الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35437" data-attributes="member: 329"><p>ومن الأدلة ما جاء في تفسير الخبث والخبائث في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد العزيز بن صهيب قال: () سمعت أنساً يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)) . قال ابن حجر العسقلاني<img src="data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAIAAAAAAAP///yH5BAEAAAAALAAAAAABAAEAAAIBRAA7" class="smilie smilie--sprite smilie--sprite3" alt=":(" title="Frown :(" loading="lazy" data-shortname=":(" />والخبث جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، يريد: ذكران الشياطين وإناثهم، قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما) . فقد دل هذا التفسير للحديث على أنه يوجد في الجن ذكران وإناث، وهو يقتضي الجماع والتناسل.</p><p>وفي قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}[الأحقاف: 31]- إخباراً عن النفر الذين استمعوا إلى القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم - ما يفيد تناكح الجن وتناسلهم، قال ابن منظور: (والقوم: الجماعة من الرجال والنساء جميعاً، وقيل هو للرجال خاصة دون النساء). </p><p>وقال: (وقوم كل رجل شيعته وقرابته). وعلى هذا الأساس فإن في الجن رجالاً ونساء وذلك يقتضي التناسل. </p><p>وقد ذكر نفر بأنهم لا يتوالدون، والمراد من الذرية قي قوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي} [ الكهف: 50]. "بأنهم الأتباع من الشياطين، وعبر عنهم بذلك مجازاً تشبيهاً لهم بالأولاد .</p><p>قال الألوسي: (وقيل - ولعله الحق - أن له أولاداً وأتباعاً ويجوز أن يراد من الذرية مجموعهما معا على التغليب، أو الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من يراه، أو عموم المجاز) .</p><p>والصحيح أن الجن يتناكحون ويتوالدون ... ولكن بكيفية لا يعلمها إلا الله سبحانه. </p><p>المطلب الثالث: الجن يأكلون ويشربون</p><p>اختلف العلماء في أن الجن هل يأكلون ويشربون أم لا؟ للعلماء في هذه المسالة ثلاثة أقوال: </p><p>أولاً: أن جميع الجن يأكلون ويشربون. </p><p>ثانياً: أن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون.</p><p>ثالثاً: أن قسماً منهم يأكل ويشرب, والقسم الآخر لا يأكل ولا يشرب. </p><p>وقد اعتمد القائلون على أن قسماً من الجن لا يأكلون ولا يشربون على بعض الأحاديث، فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((خلق الله الجن ثلاثة أصناف: صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض، وصنف كالريح في الهواء، وصنف عليهم الحساب والعقاب)) . قال السهيلي: (ولعل الصنف الثاني هو الذي لا يأكل ولا يشرب، إن صح أن الجن لا تأكل ولا تشرب) .</p><p>ويقول القاضي بدر الدين الشبلي: (عن عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول: وسئل عن الجن ما هم، وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون؟ فقال: هم أجناس، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون، ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون، منهم السعالي والقطرب وأشباه ذلك) . ويقول ابن حجر الهيتمي: (قال الإمام فخر الدين الرازي: اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون, ولا يشربون, ولا يتناكحون، وأما الجن فإنهم يأكلون, ويشربون, وينكحون, ويتوالدون) .</p><p>والذي تدل عليه النصوص أن الجن يأكلون ويشربون، دون تخصيص بعضهم بذلك دون بعض، ففي حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن, قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم, وآثار نيرانهم, وسألوه الزاد, فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً, وكل بعرة علف لدوابكم. فقال رسول الله صلى الله عليه: فلا تستنجوا بها فإنها طعام إخوانكم)) .</p><p>وأخرج أبو داود عن عبد الله بن مسعود قال: (قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد: إنْهَ أمتك أن يستنجوا بعظم, أو روثة, أو حممة، فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقاً، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك) .</p><p>وقد ذكر عماد الدين العامري أن العظم الذي ذكر اسم الله عليه هو طعام المؤمنين من الجن، وأما الكافرون منهم فإنما طعامهم فيما لم يذكر اسم الله عليه .</p><p>وقد ورد في الحديث الصحيح أن الشيطان يأكل ويشرب، فعن ابن عمر رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله)). </p><p>وكذلك ما ورد من أن الشيطان يدخل هو وأتباعه على البيوت التي لا يذكر أصحابها اسم الله عز وجل، فيأكلون ويبيتون معهم، فعن جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء. وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء)) .</p><p>وقد ورد كذلك أن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه، فعن حذيفة قال: ((كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضع يده, وأنَّا حضرنا معه مرة طعاماً، فجاءت جارية كأنها تدفع. فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها. ثم جاء أعرابي كأنما يدفع. فأخذ بيده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه. وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها. فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به. فأخذت بيده. والذي نفسي بيده، إن يده في يدي مع يدها)) .</p><p>ففي الحديث دلالة على أن الشيطان يستحل الطعام بالأكل منه إذا لم يذكر اسم الله عليه، وقد كان الشيطان وراء تلك الجارية والأعرابي، يدفعهما بسرعة إلى الطعام، بحيث لا يذكرون اسم الله عليه، فبذلك يأكل الشيطان معهما من الطعام، ولذلك نزع عليه الصلاة والسلام أيديهما من الطعام، وذكر اسم الله، ثم أكل. </p><p>وأما القول الثاني الذي يقول: إن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون، فهو قول لا دليل عليه، وهو مخالف للأحاديث الصريحة، الدالة على أكل الجن وشربهم، يقول القاضي بدر الدين الشبلي: (فالقائلون أن الجن لا تأكل ولا تشرب، إن أرادوا أن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون، فهذا قول ساقط، لمصادمته الأحاديث الصحيحة، وإن أرادوا أن صنفاً منهم لا يأكلون ولا يشربون، فهو محتمل، غير أن العمومات تقتضي أن الكل يأكلون ويشربون) .</p><p>ولكنه قد حصل خلاف بين العلماء في كيفية أكلهم وشربهم. </p><p>فقال بعضهم: (إن أكلهم وشربهم تشمم واسترواح، لا مضغ وبلع). </p><p>وقال آخرون: (إن أكلهم وشربهم مضع وبلع) ، والذي تشهد له الأحاديث أن أكل الجن وشربهم مضغ وبلع، لا تشمم واسترواح كما قال بعضهم، فقد روى أبو داود عن أمية بن مخشي - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يأكل، فلم يسم حتى إذا لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره, فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله عز وجل استقاء ما في بطنه)) .</p><p>وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن وفداً من نصيبين سألوني الزاد، فلا تستنجوا بعظم ولا روثة، فإنهما طعام إخوانك من الجن، فقالوا: وما يغني ذلك عنهم؟ قال: لا يمرون بعظم إلا وجدوا عليه عرقة، ولا يمرون بروثة إلا وجدوا عليها طُعماً)) .</p><p>ولو كان أكلهم تشمماً واسترواحاً لما سألوه الزاد ولاكتفوا بالعظم وحده. إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على أنهم يأكلون ويشربون حقيقة، والله أعلم. </p><p> </p><p>المطلب الرابع: يتميزون بسرعة الحركة والقدرة على الأعمال الشاقة</p><p>خص الله الجن عن الإنس بأن جعل لهم قدرات ومهارات عظيمة، فقد سخر الله الجن للنبي سليمان عليه السلام، فكانوا يبنون له القصور والمحاريب، ويصنعون التماثيل، ويعملون الجفان الواسعة للطعام، وحياض الماء الكبيرة، قال تعالى في وصف ذلك: {وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [ سبأ: 13]. </p><p>فقد وصف الله هذه القدور بأنها راسيات. أي ثابتات لا تنتقل لضخامتها، وفي وصف الجفان بهذه الضخامة والاتساع، ووصف القدور بهذه الأحجام العظيمة دليل على قدرتهم العظيمة. </p><p>وفي حديث القرآن عن عفريت أحد الجان - الذي تعهد بإحضار عرش بلقيس ملكة سبأ قبل قيام سليمان عليه السلام من مجلسه - دليل على حركتهم السريعة في التنقل، قال تعالى: {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [ النمل: 39]. </p><p>وما ورد من ارتيادهم للفضاء، كما ورد في القرآن الكريم، في معرض الحديث عن استراق الجن لأخبار السماء ورميهم بالشهب، قال تعالى حكاية عنهم: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [ الجن: 9]. </p><p>ففي كل من هذه الآيات دليل على قدرتهم على الأعمال الشاقة، وسرعة تنقلهم بين الأماكن البعيدة، ولا غرابة في ذلك، فهم مخلوقات عنصرهم النار، التي تتميز بالخفة، فسبحان من أبدع كل شيء صنعاً. </p><p>المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت</p><p>والجن مخلوقات تموت كما يموت الإنس، فمن الأدلة القرآنية على موتهم قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [ الأحقاف: 18]. </p><p>قال الألوسي: (واستدل بقوله عز وجل: {فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ} [ الأحقاف: 18]. الآية على أن الجن يموتون قرناً بعد قرن كالأنس) . وروي عن الحسن في بعض مجالسه: أن الجن لا يموتون، فاعترضه قتادة بهذه الآية فسكت . ويقول ابن حجر الهيتمي معلقاً على قول الحسن هذا: (الآية دليل على أنهم يموتون، فإن أراد الحسن أنهم لا يموتون مثلنا، بل ينظرون مع إبليس، فإذا مات ماتوا معه، قلنا: إن أراد ذلك في بعضهم كشياطين إبليس وأعوانه فهو محتمل، وإن أراد ذلك نافاه ما ورد من الوقائع الكثيرة في موتهم) . قال القاضي بدر الدين الشبلي: (ومعنى قول الحسن أن الجن لا يموتون أنهم منظرون مع إبليس، فإذا مات ماتوا معه, وظاهر القرآن يدل على أن إبليس غير مخصوص بالانظار إلى يوم القيامة، أما ولده وقبيله فلم يقم دليل على أنهم منظرون معه وظاهر قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ} [ الأعراف: 15]. يدل على أن ثمَّ منظرين غير إبليس، وليس في القرآن ما يدل على أن المنظرين هم الجن كلهم، فيحتمل أن يكون بعض الجن منظرين، أما كلهم فلا دليل عليه) .</p><p>وسئل ابن حجر عن موت الجن فقال: (كل الحيوانات يموتون، وكذلك سائر العالم، لقوله تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [ الرحمن: 26]. مع قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [ القصص: 88]). </p><p>وأما الدليل من السنة على موتهم: </p><p>فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون)) . وهو أصرح الأحاديث الدالة على موت الجن ...</p><p>وأخرج عن ابن جرير عن ابن عباس قال: (وكل ملك الموت بقبض أرواح المؤمنين والملائكة, وملك بالجن، وملك بالشياطين، وملك بالطير والوحوش والسباع والحيات، فهم أربعة أملاك) .</p><p>... حديث الفتى الذي صرعه الجني، وفيه دليل على أن الجن يموتون، فقد ورد في الحديث: ((فما يدرى أيهما أسرع موتاً الحية أم الفتى)) . وقد كانت تلك الحية من الجن الذين يسكنون المدينة، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: ((إن في المدينة جناً قد أسلموا..)) .</p><p>وأما عن بعثهم بعد الموت فإن كثيراً من الآيات القرآنية التي توعدت العصاة والكفرة، قد دلت على بعثهم بعد الموت ومحاسبتهم على أعمالهم، قال الله تعالى في سؤال الكفرة من الجنسين في الآخرة: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ بلى} [ الأنعام: 130]. وقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [ هود: 119]. </p><p>الفصل الرابع: تكليف الجن وجزاؤهم والرسل المرسلة إليهم </p><p>المبحث الأول: تكليف الجن.</p><p>تمهيد</p><p>نصت كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أن الجن مكلفون بالتكاليف الشرعية، وأنهم مأمورون بفعل الطاعات والقيام بالعبادات، وأنهم منهيون عن ارتكاب المعاصي والمحرمات، وأنهم مختارون لهذا الأمر والنهي، وهذا ما عليه جمهور أهل الإسلام. وهم بهذا كالبشر الذين كلفهم الله بالتكاليف الشرعية أمراً ونهياً .</p><p>وذهب قوم إلى أن الجن مضطرون، أي أنهم غير قادرين على فعل الطاعات أو ارتكاب المنهيات، وعلى هذا الأساس فهم غير مكلفين، وهذا يقتضي عدم الجزاء بالثواب على فعل الطاعات، وعدم الجزاء بالعقاب على ارتكاب المنهيات .</p><p>وقد نقل القاضي عبد الجبار الهمداني هذا القول عن زرقان الذي حكاه عن بعض الحشوية على ما ذكره ابن حجر العسقلاني في فتح الباري .</p><p>والصواب الذي لا ريب فيه أن الجن مكلفون أمراً ونهياً، مختارون لهذا التكليف، قال ابن القيم: (الصواب الذي عليه جمهور أهل الإسلام أنهم مأمورون منهيون، مكلفون بالشريعة الإسلامية، وأدلة القرآن والسنة على ذلك أكثر من أن تحصر، وإضافة القول إلى المعتزلة بتكليفهم، بمنزلة أن يقال: ذهب المعتزلة إلى القول بمعاد الأبدان، ونحو ذلك مما هو من أقوال سائر أهل الإسلام) . وقال الإمام القرطبي: (إن سورة الرحمن, والأحقاف, وقل أوحي دليل على أن الجن مخاطبون مكلفون، مأمورون منهيون، معاقبون كالإنس سواء بسواء، مؤمنهم كمؤمنهم، وكافرهم ككافرهم، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك) . وقال الفخر الرازي: (وأطبق المحققون على أن الجن مكلفون) . ونقل مثل هذا القول ابن حجر العسقلاني عن القاضي عبد الجبار الهمداني , ورجح القاضي عبد الجبار قول الجماعة بعد أن ذكر عن بعض الحشوية قولهم: بأن الجن مضطرون إلى أفعالهم وليسوا مكلفين، ثم قال: (والدليل للجماعة ما في القرآن من ذم الشياطين والتحرز من شرهم، وما أعد لهم من العذاب، وهذه الخصال لا تكون إلا لمن خالف الأمر وارتكب النهي، مع تمكنه من أن لا يفعل، والآيات والأخبار الدالة على تكليفهم كثيرة جداً) . </p><p>وردت آيات كثيرة تدل على تكليف الجن، وهي على أنواع مختلفة هي: </p><p>1- ما جاء من التصريح في الحكمة من خلق الجن والإنس. </p><p>وذلك في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [ الذاريات: 56-57]. فالآية صريحة في أن الله قد خلق الجن والإنس للعبادة، و على هذا وردت أقوال العلماء: </p><p>قال ابن عباس: ({إِلا لِيَعْبُدُونِ} أي: إلا ليقروا بعبادتي، طوعاً أو كرهاً)، وهذا اختيار ابن جرير الطبري .</p><p>وورد عن علي بن أبي طالب, وابن جريج, والربيع بن أنس أن معنى قوله تعالى: {إِلا لِيَعْبُدُونِ} أي إلا لآمرهم بالعبادة، وهو اختيار الزجاج .</p><p>ويدل على ما تقدم قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا} [ التوبة: 31] وهي عامة في الجن والإنس. قال ابن كثير: (ومعنى الآية: أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقهم) .</p><p>2- ما ورد عن صرف الجن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، واستماعهم للقرآن منه.</p><p>أ- قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [ الأحقاف: 29-31]. </p><p>فقد أخبر القرآن الكريم أن الله قد صرف الجن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لاستماع القرآن منه، وسواء كان حضورهم إلى مكة – حيث كان الرسول عليه السلام يقرأ القرآن، بعد منعهم من استراق أخبار السماء – أو كان حضورهم بتوفيق من الله هداية لهم، على ما ذكره الإمام الماوردي . فإن في ذلك دلالة على استماعهم للقرآن منه عليه السلام, وانصاتهم لسماعه. قال ابن القيم: و قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [ الأحقاف: 29]. الآية، تدل على تكليف الجن من عدة وجوه:</p><p>أحدها: أن الله تعالى صرفهم إلى رسوله يستمعون القرآن ليؤمنوا به، ويأتمروا بأوامره وينتهوا عن نواهيه. </p><p>الثاني: أنهم أخبروا أنهم سمعوا القرآن وعقلوه وفهموه، وأنه يهدي إلى الحق، وهذا القول منهم يدل على أنهم عالمون بموسى وبالكتاب المنزل عليه، وأن القرآن مصدق له، وأنه هاد إلى صراط مستقيم، وهذا يدل على تمكنهم من العلم الذي تقوم به الحجة، وهم قادرون على امتثال ما فيه، والتكليف إنما يستلزم العلم والقدرة. </p><p>الثالث: أنهم قالوا لقومهم: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} [الأحقاف: 30]. والآية صريحة في أنهم مكلفون، مأمورون بإجابة الرسول، وهو تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر اهـ.</p><p>وقال الألوسي في قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} (وهذا ونحوه يدل على أن الجن مكلفون) .</p><p>وقال ابن كثير: (و في هذا دلالة على أنه تعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين: الجن والإنس، حيث دعاهم إلى الله تعالى وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين, وتكليفهم, ووعدهم, ووعيدهم, وهي سورة الرحمن، ولهذا قال: {أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}) .</p><p>ب- قوله تعالى في سورة الجن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا} – إلى قوله -: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [ الجن: 1 -15].</p><p>وقد جاءت هذه الآيات إخباراً للرسول عليه الصلاة والسلام باستماع نفر من الجن إليه وهو يقرأ القرآن بأصحابه، وذلك بعد أن منع الجن من استراق أخبار السماء، فعرفوا أن هذا المنع ما حصل إلا لشيء قد حدث في الأرض، فجابوا الأرض، فكان النفر الذين أخذوا نحو تهامة في بلاد الحجاز قد مروا على الرسول عليه السلام وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم منذرين، فأنزل الله تعالى إلى نبيه: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} [ الجن: 1] الآية ولم يكن يعلم باستماعهم إليه على الراجح من الروايات في ذلك، وظاهر القرآن يدل عليه.</p><p>وقد دلت هذه الآيات على إيمانهم بالقرآن وأخذهم عهداً على أنفسهم أن لا يشركوا بالله، وذلك في قوله تعالى عنهم: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [ الجن: 1-2]، وقوله عنهم: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ} [الجن:12]. ففي إيمانهم بالقرآن، ووصفهم له بأنه يهدي إلى الرشد، وعدم إشراكهم بالله، دلالة على أنهم مكلفون، وكذلك مسارعتهم لاستماعه، وذلك في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:19]. أي: لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقرأ القرآن اجتمع الجن عليه متلبدين متراكمين، حرصاً على ما جاء به من الهدى . فقد كانوا فرحين حريصين متأملين عند سماعهم للقرآن، و في هذا دلالة على كمال عقولهم, وهو يقتضي التكليف، وقد وردت آيات كثيرة تخاطب العقل كقوله تعالى: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}, وقوله: {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}, وقوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2]. وفي هذا دلالة على توجه الخطاب للعاقل، وقد تقدم أن الجن مخلوقات عاقلة مريدة مختارة، عندها القدرة على التمييز بين الحق والباطل.</p><p>3- ما يتضمن التصريح بإرسال رسل إليهم: </p><p>قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا} [الأنعام: 130]. </p><p>ففي هذه الآية خطاب للجن والإنس يوم القيامة، وهذا الخطاب فيه تقرير من الله في أنه قد بعث رسلاً إلى الجن والإنس حيث يسألهم وهو أعلم: هل بلغتهم الرسل رسالاته؟ ، وبذلك يزول العذر وتنقطع الحجة لأي واحد من الجن والإنس، إذ بعث الله رسلاً يوضحون الطريق ويأمرون بعبادة الله, وينهون عن معصيته، ولا شك أن أمر الرسل ونهيهم للجن والإنس هو محض التكليف، قال ابن القيم: (وهذه الآية تدل على أن الجن كانوا متعبدين بشرائع الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم، لكن دعوة أولئك الرسل كانت مقصورة على بعض الإنس والجن، أما رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام فهي عامة لجميع الجن والإنس) .</p><p>4- ما يتضمن خطاب الجن والإنس معاً: </p><p>وذلك في سورة الرحمن في قوله تعالى بعد الحديث عن نعمه على عباده: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [ الرحمن: 13]، حيث ورد هذا الخطاب في واحد وثلاثين موضعاً من سورة الرحمن، وفيه خطاب للجن والإنس معاً، وفي هذه المواضع امتنان من الله على عباده بهذه النعم التي لا يجحدها إلا كافر. </p><p>فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال: لقد قرأتها على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردوداً منكم، كلما أتيت على قوله: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد)) قال ابن القيم: (وهذا يدل على ذكائهم, وفطنتهم, ومعرفتهم بمؤنة الخطاب وعلمهم أنهم مقصودون به) ويقول: (وقد دلت سورة الرحمن على تكليفهم بالشرائع كما كلف الإنس، ولهذا يقول في إثر كل آية: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}, فدل على أن السورة خطاب للثقلين معاً، ولهذا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن قراءة تبليغ، وأخبر أصحابه أنهم كانوا أحسن رداً منهم، فإنهم جعلوا يقولون كلما قرأ عليهم {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}: لا نكذب بشيء من آلائك ربنا فلك الحمد) .</p><p>5- ما يتضمن تحدي الثقلين بالإتيان بمثل القرآن: </p><p>وذلك في قوله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [ الإسراء: 88]. </p><p>فهو تحد للإنس والجن معاً في أن يقدروا على الإتيان بمثل هذا القرآن، ولكنهم لن يستطيعوا ذلك وتوجه الخطاب بالتحدي للإنس والجن من دون الخلائق دليل على أنهم هم المعنيون بأمر هذا القرآن وما اشتمل عليه من أنواع الإعجاز المختلفة، و في هذا دليل على تكليف الجن كالإنس. </p><p>6- ما يتضمن بشارة المؤمنين من الجن بالثواب على أعمالهم, وتحذير الكافرين والعصاة منهم بالعقاب على كفرهم ومعصيتهم في الآخرة: </p><p>وقد وردت البشارة بالتحذير في مواضع متعددة من القرآن منها: </p><p>أ- قوله تعالى في سورة الأحقاف: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [ الأحقاف: 18 - 19]. </p><p>فقد أخبر الله في هذه الآيات أن في الجن من حق عليه القول، أي: وجب عليه العذاب مع أمم قد مضت من قبلهم من الجن والإنس، و في هذا أبين دليل على تكليف الثقلين، وتعلق الأمر والنهي بهم، ثم قال بعد ذلك: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا} أي في الخير والشر يوفونها ولا يظلمون شيئاً من أعمالهم، فدل ذلك لا محالة أنهم كانوا مأمورين بالشرائع، متعبدين بها في الدنيا، ولذلك استحقوا الدرجات بأعمالهم في الآخرة في الخير والشر .</p><p>وقوله تعالى كذلك: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [ الأحقاف: 29].</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35437, member: 329"] ومن الأدلة ما جاء في تفسير الخبث والخبائث في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد العزيز بن صهيب قال: () سمعت أنساً يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)) . قال ابن حجر العسقلاني:(والخبث جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، يريد: ذكران الشياطين وإناثهم، قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما) . فقد دل هذا التفسير للحديث على أنه يوجد في الجن ذكران وإناث، وهو يقتضي الجماع والتناسل. وفي قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}[الأحقاف: 31]- إخباراً عن النفر الذين استمعوا إلى القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم - ما يفيد تناكح الجن وتناسلهم، قال ابن منظور: (والقوم: الجماعة من الرجال والنساء جميعاً، وقيل هو للرجال خاصة دون النساء). وقال: (وقوم كل رجل شيعته وقرابته). وعلى هذا الأساس فإن في الجن رجالاً ونساء وذلك يقتضي التناسل. وقد ذكر نفر بأنهم لا يتوالدون، والمراد من الذرية قي قوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي} [ الكهف: 50]. "بأنهم الأتباع من الشياطين، وعبر عنهم بذلك مجازاً تشبيهاً لهم بالأولاد . قال الألوسي: (وقيل - ولعله الحق - أن له أولاداً وأتباعاً ويجوز أن يراد من الذرية مجموعهما معا على التغليب، أو الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من يراه، أو عموم المجاز) . والصحيح أن الجن يتناكحون ويتوالدون ... ولكن بكيفية لا يعلمها إلا الله سبحانه. المطلب الثالث: الجن يأكلون ويشربون اختلف العلماء في أن الجن هل يأكلون ويشربون أم لا؟ للعلماء في هذه المسالة ثلاثة أقوال: أولاً: أن جميع الجن يأكلون ويشربون. ثانياً: أن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون. ثالثاً: أن قسماً منهم يأكل ويشرب, والقسم الآخر لا يأكل ولا يشرب. وقد اعتمد القائلون على أن قسماً من الجن لا يأكلون ولا يشربون على بعض الأحاديث، فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((خلق الله الجن ثلاثة أصناف: صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض، وصنف كالريح في الهواء، وصنف عليهم الحساب والعقاب)) . قال السهيلي: (ولعل الصنف الثاني هو الذي لا يأكل ولا يشرب، إن صح أن الجن لا تأكل ولا تشرب) . ويقول القاضي بدر الدين الشبلي: (عن عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول: وسئل عن الجن ما هم، وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون؟ فقال: هم أجناس، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون، ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون، منهم السعالي والقطرب وأشباه ذلك) . ويقول ابن حجر الهيتمي: (قال الإمام فخر الدين الرازي: اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون, ولا يشربون, ولا يتناكحون، وأما الجن فإنهم يأكلون, ويشربون, وينكحون, ويتوالدون) . والذي تدل عليه النصوص أن الجن يأكلون ويشربون، دون تخصيص بعضهم بذلك دون بعض، ففي حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن, قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم, وآثار نيرانهم, وسألوه الزاد, فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً, وكل بعرة علف لدوابكم. فقال رسول الله صلى الله عليه: فلا تستنجوا بها فإنها طعام إخوانكم)) . وأخرج أبو داود عن عبد الله بن مسعود قال: (قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد: إنْهَ أمتك أن يستنجوا بعظم, أو روثة, أو حممة، فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقاً، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك) . وقد ذكر عماد الدين العامري أن العظم الذي ذكر اسم الله عليه هو طعام المؤمنين من الجن، وأما الكافرون منهم فإنما طعامهم فيما لم يذكر اسم الله عليه . وقد ورد في الحديث الصحيح أن الشيطان يأكل ويشرب، فعن ابن عمر رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله)). وكذلك ما ورد من أن الشيطان يدخل هو وأتباعه على البيوت التي لا يذكر أصحابها اسم الله عز وجل، فيأكلون ويبيتون معهم، فعن جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء. وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء)) . وقد ورد كذلك أن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه، فعن حذيفة قال: ((كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضع يده, وأنَّا حضرنا معه مرة طعاماً، فجاءت جارية كأنها تدفع. فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها. ثم جاء أعرابي كأنما يدفع. فأخذ بيده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه. وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها. فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به. فأخذت بيده. والذي نفسي بيده، إن يده في يدي مع يدها)) . ففي الحديث دلالة على أن الشيطان يستحل الطعام بالأكل منه إذا لم يذكر اسم الله عليه، وقد كان الشيطان وراء تلك الجارية والأعرابي، يدفعهما بسرعة إلى الطعام، بحيث لا يذكرون اسم الله عليه، فبذلك يأكل الشيطان معهما من الطعام، ولذلك نزع عليه الصلاة والسلام أيديهما من الطعام، وذكر اسم الله، ثم أكل. وأما القول الثاني الذي يقول: إن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون، فهو قول لا دليل عليه، وهو مخالف للأحاديث الصريحة، الدالة على أكل الجن وشربهم، يقول القاضي بدر الدين الشبلي: (فالقائلون أن الجن لا تأكل ولا تشرب، إن أرادوا أن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون، فهذا قول ساقط، لمصادمته الأحاديث الصحيحة، وإن أرادوا أن صنفاً منهم لا يأكلون ولا يشربون، فهو محتمل، غير أن العمومات تقتضي أن الكل يأكلون ويشربون) . ولكنه قد حصل خلاف بين العلماء في كيفية أكلهم وشربهم. فقال بعضهم: (إن أكلهم وشربهم تشمم واسترواح، لا مضغ وبلع). وقال آخرون: (إن أكلهم وشربهم مضع وبلع) ، والذي تشهد له الأحاديث أن أكل الجن وشربهم مضغ وبلع، لا تشمم واسترواح كما قال بعضهم، فقد روى أبو داود عن أمية بن مخشي - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يأكل، فلم يسم حتى إذا لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره, فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله عز وجل استقاء ما في بطنه)) . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن وفداً من نصيبين سألوني الزاد، فلا تستنجوا بعظم ولا روثة، فإنهما طعام إخوانك من الجن، فقالوا: وما يغني ذلك عنهم؟ قال: لا يمرون بعظم إلا وجدوا عليه عرقة، ولا يمرون بروثة إلا وجدوا عليها طُعماً)) . ولو كان أكلهم تشمماً واسترواحاً لما سألوه الزاد ولاكتفوا بالعظم وحده. إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على أنهم يأكلون ويشربون حقيقة، والله أعلم. المطلب الرابع: يتميزون بسرعة الحركة والقدرة على الأعمال الشاقة خص الله الجن عن الإنس بأن جعل لهم قدرات ومهارات عظيمة، فقد سخر الله الجن للنبي سليمان عليه السلام، فكانوا يبنون له القصور والمحاريب، ويصنعون التماثيل، ويعملون الجفان الواسعة للطعام، وحياض الماء الكبيرة، قال تعالى في وصف ذلك: {وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [ سبأ: 13]. فقد وصف الله هذه القدور بأنها راسيات. أي ثابتات لا تنتقل لضخامتها، وفي وصف الجفان بهذه الضخامة والاتساع، ووصف القدور بهذه الأحجام العظيمة دليل على قدرتهم العظيمة. وفي حديث القرآن عن عفريت أحد الجان - الذي تعهد بإحضار عرش بلقيس ملكة سبأ قبل قيام سليمان عليه السلام من مجلسه - دليل على حركتهم السريعة في التنقل، قال تعالى: {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [ النمل: 39]. وما ورد من ارتيادهم للفضاء، كما ورد في القرآن الكريم، في معرض الحديث عن استراق الجن لأخبار السماء ورميهم بالشهب، قال تعالى حكاية عنهم: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [ الجن: 9]. ففي كل من هذه الآيات دليل على قدرتهم على الأعمال الشاقة، وسرعة تنقلهم بين الأماكن البعيدة، ولا غرابة في ذلك، فهم مخلوقات عنصرهم النار، التي تتميز بالخفة، فسبحان من أبدع كل شيء صنعاً. المطلب الخامس: الجن يموتون ويبعثون بعد الموت والجن مخلوقات تموت كما يموت الإنس، فمن الأدلة القرآنية على موتهم قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [ الأحقاف: 18]. قال الألوسي: (واستدل بقوله عز وجل: {فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ} [ الأحقاف: 18]. الآية على أن الجن يموتون قرناً بعد قرن كالأنس) . وروي عن الحسن في بعض مجالسه: أن الجن لا يموتون، فاعترضه قتادة بهذه الآية فسكت . ويقول ابن حجر الهيتمي معلقاً على قول الحسن هذا: (الآية دليل على أنهم يموتون، فإن أراد الحسن أنهم لا يموتون مثلنا، بل ينظرون مع إبليس، فإذا مات ماتوا معه، قلنا: إن أراد ذلك في بعضهم كشياطين إبليس وأعوانه فهو محتمل، وإن أراد ذلك نافاه ما ورد من الوقائع الكثيرة في موتهم) . قال القاضي بدر الدين الشبلي: (ومعنى قول الحسن أن الجن لا يموتون أنهم منظرون مع إبليس، فإذا مات ماتوا معه, وظاهر القرآن يدل على أن إبليس غير مخصوص بالانظار إلى يوم القيامة، أما ولده وقبيله فلم يقم دليل على أنهم منظرون معه وظاهر قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ} [ الأعراف: 15]. يدل على أن ثمَّ منظرين غير إبليس، وليس في القرآن ما يدل على أن المنظرين هم الجن كلهم، فيحتمل أن يكون بعض الجن منظرين، أما كلهم فلا دليل عليه) . وسئل ابن حجر عن موت الجن فقال: (كل الحيوانات يموتون، وكذلك سائر العالم، لقوله تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [ الرحمن: 26]. مع قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [ القصص: 88]). وأما الدليل من السنة على موتهم: فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون)) . وهو أصرح الأحاديث الدالة على موت الجن ... وأخرج عن ابن جرير عن ابن عباس قال: (وكل ملك الموت بقبض أرواح المؤمنين والملائكة, وملك بالجن، وملك بالشياطين، وملك بالطير والوحوش والسباع والحيات، فهم أربعة أملاك) . ... حديث الفتى الذي صرعه الجني، وفيه دليل على أن الجن يموتون، فقد ورد في الحديث: ((فما يدرى أيهما أسرع موتاً الحية أم الفتى)) . وقد كانت تلك الحية من الجن الذين يسكنون المدينة، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: ((إن في المدينة جناً قد أسلموا..)) . وأما عن بعثهم بعد الموت فإن كثيراً من الآيات القرآنية التي توعدت العصاة والكفرة، قد دلت على بعثهم بعد الموت ومحاسبتهم على أعمالهم، قال الله تعالى في سؤال الكفرة من الجنسين في الآخرة: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ بلى} [ الأنعام: 130]. وقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [ هود: 119]. الفصل الرابع: تكليف الجن وجزاؤهم والرسل المرسلة إليهم المبحث الأول: تكليف الجن. تمهيد نصت كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أن الجن مكلفون بالتكاليف الشرعية، وأنهم مأمورون بفعل الطاعات والقيام بالعبادات، وأنهم منهيون عن ارتكاب المعاصي والمحرمات، وأنهم مختارون لهذا الأمر والنهي، وهذا ما عليه جمهور أهل الإسلام. وهم بهذا كالبشر الذين كلفهم الله بالتكاليف الشرعية أمراً ونهياً . وذهب قوم إلى أن الجن مضطرون، أي أنهم غير قادرين على فعل الطاعات أو ارتكاب المنهيات، وعلى هذا الأساس فهم غير مكلفين، وهذا يقتضي عدم الجزاء بالثواب على فعل الطاعات، وعدم الجزاء بالعقاب على ارتكاب المنهيات . وقد نقل القاضي عبد الجبار الهمداني هذا القول عن زرقان الذي حكاه عن بعض الحشوية على ما ذكره ابن حجر العسقلاني في فتح الباري . والصواب الذي لا ريب فيه أن الجن مكلفون أمراً ونهياً، مختارون لهذا التكليف، قال ابن القيم: (الصواب الذي عليه جمهور أهل الإسلام أنهم مأمورون منهيون، مكلفون بالشريعة الإسلامية، وأدلة القرآن والسنة على ذلك أكثر من أن تحصر، وإضافة القول إلى المعتزلة بتكليفهم، بمنزلة أن يقال: ذهب المعتزلة إلى القول بمعاد الأبدان، ونحو ذلك مما هو من أقوال سائر أهل الإسلام) . وقال الإمام القرطبي: (إن سورة الرحمن, والأحقاف, وقل أوحي دليل على أن الجن مخاطبون مكلفون، مأمورون منهيون، معاقبون كالإنس سواء بسواء، مؤمنهم كمؤمنهم، وكافرهم ككافرهم، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك) . وقال الفخر الرازي: (وأطبق المحققون على أن الجن مكلفون) . ونقل مثل هذا القول ابن حجر العسقلاني عن القاضي عبد الجبار الهمداني , ورجح القاضي عبد الجبار قول الجماعة بعد أن ذكر عن بعض الحشوية قولهم: بأن الجن مضطرون إلى أفعالهم وليسوا مكلفين، ثم قال: (والدليل للجماعة ما في القرآن من ذم الشياطين والتحرز من شرهم، وما أعد لهم من العذاب، وهذه الخصال لا تكون إلا لمن خالف الأمر وارتكب النهي، مع تمكنه من أن لا يفعل، والآيات والأخبار الدالة على تكليفهم كثيرة جداً) . وردت آيات كثيرة تدل على تكليف الجن، وهي على أنواع مختلفة هي: 1- ما جاء من التصريح في الحكمة من خلق الجن والإنس. وذلك في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [ الذاريات: 56-57]. فالآية صريحة في أن الله قد خلق الجن والإنس للعبادة، و على هذا وردت أقوال العلماء: قال ابن عباس: ({إِلا لِيَعْبُدُونِ} أي: إلا ليقروا بعبادتي، طوعاً أو كرهاً)، وهذا اختيار ابن جرير الطبري . وورد عن علي بن أبي طالب, وابن جريج, والربيع بن أنس أن معنى قوله تعالى: {إِلا لِيَعْبُدُونِ} أي إلا لآمرهم بالعبادة، وهو اختيار الزجاج . ويدل على ما تقدم قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا} [ التوبة: 31] وهي عامة في الجن والإنس. قال ابن كثير: (ومعنى الآية: أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقهم) . 2- ما ورد عن صرف الجن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، واستماعهم للقرآن منه. أ- قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [ الأحقاف: 29-31]. فقد أخبر القرآن الكريم أن الله قد صرف الجن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لاستماع القرآن منه، وسواء كان حضورهم إلى مكة – حيث كان الرسول عليه السلام يقرأ القرآن، بعد منعهم من استراق أخبار السماء – أو كان حضورهم بتوفيق من الله هداية لهم، على ما ذكره الإمام الماوردي . فإن في ذلك دلالة على استماعهم للقرآن منه عليه السلام, وانصاتهم لسماعه. قال ابن القيم: و قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [ الأحقاف: 29]. الآية، تدل على تكليف الجن من عدة وجوه: أحدها: أن الله تعالى صرفهم إلى رسوله يستمعون القرآن ليؤمنوا به، ويأتمروا بأوامره وينتهوا عن نواهيه. الثاني: أنهم أخبروا أنهم سمعوا القرآن وعقلوه وفهموه، وأنه يهدي إلى الحق، وهذا القول منهم يدل على أنهم عالمون بموسى وبالكتاب المنزل عليه، وأن القرآن مصدق له، وأنه هاد إلى صراط مستقيم، وهذا يدل على تمكنهم من العلم الذي تقوم به الحجة، وهم قادرون على امتثال ما فيه، والتكليف إنما يستلزم العلم والقدرة. الثالث: أنهم قالوا لقومهم: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} [الأحقاف: 30]. والآية صريحة في أنهم مكلفون، مأمورون بإجابة الرسول، وهو تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر اهـ. وقال الألوسي في قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} (وهذا ونحوه يدل على أن الجن مكلفون) . وقال ابن كثير: (و في هذا دلالة على أنه تعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين: الجن والإنس، حيث دعاهم إلى الله تعالى وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين, وتكليفهم, ووعدهم, ووعيدهم, وهي سورة الرحمن، ولهذا قال: {أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}) . ب- قوله تعالى في سورة الجن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا} – إلى قوله -: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [ الجن: 1 -15]. وقد جاءت هذه الآيات إخباراً للرسول عليه الصلاة والسلام باستماع نفر من الجن إليه وهو يقرأ القرآن بأصحابه، وذلك بعد أن منع الجن من استراق أخبار السماء، فعرفوا أن هذا المنع ما حصل إلا لشيء قد حدث في الأرض، فجابوا الأرض، فكان النفر الذين أخذوا نحو تهامة في بلاد الحجاز قد مروا على الرسول عليه السلام وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم منذرين، فأنزل الله تعالى إلى نبيه: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} [ الجن: 1] الآية ولم يكن يعلم باستماعهم إليه على الراجح من الروايات في ذلك، وظاهر القرآن يدل عليه. وقد دلت هذه الآيات على إيمانهم بالقرآن وأخذهم عهداً على أنفسهم أن لا يشركوا بالله، وذلك في قوله تعالى عنهم: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [ الجن: 1-2]، وقوله عنهم: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ} [الجن:12]. ففي إيمانهم بالقرآن، ووصفهم له بأنه يهدي إلى الرشد، وعدم إشراكهم بالله، دلالة على أنهم مكلفون، وكذلك مسارعتهم لاستماعه، وذلك في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:19]. أي: لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقرأ القرآن اجتمع الجن عليه متلبدين متراكمين، حرصاً على ما جاء به من الهدى . فقد كانوا فرحين حريصين متأملين عند سماعهم للقرآن، و في هذا دلالة على كمال عقولهم, وهو يقتضي التكليف، وقد وردت آيات كثيرة تخاطب العقل كقوله تعالى: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}, وقوله: {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}, وقوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2]. وفي هذا دلالة على توجه الخطاب للعاقل، وقد تقدم أن الجن مخلوقات عاقلة مريدة مختارة، عندها القدرة على التمييز بين الحق والباطل. 3- ما يتضمن التصريح بإرسال رسل إليهم: قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا} [الأنعام: 130]. ففي هذه الآية خطاب للجن والإنس يوم القيامة، وهذا الخطاب فيه تقرير من الله في أنه قد بعث رسلاً إلى الجن والإنس حيث يسألهم وهو أعلم: هل بلغتهم الرسل رسالاته؟ ، وبذلك يزول العذر وتنقطع الحجة لأي واحد من الجن والإنس، إذ بعث الله رسلاً يوضحون الطريق ويأمرون بعبادة الله, وينهون عن معصيته، ولا شك أن أمر الرسل ونهيهم للجن والإنس هو محض التكليف، قال ابن القيم: (وهذه الآية تدل على أن الجن كانوا متعبدين بشرائع الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم، لكن دعوة أولئك الرسل كانت مقصورة على بعض الإنس والجن، أما رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام فهي عامة لجميع الجن والإنس) . 4- ما يتضمن خطاب الجن والإنس معاً: وذلك في سورة الرحمن في قوله تعالى بعد الحديث عن نعمه على عباده: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [ الرحمن: 13]، حيث ورد هذا الخطاب في واحد وثلاثين موضعاً من سورة الرحمن، وفيه خطاب للجن والإنس معاً، وفي هذه المواضع امتنان من الله على عباده بهذه النعم التي لا يجحدها إلا كافر. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال: لقد قرأتها على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردوداً منكم، كلما أتيت على قوله: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد)) قال ابن القيم: (وهذا يدل على ذكائهم, وفطنتهم, ومعرفتهم بمؤنة الخطاب وعلمهم أنهم مقصودون به) ويقول: (وقد دلت سورة الرحمن على تكليفهم بالشرائع كما كلف الإنس، ولهذا يقول في إثر كل آية: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}, فدل على أن السورة خطاب للثقلين معاً، ولهذا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن قراءة تبليغ، وأخبر أصحابه أنهم كانوا أحسن رداً منهم، فإنهم جعلوا يقولون كلما قرأ عليهم {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}: لا نكذب بشيء من آلائك ربنا فلك الحمد) . 5- ما يتضمن تحدي الثقلين بالإتيان بمثل القرآن: وذلك في قوله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [ الإسراء: 88]. فهو تحد للإنس والجن معاً في أن يقدروا على الإتيان بمثل هذا القرآن، ولكنهم لن يستطيعوا ذلك وتوجه الخطاب بالتحدي للإنس والجن من دون الخلائق دليل على أنهم هم المعنيون بأمر هذا القرآن وما اشتمل عليه من أنواع الإعجاز المختلفة، و في هذا دليل على تكليف الجن كالإنس. 6- ما يتضمن بشارة المؤمنين من الجن بالثواب على أعمالهم, وتحذير الكافرين والعصاة منهم بالعقاب على كفرهم ومعصيتهم في الآخرة: وقد وردت البشارة بالتحذير في مواضع متعددة من القرآن منها: أ- قوله تعالى في سورة الأحقاف: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [ الأحقاف: 18 - 19]. فقد أخبر الله في هذه الآيات أن في الجن من حق عليه القول، أي: وجب عليه العذاب مع أمم قد مضت من قبلهم من الجن والإنس، و في هذا أبين دليل على تكليف الثقلين، وتعلق الأمر والنهي بهم، ثم قال بعد ذلك: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا} أي في الخير والشر يوفونها ولا يظلمون شيئاً من أعمالهم، فدل ذلك لا محالة أنهم كانوا مأمورين بالشرائع، متعبدين بها في الدنيا، ولذلك استحقوا الدرجات بأعمالهم في الآخرة في الخير والشر . وقوله تعالى كذلك: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [ الأحقاف: 29]. [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية