الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35429" data-attributes="member: 329"><p>وعلى هذا فالتقسيم الصحيح للناس في هذه الحياة الدنيا هو أنهم ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما وهو أن أي أحد من الإنس أو الجن في هذه الحياة إما أن يكون وليا لله وإما أن يكون عدواً لله وليست الولاية محصورة في أشخاص معينين كما يزعم الصوفية ذلك بل ما نعتقده هو أن أي مسلم يؤمن بالله وبرسوله وينفذ أوامر الله ويجتنب نواهيه فهو ولي من أولياء الله سبحانه وتعالى.</p><p>ثم إن من شرط ولاية الله سبحانه وتعالى هو أن يؤمن الإنسان بالله وبرسوله وأن يتبع الرسول في الظاهر والباطن وكل من يدعي محبة الله وولايته بدون متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كاذب مفتر دجال وليس من أولياء الله بل هو من أولياء الشيطان قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} [آل عمران: 31]</p><p>قال الحسن البصري رحمه الله:</p><p>(ادعى قوم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية محنة لهم وقد بين الله فيها أن من اتبع الرسول يحبه ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فليس من أولياء الله وإن كان كثير من الناس يظنون في أنفسهم أو غيرهم أنهم من أولياء الله ولا يكونون من أولياء الله.</p><p>فاليهود والنصارى يدعون أنهم أولياء الله وأنه لا يدخل الجنة إلا من كان معهم بل يدعون أنهم أبناؤه وأحباؤه.</p><p>وكان مشركو العرب يدعون أنهم أهل الله لسكناهم مكة ومجاورتهم البيت وكانوا يستكبرون على غيرهم) .</p><p>ولكن الصوفية خصصوا لولاية الله سبحانه وتعالى أعداداً معينة في حدود الأربعين أو الثلاثمائة أو غيرها من الأعداد التي يذكرها المتصوفة لمن يطلقون عليهم أنهم أولياء الله وأصبحوا يصفونهم بأوصاف لا تليق إلا بالله سبحانه وتعالى حيث ادعوا بأن الأولياء يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون تصرفاً مطلقاً ويدعون ويستغاث بهم من دون الله وهذه كلها معتقدات فاسدة دخيلة على الإسلام جلبها المتصوفة من الطوائف الوثنية الضالة التي تعبد البشر من دون الله. </p><p>(وولاية الله موافقته بأن تحب ما يحب وتبغض ما يبغض وتكره ما يكره وتسخط ما يسخط وتوالي من يوالي وتعادي من يعادي) .</p><p>(والمراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته) .</p><p>وقال ابن القيم رحمه الله: (فالولاية هي عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه) .</p><p>وقال أيضاً رحمه الله: (فولي الله هو القريب منه المختص به) .</p><p>وقال ابن تيمية رحمه الله: (والولاية هي الإيمان والتقوى المتضمنة للتقرب بالفرائض والنوافل) .</p><p>وقال أيضاً رحمه الله: (فولي الله من والاه بالموافقة له في محبوباته ومرضاته وتقرب إليه بما أمر به من طاعته) .</p><p>وقال السيوطي رحمه الله: (وهو العارف بالله حسب ما يمكن، المواظب على الطاعات المجتنب للمعاصي المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات) . </p><p>المطلب الثالث: اجتماع الولاية والعداوة</p><p>وتجتمع في المؤمن ولاية من وجه، وعداوة من وجه، كما قد يكون فيه كفر وإيمان، وشرك وتوحيد، وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان. وإن كان في هذا الأصل نزاع لفظي بين أهل السنة، ونزاع معنوي بينهم وبين أهل البدع، كما تقدم في الإيمان. ولكن موافقة الشارع في اللفظ والمعنى - أولى من موافقته في المعنى وحده، قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106 ]. وقال تعالى: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات: 14]، الآية. وقد تقدم الكلام على هذه الآية، وأنهم ليسوا منافقين على أصح القولين. وقال صلى الله عليه وسلم: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)) وفي رواية: ((وإذا ائتمن خان))، بدل: ((وإذا وعد أخلف)). أخرجاه في الصحيحين . وحديث شعب الإيمان... وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) .</p><p>فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار، وإن كان معه كثير من النفاق، فهو يعذب في النار على قدر ما معه من ذلك، ثم يخرج من النار.</p><p>فالطاعات من شعب الإيمان، والمعاصي من شعب الكفر، وإن كان رأس شعب الكفر الجحود، ورأس شعب الإيمان التصديق.</p><p>وأما ما يروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من جماعة اجتمعت إلا وفيهم ولي لله، لا هم يدرون به، ولا هو يدري بنفسه)) -: فلا أصل له، وهو كلام باطل، فإن الجماعة قد يكونون كفارا، وقد يكونون فساقا يموتون على الفسق. </p><p>المبحث الثاني: شروط الولي</p><p>لا يكون وليا لله إلا من آمن بالرسول وبما جاء به واتبعه باطنا وظاهرا ومن ادعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه فليس من أولياء الله؛ بل من خالفه كان من أعداء الله وأولياء الشيطان قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] قال الحسن البصري رحمه الله ادعى قوم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية محنة لهم وقد بين الله فيها أن من اتبع الرسول فإن الله يحبه ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فليس من أولياء الله وإن كان كثير من الناس يظنون في أنفسهم أو في غيرهم أنهم من أولياء الله ولا يكونون من أولياء الله فاليهود والنصارى يدعون أنهم أولياء الله وأحباؤه. قال تعالى: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ} الآية [المائدة: 18]. وقال تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} إلى قوله {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 111، 112]. وكان مشركو العرب يدعون أنهم أهل الله لسكناهم مكة ومجاورتهم البيت وكانوا يستكبرون به على غيرهم كما قال تعالى {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:66، 67] وقال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ} إلى قوله {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ}[الأنفال:30-34] فبين سبحانه أن المشركين ليسوا أولياءه ولا أولياء بيته إنما أولياؤه المتقون. وثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جهارا من غير سر: ((إن آل فلان ليسوا لي بأولياء - يعني طائفة من أقاربه - إنما وليي الله وصالح المؤمنين)) وهذا موافق لقوله تعالى {فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} الآية. وصالح المؤمنين هو من كان صالحا من المؤمنين وهم المؤمنون المتقون أولياء الله. ودخل في ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا ألفا وأربعمائة وكلهم في الجنة كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة)) ومثل هذا الحديث الآخر: ((إن أوليائي المتقون أيا كانوا وحيث كانوا)) . كما أن من الكفار من يدعي أنه ولي الله وليس وليا لله؛ بل عدو له فكذلك من المنافقين الذين يظهرون الإسلام يقرون في الظاهر بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه مرسل إلى جميع الإنس؛ بل إلى الثقلين الإنس والجن ويعتقدون في الباطن ما يناقض ذلك مثل ألا يقروا في الباطن بأنه رسول الله وإنما كان ملكا مطاعا ساس الناس برأيه من جنس غيره من الملوك أو يقولون إنه رسول الله إلى الأميين دون أهل الكتاب كما يقوله كثير من اليهود والنصارى أو أنه مرسل إلى عامة الخلق وأن لله أولياء خاصة لم يرسل إليهم ولا يحتاجون إليه؛ بل لهم طريق إلى الله من غير جهته كما كان الخضر مع موسى أو أنهم يأخذون عن الله كل ما يحتاجون إليه وينتفعون به من غير واسطة أو أنه مرسل بالشرائع الظاهرة وهم موافقون له فيها وأما الحقائق الباطنة فلم يرسل بها أو لم يكن يعرفها أو هم أعرف بها منه أو يعرفونها مثل ما يعرفها من غير طريقته...</p><p>والمقصود هنا أن فيمن يقر برسالته العامة في الظاهر من يعتقد في الباطن ما يناقض ذلك فيكون منافقا وهو يدعي في نفسه وأمثاله أنهم أولياء الله مع كفرهم في الباطن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إما عنادا وإما جهلا كما أن كثيرا من النصارى واليهود يعتقدون أنهم أولياء الله وأن محمدا رسول الله؛ ولكن يقولون إنما أرسل إلى غير أهل الكتاب وأنه لا يجب علينا اتباعه لأنه أرسل إلينا رسلا قبله فهؤلاء كلهم كفار مع أنهم يعتقدون في طائفتهم أنهم أولياء الله وإنما أولياء الله الذين وصفهم الله تعالى بولايته بقوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}[يونس: 62، 63].</p><p>ولا بد في الإيمان من أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويؤمن بكل رسول أرسله الله وكل كتاب أنزله الله فلا بد في الإيمان من أن تؤمن أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لا نبي بعده وأن الله أرسله إلى جميع الثقلين الجن والإنس فكل من لم يؤمن بما جاء به فليس بمؤمن؛ فضلا عن أن يكون من أولياء الله المتقين؛ ومن آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض فهو كافر ليس بمؤمن كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[النساء:150-152] ومن الإيمان به الإيمان بأنه الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه. ووعده ووعيده وحلاله وحرامه؛ فالحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فمن اعتقد أن لأحد من الأولياء طريقا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر من أولياء الشيطان... وفي أصناف المشركين من مشركي العرب ومشركي الهند والترك واليونان وغيرهم من له اجتهاد في العلم والزهد والعبادة؛ ولكن ليس بمتبع للرسل ولا يؤمن بما جاءوا به ولا يصدقهم بما أخبروا به ولا يطيعهم فيما أمروا فهؤلاء ليسوا بمؤمنين ولا أولياء لله وهؤلاء تقترن بهم الشياطين وتنزل عليهم فيكاشفون الناس ببعض الأمور ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر وهم من جنس الكهان والسحرة الذين تنزل عليهم الشياطين. قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء:221-223]. وهؤلاء جميعهم الذين ينتسبون إلى المكاشفات وخوارق العادات إذا لم يكونوا متبعين للرسل فلا بد أن يكذبوا وتكذبهم شياطينهم. ولا بد أن يكون في أعمالهم ما هو إثم وفجور مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة؛ ولهذا تنزلت عليهم الشياطين واقترنت بهم فصاروا من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن. قال الله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين} [الزخرف:36] وذكر الرحمن هو الذكر الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم مثل القرآن فمن لم يؤمن بالقرآن ويصدق خبره ويعتقد وجوب أمره فقد أعرض عنه فيقيض له الشيطان فيقترن به... </p><p>وإذا كان العبد لا يكون وليا لله إلا إذا كان مؤمنا تقيا لقوله تعالى {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62-63] وفي صحيح البخاري الحديث المشهور - وقد تقدم - يقول الله تبارك وتعالى فيه: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) ولا يكون مؤمنا تقيا حتى يتقرب إلى الله بالفرائض فيكون من الأبرار أهل اليمين ثم بعد ذلك لا يزال يتقرب بالنوافل حتى يكون من السابقين المقربين فمعلوم أن أحدا من الكفار والمنافقين لا يكون وليا لله. وكذلك من لا يصح إيمانه وعباداته وإن قدر أنه لا إثم عليه مثل أطفال الكفار ومن لم تبلغه الدعوة - وإن قيل إنهم لا يعذبون حتى يرسل إليهم رسول - فلا يكونون من أولياء الله إلا إذا كانوا من المؤمنين المتقين؛ فمن لم يتقرب إلى الله لا بفعل الحسنات ولا بترك السيئات لم يكن من أولياء الله. وكذلك المجانين والأطفال؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يحتلم. وعن النائم حتى يستيقظ)) . وهذا الحديث قد رواه أهل السنن من حديث علي وعائشة رضي الله عنهما . واتفق أهل المعرفة على تلقيه بالقبول. لكن الصبي المميز تصح عباداته ويثاب عليها عند جمهور العلماء. وأما المجنون الذي رفع عنه القلم فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء. ولا يصح منه إيمان ولا كفر ولا صلاة ولا غير ذلك من العبادات؛ بل لا يصلح هو عند عامة العقلاء لأمور الدنيا كالتجارة والصناعة. فلا يصلح أن يكون بزازا ولا عطارا ولا حدادا ولا نجارا ولا تصح عقوده باتفاق العلماء. فلا يصح بيعه ولا شراؤه ولا نكاحه ولا طلاقه ولا إقراره ولا شهادته. ولا غير ذلك من أقواله بل أقواله كلها لغو لا يتعلق بها حكم شرعي ولا ثواب ولا عقاب. بخلاف الصبي المميز فإن له أقوالا معتبرة في مواضع بالنص والإجماع وفي مواضع فيها نزاع. وإذا كان المجنون لا يصح منه الإيمان ولا التقوى ولا التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل وامتنع أن يكون وليا فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنه ولي لله؛ لا سيما أن تكون حجته على ذلك إما مكاشفة سمعها منه أو نوع من تصرف مثل أن يراه قد أشار إلى واحد فمات أو صرع؛ فإنه قد علم أن الكفار والمنافقين - من المشركين وأهل الكتاب - لهم مكاشفات وتصرفات شيطانية كالكهان والسحرة وعباد المشركين وأهل الكتاب فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص وليا لله وإن لم يعلم منه ما يناقض ولاية الله فكيف إذا علم منه ما يناقض ولاية الله مثل أن يعلم أنه لا يعتقد وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا؛ بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر دون الحقيقة الباطنة. أو يعتقد أن لأولياء الله طريقا إلى الله غير طريق الأنبياء عليهم السلام. أو يقول: إن الأنبياء ضيقوا الطريق أو هم على قدوة العامة دون الخاصة ونحو ذلك مما يقوله بعض من يدعي الولاية فهؤلاء فيهم من الكفر ما يناقض الإيمان. فضلا عن ولاية الله عز وجل. فمن احتج بما يصدر عن أحدهم من خرق عادة على ولايتهم كان أضل من اليهود والنصارى.</p><p>وإن كان له في حال إفاقته فيه كفر أو نفاق أو كان كافرا أو منافقا ثم طرأ عليه الجنون فهذا فيه من الكفر والنفاق ما يعاقب عليه وجنونه لا يحبط عنه ما يحصل منه حال إفاقته من كفر أو نفاق. </p><p>وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات فلا يتميزون بلباس دون لباس إذا كان كلاهما مباحا ولا بحلق شعر أو تقصيره أو ظفره إذا كان مباحا كما قيل: كم من صديق في قباء وكم من زنديق في عباء؛ بل يوجدون في جميع أصناف أمة محمد صلى الله عليه وسلم إذا لم يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور فيوجدون في أهل القرآن وأهل العلم ويوجدون في أهل الجهاد والسيف ويوجدون في التجار والصناع والزراع. وقد ذكر الله أصناف أمة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}[المزمل:20].......</p><p>وليس من شرط ولي الله أن يكون معصوما لا يغلط ولا يخطئ؛ بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين حتى يحسب بعض الأمور مما أمر الله به ومما نهى الله عنه ويجوز أن يظن في بعض الخوارق أنها من كرامات أولياء الله تعالى وتكون من الشيطان لبسها عليه لنقص درجته ولا يعرف أنها من الشيطان وإن لم يخرج بذلك عن ولاية الله تعالى؛ فإن الله سبحانه وتعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه......</p><p>ولهذا لما كان ولي الله يجوز أن يغلط لم يجب على الناس الإيمان بجميع ما يقوله من هو ولي لله لئلا يكون نبيا؛ بل ولا يجوز لولي الله أن يعتمد على ما يلقى إليه في قلبه إلا أن يكون موافقا للشرع وعلى ما يقع له مما يراه إلهاما ومحادثة وخطابا من الحق؛ بل يجب عليه أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فإن وافقه قبله وإن خالفه لم يقبله وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف؟ توقف فيه. والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف طرفان ووسط؛ فمنهم من إذا اعتقد في شخص أنه ولي لله وافقه في كل ما يظن أنه حدث به قلبه عن ربه وسلم إليه جميع ما يفعله ومنهم من إذا رآه قد قال أو فعل ما ليس بموافق للشرع أخرجه عن ولاية الله بالكلية وإن كان مجتهدا مخطئا وخيار الأمور أوساطها وهو أن لا يجعل معصوما ولا مأثوما إذا كان مجتهدا مخطئا فلا يتبع في كل ما يقوله ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده. والواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله وأما إذا خالف قول بعض الفقهاء ووافق قول آخرين لم يكن لأحد أن يلزمه بقول المخالف ويقول هذا خالف الشرع........</p><p>وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم فإن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه يجب لهم الإيمان بجميع ما يخبرون به عن الله عز وجل وتجب طاعتهم فيما يأمرون به؛ بخلاف الأولياء فإنهم لا تجب طاعتهم في كل ما يأمرون به ولا الإيمان بجميع ما يخبرون به؛ بل يعرض أمرهم وخبرهم على الكتاب والسنة فما وافق الكتاب والسنة وجب قبوله وما خالف الكتاب والسنة كان مردودا وإن كان صاحبه من أولياء الله وكان مجتهدا معذورا فيما قاله له أجر على اجتهاده. لكنه إذا خالف الكتاب والسنة كان مخطئا وكان من الخطإ المغفور إذا كان صاحبه قد اتقى الله ما استطاع؛ فإن الله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:16]......... وهذا الذي ذكرته من أن أولياء الله يجب عليهم الاعتصام بالكتاب والسنة وأنه ليس فيهم معصوم يسوغ له أو لغيره اتباع ما يقع في قلبه من غير اعتبار بالكتاب والسنة هو مما اتفق عليه أولياء الله عز وجل من خالف في هذا فليس من أولياء الله سبحانه الذين أمر الله باتباعهم؛ بل إما أن يكون كافرا وإما أن يكون مفرطا في الجهل. وهذا كثير في كلام المشايخ كقول الشيخ أبي سليمان الداراني: إنه ليقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين: الكتاب والسنة. وقال أبو القاسم الجنيد رحمة الله عليه: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصلح له أن يتكلم في علمنا أو قال: لا يقتدى به. وقال أبو عثمان النيسابوري من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة؛ لأن الله تعالى يقول في كلامه القديم {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54] وقال أبو عمرو بن نجيد: كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل. وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولي لله ويظن أن ولي الله يقبل منه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يفعله وإن خالف الكتاب والسنة فيوافق ذلك الشخص له ويخالف ما بعث الله به رسوله الذي فرض الله على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر وجعله الفارق بين أوليائه وأعدائه وبين أهل الجنة وأهل النار وبين السعداء والأشقياء فمن اتبعه كان من أولياء الله المتقين وجنده المفلحين وعباده الصالحين؛ ومن لم يتبعه كان من أعداء الله الخاسرين المجرمين فتجره مخالفة الرسول وموافقة ذلك الشخص أولا إلى البدعة والضلال وآخرا إلى الكفر والنفاق </p><p>المطلب الأول: أقسام الأولياء</p><p>أولياء الله على طبقتين سابقون مقربون وأصحاب يمين مقتصدون. ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز في أول سورة الواقعة وآخرها وفي سورة الإنسان؛ والمطففين وفي سورة فاطر فإنه سبحانه وتعالى ذكر في الواقعة القيامة الكبرى في أولها وذكر القيامة الصغرى في آخرها فقال في أولها {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثّاً وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ}[الواقعة:1-14] فهذا تقسيم الناس إذا قامت القيامة الكبرى التي يجمع الله فيها الأولين والآخرين كما وصف الله سبحانه ذلك في كتابه في غير موضع. ثم قال تعالى في آخر السورة: {فَلَوْلَا} أي: فهلا {إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:83-96].......</p><p>وأولياء الله تعالى على نوعين: مقربون وأصحاب يمين كما تقدم. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عمل القسمين في حديث الأولياء فقال ((يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)) . فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون إليه بالفرائض يفعلون ما أوجب الله عليهم ويتركون ما حرم الله عليهم ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات؛ ولا الكف عن فضول المباحات. وأما السابقون المقربون فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض ففعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب حبا تاما كما قال تعالى: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) يعني الحب المطلق كقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6، 7] أي أنعم عليهم الإنعام المطلق التام المذكور في قوله تعالى {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً} [النساء: 69] فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم طاعات يتقربون بها إلى الله عز وجل فكانت أعمالهم كلها عبادات لله فشربوا صرفا كما عملوا له صرفا والمقتصدون كان في أعمالهم ما فعلوه لنفوسهم فلا يعاقبون عليه ولا يثابون عليه فلم يشربوا صرفا؛ بل مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا......</p><p>وقد ذكر الله تعالى أولياءه المقتصدين والسابقين في سورة فاطر في قوله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر32-35] لكن هذه الأصناف الثلاثة في هذه الآية هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة كما قال تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر:32]. وأمة محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين أورثوا الكتاب بعد الأمم المتقدمة وليس ذلك مختصا بحفاظ القرآن؛ بل كل من آمن بالقرآن فهو من هؤلاء وقسمهم إلى ظالم لنفسه ومقتصد وسابق؛ بخلاف الآيات التي في الواقعة والمطففين والانفطار فإنه دخل فيها جميع الأمم المتقدمة كافرهم ومؤمنهم </p><p>تمهيد</p><p>إذا كان أولياء الله هم المؤمنين المتقين فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى فمن كان أكمل إيمانا وتقوى كان أكمل ولاية لله. فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق قال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة 124 ،125] وقال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}[التوبة:37] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:17] وقال تعالى في المنافقين {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} [البقرة:10]. فبين سبحانه وتعالى أن الشخص الواحد قد يكون فيه قسط من ولاية الله بحسب إيمانه؛ وقد يكون فيه قسط من عداوة الله بحسب كفره ونفاقه. وقال تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} [المدثر:31] وقال تعالى {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح:4]. </p><p>ومن الناس من يؤمن بالرسل إيمانا مجملا وأما الإيمان المفصل فيكون قد بلغه كثير مما جاءت به الرسل ولم يبلغه بعض ذلك فيؤمن بما بلغه عن الرسل وما لم يبلغه لم يعرفه ولو بلغه لآمن به؛ ولكن آمن بما جاءت به الرسل إيمانا مجملا فهذا إذا عمل بما علم أن الله أمره به مع إيمانه وتقواه فهو من أولياء الله تعالى له من ولاية الله بحسب إيمانه وتقواه وما لم تقم عليه الحجة فإن الله تعالى لم يكلفه معرفته والإيمان المفصل به فلا يعذبه على تركه؛ لكن يفوته من كمال ولاية الله بحسب ما فاته من ذلك فمن علم بما جاء به الرسل وآمن به إيمانا مفصلا وعمل به فهو أكمل إيمانا وولاية لله ممن لم يعلم ذلك مفصلا ولم يعمل به؛ وكلاهما ولي لله تعالى. والجنة درجات متفاضلة تفاضلا عظيما وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم. </p><p>مسألة: من أفضل الأولياء؟</p><p>وأفضل أولياء الله الأنبياء وأفضل الأنبياء المرسلون منهم وأفضل المرسلين أولو العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى:13] وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً} [الأحزاب:7- 8]. وأفضل أولي العزم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المتقين وسيد ولد آدم وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا وخطيبهم إذا وفدوا صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون وصاحب لواء الحمد وصاحب الحوض المورود وشفيع الخلائق يوم القيامة وصاحب الوسيلة والفضيلة الذي بعثه بأفضل كتبه وشرع له أفضل شرائع دينه وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس وجمع له ولأمته من الفضائل والمحاسن ما فرقه فيمن قبلهم وهم آخر الأمم خلقا وأول الأمم بعثا...وفضائله صلى الله عليه وسلم وفضائل أمته كثيرة ومن حين بعثه الله جعله الله الفارق بين أوليائه وبين أعدائه</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35429, member: 329"] وعلى هذا فالتقسيم الصحيح للناس في هذه الحياة الدنيا هو أنهم ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما وهو أن أي أحد من الإنس أو الجن في هذه الحياة إما أن يكون وليا لله وإما أن يكون عدواً لله وليست الولاية محصورة في أشخاص معينين كما يزعم الصوفية ذلك بل ما نعتقده هو أن أي مسلم يؤمن بالله وبرسوله وينفذ أوامر الله ويجتنب نواهيه فهو ولي من أولياء الله سبحانه وتعالى. ثم إن من شرط ولاية الله سبحانه وتعالى هو أن يؤمن الإنسان بالله وبرسوله وأن يتبع الرسول في الظاهر والباطن وكل من يدعي محبة الله وولايته بدون متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كاذب مفتر دجال وليس من أولياء الله بل هو من أولياء الشيطان قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} [آل عمران: 31] قال الحسن البصري رحمه الله: (ادعى قوم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية محنة لهم وقد بين الله فيها أن من اتبع الرسول يحبه ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فليس من أولياء الله وإن كان كثير من الناس يظنون في أنفسهم أو غيرهم أنهم من أولياء الله ولا يكونون من أولياء الله. فاليهود والنصارى يدعون أنهم أولياء الله وأنه لا يدخل الجنة إلا من كان معهم بل يدعون أنهم أبناؤه وأحباؤه. وكان مشركو العرب يدعون أنهم أهل الله لسكناهم مكة ومجاورتهم البيت وكانوا يستكبرون على غيرهم) . ولكن الصوفية خصصوا لولاية الله سبحانه وتعالى أعداداً معينة في حدود الأربعين أو الثلاثمائة أو غيرها من الأعداد التي يذكرها المتصوفة لمن يطلقون عليهم أنهم أولياء الله وأصبحوا يصفونهم بأوصاف لا تليق إلا بالله سبحانه وتعالى حيث ادعوا بأن الأولياء يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون تصرفاً مطلقاً ويدعون ويستغاث بهم من دون الله وهذه كلها معتقدات فاسدة دخيلة على الإسلام جلبها المتصوفة من الطوائف الوثنية الضالة التي تعبد البشر من دون الله. (وولاية الله موافقته بأن تحب ما يحب وتبغض ما يبغض وتكره ما يكره وتسخط ما يسخط وتوالي من يوالي وتعادي من يعادي) . (والمراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته) . وقال ابن القيم رحمه الله: (فالولاية هي عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه) . وقال أيضاً رحمه الله: (فولي الله هو القريب منه المختص به) . وقال ابن تيمية رحمه الله: (والولاية هي الإيمان والتقوى المتضمنة للتقرب بالفرائض والنوافل) . وقال أيضاً رحمه الله: (فولي الله من والاه بالموافقة له في محبوباته ومرضاته وتقرب إليه بما أمر به من طاعته) . وقال السيوطي رحمه الله: (وهو العارف بالله حسب ما يمكن، المواظب على الطاعات المجتنب للمعاصي المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات) . المطلب الثالث: اجتماع الولاية والعداوة وتجتمع في المؤمن ولاية من وجه، وعداوة من وجه، كما قد يكون فيه كفر وإيمان، وشرك وتوحيد، وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان. وإن كان في هذا الأصل نزاع لفظي بين أهل السنة، ونزاع معنوي بينهم وبين أهل البدع، كما تقدم في الإيمان. ولكن موافقة الشارع في اللفظ والمعنى - أولى من موافقته في المعنى وحده، قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106 ]. وقال تعالى: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات: 14]، الآية. وقد تقدم الكلام على هذه الآية، وأنهم ليسوا منافقين على أصح القولين. وقال صلى الله عليه وسلم: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)) وفي رواية: ((وإذا ائتمن خان))، بدل: ((وإذا وعد أخلف)). أخرجاه في الصحيحين . وحديث شعب الإيمان... وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) . فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار، وإن كان معه كثير من النفاق، فهو يعذب في النار على قدر ما معه من ذلك، ثم يخرج من النار. فالطاعات من شعب الإيمان، والمعاصي من شعب الكفر، وإن كان رأس شعب الكفر الجحود، ورأس شعب الإيمان التصديق. وأما ما يروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من جماعة اجتمعت إلا وفيهم ولي لله، لا هم يدرون به، ولا هو يدري بنفسه)) -: فلا أصل له، وهو كلام باطل، فإن الجماعة قد يكونون كفارا، وقد يكونون فساقا يموتون على الفسق. المبحث الثاني: شروط الولي لا يكون وليا لله إلا من آمن بالرسول وبما جاء به واتبعه باطنا وظاهرا ومن ادعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه فليس من أولياء الله؛ بل من خالفه كان من أعداء الله وأولياء الشيطان قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] قال الحسن البصري رحمه الله ادعى قوم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية محنة لهم وقد بين الله فيها أن من اتبع الرسول فإن الله يحبه ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فليس من أولياء الله وإن كان كثير من الناس يظنون في أنفسهم أو في غيرهم أنهم من أولياء الله ولا يكونون من أولياء الله فاليهود والنصارى يدعون أنهم أولياء الله وأحباؤه. قال تعالى: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ} الآية [المائدة: 18]. وقال تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} إلى قوله {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 111، 112]. وكان مشركو العرب يدعون أنهم أهل الله لسكناهم مكة ومجاورتهم البيت وكانوا يستكبرون به على غيرهم كما قال تعالى {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:66، 67] وقال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ} إلى قوله {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ}[الأنفال:30-34] فبين سبحانه أن المشركين ليسوا أولياءه ولا أولياء بيته إنما أولياؤه المتقون. وثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جهارا من غير سر: ((إن آل فلان ليسوا لي بأولياء - يعني طائفة من أقاربه - إنما وليي الله وصالح المؤمنين)) وهذا موافق لقوله تعالى {فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} الآية. وصالح المؤمنين هو من كان صالحا من المؤمنين وهم المؤمنون المتقون أولياء الله. ودخل في ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا ألفا وأربعمائة وكلهم في الجنة كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة)) ومثل هذا الحديث الآخر: ((إن أوليائي المتقون أيا كانوا وحيث كانوا)) . كما أن من الكفار من يدعي أنه ولي الله وليس وليا لله؛ بل عدو له فكذلك من المنافقين الذين يظهرون الإسلام يقرون في الظاهر بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه مرسل إلى جميع الإنس؛ بل إلى الثقلين الإنس والجن ويعتقدون في الباطن ما يناقض ذلك مثل ألا يقروا في الباطن بأنه رسول الله وإنما كان ملكا مطاعا ساس الناس برأيه من جنس غيره من الملوك أو يقولون إنه رسول الله إلى الأميين دون أهل الكتاب كما يقوله كثير من اليهود والنصارى أو أنه مرسل إلى عامة الخلق وأن لله أولياء خاصة لم يرسل إليهم ولا يحتاجون إليه؛ بل لهم طريق إلى الله من غير جهته كما كان الخضر مع موسى أو أنهم يأخذون عن الله كل ما يحتاجون إليه وينتفعون به من غير واسطة أو أنه مرسل بالشرائع الظاهرة وهم موافقون له فيها وأما الحقائق الباطنة فلم يرسل بها أو لم يكن يعرفها أو هم أعرف بها منه أو يعرفونها مثل ما يعرفها من غير طريقته... والمقصود هنا أن فيمن يقر برسالته العامة في الظاهر من يعتقد في الباطن ما يناقض ذلك فيكون منافقا وهو يدعي في نفسه وأمثاله أنهم أولياء الله مع كفرهم في الباطن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إما عنادا وإما جهلا كما أن كثيرا من النصارى واليهود يعتقدون أنهم أولياء الله وأن محمدا رسول الله؛ ولكن يقولون إنما أرسل إلى غير أهل الكتاب وأنه لا يجب علينا اتباعه لأنه أرسل إلينا رسلا قبله فهؤلاء كلهم كفار مع أنهم يعتقدون في طائفتهم أنهم أولياء الله وإنما أولياء الله الذين وصفهم الله تعالى بولايته بقوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}[يونس: 62، 63]. ولا بد في الإيمان من أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويؤمن بكل رسول أرسله الله وكل كتاب أنزله الله فلا بد في الإيمان من أن تؤمن أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لا نبي بعده وأن الله أرسله إلى جميع الثقلين الجن والإنس فكل من لم يؤمن بما جاء به فليس بمؤمن؛ فضلا عن أن يكون من أولياء الله المتقين؛ ومن آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض فهو كافر ليس بمؤمن كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[النساء:150-152] ومن الإيمان به الإيمان بأنه الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه. ووعده ووعيده وحلاله وحرامه؛ فالحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فمن اعتقد أن لأحد من الأولياء طريقا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر من أولياء الشيطان... وفي أصناف المشركين من مشركي العرب ومشركي الهند والترك واليونان وغيرهم من له اجتهاد في العلم والزهد والعبادة؛ ولكن ليس بمتبع للرسل ولا يؤمن بما جاءوا به ولا يصدقهم بما أخبروا به ولا يطيعهم فيما أمروا فهؤلاء ليسوا بمؤمنين ولا أولياء لله وهؤلاء تقترن بهم الشياطين وتنزل عليهم فيكاشفون الناس ببعض الأمور ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر وهم من جنس الكهان والسحرة الذين تنزل عليهم الشياطين. قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء:221-223]. وهؤلاء جميعهم الذين ينتسبون إلى المكاشفات وخوارق العادات إذا لم يكونوا متبعين للرسل فلا بد أن يكذبوا وتكذبهم شياطينهم. ولا بد أن يكون في أعمالهم ما هو إثم وفجور مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة؛ ولهذا تنزلت عليهم الشياطين واقترنت بهم فصاروا من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن. قال الله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين} [الزخرف:36] وذكر الرحمن هو الذكر الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم مثل القرآن فمن لم يؤمن بالقرآن ويصدق خبره ويعتقد وجوب أمره فقد أعرض عنه فيقيض له الشيطان فيقترن به... وإذا كان العبد لا يكون وليا لله إلا إذا كان مؤمنا تقيا لقوله تعالى {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62-63] وفي صحيح البخاري الحديث المشهور - وقد تقدم - يقول الله تبارك وتعالى فيه: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) ولا يكون مؤمنا تقيا حتى يتقرب إلى الله بالفرائض فيكون من الأبرار أهل اليمين ثم بعد ذلك لا يزال يتقرب بالنوافل حتى يكون من السابقين المقربين فمعلوم أن أحدا من الكفار والمنافقين لا يكون وليا لله. وكذلك من لا يصح إيمانه وعباداته وإن قدر أنه لا إثم عليه مثل أطفال الكفار ومن لم تبلغه الدعوة - وإن قيل إنهم لا يعذبون حتى يرسل إليهم رسول - فلا يكونون من أولياء الله إلا إذا كانوا من المؤمنين المتقين؛ فمن لم يتقرب إلى الله لا بفعل الحسنات ولا بترك السيئات لم يكن من أولياء الله. وكذلك المجانين والأطفال؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يحتلم. وعن النائم حتى يستيقظ)) . وهذا الحديث قد رواه أهل السنن من حديث علي وعائشة رضي الله عنهما . واتفق أهل المعرفة على تلقيه بالقبول. لكن الصبي المميز تصح عباداته ويثاب عليها عند جمهور العلماء. وأما المجنون الذي رفع عنه القلم فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء. ولا يصح منه إيمان ولا كفر ولا صلاة ولا غير ذلك من العبادات؛ بل لا يصلح هو عند عامة العقلاء لأمور الدنيا كالتجارة والصناعة. فلا يصلح أن يكون بزازا ولا عطارا ولا حدادا ولا نجارا ولا تصح عقوده باتفاق العلماء. فلا يصح بيعه ولا شراؤه ولا نكاحه ولا طلاقه ولا إقراره ولا شهادته. ولا غير ذلك من أقواله بل أقواله كلها لغو لا يتعلق بها حكم شرعي ولا ثواب ولا عقاب. بخلاف الصبي المميز فإن له أقوالا معتبرة في مواضع بالنص والإجماع وفي مواضع فيها نزاع. وإذا كان المجنون لا يصح منه الإيمان ولا التقوى ولا التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل وامتنع أن يكون وليا فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنه ولي لله؛ لا سيما أن تكون حجته على ذلك إما مكاشفة سمعها منه أو نوع من تصرف مثل أن يراه قد أشار إلى واحد فمات أو صرع؛ فإنه قد علم أن الكفار والمنافقين - من المشركين وأهل الكتاب - لهم مكاشفات وتصرفات شيطانية كالكهان والسحرة وعباد المشركين وأهل الكتاب فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص وليا لله وإن لم يعلم منه ما يناقض ولاية الله فكيف إذا علم منه ما يناقض ولاية الله مثل أن يعلم أنه لا يعتقد وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا؛ بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر دون الحقيقة الباطنة. أو يعتقد أن لأولياء الله طريقا إلى الله غير طريق الأنبياء عليهم السلام. أو يقول: إن الأنبياء ضيقوا الطريق أو هم على قدوة العامة دون الخاصة ونحو ذلك مما يقوله بعض من يدعي الولاية فهؤلاء فيهم من الكفر ما يناقض الإيمان. فضلا عن ولاية الله عز وجل. فمن احتج بما يصدر عن أحدهم من خرق عادة على ولايتهم كان أضل من اليهود والنصارى. وإن كان له في حال إفاقته فيه كفر أو نفاق أو كان كافرا أو منافقا ثم طرأ عليه الجنون فهذا فيه من الكفر والنفاق ما يعاقب عليه وجنونه لا يحبط عنه ما يحصل منه حال إفاقته من كفر أو نفاق. وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات فلا يتميزون بلباس دون لباس إذا كان كلاهما مباحا ولا بحلق شعر أو تقصيره أو ظفره إذا كان مباحا كما قيل: كم من صديق في قباء وكم من زنديق في عباء؛ بل يوجدون في جميع أصناف أمة محمد صلى الله عليه وسلم إذا لم يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور فيوجدون في أهل القرآن وأهل العلم ويوجدون في أهل الجهاد والسيف ويوجدون في التجار والصناع والزراع. وقد ذكر الله أصناف أمة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}[المزمل:20]....... وليس من شرط ولي الله أن يكون معصوما لا يغلط ولا يخطئ؛ بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين حتى يحسب بعض الأمور مما أمر الله به ومما نهى الله عنه ويجوز أن يظن في بعض الخوارق أنها من كرامات أولياء الله تعالى وتكون من الشيطان لبسها عليه لنقص درجته ولا يعرف أنها من الشيطان وإن لم يخرج بذلك عن ولاية الله تعالى؛ فإن الله سبحانه وتعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه...... ولهذا لما كان ولي الله يجوز أن يغلط لم يجب على الناس الإيمان بجميع ما يقوله من هو ولي لله لئلا يكون نبيا؛ بل ولا يجوز لولي الله أن يعتمد على ما يلقى إليه في قلبه إلا أن يكون موافقا للشرع وعلى ما يقع له مما يراه إلهاما ومحادثة وخطابا من الحق؛ بل يجب عليه أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فإن وافقه قبله وإن خالفه لم يقبله وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف؟ توقف فيه. والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف طرفان ووسط؛ فمنهم من إذا اعتقد في شخص أنه ولي لله وافقه في كل ما يظن أنه حدث به قلبه عن ربه وسلم إليه جميع ما يفعله ومنهم من إذا رآه قد قال أو فعل ما ليس بموافق للشرع أخرجه عن ولاية الله بالكلية وإن كان مجتهدا مخطئا وخيار الأمور أوساطها وهو أن لا يجعل معصوما ولا مأثوما إذا كان مجتهدا مخطئا فلا يتبع في كل ما يقوله ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده. والواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله وأما إذا خالف قول بعض الفقهاء ووافق قول آخرين لم يكن لأحد أن يلزمه بقول المخالف ويقول هذا خالف الشرع........ وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم فإن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه يجب لهم الإيمان بجميع ما يخبرون به عن الله عز وجل وتجب طاعتهم فيما يأمرون به؛ بخلاف الأولياء فإنهم لا تجب طاعتهم في كل ما يأمرون به ولا الإيمان بجميع ما يخبرون به؛ بل يعرض أمرهم وخبرهم على الكتاب والسنة فما وافق الكتاب والسنة وجب قبوله وما خالف الكتاب والسنة كان مردودا وإن كان صاحبه من أولياء الله وكان مجتهدا معذورا فيما قاله له أجر على اجتهاده. لكنه إذا خالف الكتاب والسنة كان مخطئا وكان من الخطإ المغفور إذا كان صاحبه قد اتقى الله ما استطاع؛ فإن الله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:16]......... وهذا الذي ذكرته من أن أولياء الله يجب عليهم الاعتصام بالكتاب والسنة وأنه ليس فيهم معصوم يسوغ له أو لغيره اتباع ما يقع في قلبه من غير اعتبار بالكتاب والسنة هو مما اتفق عليه أولياء الله عز وجل من خالف في هذا فليس من أولياء الله سبحانه الذين أمر الله باتباعهم؛ بل إما أن يكون كافرا وإما أن يكون مفرطا في الجهل. وهذا كثير في كلام المشايخ كقول الشيخ أبي سليمان الداراني: إنه ليقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين: الكتاب والسنة. وقال أبو القاسم الجنيد رحمة الله عليه: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصلح له أن يتكلم في علمنا أو قال: لا يقتدى به. وقال أبو عثمان النيسابوري من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة؛ لأن الله تعالى يقول في كلامه القديم {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54] وقال أبو عمرو بن نجيد: كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل. وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولي لله ويظن أن ولي الله يقبل منه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يفعله وإن خالف الكتاب والسنة فيوافق ذلك الشخص له ويخالف ما بعث الله به رسوله الذي فرض الله على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر وجعله الفارق بين أوليائه وأعدائه وبين أهل الجنة وأهل النار وبين السعداء والأشقياء فمن اتبعه كان من أولياء الله المتقين وجنده المفلحين وعباده الصالحين؛ ومن لم يتبعه كان من أعداء الله الخاسرين المجرمين فتجره مخالفة الرسول وموافقة ذلك الشخص أولا إلى البدعة والضلال وآخرا إلى الكفر والنفاق المطلب الأول: أقسام الأولياء أولياء الله على طبقتين سابقون مقربون وأصحاب يمين مقتصدون. ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز في أول سورة الواقعة وآخرها وفي سورة الإنسان؛ والمطففين وفي سورة فاطر فإنه سبحانه وتعالى ذكر في الواقعة القيامة الكبرى في أولها وذكر القيامة الصغرى في آخرها فقال في أولها {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثّاً وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ}[الواقعة:1-14] فهذا تقسيم الناس إذا قامت القيامة الكبرى التي يجمع الله فيها الأولين والآخرين كما وصف الله سبحانه ذلك في كتابه في غير موضع. ثم قال تعالى في آخر السورة: {فَلَوْلَا} أي: فهلا {إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:83-96]....... وأولياء الله تعالى على نوعين: مقربون وأصحاب يمين كما تقدم. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عمل القسمين في حديث الأولياء فقال ((يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)) . فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون إليه بالفرائض يفعلون ما أوجب الله عليهم ويتركون ما حرم الله عليهم ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات؛ ولا الكف عن فضول المباحات. وأما السابقون المقربون فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض ففعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب حبا تاما كما قال تعالى: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) يعني الحب المطلق كقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6، 7] أي أنعم عليهم الإنعام المطلق التام المذكور في قوله تعالى {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً} [النساء: 69] فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم طاعات يتقربون بها إلى الله عز وجل فكانت أعمالهم كلها عبادات لله فشربوا صرفا كما عملوا له صرفا والمقتصدون كان في أعمالهم ما فعلوه لنفوسهم فلا يعاقبون عليه ولا يثابون عليه فلم يشربوا صرفا؛ بل مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا...... وقد ذكر الله تعالى أولياءه المقتصدين والسابقين في سورة فاطر في قوله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر32-35] لكن هذه الأصناف الثلاثة في هذه الآية هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة كما قال تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر:32]. وأمة محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين أورثوا الكتاب بعد الأمم المتقدمة وليس ذلك مختصا بحفاظ القرآن؛ بل كل من آمن بالقرآن فهو من هؤلاء وقسمهم إلى ظالم لنفسه ومقتصد وسابق؛ بخلاف الآيات التي في الواقعة والمطففين والانفطار فإنه دخل فيها جميع الأمم المتقدمة كافرهم ومؤمنهم تمهيد إذا كان أولياء الله هم المؤمنين المتقين فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى فمن كان أكمل إيمانا وتقوى كان أكمل ولاية لله. فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق قال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة 124 ،125] وقال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}[التوبة:37] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:17] وقال تعالى في المنافقين {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} [البقرة:10]. فبين سبحانه وتعالى أن الشخص الواحد قد يكون فيه قسط من ولاية الله بحسب إيمانه؛ وقد يكون فيه قسط من عداوة الله بحسب كفره ونفاقه. وقال تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} [المدثر:31] وقال تعالى {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح:4]. ومن الناس من يؤمن بالرسل إيمانا مجملا وأما الإيمان المفصل فيكون قد بلغه كثير مما جاءت به الرسل ولم يبلغه بعض ذلك فيؤمن بما بلغه عن الرسل وما لم يبلغه لم يعرفه ولو بلغه لآمن به؛ ولكن آمن بما جاءت به الرسل إيمانا مجملا فهذا إذا عمل بما علم أن الله أمره به مع إيمانه وتقواه فهو من أولياء الله تعالى له من ولاية الله بحسب إيمانه وتقواه وما لم تقم عليه الحجة فإن الله تعالى لم يكلفه معرفته والإيمان المفصل به فلا يعذبه على تركه؛ لكن يفوته من كمال ولاية الله بحسب ما فاته من ذلك فمن علم بما جاء به الرسل وآمن به إيمانا مفصلا وعمل به فهو أكمل إيمانا وولاية لله ممن لم يعلم ذلك مفصلا ولم يعمل به؛ وكلاهما ولي لله تعالى. والجنة درجات متفاضلة تفاضلا عظيما وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم. مسألة: من أفضل الأولياء؟ وأفضل أولياء الله الأنبياء وأفضل الأنبياء المرسلون منهم وأفضل المرسلين أولو العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى:13] وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً} [الأحزاب:7- 8]. وأفضل أولي العزم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المتقين وسيد ولد آدم وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا وخطيبهم إذا وفدوا صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون وصاحب لواء الحمد وصاحب الحوض المورود وشفيع الخلائق يوم القيامة وصاحب الوسيلة والفضيلة الذي بعثه بأفضل كتبه وشرع له أفضل شرائع دينه وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس وجمع له ولأمته من الفضائل والمحاسن ما فرقه فيمن قبلهم وهم آخر الأمم خلقا وأول الأمم بعثا...وفضائله صلى الله عليه وسلم وفضائل أمته كثيرة ومن حين بعثه الله جعله الله الفارق بين أوليائه وبين أعدائه [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية