأة أبيه عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال: ((بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أضرب عنقه، وأصفي ماله)) .</p><p>وما جاء عمن عمل عمل قوم لوط عليه السلام: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) .</p><p>وما بينه الناطق بالوحي الأمين الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عن حكم من ارتد عن الإسلام بقوله: ((من بدل دينه فاقتلوه)) .</p><p>ولو كان لمبدأ الحرية الشخصية المختلفة أساس في الإسلام كما يدعي أولئك ما كان مرتكبو هذه الجرائم ليجلدوا ويغربوا, أو يجلدوا ويرجموا، أو يقتلوا، وكان لهم أن يحتجوا: (هذا ما يخصنا نحن، وليس لأحد حق التدخل في شؤوننا الخاصة).</p><p>بهذا يتضح بعون الله تعالى بطلان رأي من قال بترك الاحتساب بحجة منافاته للحرية الشخصية. </p><p>الشبهة الثالثة: (ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص)</p><p>يقول بعض الناس: (حيث لا نقوم بكل ما أمرنا به ولا نجتنب كل ما نهينا عنه، لذا يجب علينا أن نهتم بأنفسنا بدل أمر الآخرين بالمعروف ونهيهم عن المنكر).</p><p>واحتج أصحاب هذا القول بالمنقول والمعقول.</p><p>أما المنقول فقالوا: ذم الله تعالى من أمر الناس بالمعروف ونسي نفسه، وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}.</p><p>كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء عاقبة هؤلاء. فقد روى الإمام البخاري عن أسامة رضي الله عنه قال: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يجاء بالرجل فيطرح في النار فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان!، ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله، وأنهى عن المنكر وأفعله)) .</p><p>وأما المعقول فقالوا: فاقد الشيء لا يعطيه. من يستجيب لمن يأمر بمعروف ولا يأتيه، وينهى عن منكر ويأتيه؟</p><p>الرد على هذه الشبهة:...</p><p>1- سبب الذم هو: ترك المعروف وليس الأمر بالمعروف.</p><p>2- ترك أحد الواجبين ليس مبرراً لترك الواجب الثاني.</p><p>3- الأخذ بهذا القول يؤدي إلى تعطيل الاحتساب.</p><p>4- عدم جدوى احتساب غير الكامل ليس بأمر دائم.</p><p>أولا: سبب الذم هو: ترك المعروف وليس الأمر بالمعروف:</p><p>هناك واجبان:</p><p>1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.</p><p>2- فعل المعروف وترك المنكر.</p><p>وإن النصوص التي احتج بها أصحاب هذه الشبهة ليس فيها ذم بسبب القيام بالواجب الأول بل ذم بسبب ترك القيام بالواجب الثاني. لم ينكر فيها بسبب أمر الناس بالبر، ونهيهم عن المنكر، والتلفظ بالقول الطيب، بل إنما أنكر فيها بسبب نسيان الأنفس، وترك المعروف وارتكاب المنكر، وعدم الفعل وفق القول الطيب.</p><p>فعلى سبيل المثال هناك طالب نجح في مادة (التفسير) ورسب في مادة (الحديث) هل يعقل توجيه اللوم بسبب النجاح في مادة التفسير؟ إنما يلام بسبب رسوبه في مادة الحديث.</p><p>هذا، وقد صرح كثير من المفسرين رحمهم الله تعالى أن التوبيخ في تلك النصوص بسبب ترك المعروف وليس بسبب الأمر بالمعروف. فعلى سبيل المثال يقول الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ...} [البقرة: 44] الآية: (اعلم وفقك الله أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر) .</p><p>ويقول الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: (وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له) .</p><p>ثانيا: ترك أحد الواجبين ليس مبرراً لترك الواجب الثاني:</p><p>إن الواجبين اللذين ذكرناهما ليس أحدهما شرطا للثاني فيكون ترك أحدهما مبرراً لترك الثاني. وهذا أمر واضح ندركه في كثير من الأمور. هل نقول لمن يحافظ على الصلوات ولا يصوم أن تركه الصوم مبرر لتركه الصلوات؟ وقد بين كثير من العلماء هذا الأمر. فعلى سبيل المثال يقول الإمام أبو بكر الجصاص: (وجب أن لا يختلف في لزمه البر والفاجر، لأن ترك الإنسان لبعض الفروض لا يسقط عنه فروضاً غيره. ألا ترى أن تركه للصلاة لا يسقط عنه فرض الصوم وسائر العبادات، فكذلك من لم يفعل سائر المعروف ولم ينته عن سائر المناكير فإن فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير ساقط عنه) .</p><p>وبينه الإمام النووي بأسلوب آخر فقال: (قال العلماء: ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلا بما يأمر به، والنهي وإن كان متلبسا بما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخرة) .</p><p>ثالثا: الأخذ بهذا القول يؤدي إلى تعطيل الاحتساب:</p><p>لو اشترطنا للأمر والناهي أن يكون فاعلاً لكل ما أمر به ومجتنباً كل ما نهي عنه لن نجد من يقوم بالاحتساب، وبهذا يتعطل هذا الواجب العظيم. وقد نبه علماء الأمة –جزاهم الله تعالى خيرا- إلى هذا الأمر، فقد قال سعيد بن جبير: (لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف بمعروف ولا نهى عن منكر) .</p><p>وقال الإمام مالك تعليقاً على قوله: (وصدق، ومن ذا الذي ليس فيه شيء؟) .</p><p>وذكر القرطبي أن الحسن قال لمطرف بن عبد الله: (عظ أصحابك). فقال: (إني أخاف أن أقول ما لا أفعل)، قال: (يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول؟ يود الشيطان أنه قد ظفر بهذا، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر) .</p><p>وبين هذا الإمام الطبري حيث يقول: (وأما من قال: لا يأمر بالمعروف إلا من ليست فيه وصمة، فإن أراد أنه الأولى فجيد، وإلا فيستلزم سد باب الأمر بالمعروف إذا لم يكن هناك غيره) .</p><p>رابعاً: عدم جدوى احتساب غير الكامل ليس بأمر دائم:</p><p>لا شك أن دعوة الكامل أشد وقعاً في النفوس وأكثر استجابة من دعوة غير الملتزم لكن القول بأن دعوة غير الكامل أو احتسابه عديم الجدوى دائما غير صحيح.</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35427, member: 329"] قال القرطبي –رحمه الله- أمر الله –سبحانه- بعبادته وتوحيده وجعل بر الوالدين مقروناً بذلك، كما قرن شكرهما بشكره فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] وقال: والبر بهما والإحسان إليهما أن لا يتعرض لسبهما ولا يعقهما فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف . وقد ورد في صحيح البخاري أن عبد الله سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ فقال: ((الصلاة على وقتها. قال ثم أي؟ قال: بر الوالدين)) الحديث. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك)) . وعن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله حرم عقوق الأمهات)) الحديث. وعن أبي بكرة عن أبيه –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين..)) الحديث. فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على عظمة حقوق الوالدين، فقبل أن يقدم على أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر عليه أن يضع قاعدة طاعتهما وحقوقهما نصب عينيه. وكون لهما هذه الحقوق العظيمة فإن ذلك لا يعني ولا يمنع من أن يأمرهما بالمعروف وينهاهما عن المنكر، فهما من جملة من أمر الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، إلا أنه بناء على الحقوق التي جعلها الله لهما فإنه يجب أن يكون هناك أسلوب خاص عند أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر. فعلى المحتسب أن يراعي عند الاحتساب على الوالدين زيادة الرفق بهما والتلطف لهما.. وأن لا يتعدى ذلك إلى الشتم أو الضرب مثلاً . سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل له والدة تسيء الصلاة والوضوء؟ قال: يأمرها ويعلمها، قال: تأبى أن يعلمها، تقول: أنا أكبر منك تعلمني! قال فترى له أن يهجرها أو يضربها على ذلك؟ قال: لا، ولكن يعلمها ويقول لها، وجعل يأمره أن يأمرها بالرفق . هذا وإن على المحتسب على الوالدين ملاحظة أمرين: الأول: أن يفرق بين ما إذا كان المنكر متعلقاً بشخص أحد الوالدين فإنه ليس له ضربه ولا تقبيحه. الثاني: إن كان المنكر غير متعلق بشخصهما، وإنما كان تعلقه بالدار أو المال أو المركب، ففي هذه الحال عليه أن ينظر إلى نوع هذا المنكر وحجمه ومدى أثره وإثمه، بالإضافة إلى النظر إلى ما يترتب على إزالته له من سخط الوالد أو الوالدة.. فإن كان لا يترتب على إزالته مفسدة أعظم، أزاله وإلا فلا. ومثل هذا يقال في احتساب الزوجة على زوجها، والعبد مع سيده، بخلاف التلميذ مع شيخه فإنه يعامله بموجب علمه لأنه لا حرمة لعالم لا يعمل بعلمه . وهذا الإحسان والرفق مطلوب حتى مع الأبوين الكافرين كما قال تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]. مع مراعاة أصل الولاء والبراء. المبحث الثامن: إنكار الوالدين على الولد المطلب الأول: إنكار الوالد على أولاده أما إنكار الوالد على الولد فهو من الأمور التي نص عليها الشرع وأكد عليها. يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]. يقول الزمخشري: {قوا أنفسكم} بترك المعاصي وفعل الطاعات. بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم . ويقول سيد قطب –رحمه الله- حول هذه الآية: (إنها تبعة المؤمن في نفسه وفي أهله ثقيلة رهيبة. فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله وعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظر هناك...) . فهذا أمر من الله تعالى يتضمن معنى النصيحة بأن يبذل الإنسان جهده في إصلاحه نفسه وأهله حتى يحول صلاحه نفسه وأهله دون النار. وورد في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الأعظم الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) . فهذا الحديث العظيم يبين مسؤولية الرجل تجاه أولاده بل تجاه أسرته. وورد عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع)) . وجاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما نحل والد ولداً أفضل من أدب حسن)) . وروى أبو داود في سننه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها)) . وفي رواية ((مروا أولادكم بالصلاة...)) . فهذه الأحاديث كلها تبين مسؤولية الوالد تجاه أبنائه فعليه أن يتقي الله ويحسن تربيتهم، فهي أمانة في عنقه وعليه أن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ومن أهم المعروف ربطهم بالمساجد وحلق الذكر وتعليم القرآن وربطهم بالشباب الصالح الأتقياء الذين يدلونهم على كل خير ويحذرونهم من كل شر. وعليه أن ينهاهم عن المنكر. ومن أعظم المنكرات اتصالهم بالشباب الفاسد المنحرف الذين يدلونهم على كل شر ويبعدونهم من كل خير. المطلب الثاني: إنكار الأم على أولادها ولا ننسى أن للمرأة دوراً كبيراً في تربية أولادها، وحتى مع وجود والدهم؛ لأن المرأة جالسة في البيت طيلة الوقت بخلاف الرجل فهي تعرف أموراً لا يعرفها الرجل، فعليها أن تتقي الله وتحسن تربية أولادها وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وتنفذ خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي خاطبها به بقوله: ((والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم)) . فهذا نص صريح من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن المرأة مسؤولة عن تربية أولادها وإصلاحهم. يقول أبو بكر الجصاص حول قول الله تعالى عن أم مريم –عليها السلام-: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران: 35]. يقول: يدل على أن للأم ضرباً من الولاية على الولد في تأديبه وتعليمه وإمساكه وتربيته، لو أنها لا تملك ذلك لما نذرت في ولدها . المبحث التاسع: تغيير الزوجة على زوجها تغيير الزوج على الزوجة واضح الدلالة في الكتاب والسنة. وهو مقبول شرعاً وعقلاً للقوامة التي جعلها الله للرجل على المرأة. يقول تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [النساء: 34]. يقول الجصاص: (قيامهم عليهن بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة) . ولكن الذي يحتاج إلى توضيح هو (تغيير الزوجة على الزوج) فنقول: كثيراً من الزوجات تبلى بزوج غير صالح، فإما أن يكون من التاركين لصلاة الجماعة أو الصلاة كلية وقد يكون مبتلى بشرب المسكرات والمخدرات وغير ذلك. فما هو موقف الزوجة من ذلك؟ لا شك أن الزوجات يختلفن –أيضاً- كالرجال صلاحاً وفساداً قوة وضعفا، فبعض النساء تكون مستسلمة لزوجها العاصي وحتى لو كانت صالحة فهي ساكتة عنه تراه يفعل المنكرات صباح مساء ولا تنكر عليه، بل ربما كانت تهيئ له الجو لفعل ذلك. وبعضهن تنكر تارة وتسكت أخرى وتغضب تارة وترضى بعدها. والواجب على كل زوجة أن تتقي الله تعالى وتعرف أنها مسؤولة عن إصلاح زوجها بقدر المستطاع. فتنظر إلى المنكرات التي يفعلها زوجها فإن كانت صغائر أو غير مكفرة تحاول معه وتكثر المحاولة وتستخدم الأساليب الجيدة التي تراها تناسب زوجها وينقاد معها فيها وكل امرأة أعرف بظروف زوجها، وأما إذا كانت المنكرات مكفرة كترك الصلاة كلية فعليها أن تبين أحكام الصلاة له وحكم تاركها وتبين أن العلاقات الزوجية لا تصلح معه دون الصلاة وتحاول مرة بعد مرة فإن أصر استعانت بأهلها وأهله، فإن أصر على ذلك فلها الحق أن تطلب الطلاق. والشرع يطلقها منه ولو لم يرض إذا ثبت فعلاً أنه لا يصلي البتة. وفي الغالب إذا كانت المرأة حكيمة وقوية في نفس الوقت وقد ملأت قلب الرجل حباً في إخلاصها ووفائها وخوفها من ربها وطاعتها فإنه لا يعصي لها أمراً. فعليها أن تقوم بما يجب حياله حتى تكون مسموعة الكلمة. المبحث العاشر: شبهات حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشبهة الأولى: وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية يقول بعض الناس: يجب علينا أن نترك الناس وشأنهم ولا نتدخل في شؤونهم الخاصة بأمرهم بالمعروف الذي لا يرغبون في فعله، ونهيهم عن المنكر الذي يرغبون فيه، لأن هذا يتعارض مع (الحرية الشخصية الثابتة في الإسلام). ويستدل هؤلاء على صحة رأيهم بقوله عز وجل: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256]. كشف النقاب عن حقيقة هذه الشبهة: سنبين بعون الله تعالى حقيقة هذه الشبهة ضمن العناوين التالية: 1- عدم وجود (الحرية الشخصية) المزعومة. 2- المفهوم الإسلامي للحرية الشخصية. 3- الخطأ في فهم الآية: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. 4- ثبوت وجوب الحسبة بنصوص الكتاب والسنة. 5- قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بالاحتساب. 6- تشريع الحدود والتعزيزات ينقض الشبهة. أولاً: عدم وجود (الحرية الشخصية) المزعومة: لنا أن نسأل أصحاب هذا القول: أين تلك (الحرية الشخصية) المزعومة؟. أفي مشارق الأرض أم في مغاربها؟ هل وجدتموها في أنظمة شرقية أم في أنظمة غربية؟ كلا، لا عند هؤلاء، ولا عند أولئك. يطالب المرء بالخضوع والامتثال لقواعد وأنظمة على رغم أنفه حيثما حل وارتحل. هل يسمح لأحد في الشرق أو الغرب أن يعبر التقاطع والإشارة حمراء؟ هل يعطي في الغرب لأحد حق بناء بيت بماله الذي اكتسبه بكد جبينه على الأرض التي اشتراها بخالص ماله كيفما شاء من غير مراعاة الضوابط التي وضعتها أمانة تلك المدينة التي هو فيها؟ والأمر في الشرق أدهى وأمر، ليس له أن يملك بيتا. ثانيا: المفهوم الإسلامي للحرية الشخصية: الحرية الشخصية التي منحها الإسلام للعباد هي أنه أخرج العباد من عبودية العباد، ولا يعني هذا إخراجهم من عبودية رب العباد. ما أحسن ما عبر القرآن الكريم عن هذا: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزُّمر: 29]. فالمطلوب في الإسلام أن يتحرر العبد من كل من سوى الله ويصير عبداً منقاداً مطيعاً مستسلما لله الواحد الخالق المالك المدبر. وهذا ما عبر عنه سيدنا ربعي بن عامر رضي الله عنه مجيباً على سؤال رستم بقوله: (الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله) . ومن النصوص التي تدل على أن المؤمنين مطالبون بالاستسلام لله تعالى والعمل بجميع أوامره وترك جميع نواهيه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]. يقول الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: (يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك) . وبين المولى عز وجل أنه لا يبقى لمؤمن ولا مؤمنة أدنى خيار بعد مجيء أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]. وصور لنا السميع البصير مبادرة المؤمنين إلى امتثال أوامره وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم حيث يقول عز من قائل: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [النور: 51]. فأين أصحاب (الحرية الشخصية) المزعومة من أولئك؟ ثالثا: الخطأ في فهم الآية: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}: ليس معنى الآية بأن للناس كلهم فعل ما يشاؤون وترك ما يشاؤون، وليس لأحد إلزامهم على فعل الخير الذي تركوه أو اجتناب الشر الذي فعلوه، بل المراد بالآية – والله أعلم بالصواب – كما يقول الحافظ ابن كثير: (أي لا تكرهوا أحد على الدخول في الإسلام) . وحتى هذا ليس لغير المسلمين كلهم بل رجح كثير من المفسرين بأن هذا الحكم خاص بأهل الكتاب ومن شابههم. وأما عبدة الأوثان من مشركي العرب ومن شابههم فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتال معهم. وفي هذا يقول الإمام ابن جرير الطبري بعد نقله أقوالاً مختلفة في تفسير الآية: (وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في خاص من الناس – وقال: عني بقوله تعالى ذكره: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} أهل الكتاب والمجوس وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق، وأخذ الجزية منه) . ثم يقول مبينا سبب ترجيح هذا القول: (وكان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الإسلام قوماً فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبد الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه، وإقراره، على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم) . قد آن لنا أن نسأل أصحاب هذه الشبهة: أيهود أنتم أو نصارى، فيكتفى بقبول الجزية منكم، فلا يأمركم أحد بمعروف تتركونه ولا ينهاكم عن منكر تفعلونه؟ رابعاً: ثبوت وجوب الحسبة بنصوص الكتاب والسنة: إن هؤلاء أخذوا آية واحدة وحاولوا تأويلها وفق أهوائهم, وتجاهلوا تلك النصوص الكثيرة الصريحة الواضحة التي لا تترك مجالاً للشك والتردد في فرضية الحسبة. أين هؤلاء من تلك النصوص التي وردت فيها صيغة أمر للقيام بالاحتساب، وصيغة نهي للمنع عن تركه؟ وذلك مثل قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم)) . ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يمنعن رجلاً منكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه وعلمه)) . وكيف يؤول هؤلاء النصوص التي قرن الإيمان فيها بالاحتساب، فحكم فيها بقوة الإيمان وضعفه مع قوة الاحتساب وضعفه؟ وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) . وبماذا يفسر هؤلاء تلك النصوص التي تجعل (التواصي بالحق) من شروط نيل الفوز والفلاح؟ وذلك مثل قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1-3]. وكيف يتجرأ هؤلاء على تحريف النصوص التي وعد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيهما بالعذاب على ترك الاحتساب؟ وذلك مثل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الأنفال: 25]. ألا يستحي هؤلاء من تكذيب ما أخبر به من هو أكبر شيء شهادة وأصدق قيلاً عن نزول اللعنة على ترك الاحتساب؟ وذلك في قوله عز من قائل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78-79]. أليس في هذا وذاك ما يمنع هؤلاء من القول: (إن الاحتساب يتعارض مع الحرية الشخصية الثابتة في الإسلام؟) فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً؟ خامسا: قيام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالاحتساب: لنا أن نسأل أصحاب هذا القول: على من أنزلت الآية: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}؟ أعليكم أنزلت أم على سيد الأولين والآخرين, إمام الأنبياء وقائد المرسلين صلى الله عليه وسلم؟ أأنتم أعلم بمرادها أم هو الذي أسند إليه أمر بيان المنزل؟ يقول تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]. وهل أمر عليه الصلاة والسلام الناس بالمعروف, ونهاهم عن المنكر, أم تركهم وشأنهم مراعياً مبدأ الحرية الشخصية المخترعة؟ لقد قام صلى الله عليه وسلم بالاحتساب في البيت والشارع، وفي المسجد والسوق، وفي الحضر والسفر، وفي الحرب والسلم. ويغنينا في هذا المقام عن ذكر أمثلة احتسابه وصف أصدق القائلين اللطيف الخبير له بقوله: {يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ} [الأعراف: 157]. ونستفسر أصحاب هذه الشبهة أيضاً: أمرنا باقتداء من؟ أأمرنا باقتداء من اتخذ إلهه هواه؟ أم أمرنا بالتأسي بمن كان آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر؟ تعالوا، فلنقرأ جميعاً قول الباري سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. سادساً: تشريع الحدود والتعزيرات ينقض هذه الشبهة: ماذا سيكون موقف هؤلاء من الحدود والتعزيرات التي شرعت لمعاقبة مرتكبي بعض الجرائم؟ أيردون تلك النصوص الثابتة الصريحة التي جاء فيها بيانها؟ ومن تلك النصوص – على سبيل المثال – ما جاء فيها من عقوبة الزاني: ((البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) . وما جاء فيها عمن تزوج امرأة أبيه عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال: ((بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أضرب عنقه، وأصفي ماله)) . وما جاء عمن عمل عمل قوم لوط عليه السلام: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) . وما بينه الناطق بالوحي الأمين الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عن حكم من ارتد عن الإسلام بقوله: ((من بدل دينه فاقتلوه)) . ولو كان لمبدأ الحرية الشخصية المختلفة أساس في الإسلام كما يدعي أولئك ما كان مرتكبو هذه الجرائم ليجلدوا ويغربوا, أو يجلدوا ويرجموا، أو يقتلوا، وكان لهم أن يحتجوا: (هذا ما يخصنا نحن، وليس لأحد حق التدخل في شؤوننا الخاصة). بهذا يتضح بعون الله تعالى بطلان رأي من قال بترك الاحتساب بحجة منافاته للحرية الشخصية. الشبهة الثالثة: (ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص) يقول بعض الناس: (حيث لا نقوم بكل ما أمرنا به ولا نجتنب كل ما نهينا عنه، لذا يجب علينا أن نهتم بأنفسنا بدل أمر الآخرين بالمعروف ونهيهم عن المنكر). واحتج أصحاب هذا القول بالمنقول والمعقول. أما المنقول فقالوا: ذم الله تعالى من أمر الناس بالمعروف ونسي نفسه، وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}. كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء عاقبة هؤلاء. فقد روى الإمام البخاري عن أسامة رضي الله عنه قال: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يجاء بالرجل فيطرح في النار فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان!، ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله، وأنهى عن المنكر وأفعله)) . وأما المعقول فقالوا: فاقد الشيء لا يعطيه. من يستجيب لمن يأمر بمعروف ولا يأتيه، وينهى عن منكر ويأتيه؟ الرد على هذه الشبهة:... 1- سبب الذم هو: ترك المعروف وليس الأمر بالمعروف. 2- ترك أحد الواجبين ليس مبرراً لترك الواجب الثاني. 3- الأخذ بهذا القول يؤدي إلى تعطيل الاحتساب. 4- عدم جدوى احتساب غير الكامل ليس بأمر دائم. أولا: سبب الذم هو: ترك المعروف وليس الأمر بالمعروف: هناك واجبان: 1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 2- فعل المعروف وترك المنكر. وإن النصوص التي احتج بها أصحاب هذه الشبهة ليس فيها ذم بسبب القيام بالواجب الأول بل ذم بسبب ترك القيام بالواجب الثاني. لم ينكر فيها بسبب أمر الناس بالبر، ونهيهم عن المنكر، والتلفظ بالقول الطيب، بل إنما أنكر فيها بسبب نسيان الأنفس، وترك المعروف وارتكاب المنكر، وعدم الفعل وفق القول الطيب. فعلى سبيل المثال هناك طالب نجح في مادة (التفسير) ورسب في مادة (الحديث) هل يعقل توجيه اللوم بسبب النجاح في مادة التفسير؟ إنما يلام بسبب رسوبه في مادة الحديث. هذا، وقد صرح كثير من المفسرين رحمهم الله تعالى أن التوبيخ في تلك النصوص بسبب ترك المعروف وليس بسبب الأمر بالمعروف. فعلى سبيل المثال يقول الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ...} [البقرة: 44] الآية: (اعلم وفقك الله أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر) . ويقول الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: (وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له) . ثانيا: ترك أحد الواجبين ليس مبرراً لترك الواجب الثاني: إن الواجبين اللذين ذكرناهما ليس أحدهما شرطا للثاني فيكون ترك أحدهما مبرراً لترك الثاني. وهذا أمر واضح ندركه في كثير من الأمور. هل نقول لمن يحافظ على الصلوات ولا يصوم أن تركه الصوم مبرر لتركه الصلوات؟ وقد بين كثير من العلماء هذا الأمر. فعلى سبيل المثال يقول الإمام أبو بكر الجصاص: (وجب أن لا يختلف في لزمه البر والفاجر، لأن ترك الإنسان لبعض الفروض لا يسقط عنه فروضاً غيره. ألا ترى أن تركه للصلاة لا يسقط عنه فرض الصوم وسائر العبادات، فكذلك من لم يفعل سائر المعروف ولم ينته عن سائر المناكير فإن فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير ساقط عنه) . وبينه الإمام النووي بأسلوب آخر فقال: (قال العلماء: ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلا بما يأمر به، والنهي وإن كان متلبسا بما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخرة) . ثالثا: الأخذ بهذا القول يؤدي إلى تعطيل الاحتساب: لو اشترطنا للأمر والناهي أن يكون فاعلاً لكل ما أمر به ومجتنباً كل ما نهي عنه لن نجد من يقوم بالاحتساب، وبهذا يتعطل هذا الواجب العظيم. وقد نبه علماء الأمة –جزاهم الله تعالى خيرا- إلى هذا الأمر، فقد قال سعيد بن جبير: (لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف بمعروف ولا نهى عن منكر) . وقال الإمام مالك تعليقاً على قوله: (وصدق، ومن ذا الذي ليس فيه شيء؟) . وذكر القرطبي أن الحسن قال لمطرف بن عبد الله: (عظ أصحابك). فقال: (إني أخاف أن أقول ما لا أفعل)، قال: (يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول؟ يود الشيطان أنه قد ظفر بهذا، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر) . وبين هذا الإمام الطبري حيث يقول: (وأما من قال: لا يأمر بالمعروف إلا من ليست فيه وصمة، فإن أراد أنه الأولى فجيد، وإلا فيستلزم سد باب الأمر بالمعروف إذا لم يكن هناك غيره) . رابعاً: عدم جدوى احتساب غير الكامل ليس بأمر دائم: لا شك أن دعوة الكامل أشد وقعاً في النفوس وأكثر استجابة من دعوة غير الملتزم لكن القول بأن دعوة غير الكامل أو احتسابه عديم الجدوى دائما غير صحيح. [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية