الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35428" data-attributes="member: 329"><p>كم من أنبياء الله الكاملين الملتزمين لم تؤثر دعوتهم في أقرب أقاربهم. لم يستجب لنداء رسول الله نوح عليه السلام ابنه، كما لم يستفد من دعوة خليل الله إبراهيم عليه السلام أبوه، ولم تقبل قول نبي الله لوط عليه السلام زوجته، كما لم يحول نصح أكمل خلق الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم ووعظه عمه أبا طالب إلى الإسلام.</p><p>وكم من أنبياء الله الكاملين دعوا أقوامهم فما آمن معهم إلا قليل، بل منهم من لم يؤمن به أحد.</p><p>وعلى عكس هذا كم من أصحاب الدعوات الفاسدة – المخالفين لأقوالهم بأفعالهم – نرى لهم أتباعا كثيرين! وكم من دعاة حرمة الإنسان وحريته يجدون أنصاراً كثيرين مع أنهم من أشد الناس انتهاكاً لحرمته وحريته! وكم من حماة لحقوق العمال والشعوب – على حسب زعمهم – ولهم أتباع كثيرون رغم كونهم من أكثر الناس هضماً لحقوقهم!</p><p>فخلاصة القول ليس لأحد أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أن احتسابه لا يفيد بسبب تقصيره فلربما يفيد المقصر حيث لا يفيد فيه من هو أحسن منه حالاً.</p><p>تنبيه:</p><p>لا يفهم بما ذكر بأننا لا نرى بأسا من ترك المعروف وفعل المنكر للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، بل نؤكد أنه يجب عليه فعل المعروف وترك المنكر، وأنه يعرض نفسه لغضب الله تعالى عند التساهل في هذا. ونقرر أيضاً بأنه ينبغي أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه كما كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.</p><p>غاية ما في الأمر أن فعل المعروف وترك المنكر ليس شرطاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يقال لمن أمر بالمعروف ولم يفعله أو نهى عن المنكر وفعله: (لا تأمر بالمعروف ولا تنه عن المنكر)، بل نقول له: (استمر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واتق الله تعالى في نفسك فمرها بالمعروف وانهها عن المنكر). والله تعالى أعلم بالصواب. </p><p>الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة)</p><p>يقول بعض الناس: (لا نقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأننا نخشى الوقوع في الفتنة بسبب ذلك).</p><p>كشف حقيقة هذه الشبهة:...</p><p>1- ترك الاحتساب هو الذي يعرض العبد للفتنة.</p><p>2- مشابهة هذا القول بتعليل المنافق الجد بن قيس للتخلف عن الغزوة.</p><p>3- تعارض هذا القول مع وصية النبي صلى الله عليه وسلم.</p><p>4- منافاة هذا القول لسيرة الأنبياء والصالحين.</p><p>5- تنبيه.</p><p>أولا: ترك الاحتساب هو الذي يعرض العبد للفتنة:</p><p>لنا أن نسأل أصحاب هذا القول: هل سلمتم من الفتنة بترككم الاحتساب أم أنكم وقعتم فيها؟</p><p>تؤكد نصوص الكتاب والسنة أن ترك الاحتساب يعرض العبد للفتنة. ومن تلك النصوص قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الأنفال: 25].</p><p>يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: (أمر الله عز وجل المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعذاب يصيب الظالم وغير الظالم) .</p><p>ومنها ما رواه الإمام الطبراني عن العرس بن عميرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تعمل الخاصة بعمل تقدر العامة أن تغيره، ولا تغيره، فذاك حين يأذن الله في هلاك العامة والخاصة)) .</p><p>ومنها ما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم، فقد تودع منهم)) .</p><p>يقول القاضي عياض في شرح الحديث: (أصله من التوديع، وهو الترك، وحاصله أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الخذلان وغضب الرب).</p><p>ولا يمكن الوقاية من هذه الفتنة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول الشيخ جلال الدين المحلي في تفسير الآية: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً...} الآية. (واتقاؤها بإنكار موجبها من المنكر) .</p><p>ثانياً: مشابهة هذا القول بتعليل المنافق الجد بن قيس للتخلف عن الغزوة:</p><p>مما يؤكد شناعة هذا التعليل لترك الاحتساب أنه عين التعليل الذي علل به الجد بن قيس عند تخلفه عن غزوة تبوك، فكشف العليم الخبير حقيقة تعليله وذمه في آيات تتلى إلى الأبد. فقد ذكر الإمام الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذات يوم وهو في جهازه، للجد بن قيس أخي بني سلمة: ((هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر؟</p><p>فقال: يا رسول الله! أو تأذن لي ولا تفتني، فوالله! لقد عرف قومي ما رجل أشد عجباً بالنساء مني. وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن.</p><p>فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك)) .</p><p>ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ} [التوبة: 49].</p><p>ثم يقول الإمام الطبري في تفسير الآية: (أي: إن كان إنما يخشى الفتنة من نساء بني الأصفر وليس ذلك به، فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه، أعظم) .</p><p>وهكذا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة طلب السلامة من فتنة لم تقع بعد، قد وقع في فتنة كبرى، ألا وهي ترك ما أوجبه الله تعالى عليه من الاحتساب.</p><p>ثالثاً: تعارض هذا القول مع وصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:</p><p>يتنافى هذا القول مع ما أوصى به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه من قول الحق، وأن لا يخافوا في الله لومة لائم، وأن لا يمنعهم خوف على النفس, أو الرزق من القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن تلك الأحاديث – على سبيل المثال – ما روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمنعن رجلاً منكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه وعلمه)) .</p><p>وفي رواية أخرى: ((فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم)) .</p><p>فأين أصحاب هذه الشبهة من هذا الحديث الشريف ومن الأحاديث الأخرى مثلها؟</p><p>رابعاً: منافاة هذا القول لسيرة الأنبياء والصالحين:</p><p>أين أصحاب هذه الشبهة من سيرة الأنبياء والمرسلين والصالحين الذين عذبوا، وأخرجوا من ديارهم، وقوتلوا، وقتلوا بسبب قيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين هم من رجال هذه الأمة الذين تحققت فيهم – بفضل الله تعالى – بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب –رضي الله عنه- ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله؟)) .</p><p>تنبيه:</p><p>لا يفهم مما كتبنا أنه لا ينظر إلى ما يترتب على القيام بالاحتساب ولا يعبأ به، بل إن هذا سيحسب له حسابه. فإن كانت المفسدة المترتبة عليه أعظم من المصلحة المتوقعة لا يقوم المرء بالاحتساب آنذاك، وإن كانت المصلحة المرجوة أعظم من المفسدة يجب عليه أن يقوم بالاحتساب إذاً. وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبات لابد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته، لم يكن مما أمر الله به، وإن كانت قد ترك واجب وفعل محرم) .</p><p>لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد ليس بهوى الناس بل – كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – (هو بميزان الشريعة) .</p><p>ولا يعني كلامنا أيضاً أن نفرط بأنفسنا في الاحتساب، وأن نلقي بأيدينا إلى التهلكة. إن الذي نقصده أن لا يكون الخوف على النفس أو الرزق مانعاً من الاحتساب، ولكن أخذ الحيطة والحذر أمر مطلوب مثل ما هو الحال في الجهاد بالسيف. وفي هذا يقول الشيخ محمد رشيد رضا: (ولا نترك الدعوة إلى الخير ولا الجهاد دونه خوفاً على أنفسنا حرصاً على الحياة الدنيا، ولا نفرط بأنفسنا في أثناء دعوتنا وجهادنا فيما لا تتوقف الدعوة ولا حمايتها عليه. وقد يكون أكثر ما يصيب الداعي إلى الخير من الأذى ناشئاً عن طريقة الدعوة وكيفية سوقها إلى المدعو، لاسيما إذا كان مسلماً، وكانت الدعوة مؤيدة بالكتاب والسنة) .</p><p>والله أعلم بالصواب. </p><p>الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس)</p><p>يقول بعض الناس: (ينبغي أن لا نضيع جهودنا وأوقاتنا في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث إنهم لا يستجيبون).</p><p>بيان حقيقة هذه الشبهة:...</p><p>1- لا يشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس.</p><p>2- الحكم على الناس بعدم الاستجابة من الأمور الغيبية.</p><p>3- وجوب التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر.</p><p>أولا: لا يشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس:</p><p>لم يشترط الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استجابة الناس، بل أوجب الله تعالى على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى أمته تبليغ الناس أوامره ونواهيه سواء استجابوا أم لم يستجيبوا. وقد وردت نصوص كثيرة تبين هذا. منها على سبيل المثال قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ} [النور:54].</p><p>ومنها قوله تعالى: {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ} [آل عمران: 20].</p><p>ومنها قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ} [المائدة: 92].</p><p>ومنها قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ المُبِينُ} [النحل: 82].</p><p>ومنها قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ} [التغابن: 12].</p><p>ومنها قوله تعالى: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ} [النحل: 35].</p><p>ومنها قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} [هود: 57].</p><p>ومنها قوله تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ وَعَلَيْنَا الحِسَابُ} [الرعد: 40].</p><p>ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]. </p><p>ومنها قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21-22].</p><p>فمهمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهكذا مهمة أمته أن يبلغوا الناس أوامر الله تعالى ونواهيه ويذكروهم سواء استجابوا أم لم يستجيبوا ولا عذر لهم عند الله لترك هذه المهمة الجليلة بسبب إعراض الناس عنهم. وفي هذا الصدد يقول الإمام النووي: (وقال العلماء رضي الله عنهم: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين). وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول، وكما قال الله عز وجل: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ} .</p><p>ومما يؤكد هذا ما قصه الله تعالى عن أصحاب السبت حيث استمر الصالحون في نهي العصاة عن التحايل للصيد يوم السبت، ولم يتركوا الاحتساب بسبب عدم استجابة العصاة، بل صرحوا أنهم يقصدون من وراء احتسابهم أمرين:</p><p>أ- أن يقبل عذرهم عند الله تعالى.</p><p>ب- لعل العصاة يستجيبون فيتركون التحايل ويتوبون إلى الله تعالى.</p><p>يقول سبحانه وتعالى عن قصتهم: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164].</p><p>ويقول الإمام ابن العربي في تفسير الآية: (لما فعلوا هذا نهاهم كبراؤهم، ووعظهم أحبارهم فلم يقبلوا منهم فاستمروا في نهيهم لهم، ولم يمنع من التمادي على الوعظ والنهي عدم قبولهم لأنه فرض قبل أو لم يقبل، حتى قال لهم بعضهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ} يعني في الدنيا أو {مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} قال لهم الناهون: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} أي نقوم بفرضنا ليثبت عذرنا عند ربنا) .</p><p>ثانياً: الحكم على الناس بعدم الاستجابة من الأمور الغيبية:</p><p>إن الحكم على الناس بأنهم لا يستفيدون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور الغيبية التي لا يعرفها إلا العليم الخبير. إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع رب العباد، يقلبها متى شاء وكيف ما شاء. وما أسهل على الله تقليبها. فقد روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفه حيث شاء)) .</p><p>وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم سهولة تصريف قلوب العباد بتقليب ريشة بأرض فلاة. فقد روى الإمام ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القلب مثل الريشة، تقلبها الرياح بفلاة)) .</p><p>وكم من أشخاص يراهم الناس من أتقى الناس فيتحولون إلى أفسق الناس، وكم من أفسق الناس يأتيهم الموت وهم من أتقى الناس. هذه حقيقة نقرؤها في سير الناس، ونشاهدها في حياتنا اليومية، وبينها الصادق المصدوق الناطق بالوحي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن العبد ليعمل – فيما يرى الناس – عمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار، ويعمل – فيما يرى الناس – عمل أهل النار، وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيهما)) .</p><p>فإذا كان البشر يجهل خواتيم الآخرين فكيف يسوغ له أن يفترض أنهم لا يستجيبون، ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استناداً إلى هذا الافتراض؟</p><p>ثالثاً: وجوب التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر:</p><p>جعل الله تعالى في رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أسوة لنا حيث يقول عز من قائل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. قلنا أن نسأل أصحاب هذه الشبهة: هل ترك صلى الله عليه وسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظراً لعدم استجابة الناس؟</p><p>كلا، بل استمر صلوات الله وسلامه عليه في ذلك في أشد الأحوال وأصعبها راجياً من الله هداية المخاطبين، بل هداية أجيالهم القادمة إن لم يستجب الجيل الموجود. وسيرته الطاهرة تدل على هذا. فقد روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟</p><p>فقال: ((لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني. فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك, وما ردوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً)) .</p><p>هل يتوقع بعد ذلك ممن ينتسب إلى هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الحريص على هداية الناس أن يقول: (ينبغي أن لا نضيع جهودنا وأوقاتنا في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث إنهم لا يستجيبون؟).</p><p>احتجاج أصحاب الشبهة ببعض الآيات:</p><p>يحتج أصحاب هذه الشبهة ببعض النصوص التي جاء فيها – على حسب زعمهم – الأمر بالتذكير مشروطاً بالنفع، أو مخصوصاً لمن خاف الوعيد، أو خشي الرحمن بالغيب، واتبع الذكر. ومن هذه النصوص:</p><p>قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى: 9].</p><p>وقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [فاطر: 18].</p><p>وقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ} [يس: 11].</p><p>وقوله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45].</p><p>قالوا: نجد في هذه الآيات بأن الله تعالى اشترط لأمره بالتذكير نفع الذكرى، كما أرشد نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن يقتصر في إنذاره على (من يخاف الوعيد). (وخشي الرحمن بالغيب)، و(اتبع الذكرى).</p><p>لذا لا داعي لبذل الجهود في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر وهم لا يستجيبون.</p><p>كشف النقاب عن حقيقة الاحتجاج:</p><p>سنبين بتوفيق الله تعالى حقيقة احتجاجهم بالآيات من وجهين:</p><p>1- النظر في سيرة من أنزل عليه صلى الله عليه وسلم تلك الآيات.</p><p>2- المراد بالآيات على ضوء تفسير المفسرين.</p><p>أولاً: النظر في سيرة من أنزل عليه صلى الله عليه وسلم تلك الآيات:</p><p>أنزلت تلك الآيات على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان يتلوها على المؤمنين، ويعلمهم إياها، وإليه أسندت مهمة بيانها، وكان صلى الله عليه وسلم صورة حية لما نزلت عليه من الآيات لنا أن نسأل هؤلاء هل ترك صلى الله عليه وسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب إعراض الناس؟، كلا، فقد استمر في التذكير والإنذار رغم عناد الكفرة وتمردهم، والفهم الصحيح للآيات هو فهمه صلى الله عليه وسلم، وكل استنباط أو استدلال يعارض فهمه وعمله باطل ومردود على صاحبه.</p><p>ثانياً: المراد بالآيات على ضوء تفسير المفسرين:</p><p>بيَّن المفسرون المراد بتلك الآيات فأجادوا وأفادوا جزاهم الله تعالى عنا خير الجزاء، وسنذكر بعض ما ذكروا – بعون الله تعالى – في هذا المقام.</p><p>أما قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} فنترك مجال تفسيره للإمام الرازي حيث يقول مثيراً بعض الأسئلة حوله:</p><p>السؤال الأول: أنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى الكل فيجب عليه أن يذكرهم سواء نفعتهم الذكرى أم لم تنفعهم، فما المراد من تعليقه على الشرط في قوله: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}؟</p><p>الجواب: أن المعلق (بإن) على الشيء لا يلزم أن يكون عدماً عند عدم ذلك الشيء، ويدل عليه الآيات، منها هذه الآية.</p><p>ومنها قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33].</p><p>ومنها قوله: {وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172].</p><p>ومنها قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] فإن القصر جائز وإن لم يوجد الخوف.</p><p>ومنها قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ} [البقرة: 283]. والرهن جائز مع الكتابة.</p><p>ومنها قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} [البقرة: 230]. والمراجعة جائزة بدون هذا الظن .</p><p>ويتابع الإمام الرازي كلامه ويقول: (إذا عرفت هذا ذكروا لذكر هذا الشرط فوائد:</p><p>إحداها: أن من باشر فعلاً لغرض فلا شك أن الصورة التي علم فيها إفضاء تلك الوسيلة إلى ذلك الغرض، كان إلى ذلك الفعل أوجب من الصورة التي علم فيها عدم ذلك الإفضاء، فلذلك قال: {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}.</p><p>وثانيها: أنه تعالى ذكر أشرف الحالتين ونبه على الأخرى كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ} [النحل: 81] والتقدير {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} أو لم تنفع.</p><p>وثالثها: أن المراد به البعث على انتفاع بالذكرى كما يقول المرء لغيره إذا بين له الحق: وقد أوضحت لك إن كنت تعقل. فيكون مراده البعث على القبول والانتفاع.</p><p>ورابعها: أن هذا يجري مجرى تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا تنفعهم الذكرى كما يقال للرجل: ادع فلانا إن أجابك ما أراه يجبيك.</p><p>وخامسها: أنه عليه السلام دعا إلى الله كثيراً، وكلما كانت دعوته أكثر كان عتوهم أكثر، وكان عليه السلام يحترق حسرة على ذلك، فقيل له: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] إذ التذكير العام واجب في أول الأمر فأما التكرير فلعله إنما يجب عند رجاء حصول المقصود فلهذا المعنى قيده بهذا الشرط) .</p><p>وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [فاطر: 18]. فبين المفسرون رحمهم الله تعالى بأن المنتفعين بالإنذار هم أولئك، وليس المعنى بأن غيرهم لا يذكر ولا ينذر. يقول أبو القاسم الغرناطي: (المعنى أن الإنذار لا ينفع إلا الذين يخشون ربهم، وليس المعنى اختصاصهم بالإنذار) .</p><p>وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ} [يس: 11] فالمراد به – كما بين المفسرون – مثل المقصود بالآية السابقة. يقول أبو القاسم الغرناطي في تفسيره: (معناه كقوله: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ} وقد ذكرناه في فاطر) .</p><p>وأما قوله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] فهو – كما يقول أبو القاسم الغرناطي – كقوله: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} لأنه لا ينفع التذكير إلا من يخاف .</p><p>فخلاصة القول أن الاستدلال بتلك الآيات على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب عدم استجابة الناس غير صحيح. </p><p>الباب الرابع: الولاية وكرامات الأولياء</p><p> المبحث الأول: تعريف الولاية والولي </p><p>المطلب الأول: تعريف الولاية والولي لغة</p><p>الولي بفتح فسكون: القرب والدنو، وحصول ثان بعد أول من غير فصل يقال: تباعد بعد ولى، وكل مما يليك أي يقاربك. ويقال سقط الولي وهو المطر يلي الوسمي ويحصل بعده. والمطر الولي يقال أيضاً بوزن فعيل.</p><p>والولاء بالفتح: القرابة والنصرة يقال بينهما ولاء. وبالكسر الموالاة والمتابعة تقول أفعل هذه الأشياء على الولاء وتوالى عليه شهران. والموالاة بين شخصين تكون أيضاً مضادة للمعاداة.</p><p>والولاية بالكسر السلطان يقال وليت الأمر إليه فأنا وال. ونحن ولاة وبالفتح النصرة يقال هم على ولاية إذا اجتمعوا على النصرة. وتكون الولاية بالكسر على هذا المعنى عند الجمهور، وجعلها سيبويه اسماً لما توليته وقمت به.</p><p>والمولى ابن العم، والعاصب، والحليف والناصر، والجار.</p><p>والولي وزان فعيل ضد العدو من وليه إذا قام به يكون بمعنى فاعل وبمعنى مفعول فمن الأول الله ولي الذين آمنوا، ومن الثاني المؤمن ولي الله للمطيع له. وكل من ولى أمر غيره فهو وليه. ويطلق على ابن العم والناصر والصديق والمحب. تقول توليته إذا جعلته ولياً. ومنه: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم). كل هذا من الصحاح والقاموس والأساس والمصباح. </p><p>المطلب الثاني: تعريف الولاية والولي اصطلاحا</p><p>وأما تعريف الولي في الاصطلاح: فقد عرفه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال:</p><p>(وقد قيل إن الولي سمي ولياً من موالاته للطاعات أي متابعته لها ويقابل الولي العدو على أساس من القرب والبعد) .</p><p>وقال الإمام الشوكاني في تفسيره:</p><p>(والمراد بأولياء الله خلقه المؤمنين كأنهم قربوا من الله سبحانه بطاعته واجتناب معصيته وقد فسر سبحانه هؤلاء الأولياء بقوله: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس: 63] أي يؤمنون بما يجب الإيمان به ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من معاصي الله سبحانه) .</p><p>وقال الدكتور إبراهيم هلال:</p><p>(وهذا المعنى الذي يدور بين الحب والقرب هو الذي أراده القرآن الكريم من كلمة ولي ومشتقاتها في كل موضع أتى بها فيه سواء في جانب أولياء الله أو في جانب أولياء أعداء الله وأعداء الشيطان) .</p><p>وقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن لله أولياء من الناس وللشيطان أولياء ففرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فقد قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62-64].</p><p>وقال تعالى: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257].</p><p>وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].</p><p>وذكر أولياء الشيطان فقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 98-100].</p><p>وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].</p><p>وقال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175].</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35428, member: 329"] كم من أنبياء الله الكاملين الملتزمين لم تؤثر دعوتهم في أقرب أقاربهم. لم يستجب لنداء رسول الله نوح عليه السلام ابنه، كما لم يستفد من دعوة خليل الله إبراهيم عليه السلام أبوه، ولم تقبل قول نبي الله لوط عليه السلام زوجته، كما لم يحول نصح أكمل خلق الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم ووعظه عمه أبا طالب إلى الإسلام. وكم من أنبياء الله الكاملين دعوا أقوامهم فما آمن معهم إلا قليل، بل منهم من لم يؤمن به أحد. وعلى عكس هذا كم من أصحاب الدعوات الفاسدة – المخالفين لأقوالهم بأفعالهم – نرى لهم أتباعا كثيرين! وكم من دعاة حرمة الإنسان وحريته يجدون أنصاراً كثيرين مع أنهم من أشد الناس انتهاكاً لحرمته وحريته! وكم من حماة لحقوق العمال والشعوب – على حسب زعمهم – ولهم أتباع كثيرون رغم كونهم من أكثر الناس هضماً لحقوقهم! فخلاصة القول ليس لأحد أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أن احتسابه لا يفيد بسبب تقصيره فلربما يفيد المقصر حيث لا يفيد فيه من هو أحسن منه حالاً. تنبيه: لا يفهم بما ذكر بأننا لا نرى بأسا من ترك المعروف وفعل المنكر للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، بل نؤكد أنه يجب عليه فعل المعروف وترك المنكر، وأنه يعرض نفسه لغضب الله تعالى عند التساهل في هذا. ونقرر أيضاً بأنه ينبغي أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه كما كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. غاية ما في الأمر أن فعل المعروف وترك المنكر ليس شرطاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يقال لمن أمر بالمعروف ولم يفعله أو نهى عن المنكر وفعله: (لا تأمر بالمعروف ولا تنه عن المنكر)، بل نقول له: (استمر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واتق الله تعالى في نفسك فمرها بالمعروف وانهها عن المنكر). والله تعالى أعلم بالصواب. الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة) يقول بعض الناس: (لا نقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأننا نخشى الوقوع في الفتنة بسبب ذلك). كشف حقيقة هذه الشبهة:... 1- ترك الاحتساب هو الذي يعرض العبد للفتنة. 2- مشابهة هذا القول بتعليل المنافق الجد بن قيس للتخلف عن الغزوة. 3- تعارض هذا القول مع وصية النبي صلى الله عليه وسلم. 4- منافاة هذا القول لسيرة الأنبياء والصالحين. 5- تنبيه. أولا: ترك الاحتساب هو الذي يعرض العبد للفتنة: لنا أن نسأل أصحاب هذا القول: هل سلمتم من الفتنة بترككم الاحتساب أم أنكم وقعتم فيها؟ تؤكد نصوص الكتاب والسنة أن ترك الاحتساب يعرض العبد للفتنة. ومن تلك النصوص قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الأنفال: 25]. يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: (أمر الله عز وجل المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعذاب يصيب الظالم وغير الظالم) . ومنها ما رواه الإمام الطبراني عن العرس بن عميرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تعمل الخاصة بعمل تقدر العامة أن تغيره، ولا تغيره، فذاك حين يأذن الله في هلاك العامة والخاصة)) . ومنها ما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم، فقد تودع منهم)) . يقول القاضي عياض في شرح الحديث: (أصله من التوديع، وهو الترك، وحاصله أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الخذلان وغضب الرب). ولا يمكن الوقاية من هذه الفتنة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول الشيخ جلال الدين المحلي في تفسير الآية: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً...} الآية. (واتقاؤها بإنكار موجبها من المنكر) . ثانياً: مشابهة هذا القول بتعليل المنافق الجد بن قيس للتخلف عن الغزوة: مما يؤكد شناعة هذا التعليل لترك الاحتساب أنه عين التعليل الذي علل به الجد بن قيس عند تخلفه عن غزوة تبوك، فكشف العليم الخبير حقيقة تعليله وذمه في آيات تتلى إلى الأبد. فقد ذكر الإمام الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذات يوم وهو في جهازه، للجد بن قيس أخي بني سلمة: ((هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر؟ فقال: يا رسول الله! أو تأذن لي ولا تفتني، فوالله! لقد عرف قومي ما رجل أشد عجباً بالنساء مني. وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك)) . ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ} [التوبة: 49]. ثم يقول الإمام الطبري في تفسير الآية: (أي: إن كان إنما يخشى الفتنة من نساء بني الأصفر وليس ذلك به، فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه، أعظم) . وهكذا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة طلب السلامة من فتنة لم تقع بعد، قد وقع في فتنة كبرى، ألا وهي ترك ما أوجبه الله تعالى عليه من الاحتساب. ثالثاً: تعارض هذا القول مع وصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: يتنافى هذا القول مع ما أوصى به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه من قول الحق، وأن لا يخافوا في الله لومة لائم، وأن لا يمنعهم خوف على النفس, أو الرزق من القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن تلك الأحاديث – على سبيل المثال – ما روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمنعن رجلاً منكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه وعلمه)) . وفي رواية أخرى: ((فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم)) . فأين أصحاب هذه الشبهة من هذا الحديث الشريف ومن الأحاديث الأخرى مثلها؟ رابعاً: منافاة هذا القول لسيرة الأنبياء والصالحين: أين أصحاب هذه الشبهة من سيرة الأنبياء والمرسلين والصالحين الذين عذبوا، وأخرجوا من ديارهم، وقوتلوا، وقتلوا بسبب قيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين هم من رجال هذه الأمة الذين تحققت فيهم – بفضل الله تعالى – بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب –رضي الله عنه- ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله؟)) . تنبيه: لا يفهم مما كتبنا أنه لا ينظر إلى ما يترتب على القيام بالاحتساب ولا يعبأ به، بل إن هذا سيحسب له حسابه. فإن كانت المفسدة المترتبة عليه أعظم من المصلحة المتوقعة لا يقوم المرء بالاحتساب آنذاك، وإن كانت المصلحة المرجوة أعظم من المفسدة يجب عليه أن يقوم بالاحتساب إذاً. وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبات لابد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته، لم يكن مما أمر الله به، وإن كانت قد ترك واجب وفعل محرم) . لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد ليس بهوى الناس بل – كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – (هو بميزان الشريعة) . ولا يعني كلامنا أيضاً أن نفرط بأنفسنا في الاحتساب، وأن نلقي بأيدينا إلى التهلكة. إن الذي نقصده أن لا يكون الخوف على النفس أو الرزق مانعاً من الاحتساب، ولكن أخذ الحيطة والحذر أمر مطلوب مثل ما هو الحال في الجهاد بالسيف. وفي هذا يقول الشيخ محمد رشيد رضا: (ولا نترك الدعوة إلى الخير ولا الجهاد دونه خوفاً على أنفسنا حرصاً على الحياة الدنيا، ولا نفرط بأنفسنا في أثناء دعوتنا وجهادنا فيما لا تتوقف الدعوة ولا حمايتها عليه. وقد يكون أكثر ما يصيب الداعي إلى الخير من الأذى ناشئاً عن طريقة الدعوة وكيفية سوقها إلى المدعو، لاسيما إذا كان مسلماً، وكانت الدعوة مؤيدة بالكتاب والسنة) . والله أعلم بالصواب. الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس) يقول بعض الناس: (ينبغي أن لا نضيع جهودنا وأوقاتنا في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث إنهم لا يستجيبون). بيان حقيقة هذه الشبهة:... 1- لا يشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس. 2- الحكم على الناس بعدم الاستجابة من الأمور الغيبية. 3- وجوب التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر. أولا: لا يشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس: لم يشترط الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استجابة الناس، بل أوجب الله تعالى على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى أمته تبليغ الناس أوامره ونواهيه سواء استجابوا أم لم يستجيبوا. وقد وردت نصوص كثيرة تبين هذا. منها على سبيل المثال قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ} [النور:54]. ومنها قوله تعالى: {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ} [آل عمران: 20]. ومنها قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ} [المائدة: 92]. ومنها قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ المُبِينُ} [النحل: 82]. ومنها قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ} [التغابن: 12]. ومنها قوله تعالى: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ} [النحل: 35]. ومنها قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} [هود: 57]. ومنها قوله تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ وَعَلَيْنَا الحِسَابُ} [الرعد: 40]. ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]. ومنها قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21-22]. فمهمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهكذا مهمة أمته أن يبلغوا الناس أوامر الله تعالى ونواهيه ويذكروهم سواء استجابوا أم لم يستجيبوا ولا عذر لهم عند الله لترك هذه المهمة الجليلة بسبب إعراض الناس عنهم. وفي هذا الصدد يقول الإمام النووي: (وقال العلماء رضي الله عنهم: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين). وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول، وكما قال الله عز وجل: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ} . ومما يؤكد هذا ما قصه الله تعالى عن أصحاب السبت حيث استمر الصالحون في نهي العصاة عن التحايل للصيد يوم السبت، ولم يتركوا الاحتساب بسبب عدم استجابة العصاة، بل صرحوا أنهم يقصدون من وراء احتسابهم أمرين: أ- أن يقبل عذرهم عند الله تعالى. ب- لعل العصاة يستجيبون فيتركون التحايل ويتوبون إلى الله تعالى. يقول سبحانه وتعالى عن قصتهم: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164]. ويقول الإمام ابن العربي في تفسير الآية: (لما فعلوا هذا نهاهم كبراؤهم، ووعظهم أحبارهم فلم يقبلوا منهم فاستمروا في نهيهم لهم، ولم يمنع من التمادي على الوعظ والنهي عدم قبولهم لأنه فرض قبل أو لم يقبل، حتى قال لهم بعضهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ} يعني في الدنيا أو {مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} قال لهم الناهون: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} أي نقوم بفرضنا ليثبت عذرنا عند ربنا) . ثانياً: الحكم على الناس بعدم الاستجابة من الأمور الغيبية: إن الحكم على الناس بأنهم لا يستفيدون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور الغيبية التي لا يعرفها إلا العليم الخبير. إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع رب العباد، يقلبها متى شاء وكيف ما شاء. وما أسهل على الله تقليبها. فقد روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفه حيث شاء)) . وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم سهولة تصريف قلوب العباد بتقليب ريشة بأرض فلاة. فقد روى الإمام ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القلب مثل الريشة، تقلبها الرياح بفلاة)) . وكم من أشخاص يراهم الناس من أتقى الناس فيتحولون إلى أفسق الناس، وكم من أفسق الناس يأتيهم الموت وهم من أتقى الناس. هذه حقيقة نقرؤها في سير الناس، ونشاهدها في حياتنا اليومية، وبينها الصادق المصدوق الناطق بالوحي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن العبد ليعمل – فيما يرى الناس – عمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار، ويعمل – فيما يرى الناس – عمل أهل النار، وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيهما)) . فإذا كان البشر يجهل خواتيم الآخرين فكيف يسوغ له أن يفترض أنهم لا يستجيبون، ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استناداً إلى هذا الافتراض؟ ثالثاً: وجوب التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر: جعل الله تعالى في رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أسوة لنا حيث يقول عز من قائل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. قلنا أن نسأل أصحاب هذه الشبهة: هل ترك صلى الله عليه وسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظراً لعدم استجابة الناس؟ كلا، بل استمر صلوات الله وسلامه عليه في ذلك في أشد الأحوال وأصعبها راجياً من الله هداية المخاطبين، بل هداية أجيالهم القادمة إن لم يستجب الجيل الموجود. وسيرته الطاهرة تدل على هذا. فقد روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: ((لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني. فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك, وما ردوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً)) . هل يتوقع بعد ذلك ممن ينتسب إلى هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الحريص على هداية الناس أن يقول: (ينبغي أن لا نضيع جهودنا وأوقاتنا في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث إنهم لا يستجيبون؟). احتجاج أصحاب الشبهة ببعض الآيات: يحتج أصحاب هذه الشبهة ببعض النصوص التي جاء فيها – على حسب زعمهم – الأمر بالتذكير مشروطاً بالنفع، أو مخصوصاً لمن خاف الوعيد، أو خشي الرحمن بالغيب، واتبع الذكر. ومن هذه النصوص: قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى: 9]. وقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [فاطر: 18]. وقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ} [يس: 11]. وقوله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45]. قالوا: نجد في هذه الآيات بأن الله تعالى اشترط لأمره بالتذكير نفع الذكرى، كما أرشد نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن يقتصر في إنذاره على (من يخاف الوعيد). (وخشي الرحمن بالغيب)، و(اتبع الذكرى). لذا لا داعي لبذل الجهود في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر وهم لا يستجيبون. كشف النقاب عن حقيقة الاحتجاج: سنبين بتوفيق الله تعالى حقيقة احتجاجهم بالآيات من وجهين: 1- النظر في سيرة من أنزل عليه صلى الله عليه وسلم تلك الآيات. 2- المراد بالآيات على ضوء تفسير المفسرين. أولاً: النظر في سيرة من أنزل عليه صلى الله عليه وسلم تلك الآيات: أنزلت تلك الآيات على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان يتلوها على المؤمنين، ويعلمهم إياها، وإليه أسندت مهمة بيانها، وكان صلى الله عليه وسلم صورة حية لما نزلت عليه من الآيات لنا أن نسأل هؤلاء هل ترك صلى الله عليه وسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب إعراض الناس؟، كلا، فقد استمر في التذكير والإنذار رغم عناد الكفرة وتمردهم، والفهم الصحيح للآيات هو فهمه صلى الله عليه وسلم، وكل استنباط أو استدلال يعارض فهمه وعمله باطل ومردود على صاحبه. ثانياً: المراد بالآيات على ضوء تفسير المفسرين: بيَّن المفسرون المراد بتلك الآيات فأجادوا وأفادوا جزاهم الله تعالى عنا خير الجزاء، وسنذكر بعض ما ذكروا – بعون الله تعالى – في هذا المقام. أما قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} فنترك مجال تفسيره للإمام الرازي حيث يقول مثيراً بعض الأسئلة حوله: السؤال الأول: أنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى الكل فيجب عليه أن يذكرهم سواء نفعتهم الذكرى أم لم تنفعهم، فما المراد من تعليقه على الشرط في قوله: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}؟ الجواب: أن المعلق (بإن) على الشيء لا يلزم أن يكون عدماً عند عدم ذلك الشيء، ويدل عليه الآيات، منها هذه الآية. ومنها قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33]. ومنها قوله: {وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172]. ومنها قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] فإن القصر جائز وإن لم يوجد الخوف. ومنها قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ} [البقرة: 283]. والرهن جائز مع الكتابة. ومنها قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} [البقرة: 230]. والمراجعة جائزة بدون هذا الظن . ويتابع الإمام الرازي كلامه ويقول: (إذا عرفت هذا ذكروا لذكر هذا الشرط فوائد: إحداها: أن من باشر فعلاً لغرض فلا شك أن الصورة التي علم فيها إفضاء تلك الوسيلة إلى ذلك الغرض، كان إلى ذلك الفعل أوجب من الصورة التي علم فيها عدم ذلك الإفضاء، فلذلك قال: {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}. وثانيها: أنه تعالى ذكر أشرف الحالتين ونبه على الأخرى كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ} [النحل: 81] والتقدير {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} أو لم تنفع. وثالثها: أن المراد به البعث على انتفاع بالذكرى كما يقول المرء لغيره إذا بين له الحق: وقد أوضحت لك إن كنت تعقل. فيكون مراده البعث على القبول والانتفاع. ورابعها: أن هذا يجري مجرى تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا تنفعهم الذكرى كما يقال للرجل: ادع فلانا إن أجابك ما أراه يجبيك. وخامسها: أنه عليه السلام دعا إلى الله كثيراً، وكلما كانت دعوته أكثر كان عتوهم أكثر، وكان عليه السلام يحترق حسرة على ذلك، فقيل له: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] إذ التذكير العام واجب في أول الأمر فأما التكرير فلعله إنما يجب عند رجاء حصول المقصود فلهذا المعنى قيده بهذا الشرط) . وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [فاطر: 18]. فبين المفسرون رحمهم الله تعالى بأن المنتفعين بالإنذار هم أولئك، وليس المعنى بأن غيرهم لا يذكر ولا ينذر. يقول أبو القاسم الغرناطي: (المعنى أن الإنذار لا ينفع إلا الذين يخشون ربهم، وليس المعنى اختصاصهم بالإنذار) . وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ} [يس: 11] فالمراد به – كما بين المفسرون – مثل المقصود بالآية السابقة. يقول أبو القاسم الغرناطي في تفسيره: (معناه كقوله: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ} وقد ذكرناه في فاطر) . وأما قوله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] فهو – كما يقول أبو القاسم الغرناطي – كقوله: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} لأنه لا ينفع التذكير إلا من يخاف . فخلاصة القول أن الاستدلال بتلك الآيات على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب عدم استجابة الناس غير صحيح. الباب الرابع: الولاية وكرامات الأولياء المبحث الأول: تعريف الولاية والولي المطلب الأول: تعريف الولاية والولي لغة الولي بفتح فسكون: القرب والدنو، وحصول ثان بعد أول من غير فصل يقال: تباعد بعد ولى، وكل مما يليك أي يقاربك. ويقال سقط الولي وهو المطر يلي الوسمي ويحصل بعده. والمطر الولي يقال أيضاً بوزن فعيل. والولاء بالفتح: القرابة والنصرة يقال بينهما ولاء. وبالكسر الموالاة والمتابعة تقول أفعل هذه الأشياء على الولاء وتوالى عليه شهران. والموالاة بين شخصين تكون أيضاً مضادة للمعاداة. والولاية بالكسر السلطان يقال وليت الأمر إليه فأنا وال. ونحن ولاة وبالفتح النصرة يقال هم على ولاية إذا اجتمعوا على النصرة. وتكون الولاية بالكسر على هذا المعنى عند الجمهور، وجعلها سيبويه اسماً لما توليته وقمت به. والمولى ابن العم، والعاصب، والحليف والناصر، والجار. والولي وزان فعيل ضد العدو من وليه إذا قام به يكون بمعنى فاعل وبمعنى مفعول فمن الأول الله ولي الذين آمنوا، ومن الثاني المؤمن ولي الله للمطيع له. وكل من ولى أمر غيره فهو وليه. ويطلق على ابن العم والناصر والصديق والمحب. تقول توليته إذا جعلته ولياً. ومنه: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم). كل هذا من الصحاح والقاموس والأساس والمصباح. المطلب الثاني: تعريف الولاية والولي اصطلاحا وأما تعريف الولي في الاصطلاح: فقد عرفه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: (وقد قيل إن الولي سمي ولياً من موالاته للطاعات أي متابعته لها ويقابل الولي العدو على أساس من القرب والبعد) . وقال الإمام الشوكاني في تفسيره: (والمراد بأولياء الله خلقه المؤمنين كأنهم قربوا من الله سبحانه بطاعته واجتناب معصيته وقد فسر سبحانه هؤلاء الأولياء بقوله: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس: 63] أي يؤمنون بما يجب الإيمان به ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من معاصي الله سبحانه) . وقال الدكتور إبراهيم هلال: (وهذا المعنى الذي يدور بين الحب والقرب هو الذي أراده القرآن الكريم من كلمة ولي ومشتقاتها في كل موضع أتى بها فيه سواء في جانب أولياء الله أو في جانب أولياء أعداء الله وأعداء الشيطان) . وقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن لله أولياء من الناس وللشيطان أولياء ففرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فقد قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62-64]. وقال تعالى: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]. وذكر أولياء الشيطان فقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 98-100]. وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]. وقال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]. [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية