الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35434" data-attributes="member: 329"><p>ويقول –في موضع آخر-: (الانحراف عن الوسط كثير في أكثر الأمور في أغلب الناس) .</p><p>ثالثاً: يتبين من خلال النظر في الفروع المذكورة أن الإفراط والتشديد يفضي إلى التفريط والتساهل، وأن تحريم الحلال يؤول إلى ارتكاب الحرام.</p><p>كما وضحه ابن تيمية بقوله: (وهكذا من غلا في الزهد والورع حتى خرج عن الحد الشرعي، ينتهي أمره إلى الرغبة الفاسدة وانتهاك المحارم كما قد رئي ذلك وجرب) .</p><p>فالرافضة – مثلاً – حرمت نكاح المحصنات من أهل الكتاب، فاستحلت الزنا والفواحش باسم المتعة، وقد أشار ابن بطة إلى ذلك بقوله: (ثم إن الروافض تشبهت باليهود في تحريم ما أحل الله، وردوا على الله قوله... ولعل الأكثر منهم ممن يحرم هذا يزني ويشرب الخمر) .</p><p>كما آل أهل الورع الفاسد – الذين زعموا أن أكل الحلال متعذر – إلى الإباحية، فصار الحلال ما حل بأيديهم والحرام ما حرموا، وسبب ذلك كما بينه ابن تيمية بقوله عنهم: (لأنهم ظنوا مثل هذا الظن الفاسد وهو أن الحرام قد طبق الأرض، ورأوا أنه لابد للإنسان من الطعام والكسوة، فصاروا يتناولون ذلك من حيث أمكنهم، فلينظر العاقل عاقبة ذلك الورع الفاسد، كيف أورث الانحلال من دين الإسلام) .</p><p>رابعاً: نلحظ من خلال إيراد تلك الفروع ما كان عليه السلف الصالح من تعظيم السنة وتوقيرها، وذلك بإظهارها ونشرها لاسيما عند خفائها واندراسها.</p><p>ومن ذلك أن الإمام سفيان الثوري كان يقول: (إذا كنت بالشام فاذكر مناقب علي، وإذا كنت بالكوفة فاذكر مناقب أبي بكر وعمر) .</p><p>وكما مر آنفاً أن الإمام أحمد بن حنبل أظهر في بغداد تحريم النبيذ – من غير العنب مما يسكر كثيره – فألف كتاب الأشربة، حتى إن الرجل يدخل بغداد فيقول: هل فيها من يحرم النبيذ؟ فيقولون: لا، إلا أحمد بن حنبل.</p><p>ومما يحسن ذكره هاهنا ما سطره ابن تيمية قائلاً: (وأعظم ما نقمه الناس على بني أمية شيئان: أحدهما: تكلمهم في علي، والثاني: تأخير الصلاة عن وقتها.</p><p>ولهذا رئي عمر بن مرة الجملي بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر له بمحافظتي على الصلوات في مواقيتها، وحبي علي بن أبي طالب، فهذا حافظ على هاتين السنتين حين ظهر خلافهما، فغفر الله له بذلك، وهكذا شأن من تمسك بالسنة إذا ظهرت البدعة، مثل من تمسك بحب الخلفاء الثلاثة حيث يظهر خلاف ذلك وما أشبهه) .</p><p>خامساً: يتمثل من خلال الفروع المذكورة شذة حرص السلف الصالح على إظهار مخالفة الكفار والمبتدعة، وأن إظهار مجانبة سبيل الكافرين والمبتدعين أمر مقصود سواء كان في العقائد أو الفروع.</p><p>ومن ذلك أن مقالة ابن عباس رضي الله عنهما: لا أعلم صلاة تنبغي من أحد على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنما قالها لما ظهرت الشيعة وصارت تظهر الصلاة على علي دون غيره، كما سبق إيراده.</p><p>وكان أئمة السلف يذكرون ما يتميزون به في عقائدهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (من شأن المصنفين في العقائد المختصرة على مذهب أهل السنة والجماعة أن يذكروا ما يتميز به أهل السنة عن الكفار والمبتدعين) .</p><p>فإن كان هؤلاء الأئمة يذكرون تميزهم في الاعتقاد، فكذلك يذكرون تميزهم في الفروع عن المخالفين من المبتدعة والكافرين.</p><p>لاسيما وأن الأدلة الشرعية تذم عموم الابتداع في الدين سواء كان في العقائد أو غيرها كما حرره الشاطبي .</p><p>كما أن ظهور البدع سبب في خفاء السنة وانطماسها، كما في حديث غضيف بن الحارث– رضي الله عنه – قال: بعث إلى عبد الملك بن مروان فقال: إنا قد جمعنا على رفع الأيدي على المنبر يوم الجمعة، وعلى القصص بعد الصبح والعصر، فقال: أما إنهما أمثل بدعكم عندي ولست بمجيبكم إلى شيء منهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أحدث قوم بدعة إلا رفع من السنة مثلها. فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة)) .</p><p>قال الحافظ ابن حجر معلقاً على القصة: (وإذا كان هذا جواب هذا الصحابي في أمر له أصل في السنة، فما ظنك بما لا أصل له فيها. فكيف بما يشتمل على ما يخالفها؟) .</p><p>سادساً: وكما حذر السلف من مخالفة الكفار والمبتدعين، حذروا أيضاً من أرباب الأقوال الإمام الأوزاعي: (من أخذ بقول أهل الكوفة في النبيذ، وبقول أهل مكة في الصرف، وبقول أهل المدينة في الغناء، فقد جمع الشر كله) .</p><p>وكما قال عبد الله بن المبارك: (لا تأخذوا عن أهل مكة في الصرف شيئاً، ولا عن أهل المدينة في الغناء شيئاً) .</p><p>وذلك أن أهل الكوفة عرفوا بإباحة النبيذ – من غير العنب مما يسكر كثيره – كما أن أهل مكة أجازوا الصرف، حيث نسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه أجاز ربا الفضل . كما عرف بعض أهل المدينة بالترخص في الغناء .</p><p>فهذه الرخصة – كما يقول ابن القيم – (تتبعها حرام، ويوهن الطلب، ويرجع بالمترخص إلى غثاثة الرخص) .</p><p>سابعاً: نلحظ من خلال النظر في تلك الفروع – المذكورة في كتب الاعتقاد – تفاوتها كما ونوعاً، وتنوعها حسب تباين هذه الكتب زماناً ومكاناً وحالاً، فمن الفروع ما يكثر إيراده دون غيره، ومن الفروع ما يذكر في مصنف دون مصنف آخر، فهذا التفاوت والتباين حسب الأحوال والملابسات التي تصاحب تأليف هذه المصنفات.</p><p>ثامناً: يبدو– من خلال تتبع الأمثلة المذكورة في الفروع – أن أعظم طوائف المبتدعة انحرافاً في الأصول والاعتقاد هم أعظم انحرافاً في الفروع؛ فالرافضة – مثلاً – أشد ضلالاً من الخوارج والمعتزلة في الاعتقاد، ومن ثم كانت مخالفتهم وشذوذهم في المسائل الفقهية سواء في العبادات أو المعاملات أكثر وأظهر.</p><p>تاسعاً: يظهر من خلال بعض الفروع الواردة – ما كان عليه السلف الصالح من ذم الحيل المفضية إلى الحرام وما فيها من المخادعة والاستخفاف بشرع الله تعالى، والصد عن سبيل الله تعالى، وشماتة أعداء الإسلام وتسلطهم، كما هو ظاهر في نكاح التحليل، كما يظهر أيضاً عناية السلف الصالح بقاعدة سد الذرائع علماً وتحقيقاً.</p><p>قال الشاطبي: (سد الذرائع مطلوب مشروع، وهو أصل من الأصول القطعية في الشرع) .</p><p>وقال ابن القيم: (وإذا تدبرت الشريع وجدتها قد أتت بسد الذرائع إلى المحرمات، وذلك عكس فتح باب الحيل الموصلة إليها، فالحيل وسائل وأبواب إلى المحرمات، وسد الذرائع عكس ذلك، فبين البابين أعظم تناقض، والشارع حرم الذرائع، وإن لم يقصد بها المحرم، لإفضائها إليه، فكيف إذا قصد بها المحرم نفسه؟) .</p><p>وحذر ابن القيم من التوثب على محارم الله تعالى باسم الحيل فقال: (فحقيق بمن اتقى الله وخاف نكاله أن يحذر استحلال محارم الله بأنواع المكر والاحتيال، وأن يعلم أنه لا يخلصه من الله ما أظهره مكراً وخديعة من الأقوال والأفعال، وأن يعلم أن لله يوماً تنسف فيه الجبال، وتترادف فيه الأهوال، وتشهد فيه الجوارح والأوصال، وتبلى فيه السرائر، ويصير الباطن فيه ظاهراً، ويحصل ويبدو ما في الصدور، كما يبعثر ويخرج ما في القبور، وتجري أحكام الرب تعالى هنالك على القصود والنيات، كما جرت أحكامه في هذه الدار على ظواهر الأقوال والحركات، يوم تبيض وجوه بما في قلوب أصحابها من النصيحة لله ورسوله وكتابه، وما فيها من البر والصدق والإخلاص للكبير المتعال، وتسود وجوه بما في قلوب أصحابها من الخديعة والغش والكذب والمكر والاحتيال، هنالك يعلم المخادعون أنهم لأنفسهم كانوا يخدعون، وبدينهم كانوا يعلبون، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون) . </p><p>الباب السادس: الإيمان بالجن</p><p>الفصل الأول التعريف بالجن</p><p>المبحث الأول: تعريف الجن في اللغة</p><p>الجن بالكسر: اسم جنس جمعي واحده جني، وهو مأخوذ من الاجتنان، وهو التستر والاستخفاء. وقد سموا بذلك لاجتنانهم من الناس فلا يرون، والجمع جنان وهم الجنة .</p><p>و على هذا فهم ضد الإنس، لأن الإنس سمي بذلك لظهوره, وإدراك البصر إياه، فيقال: آنست الشيء: إذا أبصرته. </p><p>ويقال: لا جنَّ بهذا الأمر: أي لا خفاء به ولا ستر. </p><p>والمجن بالكسر: هو الترس، لأن المقاتل يستتر به من الرامي والطاعن وغير ذلك. وكل شيء وقيت به نفسك واستترت به فهو جنة . ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((.. والصيام جنة)) . أي وقاية، لأنه يقي صاحبه من المعاصي.</p><p>وجن الرجل جنوناً وأجنه الله فهو مجنون: إذا خفي عقله واستتر، وجن الرجل كذلك: أعجب بنفسه حتى يصير كالمجنون من شدة إعجابه. وقال القتيبي: وأحسب قول الشنفري من هذا: </p><p>فلو جن إنسان من الحسن جنت .. </p><p>أسماء الجن في لغة العرب: </p><p>قال ابن عبد البر: (الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان على مراتب: </p><p>1- فإذا ذكروا الجن خالصاً قالوا جني. </p><p>2- فإذا أرادوا أنه مما يسكن مع الناس، قالوا: عامر والجمع عمار. </p><p>3- فإن كان مما يعرض للصبيان قالوا: أرواح. </p><p>4- فإن خبث وتعرض قالوا: شيطان. </p><p>5- فإن زاد أمره على ذلك وقوي أمره قالوا: عفريت </p><p>المبحث الثاني: تعريف الجن اصطلاحا</p><p>ورد لفظ الجن في القرآن الكريم في آيات كثيرة, وسميت باسمهم سورة هي سورة الجن، وورد في السنة المطهرة كذلك ذكر الجن في مواضع متعددة، وكل ذلك إنما يدل على أهمية هذا المخلوق، إذ أنه يشاطر الإنس في التكليف، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [ الذاريات: 56]، و على هذا فما هو هذا المخلوق؟. </p><p> يستخلص من التعريفات المتعددة للجن: بأنهم نوع من الأرواح العاقلة, المريدة, المكلفة على نحو ما عليه الإنسان، مجردون عن المادة، مستترون عن الحواس، لا يرون على طبيعتهم, ولا بصورتهم الحقيقية، ولهم قدرة على التشكل، يأكلون, ويشربون, ويتناكحون, ولهم ذرية، محاسبون على أعمالهم في الآخرة.</p><p>وهذا التعريف يعطي الصفات البارزة لهذا العالم الذي نجهل الكثير عن طبيعة حياته، لأنه غائب عن حواسنا، ...</p><p>وبناء على ما تقدم فإن الجن خلق يغاير طبيعة البشر من حيث الشكل وأصل المادة التي خلقوا منها، إذ أنهم مخلوقون من النار، بعكس الإنسان الذي خلق من الطين قال تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} [ الرحمن: 14- 15]. </p><p>وكذلك فإن هذا المخلوق له حياته الخاصة من حيث الطعام والشراب، يختلف فيها عن الإنسان، وغير ذلك مما يختص به من الصفات.. </p><p>الفصل الثاني: الإيمان بوجود الجن</p><p> المبحث الأول: الأدلة السمعية على وجود الجن</p><p>أفاض القرآن الكريم والسنة النبوية في الحديث عن الجن وأحوالهم في مواضع كثيرة, فقد ورد ذكرهم في القرآن في مواضع متعددة تقرب من أربعين موضعاً عدا عن الآيات التي تحدثت عن الشيطان وهي كثيرة، وانفردت سورة كاملة للحديث عن أحوال النفر الذين استمعوا للقرآن من الرسول عليه الصلاة والسلام وهو بمكة هي سورة الجن، إذ ورد في مطلعها إخبار الله لنبيه باستماع هذا النفر للقرآن, قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}[ الجن:1 -2]. </p><p>واعتبرهم القرآن نوعاً آخر يشترك مع الإنسان في التكليف وإن اختلف عنهم في الصفات, فجاءت كثير من خطابات التكليف شاملة للجن والإنس قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. وقال: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا} [ الأنعام: 130]، ورتب القرآن الجزاء لهم حسب أعمالهم في الدنيا فقال: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [ السجدة: 13]، وقال في معرض الحديث عن نعيم الجنة: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [ الرحمن: 56]. وتحدى الله الجن والإنس أن يأتوا بمثل هذا القرآن فقال: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [ الإسراء: 88]، واستنكر القرآن المزاعم التي تقول بأن الجن يعلمون الغيب فقال في معرض الحديث عن موت سليمان عليه السلام: {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [ سبأ: 14]. وغير ذلك من الآيات التي تحدثت عن أحوال هذا المخلوق. </p><p>ومعلوم أن القرآن الكريم قد ثبتت صحته، لأنه منقول إلينا بالتواتر، فعلى هذا الأساس لا مجال لإنكار هذا النوع من المخلوقات متى كان الخبر صادقاً، وإنكارهم يكون تكذيباً لخبر الله عنهم دون حجة أو برهان، وذلك لا يكون إلا من سمات الجاهلين أو الكافرين، ووجودهم بشكل قاطع لا يحتمل التأويل بأي شكل من الأشكال .</p><p>وأما السنة النبوية فقد ورد ذكرهم في أحاديث كثيرة، وهذه الأحاديث بمجملها تبين أحوال هذا المخلوق، من حيث المادة التي خلقوا منها، ومن حيث طعامهم وشرابهم وتناسلهم ومطالبتهم بالتكاليف الشرعية، ومحاسبتهم في الآخرة، بالإضافة إلى الأحاديث التي تبين إمكانية رؤيتهم بمختلف الصور التي يتشكلون فيها، وغيرها من الأحاديث التي تشرح أحوالهم، قال الدميري: (واعلم أن الأحاديث في وجود الجن والشياطين لا تحصى، وكذلك أشعار العرب وأخبارها، فالنزاع في ذلك مكابرة فيما هو معلوم بالتواتر) .</p><p>فمن حيث بيان أصل المادة التي خلقوا منها، فقد أورد الإمام مسلم في صحيحه من حديث عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلقت الملائكة من نور, وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم)) . وما ورد من الأحاديث في تكليم الرسول صلى الله عليه وسلم الجن وقراءته القرآن عليهم ودعوتهم إلى الله في أكثر من مرة، وقد كان ابن مسعود رفيقاً للرسول عليه السلام في كثير منها ...</p><p>وهذه الأحاديث في كثير منها أحاديث صحيحة، رواها الثقات من الصحابة والتابعين عن الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، فلا مجال لتكذيبها أو تأويلها تأويلاً فاسداً يخرج عن المقصود منها. </p><p>وقد فصلت هذه الأحاديث كثيراً من أحوال الجن وصفاتهم، ومتى ثبتت صحتها، فإن المكذب بها يكون مكذباً للقرآن، الذي نص على وجوب الإيمان بما أخبر به عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [ التغابن: 8]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [ النساء: 136]. </p><p>تنبيه: </p><p>على أن هذه الأدلة السمعية الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في وجود الجن، لها في نفس الوقت دلالات حسية كذلك على وجودهم، إذ قد ثبت رؤيتهم له عليه السلام ولنفر من أصحابة الذين رافقوه عند ذهابه لتكليم الجن وقراءة القرآن عليهم، ومثل هذا قد حصل لأبي هريرة عندما جاءه الشيطان في صورة رجل فقير فجعل يحثو من مال الصدقة ... وكما ورد عن ابن عباس ((أن امرأة جاءت بابن لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا به جنون، وأنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيخبث علينا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا، فثع ثعة، وخرج من جوفه مثل الجرو الأسود يسعى)) .</p><p>فهذه قصة سمعية من جهة، حسية من جهة أخرى، حيث دلت على رؤية الحاضرين للجني على شكل جرو أسود يسعى، وما حصل ذلك من أخذ الرسول عليه السلام للشيطان وخنقه إياه عندما جاءه ليقطع صلاته، حتى وجد برد لعابه على يديه الشريفتين. </p><p>وغير ذلك من الروايات التي تحمل دلالات حسية على رؤية الجن مما لا يجعل مجالاً للشك في وجودهم. </p><p>المبحث الثاني: الأدلة العقلية</p><p>إن العقل لا يمنع من وجود عوالم غائبة عن حِسِّنا، لأنه قد ثبت وجود أشياء كثيرة في هذا الكون لا يراها الإنسان ولكنه يحس بوجودها، وعدم رؤية الإنسان لشيء من الأشياء لا يستلزم عدم وجوده، والقاعدة العلمية تقول: عدم العلم بوجود شيء لا يستلزم عدم وجوده. أي عدم رؤيتك للشيء الذي تبحث عنه لا يستلزم أن يكون بحد ذاته مفقوداً، إذ أن الموجودات أعظم من المشاهدات، أي ليس كل الموجودات خاضعة لحاسة الرؤية، أو لمطلق الحواس، وإلا لوجب على الإنسان أن يؤمن بوجود السيارة مثلاً ما دامت واقفة أمامه، فإذا ما سار بها قائدها وابتعدت حتى خرجت عن سلطان المشاهدة والحواس وجب إنكار وجودها،... فإذا ظهر لك برهان علمي قاطع يجزم بأحد طرفي وجود ذلك الشيء أو عدمه، فإن من العبث أن تقارع ذلك البرهان القاطع بجهلك السابق .</p><p>وقد ثبت عن طريق القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن طريق السنة الصحيحة وجود عالم يختلف عن الإنسان يسمى عالم الجن، وهذا القرآن ليس من تأليف الرسول عليه السلام, أو من تأليف أحد من البشر على الإطلاق، فعندئذ وجب التصديق بهذا الإخبار الصحيح عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا اعتبار بجهل الإنسان بهذا العالم ما دام المخبر صادقاً. </p><p>ولا يدعي إنسان عاقل على الإطلاق أنه رأى الميكروبات بالعين المجردة التي لا ترى إلا بالمجهر بعد تكبيرها آلاف المرات، لأن السبب في عدم رؤيتها أن حاسة البصر عند الإنسان غير مؤهلة لهذه الرؤية، ما دامت الرؤية لهذا البصر محدودة في مجال العالم المشهود للإنسان، قال محمد رشيد رضا: (ولو كان الاستدلال بعدم رؤية الشيء على عدم وجوده صحيحاً وأصلاً ينبغي للعقلاء الاعتماد عليه، لما بحث عاقل في الدنيا عما في الوجود من المواد والقوى المجهولة، ولما كشفت هذه الميكروبات التي ارتقت بها علوم الطب والجراحة إلى الدرجة التي وصلت إليها، ولا تزال قابلة للارتقاء بكشف أمثالها، ولما عرفت الكهرباء التي أحدث كشفها هذا التأثير العظيم في الحضارة، ولولم تكشف الميكروبات – وأخبر أمثالهم بها في القرون الخالية – لعدوه مجنوناً، وجزموا باستحالة وجود أحياء لا ترى، إذ يوجد في نقطة الماء ألوف الألوف منها، وأنها تدخل في الأبدان من خرطوم البعوضة أو البرغوث.. الخ، كما أن ما يجزم به علماء الكهرباء من تأثيرها في تكوين العوالم، وما تعرفه الشعوب الكثيرة الآن من تخاطب الناس بها من البلاد البعيدة بآلات التلغراف والتليفون اللاسكلية – كله مما لم يكن يتصوره عقل، وقد وقع بالفعل) . ويقول أيضاً: (ويعجبني قول الدكتور (فانديك) في كلامه عن الحواس الخمس إذ يقول: لو كانت لنا حواس أخر فوق الخمس التي لنا، لربما توصلنا بها إلى معرفة أشياء كثيرة لا نقدر على إدراكها بالحواس الخمسة التي نملكها، ولو كانت حواسنا الموجودة أحدَّ مما عليه لربما أفادتنا أكثر مما تفيدنا وهي على حالتنا الحاضرة، ولو كان سمعنا أحدَّ لربما سمعنا أصواتاً تأتينا من عالم غير هذا الذي نحن فيه) ، ولكن حكمة الله اقتضت أن تكون حواسنا كما هي عليه الآن.</p><p>وقد أثبتت التجارب وجود أشياء كثيرة في هذا الكون مع أن الإنسان لا يراها، فالكهرب الذي يسري في السلك موجود ولكننا لا نراه، والموجات الصوتية التي تنتقل عبر الأثير نحس بها ونلمس آثارها، خاصة في هذا العصر الذي ارتقت فيه المعارف والعلوم ارتقاء عجيباً... وباسم المنهج التجريبي في البحث أنكر كثير من المنتسبين له وجود مخلوقات تسمى بالملائكة والجن، ولم يكن لهم حجة يلجأون إليها في إنكار ذلك إلا أنهم لم يشاهدوها ولم يضعوها تحت المجهر أو في أنابيب الاختبار، ليجروا عليها التجارب، في الوقت الذي يتحدثون فيه للبشرية عن وجود الجاذبية والمغناطيسية والكهرب، وغيرها من الأشياء التي تغيب عن حواسنا، ولقد أخطأت الحضارة الغربية وغيرها من الحضارات المادية عندما آمنت بالعقل وجحدت ما سواه, وعاشت تحت ظلال وثنية عقلية، هي أخطر ألوان الوثنيات وأشدها إذلالاً وإهدارا للقيم الإنسانية العليا، وهذا العقل الذي عبدته هذه الحضارة شيء عظيم حقاً في عالم الحس والمشاهدة، لأنهما يخضعان لهذا العقل في مجال التجربة والاختبار، أما ما وراء الحس والمشاهدة، فلا مجال للعقل أن يحكم على ذلك بالظنون والتخرصات، و في الوقت الذي نجد فيه إبداع هذه الحضارة المادية في مجال الماديات، نجدها في الجانب الآخر قد تعثرت تعثرا مضحكاً في المعنويات والأخلاقيات والعبادات، و في كافة ما يتصل بأمور الغيب كالروح والإلهام والوحي، لأنها أمور فوق الحس والمشاهدة .. </p><p>المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن</p><p>انقسم الناس قديماً وحديثاً في أمر الجن إلى مذاهب شتى، فما بين مثبت لوجودهم، أو منكر، أو مؤول لهم بشتى التأويلات الفاسدة، أو مغالٍ في قدرتهم وسلطانهم في الأرض، إلى غير ذلك من المذاهب والتصريفات المختلفة في شأن هذا المخلوق. </p><p>ويمكن إجمال هذه المذاهب فيما يلي: ...</p><p>1- مذهب أهل السنة والجماعة: </p><p>الذي عليه أهل السنة والجماعة من المسلمين وهو إثبات وجود مخلوقات غائبة عن حواسنا تسمى الجن، وأنها لا تظهر إلا أذا تشكلت في صور غير صورها في بعض الأحوال ولبعض الناس، وأنها مخلوقات عاقلة مكلفة بالتكاليف الشرعية على نحو ما عليه البشر، وأنهم يأكلون, ويشربون, ويتناكحون ولهم ذرية، قال ابن حزم: (لكن لما أخبرت الرسل الذين شهد الله عز وجل بصدقهم بما أبدى على أيديهم من المعجزات المحلية للطبائع بنص الله عز وجل وعلى وجود الجن في العالم، وجب ضرورة العلم بخلقهم ووجودهم، وقد جاء النص بذلك وبأنهم أمة عاقلة مميزة، متعبدة، موعودة متوعدة، متناسلة، يموتون. وأجمع المسلمون كلهم على ذلك) .</p><p>ويقول ابن تيمية: (لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم.. إلى أن يقول: وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواتراً معلوماً بالاضطرار، ومعلوم بالاضطرار أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون، ليسوا صفات وأعراضاً قائمة بلإنسان أو غيره كما يزعم بعض الملاحدة) . ويقول ابن حجر الهيتمي: (وأما الجان فأهل السنة والجماعة يؤمنون بوجودهم) .</p><p>وقد تقدم كثير من الأدلة التي يستند إليها أهل السنة والجماعة في إثبات وجود الجن، سواء كانت هذه الأدلة مأخوذة من القرآن أو السنة، بالإضافة إلى دلالة الإجماع على ذلك ...</p><p> 2- مذهب جمهور الكفار: </p><p>كعامة أهل الكتاب والمجوس، وجمهور الكنعانيين, واليونانيين, والرومان, والهنود القدماء, وعامة مشركي العرب: الإقرار بوجود الجن، مع انحراف في تصورهم عن هذا المخلوق. </p><p>هذه الطوائف المختلفة أقرت بوجود الجن، ولكن إقرارهم هذا صاحبه تصورات فاسدة ومنحرفة، فمنهم من اعتبر أن الجن شركاء لله في الخلق والتدبير، ومنهم من اعتبر أن للجن سلطاناً في الأرض, وأنهم يعلمون الغيب، ومنهم من أثبت أخوة بين الله وإبليس - تعالى الله عن ذلك- إلى غير ذلك من التصورات المنحرفة.. </p><p>3- مذهب أكثر الفلاسفة والأطباء وجماعة من القدرية: </p><p>والمعتزلة والجهمية، وكافة الزنادقة قديماً وحديثاً: إنكار الجن، بالإضافة إلى نفر قد أولوا النصوص الدالة على وجود الجن تأويلاً يدل على إنكارهم، كما سيأتي: </p><p>قال الإمام القرطبي: (وقد أنكر جماع من كفرة الأطباء والفلاسفة الجن وقالوا: إنهم بسائط، ولا يصح طعامهم، اجتراء على الله وافتراء، والقرآن والسنة ترد عليهم) وقال ابن تيمية: (وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن، أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى فهم مقرون بهم كإقرار المسلمين, وإن وجد فيهم من ينكر ذلك، وكما يوجد في المسلمين من ينكر ذلك، كما يوجد في طوائف المسلمين كالجهمية والمعتزلة من ينكر ذلك، وإن كان جمهور الطائفة وأئمتها مقرين بذلك) .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35434, member: 329"] ويقول –في موضع آخر-: (الانحراف عن الوسط كثير في أكثر الأمور في أغلب الناس) . ثالثاً: يتبين من خلال النظر في الفروع المذكورة أن الإفراط والتشديد يفضي إلى التفريط والتساهل، وأن تحريم الحلال يؤول إلى ارتكاب الحرام. كما وضحه ابن تيمية بقوله: (وهكذا من غلا في الزهد والورع حتى خرج عن الحد الشرعي، ينتهي أمره إلى الرغبة الفاسدة وانتهاك المحارم كما قد رئي ذلك وجرب) . فالرافضة – مثلاً – حرمت نكاح المحصنات من أهل الكتاب، فاستحلت الزنا والفواحش باسم المتعة، وقد أشار ابن بطة إلى ذلك بقوله: (ثم إن الروافض تشبهت باليهود في تحريم ما أحل الله، وردوا على الله قوله... ولعل الأكثر منهم ممن يحرم هذا يزني ويشرب الخمر) . كما آل أهل الورع الفاسد – الذين زعموا أن أكل الحلال متعذر – إلى الإباحية، فصار الحلال ما حل بأيديهم والحرام ما حرموا، وسبب ذلك كما بينه ابن تيمية بقوله عنهم: (لأنهم ظنوا مثل هذا الظن الفاسد وهو أن الحرام قد طبق الأرض، ورأوا أنه لابد للإنسان من الطعام والكسوة، فصاروا يتناولون ذلك من حيث أمكنهم، فلينظر العاقل عاقبة ذلك الورع الفاسد، كيف أورث الانحلال من دين الإسلام) . رابعاً: نلحظ من خلال إيراد تلك الفروع ما كان عليه السلف الصالح من تعظيم السنة وتوقيرها، وذلك بإظهارها ونشرها لاسيما عند خفائها واندراسها. ومن ذلك أن الإمام سفيان الثوري كان يقول: (إذا كنت بالشام فاذكر مناقب علي، وإذا كنت بالكوفة فاذكر مناقب أبي بكر وعمر) . وكما مر آنفاً أن الإمام أحمد بن حنبل أظهر في بغداد تحريم النبيذ – من غير العنب مما يسكر كثيره – فألف كتاب الأشربة، حتى إن الرجل يدخل بغداد فيقول: هل فيها من يحرم النبيذ؟ فيقولون: لا، إلا أحمد بن حنبل. ومما يحسن ذكره هاهنا ما سطره ابن تيمية قائلاً: (وأعظم ما نقمه الناس على بني أمية شيئان: أحدهما: تكلمهم في علي، والثاني: تأخير الصلاة عن وقتها. ولهذا رئي عمر بن مرة الجملي بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر له بمحافظتي على الصلوات في مواقيتها، وحبي علي بن أبي طالب، فهذا حافظ على هاتين السنتين حين ظهر خلافهما، فغفر الله له بذلك، وهكذا شأن من تمسك بالسنة إذا ظهرت البدعة، مثل من تمسك بحب الخلفاء الثلاثة حيث يظهر خلاف ذلك وما أشبهه) . خامساً: يتمثل من خلال الفروع المذكورة شذة حرص السلف الصالح على إظهار مخالفة الكفار والمبتدعة، وأن إظهار مجانبة سبيل الكافرين والمبتدعين أمر مقصود سواء كان في العقائد أو الفروع. ومن ذلك أن مقالة ابن عباس رضي الله عنهما: لا أعلم صلاة تنبغي من أحد على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنما قالها لما ظهرت الشيعة وصارت تظهر الصلاة على علي دون غيره، كما سبق إيراده. وكان أئمة السلف يذكرون ما يتميزون به في عقائدهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (من شأن المصنفين في العقائد المختصرة على مذهب أهل السنة والجماعة أن يذكروا ما يتميز به أهل السنة عن الكفار والمبتدعين) . فإن كان هؤلاء الأئمة يذكرون تميزهم في الاعتقاد، فكذلك يذكرون تميزهم في الفروع عن المخالفين من المبتدعة والكافرين. لاسيما وأن الأدلة الشرعية تذم عموم الابتداع في الدين سواء كان في العقائد أو غيرها كما حرره الشاطبي . كما أن ظهور البدع سبب في خفاء السنة وانطماسها، كما في حديث غضيف بن الحارث– رضي الله عنه – قال: بعث إلى عبد الملك بن مروان فقال: إنا قد جمعنا على رفع الأيدي على المنبر يوم الجمعة، وعلى القصص بعد الصبح والعصر، فقال: أما إنهما أمثل بدعكم عندي ولست بمجيبكم إلى شيء منهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أحدث قوم بدعة إلا رفع من السنة مثلها. فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة)) . قال الحافظ ابن حجر معلقاً على القصة: (وإذا كان هذا جواب هذا الصحابي في أمر له أصل في السنة، فما ظنك بما لا أصل له فيها. فكيف بما يشتمل على ما يخالفها؟) . سادساً: وكما حذر السلف من مخالفة الكفار والمبتدعين، حذروا أيضاً من أرباب الأقوال الإمام الأوزاعي: (من أخذ بقول أهل الكوفة في النبيذ، وبقول أهل مكة في الصرف، وبقول أهل المدينة في الغناء، فقد جمع الشر كله) . وكما قال عبد الله بن المبارك: (لا تأخذوا عن أهل مكة في الصرف شيئاً، ولا عن أهل المدينة في الغناء شيئاً) . وذلك أن أهل الكوفة عرفوا بإباحة النبيذ – من غير العنب مما يسكر كثيره – كما أن أهل مكة أجازوا الصرف، حيث نسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه أجاز ربا الفضل . كما عرف بعض أهل المدينة بالترخص في الغناء . فهذه الرخصة – كما يقول ابن القيم – (تتبعها حرام، ويوهن الطلب، ويرجع بالمترخص إلى غثاثة الرخص) . سابعاً: نلحظ من خلال النظر في تلك الفروع – المذكورة في كتب الاعتقاد – تفاوتها كما ونوعاً، وتنوعها حسب تباين هذه الكتب زماناً ومكاناً وحالاً، فمن الفروع ما يكثر إيراده دون غيره، ومن الفروع ما يذكر في مصنف دون مصنف آخر، فهذا التفاوت والتباين حسب الأحوال والملابسات التي تصاحب تأليف هذه المصنفات. ثامناً: يبدو– من خلال تتبع الأمثلة المذكورة في الفروع – أن أعظم طوائف المبتدعة انحرافاً في الأصول والاعتقاد هم أعظم انحرافاً في الفروع؛ فالرافضة – مثلاً – أشد ضلالاً من الخوارج والمعتزلة في الاعتقاد، ومن ثم كانت مخالفتهم وشذوذهم في المسائل الفقهية سواء في العبادات أو المعاملات أكثر وأظهر. تاسعاً: يظهر من خلال بعض الفروع الواردة – ما كان عليه السلف الصالح من ذم الحيل المفضية إلى الحرام وما فيها من المخادعة والاستخفاف بشرع الله تعالى، والصد عن سبيل الله تعالى، وشماتة أعداء الإسلام وتسلطهم، كما هو ظاهر في نكاح التحليل، كما يظهر أيضاً عناية السلف الصالح بقاعدة سد الذرائع علماً وتحقيقاً. قال الشاطبي: (سد الذرائع مطلوب مشروع، وهو أصل من الأصول القطعية في الشرع) . وقال ابن القيم: (وإذا تدبرت الشريع وجدتها قد أتت بسد الذرائع إلى المحرمات، وذلك عكس فتح باب الحيل الموصلة إليها، فالحيل وسائل وأبواب إلى المحرمات، وسد الذرائع عكس ذلك، فبين البابين أعظم تناقض، والشارع حرم الذرائع، وإن لم يقصد بها المحرم، لإفضائها إليه، فكيف إذا قصد بها المحرم نفسه؟) . وحذر ابن القيم من التوثب على محارم الله تعالى باسم الحيل فقال: (فحقيق بمن اتقى الله وخاف نكاله أن يحذر استحلال محارم الله بأنواع المكر والاحتيال، وأن يعلم أنه لا يخلصه من الله ما أظهره مكراً وخديعة من الأقوال والأفعال، وأن يعلم أن لله يوماً تنسف فيه الجبال، وتترادف فيه الأهوال، وتشهد فيه الجوارح والأوصال، وتبلى فيه السرائر، ويصير الباطن فيه ظاهراً، ويحصل ويبدو ما في الصدور، كما يبعثر ويخرج ما في القبور، وتجري أحكام الرب تعالى هنالك على القصود والنيات، كما جرت أحكامه في هذه الدار على ظواهر الأقوال والحركات، يوم تبيض وجوه بما في قلوب أصحابها من النصيحة لله ورسوله وكتابه، وما فيها من البر والصدق والإخلاص للكبير المتعال، وتسود وجوه بما في قلوب أصحابها من الخديعة والغش والكذب والمكر والاحتيال، هنالك يعلم المخادعون أنهم لأنفسهم كانوا يخدعون، وبدينهم كانوا يعلبون، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون) . الباب السادس: الإيمان بالجن الفصل الأول التعريف بالجن المبحث الأول: تعريف الجن في اللغة الجن بالكسر: اسم جنس جمعي واحده جني، وهو مأخوذ من الاجتنان، وهو التستر والاستخفاء. وقد سموا بذلك لاجتنانهم من الناس فلا يرون، والجمع جنان وهم الجنة . و على هذا فهم ضد الإنس، لأن الإنس سمي بذلك لظهوره, وإدراك البصر إياه، فيقال: آنست الشيء: إذا أبصرته. ويقال: لا جنَّ بهذا الأمر: أي لا خفاء به ولا ستر. والمجن بالكسر: هو الترس، لأن المقاتل يستتر به من الرامي والطاعن وغير ذلك. وكل شيء وقيت به نفسك واستترت به فهو جنة . ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((.. والصيام جنة)) . أي وقاية، لأنه يقي صاحبه من المعاصي. وجن الرجل جنوناً وأجنه الله فهو مجنون: إذا خفي عقله واستتر، وجن الرجل كذلك: أعجب بنفسه حتى يصير كالمجنون من شدة إعجابه. وقال القتيبي: وأحسب قول الشنفري من هذا: فلو جن إنسان من الحسن جنت .. أسماء الجن في لغة العرب: قال ابن عبد البر: (الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان على مراتب: 1- فإذا ذكروا الجن خالصاً قالوا جني. 2- فإذا أرادوا أنه مما يسكن مع الناس، قالوا: عامر والجمع عمار. 3- فإن كان مما يعرض للصبيان قالوا: أرواح. 4- فإن خبث وتعرض قالوا: شيطان. 5- فإن زاد أمره على ذلك وقوي أمره قالوا: عفريت المبحث الثاني: تعريف الجن اصطلاحا ورد لفظ الجن في القرآن الكريم في آيات كثيرة, وسميت باسمهم سورة هي سورة الجن، وورد في السنة المطهرة كذلك ذكر الجن في مواضع متعددة، وكل ذلك إنما يدل على أهمية هذا المخلوق، إذ أنه يشاطر الإنس في التكليف، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [ الذاريات: 56]، و على هذا فما هو هذا المخلوق؟. يستخلص من التعريفات المتعددة للجن: بأنهم نوع من الأرواح العاقلة, المريدة, المكلفة على نحو ما عليه الإنسان، مجردون عن المادة، مستترون عن الحواس، لا يرون على طبيعتهم, ولا بصورتهم الحقيقية، ولهم قدرة على التشكل، يأكلون, ويشربون, ويتناكحون, ولهم ذرية، محاسبون على أعمالهم في الآخرة. وهذا التعريف يعطي الصفات البارزة لهذا العالم الذي نجهل الكثير عن طبيعة حياته، لأنه غائب عن حواسنا، ... وبناء على ما تقدم فإن الجن خلق يغاير طبيعة البشر من حيث الشكل وأصل المادة التي خلقوا منها، إذ أنهم مخلوقون من النار، بعكس الإنسان الذي خلق من الطين قال تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} [ الرحمن: 14- 15]. وكذلك فإن هذا المخلوق له حياته الخاصة من حيث الطعام والشراب، يختلف فيها عن الإنسان، وغير ذلك مما يختص به من الصفات.. الفصل الثاني: الإيمان بوجود الجن المبحث الأول: الأدلة السمعية على وجود الجن أفاض القرآن الكريم والسنة النبوية في الحديث عن الجن وأحوالهم في مواضع كثيرة, فقد ورد ذكرهم في القرآن في مواضع متعددة تقرب من أربعين موضعاً عدا عن الآيات التي تحدثت عن الشيطان وهي كثيرة، وانفردت سورة كاملة للحديث عن أحوال النفر الذين استمعوا للقرآن من الرسول عليه الصلاة والسلام وهو بمكة هي سورة الجن، إذ ورد في مطلعها إخبار الله لنبيه باستماع هذا النفر للقرآن, قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}[ الجن:1 -2]. واعتبرهم القرآن نوعاً آخر يشترك مع الإنسان في التكليف وإن اختلف عنهم في الصفات, فجاءت كثير من خطابات التكليف شاملة للجن والإنس قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. وقال: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا} [ الأنعام: 130]، ورتب القرآن الجزاء لهم حسب أعمالهم في الدنيا فقال: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [ السجدة: 13]، وقال في معرض الحديث عن نعيم الجنة: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [ الرحمن: 56]. وتحدى الله الجن والإنس أن يأتوا بمثل هذا القرآن فقال: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [ الإسراء: 88]، واستنكر القرآن المزاعم التي تقول بأن الجن يعلمون الغيب فقال في معرض الحديث عن موت سليمان عليه السلام: {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [ سبأ: 14]. وغير ذلك من الآيات التي تحدثت عن أحوال هذا المخلوق. ومعلوم أن القرآن الكريم قد ثبتت صحته، لأنه منقول إلينا بالتواتر، فعلى هذا الأساس لا مجال لإنكار هذا النوع من المخلوقات متى كان الخبر صادقاً، وإنكارهم يكون تكذيباً لخبر الله عنهم دون حجة أو برهان، وذلك لا يكون إلا من سمات الجاهلين أو الكافرين، ووجودهم بشكل قاطع لا يحتمل التأويل بأي شكل من الأشكال . وأما السنة النبوية فقد ورد ذكرهم في أحاديث كثيرة، وهذه الأحاديث بمجملها تبين أحوال هذا المخلوق، من حيث المادة التي خلقوا منها، ومن حيث طعامهم وشرابهم وتناسلهم ومطالبتهم بالتكاليف الشرعية، ومحاسبتهم في الآخرة، بالإضافة إلى الأحاديث التي تبين إمكانية رؤيتهم بمختلف الصور التي يتشكلون فيها، وغيرها من الأحاديث التي تشرح أحوالهم، قال الدميري: (واعلم أن الأحاديث في وجود الجن والشياطين لا تحصى، وكذلك أشعار العرب وأخبارها، فالنزاع في ذلك مكابرة فيما هو معلوم بالتواتر) . فمن حيث بيان أصل المادة التي خلقوا منها، فقد أورد الإمام مسلم في صحيحه من حديث عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلقت الملائكة من نور, وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم)) . وما ورد من الأحاديث في تكليم الرسول صلى الله عليه وسلم الجن وقراءته القرآن عليهم ودعوتهم إلى الله في أكثر من مرة، وقد كان ابن مسعود رفيقاً للرسول عليه السلام في كثير منها ... وهذه الأحاديث في كثير منها أحاديث صحيحة، رواها الثقات من الصحابة والتابعين عن الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، فلا مجال لتكذيبها أو تأويلها تأويلاً فاسداً يخرج عن المقصود منها. وقد فصلت هذه الأحاديث كثيراً من أحوال الجن وصفاتهم، ومتى ثبتت صحتها، فإن المكذب بها يكون مكذباً للقرآن، الذي نص على وجوب الإيمان بما أخبر به عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [ التغابن: 8]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [ النساء: 136]. تنبيه: على أن هذه الأدلة السمعية الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في وجود الجن، لها في نفس الوقت دلالات حسية كذلك على وجودهم، إذ قد ثبت رؤيتهم له عليه السلام ولنفر من أصحابة الذين رافقوه عند ذهابه لتكليم الجن وقراءة القرآن عليهم، ومثل هذا قد حصل لأبي هريرة عندما جاءه الشيطان في صورة رجل فقير فجعل يحثو من مال الصدقة ... وكما ورد عن ابن عباس ((أن امرأة جاءت بابن لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا به جنون، وأنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيخبث علينا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا، فثع ثعة، وخرج من جوفه مثل الجرو الأسود يسعى)) . فهذه قصة سمعية من جهة، حسية من جهة أخرى، حيث دلت على رؤية الحاضرين للجني على شكل جرو أسود يسعى، وما حصل ذلك من أخذ الرسول عليه السلام للشيطان وخنقه إياه عندما جاءه ليقطع صلاته، حتى وجد برد لعابه على يديه الشريفتين. وغير ذلك من الروايات التي تحمل دلالات حسية على رؤية الجن مما لا يجعل مجالاً للشك في وجودهم. المبحث الثاني: الأدلة العقلية إن العقل لا يمنع من وجود عوالم غائبة عن حِسِّنا، لأنه قد ثبت وجود أشياء كثيرة في هذا الكون لا يراها الإنسان ولكنه يحس بوجودها، وعدم رؤية الإنسان لشيء من الأشياء لا يستلزم عدم وجوده، والقاعدة العلمية تقول: عدم العلم بوجود شيء لا يستلزم عدم وجوده. أي عدم رؤيتك للشيء الذي تبحث عنه لا يستلزم أن يكون بحد ذاته مفقوداً، إذ أن الموجودات أعظم من المشاهدات، أي ليس كل الموجودات خاضعة لحاسة الرؤية، أو لمطلق الحواس، وإلا لوجب على الإنسان أن يؤمن بوجود السيارة مثلاً ما دامت واقفة أمامه، فإذا ما سار بها قائدها وابتعدت حتى خرجت عن سلطان المشاهدة والحواس وجب إنكار وجودها،... فإذا ظهر لك برهان علمي قاطع يجزم بأحد طرفي وجود ذلك الشيء أو عدمه، فإن من العبث أن تقارع ذلك البرهان القاطع بجهلك السابق . وقد ثبت عن طريق القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن طريق السنة الصحيحة وجود عالم يختلف عن الإنسان يسمى عالم الجن، وهذا القرآن ليس من تأليف الرسول عليه السلام, أو من تأليف أحد من البشر على الإطلاق، فعندئذ وجب التصديق بهذا الإخبار الصحيح عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا اعتبار بجهل الإنسان بهذا العالم ما دام المخبر صادقاً. ولا يدعي إنسان عاقل على الإطلاق أنه رأى الميكروبات بالعين المجردة التي لا ترى إلا بالمجهر بعد تكبيرها آلاف المرات، لأن السبب في عدم رؤيتها أن حاسة البصر عند الإنسان غير مؤهلة لهذه الرؤية، ما دامت الرؤية لهذا البصر محدودة في مجال العالم المشهود للإنسان، قال محمد رشيد رضا: (ولو كان الاستدلال بعدم رؤية الشيء على عدم وجوده صحيحاً وأصلاً ينبغي للعقلاء الاعتماد عليه، لما بحث عاقل في الدنيا عما في الوجود من المواد والقوى المجهولة، ولما كشفت هذه الميكروبات التي ارتقت بها علوم الطب والجراحة إلى الدرجة التي وصلت إليها، ولا تزال قابلة للارتقاء بكشف أمثالها، ولما عرفت الكهرباء التي أحدث كشفها هذا التأثير العظيم في الحضارة، ولولم تكشف الميكروبات – وأخبر أمثالهم بها في القرون الخالية – لعدوه مجنوناً، وجزموا باستحالة وجود أحياء لا ترى، إذ يوجد في نقطة الماء ألوف الألوف منها، وأنها تدخل في الأبدان من خرطوم البعوضة أو البرغوث.. الخ، كما أن ما يجزم به علماء الكهرباء من تأثيرها في تكوين العوالم، وما تعرفه الشعوب الكثيرة الآن من تخاطب الناس بها من البلاد البعيدة بآلات التلغراف والتليفون اللاسكلية – كله مما لم يكن يتصوره عقل، وقد وقع بالفعل) . ويقول أيضاً: (ويعجبني قول الدكتور (فانديك) في كلامه عن الحواس الخمس إذ يقول: لو كانت لنا حواس أخر فوق الخمس التي لنا، لربما توصلنا بها إلى معرفة أشياء كثيرة لا نقدر على إدراكها بالحواس الخمسة التي نملكها، ولو كانت حواسنا الموجودة أحدَّ مما عليه لربما أفادتنا أكثر مما تفيدنا وهي على حالتنا الحاضرة، ولو كان سمعنا أحدَّ لربما سمعنا أصواتاً تأتينا من عالم غير هذا الذي نحن فيه) ، ولكن حكمة الله اقتضت أن تكون حواسنا كما هي عليه الآن. وقد أثبتت التجارب وجود أشياء كثيرة في هذا الكون مع أن الإنسان لا يراها، فالكهرب الذي يسري في السلك موجود ولكننا لا نراه، والموجات الصوتية التي تنتقل عبر الأثير نحس بها ونلمس آثارها، خاصة في هذا العصر الذي ارتقت فيه المعارف والعلوم ارتقاء عجيباً... وباسم المنهج التجريبي في البحث أنكر كثير من المنتسبين له وجود مخلوقات تسمى بالملائكة والجن، ولم يكن لهم حجة يلجأون إليها في إنكار ذلك إلا أنهم لم يشاهدوها ولم يضعوها تحت المجهر أو في أنابيب الاختبار، ليجروا عليها التجارب، في الوقت الذي يتحدثون فيه للبشرية عن وجود الجاذبية والمغناطيسية والكهرب، وغيرها من الأشياء التي تغيب عن حواسنا، ولقد أخطأت الحضارة الغربية وغيرها من الحضارات المادية عندما آمنت بالعقل وجحدت ما سواه, وعاشت تحت ظلال وثنية عقلية، هي أخطر ألوان الوثنيات وأشدها إذلالاً وإهدارا للقيم الإنسانية العليا، وهذا العقل الذي عبدته هذه الحضارة شيء عظيم حقاً في عالم الحس والمشاهدة، لأنهما يخضعان لهذا العقل في مجال التجربة والاختبار، أما ما وراء الحس والمشاهدة، فلا مجال للعقل أن يحكم على ذلك بالظنون والتخرصات، و في الوقت الذي نجد فيه إبداع هذه الحضارة المادية في مجال الماديات، نجدها في الجانب الآخر قد تعثرت تعثرا مضحكاً في المعنويات والأخلاقيات والعبادات، و في كافة ما يتصل بأمور الغيب كالروح والإلهام والوحي، لأنها أمور فوق الحس والمشاهدة .. المبحث الثالث: عقائد الناس في الجن انقسم الناس قديماً وحديثاً في أمر الجن إلى مذاهب شتى، فما بين مثبت لوجودهم، أو منكر، أو مؤول لهم بشتى التأويلات الفاسدة، أو مغالٍ في قدرتهم وسلطانهم في الأرض، إلى غير ذلك من المذاهب والتصريفات المختلفة في شأن هذا المخلوق. ويمكن إجمال هذه المذاهب فيما يلي: ... 1- مذهب أهل السنة والجماعة: الذي عليه أهل السنة والجماعة من المسلمين وهو إثبات وجود مخلوقات غائبة عن حواسنا تسمى الجن، وأنها لا تظهر إلا أذا تشكلت في صور غير صورها في بعض الأحوال ولبعض الناس، وأنها مخلوقات عاقلة مكلفة بالتكاليف الشرعية على نحو ما عليه البشر، وأنهم يأكلون, ويشربون, ويتناكحون ولهم ذرية، قال ابن حزم: (لكن لما أخبرت الرسل الذين شهد الله عز وجل بصدقهم بما أبدى على أيديهم من المعجزات المحلية للطبائع بنص الله عز وجل وعلى وجود الجن في العالم، وجب ضرورة العلم بخلقهم ووجودهم، وقد جاء النص بذلك وبأنهم أمة عاقلة مميزة، متعبدة، موعودة متوعدة، متناسلة، يموتون. وأجمع المسلمون كلهم على ذلك) . ويقول ابن تيمية: (لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم.. إلى أن يقول: وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواتراً معلوماً بالاضطرار، ومعلوم بالاضطرار أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون، ليسوا صفات وأعراضاً قائمة بلإنسان أو غيره كما يزعم بعض الملاحدة) . ويقول ابن حجر الهيتمي: (وأما الجان فأهل السنة والجماعة يؤمنون بوجودهم) . وقد تقدم كثير من الأدلة التي يستند إليها أهل السنة والجماعة في إثبات وجود الجن، سواء كانت هذه الأدلة مأخوذة من القرآن أو السنة، بالإضافة إلى دلالة الإجماع على ذلك ... 2- مذهب جمهور الكفار: كعامة أهل الكتاب والمجوس، وجمهور الكنعانيين, واليونانيين, والرومان, والهنود القدماء, وعامة مشركي العرب: الإقرار بوجود الجن، مع انحراف في تصورهم عن هذا المخلوق. هذه الطوائف المختلفة أقرت بوجود الجن، ولكن إقرارهم هذا صاحبه تصورات فاسدة ومنحرفة، فمنهم من اعتبر أن الجن شركاء لله في الخلق والتدبير، ومنهم من اعتبر أن للجن سلطاناً في الأرض, وأنهم يعلمون الغيب، ومنهم من أثبت أخوة بين الله وإبليس - تعالى الله عن ذلك- إلى غير ذلك من التصورات المنحرفة.. 3- مذهب أكثر الفلاسفة والأطباء وجماعة من القدرية: والمعتزلة والجهمية، وكافة الزنادقة قديماً وحديثاً: إنكار الجن، بالإضافة إلى نفر قد أولوا النصوص الدالة على وجود الجن تأويلاً يدل على إنكارهم، كما سيأتي: قال الإمام القرطبي: (وقد أنكر جماع من كفرة الأطباء والفلاسفة الجن وقالوا: إنهم بسائط، ولا يصح طعامهم، اجتراء على الله وافتراء، والقرآن والسنة ترد عليهم) وقال ابن تيمية: (وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن، أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى فهم مقرون بهم كإقرار المسلمين, وإن وجد فيهم من ينكر ذلك، وكما يوجد في المسلمين من ينكر ذلك، كما يوجد في طوائف المسلمين كالجهمية والمعتزلة من ينكر ذلك، وإن كان جمهور الطائفة وأئمتها مقرين بذلك) . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية