الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35438" data-attributes="member: 329"><p>والإنذار هو الإعلام بالخوف بعد انعقاد أسبابه، فعلم أنهم منذرون لهم بالنار إن عصوا الرسول عليه الصلاة والسلام .</p><p>ثم ما جاء من أمر هذا النفر من الجن لقولهم بإجابة دعوة الرسول عليه السلام المستجابة لمغفرة الله لذنوب الجن ونجاتهم من العذاب، وذلك في قوله تعالى عن هؤلاء النفر: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [ الأحقاف: 31]. والذنب هو مخالفة الأمر وارتكاب النهي، وقوله: {وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وهذا يدل على أن من لا يستجب منهم لداعي الله لم يجره من العذاب الأليم، وفيه بشارة لمن آمن بالرسول واستجاب لدعوته، وإنذار لمن كذب وعصى، وهذا صريح في تعلق الشريعة الإسلامية بهم .</p><p>ثم عقب تعالى على ذلك بقوله عنهم: {وَمَن لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [ الأحقاف: 32]. </p><p>وهذا تهديد شديد لمن تخلف عن إجابة داعي الله منهم، قال الإمام الطبري: (يقول تعالى مخبراً عن قيل هؤلاء النفر لقومهم: ومن لا يجب أيها القوم رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم وداعيه إلى ما بعثه بالدعاء إليه، وهو توحيده والعمل بطاعته، فليس بمعجز ربه بهربه إذا أراد عقوبته على تكذيبه داعيه إلى الإسلام وتركه تصديقه، وإن ذهب في الأرض هارباً، لأنه حيث كان فهو في سلطانه وقبضته، وليس لمن لم يجب داعي الله من دون ربه نصراء ينصرونه من الله إذا عاقبه ربه على كفره به وتكذيبه داعيه) .</p><p>ب- قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ} [ الأنعام: 128]. ثم قوله بعد ذلك: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} [ الأنعام: 130]</p><p>فهذه الآيات تتحدث عن الجن والإنس وموقفهم من بعضهم بعضاً، واستذكارهم لاستمتاعهم ببعضهم في الدنيا سواء كان بطاعة الإنس للجن فيما يأمرون به من الشهوات، أو التجاء الإنس بالجن عند النزول في واد أو قفر موحش لا أنيس به، وتلذذ بهذه الطاعة من قبل الإنس، التي تشعر بسيادة الجن على الإنس فكان من نتيجة هذا الاستمتاع البعد عن طاعة الله، الذي ترتب عليه الخلود في النار كما نصت عليه الآية الكريمة.</p><p>وقوله: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ} [الأنعام: 128] فيه خطاب للصنفين، وهو صريح في اشتراكهم في العذاب واشتراكهم في العذاب يدل على اشتراكهم في التكليف. </p><p>وقوله في الآية الأخرى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا} فيه إنذار لهم بالخوف من عذاب ربهم على لسان الرسل الذين بعثوا إليهم، إذ هم تنكبوا الطريق ولم يمتثلوا لهذا الإنذار. </p><p>ج - قوله تعالى في سورة سبأ إخباراً عن سليمان عليه السلام: {وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12]. </p><p>ففي هذه الآية تهديد للجن بالعذاب إذا هم خالفوا أمره تعالى في طاعة نبيه سليمان عليه السلام فيما يسخرهم به من القيام بشتى الأعمال التي يأمرهم بها، وهو يدل على تكليفهم، وإلا لما استحقوا العذاب على هذه المخالفة. </p><p>د – ما جاء في سورة الرحمن من التهديد للجن والإنس في قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [ الرحمن: 31 -40]. </p><p>فقد جاءت هذه الآيات بعد الحديث عن خلق النوعين: الإنس والجن في قوله تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [ الرحمن: 15]. ثم خاطب الله النوعين بالخطاب المتضمن لاستدعاء الإيمان منهم، وإنكار تكذيبهم بآياته، وترغيبهم في وعده، وتخويفهم من وعيده، وتهديده بقوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} وتخويفهم من عواقب ذنوبهم وأنه لعلمه بها لا يحتاج أن يسألهم عنها سؤال استعلام، بل {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ} [ الرحمن: 41]. ثم ذكر عقاب الصنفين وثوابهم، وهذا كله صريح في أنهم هم المكلفون المنهيون المثابون المعاقبون .</p><p>وقوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} (وعيد للصنفين المكلفين بالشرائع، قال قتادة: معناه فراغ الدنيا وانقضاؤها, ومجيء الآخرة والجزاء فيها، والله سبحانه لا يشغله شيء عن شيء، والفراغ في اللغة على وجهين: فراغ من الشغل، وفراغ بمعنى القصد، وهو في هذا الموضع بالمعنى الثاني، وقد قصد لمجازاتهم بأعمالهم يوم الجزاء ).</p><p>أما قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33]. فعلى الراجح من أقوال المفسرين أن هذا خطاب للجن والإنس في الآخرة عندما يجتمعون في صعيد واحد للحساب، حيث تكون الملائكة قد أحاطت بأقطار الأرض, وأحاط سرادق النار بالآفاق، فهرب الخلائق، فلا يجدون مهرباً ولا منفذاً، كما قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [ غافر: 32-33]. قال مجاهد<img src="data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAIAAAAAAAP///yH5BAEAAAAALAAAAAABAAEAAAIBRAA7" class="smilie smilie--sprite smilie--sprite3" alt=":(" title="Frown :(" loading="lazy" data-shortname=":(" />فارين غير معجزين) . وقال الضحاك: (إذا سمعوا زفير النار ندُّوا هرباً، فلا يأتون قطراً من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفاً، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [ الحاقة: 17])، وعلى هذا فيكون المعنى: يا معشر الجن والإنس إن قدرتم أن تتجاوزوا أقطار السماوات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر على عذابكم في الآخرة فافعلوا. و قوله تعالى بعد ذلك: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ} [ الرحمن: 39]. فيه دليل على إضافة الذنوب إلى الثقلين، وهذا دليل على أنهما سوياً في التكليف .</p><p>وكذلك ما ورد من الآيات في ذم الشياطين ولعنهم, والتحرز من غوائلهم وشرهم، وذكر ما أعد الله لهم من العذاب، وهذه الخصال لا يفعلها الله تعالى إلا لمن خالف الأمر والنهي، وارتكب الكبائر وهتك المحارم مع تمكنه أن لا يفعل ذلك، وقدرته على فعل خلافه، وهذا كله يدل على أنهم مكلفون .</p><p>هـ - ما جاء في سورة الجن من إخبار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام من استماع نفر من الجن إليه بقوله عنهم: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [ الجن: 13-17]. ثم التعقيب في أواخر السورة بقوله: {إِلا بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [ الجن: 23]. </p><p>فهو الجزاء من الله للمؤمنين من الجن والإنس على أعمالهم، فإن الله لا يبخس أحداً من عباده على عمل عمله في الدنيا، بالإضافة إلى أن الله لن يحمله في الدنيا أكثر مما يستطيع، أما في الآخرة فإن الله أعد للمسلمين نعيماً مقيماً، لأنهم تحروا الصواب واختاروه عن معرفة وقصد، بعد تبين ووضوح. وأما القاسطون وهم الجائرون الظالمون المجانبون للعدل والصلاح، فهم حطب جهنم جزاء أعمالهم، ولو استقام هؤلاء النفر من الجن والإنس على الإسلام لأسقيناهم ماء موفوراً نغدقه عليهم، فيفيض عليهم بالرزق والرخاء، لنفتنهم فيه ونبتليهم أيشكرون أم يكفرون .</p><p>وقد دلت هذه الآيات على أن الجن يجزون بأعمالهم خيراً أو شراً، وأنهم لا يعذبون في النار، وهذا مترتب على تكليفهم في الدنيا بفعل الطاعات وترك المعاصي، وإلا لما كان هذا العذاب للعصاة منهم، والثواب للطائعين منهم كذلك. </p><p>ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أن الجن مكلفون بنص القرآن، وأنهم هم والإنس في ذلك سواء، وأنهم سيحاسبون على هذا التكليف في الآخرة، فإن أحسنوا فلهم الجنة، وإن أساءوا فالنار مثواهم جزاء عادلاً من الله سبحانه. </p><p>المطلب الثاني: الأدلة من السنة</p><p>وردت كثير من الأحاديث التي تثبت تكليف الجن، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأ عليهم القرآن، وأنهم مكلفون بالإيمان برسالته، فمن هذه الأحاديث: </p><p>1- أخرج مسلم في صحيحه من حديث عامر قال: ((سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، ففقدناه. فالتمسناه في الأودية والشعاب. فقلنا: استطير أواغتيل. قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم. فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء. قال فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم. فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معه. فقرأت عليهم القرآن، فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. وسألوه الزاد. فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم، أوفر ما يكون لحماً. وكل بعرة علف لدوابكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم)) .</p><p>فقد دل هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتاه داعي الجن في إحدى الليالي، فذهب معه، وقرأ عليهم القرآن. وقراءته – عليه السلام – القرآن على الجن تدل على أنهم مكلفون بهذا الكتاب كما كلف به الإنس.</p><p>عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ. وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء. وأرسلت عليهم الشهب. فرجعت الشياطين إلى قومهم. فقالوا: مالكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء. وأرسلت علينا الشهب. قالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث. فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها. فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ. وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له. وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فرجعوا إلى قومهم فقالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1-2 ]. فأنزل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}[الجن: 1]) .</p><p>فقد دل هذا الحديث على استماع الجن للقرآن وتعجبهم منه. ثم انطلاقهم إلى قومهم منذرين بهذا القرآن، ولا شك أن هذا يدل على تكليفهم، وإلا لما انطلقوا إلى أقوامهم محذرين من عدم الإيمان به، وهو ظاهر في تعلق الشريعة بهم.</p><p>3- روي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أتلو القرآن على الجن، فمن يذهب معي؟ فسكتوا، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، ثم قال عبد الله بن مسعود: أنا أذهب معك يا رسول الله، فانطلق حتى جاء الحجون، عند شعب أبي دب، فخط عليَّ خطاً فقال: لا تجاوزه، ثم مضى إلى الحجون، فانحدر عليه أمثال الحجل، يحدرون الحجارة بأقدامهم يمشون يقرعون في دفوفهم كما تقرع النسوة دفوفها، حتى غشوه فلا أراه، فقمت: فأوحى إليّ بيده أن أجلس، فتلا القرآن، فلم يزل صوته يرتفع، ولصقوا بالأرض حتى ما أراهم، فلما انفتل إليّ قال: أردت أن تأتيني؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: ما كان ذلك لك، هؤلاء الجن أتوا يستمعون القرآن، ثم ولوا إلى قومهم منذرين، فسألوني الزاد، فزودتهم العظم والبعر، فلا يستطيبن أحدكم بعظم ولا بعر)) </p><p>فقوله عليه الصلاة والسلام: ((أمرت أن أتلو القرآن على الجن)) فيه دليل على تكليف الجن، حيث أمره الله سبحانه بقراءته عليهم، ثم قوله في الحديث: ((هؤلاء الجن أتوا يستمعون القرآن، ثم ولوا إلى قومهم منذرين)) فيه دليل على تكليفهم كذلك، بعد استماعهم للقرآن انطلقوا منذرين محذرين من الأعراض عن كتاب الله، ولا يكون هذا إلا فيمن كلفهم الله بالإيمان به والتبليغ لدينه. </p><p>4- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم. ونصرت بالرعب. وأحلت لي الغنائم. وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً. وأرسلت إلى الخلق كافة. وختم بي النبيون)) .</p><p>قال السبكي: (ومحل الاستدلال قوله: ((وأرسلت إلى الخلق كافة)) فإنه يشمل الجن والإنس، وحمله على الإنس خاصة تخصيص بغير دليل، فلا يجوز) . ثم يقول: (حديث مسلم الذي استدللنا به أصرح الأحاديث الدالة على شمول الرسالة للجن والإنس) .</p><p>وجاء من طرق هذا الحديث ما ورد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أرسلت إلى الجن والإنس، وإلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم دون الأنبياء، وجعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً)) .</p><p>قال السبكي: (وهذا الحديث أصرح من حديث مسلم، لكنه ليس في الصحة مثله) .</p><p>هذا وقد تكررت وفادات الجن على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الألوسي أنها ست وفادات كما تقدم. و في إحدى المرات التي قرأ الرسول عليه السلام القرآن عليهم تبعه رجلان منهم وهو يصلي بأصحابه، فصليا بصلاته، وهذا صريح في تكليفهم. </p><p>والأحاديث الواردة في قراءة الرسول عليه الصلاة والسلام القرآن على الجن، تفيد أنهم مكلفون بالتكاليف الشرعية، ومحاسبون على أفعالهم، واجتماع هذه الروايات مع بعضها آكد في دلالتها على تكليف الجن من دلالتها على تكليفهم في حال انفرادها.. </p><p>المبحث الثاني: جنس الرسل المبعوثة إلى الجن</p><p>هل بعث إلى الجن رسل منهم، أم أن الرسل المبعوثين إليهم من الإنس فقط؟. </p><p>اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: </p><p>الأول: أن رسل الجن هم من البشر، ولم يبعث إلى الجن رسول منهم، وهو رأي الجمهور من العلماء .</p><p>الثاني: أنه ليس في الجن رسل ولكن منهم نذر عن الرسل، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وابن جريج وأبو عبيد .</p><p>الثالث: أنه قد بعث إلى الجن رسل منهم، وهو رأي مقاتل والضحاك وابن حزم الأندلسي .</p><p>والذي ينبغي أن يعلم في هذا المقام أن الجمهور والضحاك ومن معه متفقون على أن محمداً صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الجن والإنس معاً، وإنما الاختلاف بينهم في أنه هل بعث إلى الجن رسل من جنسهم قبل مبعث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أم لا؟ </p><p>فالضحاك ومن معه يقولون: بأنه قد بعث إلى الجن رسل منهم قبل نبينا عليه السلام، والجمهور على خلافه، قال السبكي: (ومن نقل عن الضحاك مطلقاً أن رسل الجن منهم فهو محمول على هذا التقييد -أي قبل نبينا عليه السلام- ولم ينقل أحد عنه أن ذلك في هذه المسألة، وإن توهم أحد ذلك عليه فقد أخطأ، ويجب عليه النزوع وعدم اعتقاده، وأن لا ينسب إلى رجل عالم ما يخالف الإجماع، فيكون قد جنى عليه جناية يطالبه بها بين يدي الله تعالى) وقال: (ولم يقل الضحاك ولا أحد غيره باستمرار ذلك في هذه الملة، وإنما محل الخلاف في ذلك في الملل المتقدمة خاصة، وأما في هذه الملة فمحمد صلى الله عليه وسلم هو المرسل إليهم وإلى غيرهم، والاستدلال بالإجماع في ذلك صحيح) .</p><p>وإليك تفصيل هذه الأقوال مع ذكر أدلتها: </p><p>القول الأول: وهو قول الجمهور بأن رسل الجن هم من البشر وليسوا من الجن. </p><p>قال السبكي: (كونه صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الإنس والجن كافة، وأن رسالته شاملة للثقلين، فلا أعلم فيه خلافاً، ونقل جماعة الإجماع عليه) . وقال ابن نجيم:</p><p>(الجمهور على أنه لم يكن من الجن نبي) , وقال ابن حجر الهيتمي: (وجمهور الخلف والسلف أنه لم يكن فيهم رسول ولا نبي خلافاً للضحاك) . وقال في موضع آخر: (ولم يبعث إليهم نبي قبل نبينا قطعاً على ما قاله ابن حزم) . وإيمان الجن بالتوراة كما يدل عليه أواخر سورة الأحقاف كان تبرعاً كإيمان بعض العرب من قريش وغيرهم بالإنجيل، إذ لم يثبت أن موسى أرسل لغير بني إسرائيل والقبط، ولا أن عيسى أرسل لغير بني إسرائيل . وقال القاضي بدر الدين الشبلي: (وجمهور العلماء سلفاً وخلفاً على أنه لم يكن من الجن قط رسول، ولم تكن الرسل إلا من الإنس، ونقل معنى هذا عن ابن عباس, وابن جريج, ومجاهد, والكلبي, وأبي عبيد, والواحدي) . وقال ابن مفلح الحنبلي: (وليس منهم رسول، ذكر القاضي، وابن عقيل وغيرهما) وقال ابن القيم<img src="data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAIAAAAAAAP///yH5BAEAAAAALAAAAAABAAEAAAIBRAA7" class="smilie smilie--sprite smilie--sprite3" alt=":(" title="Frown :(" loading="lazy" data-shortname=":(" />ولما كان الإنس أكمل من الجن وأتم عقولاً ازدادوا عليهم بثلاثة أصناف أخر ليس شيء منها للجن وهم: الرسل, والأنبياء, والمقربون، فليس في الجن صنف من هؤلاء بل حليتهم الصلاح) .</p><p>أدلة الجمهور: </p><p>استدل الجمهور بالكتاب والسنة والإجماع: </p><p>أولاً: الأدلة من الكتاب: ومنها: </p><p>1- قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ بلى} [ الأنعام: 130]. </p><p>قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (ولما كانت الجن ممن يخاطب ويعقل قال: {مِّنكُمْ} وإن كانت الرسل من الإنس، وغلب الإنس في الخطاب كما يغلب المذكر على المؤنث، و في التنزيل: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22]، أي من أحدهما، وإنما يخرج من الملح دون العذاب، فكذلك الرسل من الإنس دون الجن، فمعنى: (منكم) أي: من أحدكم، وكان هذا جائزا، لأن ذكرها سبق. وقيل: إنما صير الرسل في مخرج اللفظ من الجميع لأن الثقلين قد ضمتهما عرصة القيامة، والحساب عليهم دون الخلق، فلما صاروا في تلك العرصة في حساب واحد، في شأن الثواب والعقاب – خوطبوا يومئذ بمخاطبة واحدة، كأنهم جماعة واحدة، لأن بدء خلقهم للعبودية، والثواب والعقاب على العبودية، ولأن الجن أصلهم من مارج من نار وأصلنا من تراب، وخلقهم غير خلقنا، فمنهم مؤمن وكافر، وعدونا إبليس عدو لهم يعادي مؤمنهم ويوالي كافرهم، وففيهم أهواء: شيعة, وقدرية, ومرجئة, يتلون كتابنا) . وقال الألوسي<img src="data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAIAAAAAAAP///yH5BAEAAAAALAAAAAABAAEAAAIBRAA7" class="smilie smilie--sprite smilie--sprite3" alt=":(" title="Frown :(" loading="lazy" data-shortname=":(" />ومنكم أي من جملتكم، لكن لا على أن يأتي كل رسول كل واحدة من الأمم، ولا على أن أولئك الرسل عليهم السلام من جنس الفريقين معاً، بل على أن يأتي كل أمة رسول خاص بها، وعلى أن تكون من الإنس خاصة، إذ المشهور أنه ليس من الجن رسل وأنبياء، ونظيره في هذا قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22]، فإنهما إنما يخرجان من الملح فقط. والفراء قدر مضافاً لذلك: أي من أحدكم) .</p><p>وهذا هو تأويل الآية عند فريق من الجمهور، وهو منقول عن الكلبي وطائفة من السلف .</p><p>2- قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى} [ يوسف: 109].</p><p>قال القرطبي<img src="data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAIAAAAAAAP///yH5BAEAAAAALAAAAAABAAEAAAIBRAA7" class="smilie smilie--sprite smilie--sprite3" alt=":(" title="Frown :(" loading="lazy" data-shortname=":(" />وهذا رد على القائلين: {وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} [الأنعام: 8]. أي: أرسلنا رجالاً ليس فيهم امرأة, ولا جني, ولا ملك.. قال الحسن: لم يبعث الله نبياً من أهل البادية قط, ولا من النساء, ولا من الجن.. قال العلماء: من شرط الرسول أن يكون آدميا مدنياً، وإنما قالوا آدمياً تحرزاً من قوله: {يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [ الجن: 6]. والله أعلم) . وقال ابن القيم في الآية: (فهذا يدل على أنه لم يرسل جنياً, ولا امرأة, ولا بدوياً، وأما تسميته تعالى الجن رجالاً في قوله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}[ الجن: 6]. فلم يطلق عليهم الرجال، بل هي تسمية مقيدة بقوله: {مِّنَ الْجِنِّ} فهم رجال من الجن، ولا يستلزم دخولهم في الرجال عند الإطلاق، كما تقول: رجال من حجارة, ورجال من خشب ونحوه) .</p><p>3- قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [ النساء: 163]. و قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [ العنكبوت: 27]. وذلك إخباراً عن إسماعيل عليه السلام. </p><p>فهذه الآيات قد أخبرت أن الله قد جعل النبوة في الرجال من البشر، ولو كان في الجن رسل وأنبياء لأخبر القرآن بذلك، والآيات السالفة إخبار من الله عن إبراهيم عليه السلام أن الله قد جعل النبوة في ذريته من بعده، قال القرطبي: (فلم يبعث الله نبياً بعد إبراهيم إلا من صلبه) .</p><p>4- قوله تعالى: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20]. </p><p>فقد أخبر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن الرسل الذين بعثهم قبله كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، والمقصود بذلك أنهم بشر، وليس في الآية ما يدل على بعث الرسل من خلاف الإنس. </p><p>5- قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33]. </p><p>قال الفخر الرازي: (وأجمعوا على أن المراد بهذا الاصطفاء إنما هو النبوة، فوجب كون النبوة مخصوصة بهؤلاء فقط) ، فلا يدخل فيه الجن أو غيرهم من البشر.</p><p>6- مجموع الأدلة التي دلت على أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قد بعث إلى الجن، وهي كثيرة جداً، وقد تقدمت، وهذه الأدلة تفيد أن الرسل المبعوثين إلى الجن هم من البشر، كما هو الشأن في رسالة نبينا إلى الثقلين، حيث كانت دعوته عليه السلام شاملة للإنس والجن جميعاً، قال ابن تيمية: (يجب على الإنسان أن يعلم أن الله عز وجل أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثقلين: الإنس والجن، وأوجب عليهم الإيمان به وبما جاء به وطاعته.. وأن كل من قامت عليه الحجة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من الإنس والجن فلم يؤمن به استحق عقاب الله تعالى، كما يستحقه أمثاله من الكافرين الذين بعث إليهم الرسول، وهذا أصل متفق عليه بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين، وسائر طوائف المسلمين: أهل السنة والجماعة وغيرهم رضي الله عنهم، لم يخالف أحد من طوائف المسلمون في وجود الجن ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم) . وقال أيضاً: (والآيات التي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم فيها خطاب لجميع الخلق من الإنس والجن، إذ كانت رسالته عامة للثقلين، وإن كان من أسباب نزول الآيات ما كان موجوداً في العرب، فليس شيء من الآيات مختصاً بالسبب المعين الذي نزل فيه باتفاق المسلمين) وقال ابن حجر الهيتمي: (وقد تساهل من قال: بأن رسالته صلى الله عليه وسلم – إلى الجن – اشتهرت اشتهاراً قريباً من الضروري بآيات القرآن، وشهرة عموم رسالته تدل على ذلك كمنكر الإجماع، و في كفره خلاف مذكور في الأصول) .</p><p>والأدلة على إرسال نبينا عليه الصلاة والسلام إلى الجن إنما تفيد أن الرسل من البشر، ولو كان رسل الجن منهم لما كلف نبيه بقراءة القرآن عليهم وتبليغهم وإنذارهم، ولكانت هذه من مهمة رسول الجن إليهم. </p><p>7- قوله تعالى: إخباراً عن النفر من الجن الذين ولوا إلى قومهم منذرين بعد سماعهم القرآن من الرسول عليه السلام: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الأحقاف: 30]. </p><p>والذي نفهمه من هذه الآية أن هذا النفر من الجن كان منهم من آمن بموسى عليه السلام، مما يدل على أنه مرسل إليهم، قال القرطبي: (عن ابن عباس: أن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى، فلذلك قالت: {أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى}.. قال مقاتل: ولم يبعث الله نبياً إلى الجن والإنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم) و في هذا دليل على أنه لم يبعث إلى الجن رسولاً منهم.</p><p>ثانياً: الأدلة من السنة: </p><p>أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود..)) الحديث .</p><p>فإخباره عليه الصلاة والسلام أن كل نبي من الأنبياء السابقين كان يبعث إلى قومه خاصة فيه دليل على أن الجن لم يبعث إليهم رسول منهم، وذلك أن القوم في اللغة: هم جماعة الرجل من الرجال والنساء، فتخصيص الحديث بعث الرسل السابقين إلى أقوامهم بقوله: ((إلى قومه)) فيه دليل على أنهم جماعة ذلك النبي من الناس دون الجن، إذ لم يعهد في اللغة إطلاق لفظ القوم على جماعة الرجل من الجن. </p><p>وقوله عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: ((وبعثت إلى كل أحمر وأسود)) فيه مزيد بيان لما قلناه، حيث إن رسالة من قبله من الأنبياء كانت لأقوامهم من البشر خاصة، وامتاز نبينا عليه الصلاة والسلام على غيره من الأنبياء بأنه قد بعث إلى الجن والإنس جميعاً، كما نص على ذلك الحديث المتقدم، و في هذا دلالة على أنه لم يكن في الجن رسل منهم.</p><p>وأما من ذكر بأن الرسل السابقين قبل نبينا عليه الصلاة والسلام كانوا يبعثون إلى الإنس والجن جميعاً – كما ذكر الكلبي – فإن ذلك معارض بالحديث المتقدم، حيث اختص الرسول عليه السلام على غيره من الأنبياء بأنه بعث إلى الجن والإنس جميعاً، ولم يحصل هذا لغير نبينا عليه الصلاة والسلام. </p><p>ثالثاً: الإجماع: </p><p>قال الألوسي: (وادعى بعض قيام الإجماع على أنه لم يرسل إلى الجن رسل منهم، وإنما أرسل إليهم من الإنس) . ولكن الفخر الرازي اعترض على هذا الإدعاء فقال: (وما رأيت في تقرير هذا القول حجة إلا ادعاء الإجماع وهو بعيد، لأنه كيف ينعقد الإجماع مع حصول الاختلاف) ؟</p><p>القول الثاني: بأن في الجن نذراً، وليس منهم رسل، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهم من السلف ... </p><p>قال القرطبي: (وقال ابن عباس: رسل الجن هم الذين بلغوا قومهم ما سمعوه من الوحي كما قال: {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ}) ثم قال: (وقال مجاهد: الرسل من الإنس والنذر من الجن ثم قرأ: {إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ}) يقول القرطبي: (وهو – أي قول مجاهد – معنى قول ابن عباس، وهو الصحيح) وقال ابن القيم: (قال غير واحد من السلف: الرسل من الإنس، وأما الجن ففيهم النذر) وقال الإمام الطبري: (عن ابن عباس {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [ الأحقاف: 29]، قال كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين، فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً إلى قومهم) . وقال السبكي: (والذين خالفوا الضحاك في تمسكه بظاهر قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ} [الأنعام: 130]. إنما يؤلون هذه الآية، فقد قال ابن عباس ومجاهد وابن جريج وأبو عبيد: معناه: أن رسل الإنس رسل من الله إليهم، ورسل الجن قوم من الجن ليسوا رسلاً عن الله، ولكن بثهم الله في الأرض، فسمعوا كلام رسل الله، الذين هم من بني آدم، وجاءوا إلى قومهم من الجن فأخبروهم، كما اتفق للذين صرفهم الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستمعوا القرآن وولوا إلى قومهم منذرين، فهم رسل عن الرسل، لا رسل عن الله تعالى، ويسمون نذراً، ويجوز تسميتهم رسلاً، لتسمية رسل عيسى رسلاً في قوله تعالى: {إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ} [ يــس: 14] وجاء قوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ} على ذلك، فالرسل على الإطلاق من الإنس، وهم رسل الله، والنذر من الجن، وهم رسل الرسل ويجوز تسميتهم رسلاً) .</p><p>وهذا القول هو التوجيه الآخر لفريق من الجمهور لقوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ} وعلى هذا الأساس فهو لا يخالف رأي الجمهور، بل يؤيده ويدعمه. </p><p>وبناء على ما تقدم فإن القولين معناهما واحد، وهو أنه لم يبعث إلى الجن رسل منهم إلى الرسل من الإنس فقط، وأدلة الفريق الثاني هي نفس أدلة الفريق الأول. </p><p>القول الثالث: القائلون بأن في الجن رسلاً منهم، وهو قول الضحاك، وذكر القرطبي ذلك عن مقاتل رحمه الله فقال: (وقال مقاتل والضحاك: أرسل الله رسلاً من الجن كما أرسل من الإنس) . وذكر الإمام الطبري أنه يوجد غير الضحاك من القائلين بهذا القول فقال: (وأما الذين قالوا بقول الضحاك فإنهم قالوا: إن الله أخبر أن من الجن رسلاً أرسلوا إليهم، كما أخبر أن من الإنس رسلاً أرسلوا إليهم) . فلعل ابن جرير قصد مقاتلاً رحمه الله. ونقل الألوسي أن الذين ذكروا بأن من الجن أنبياء منهم قد صرحوا بأن رسولاً منهم يسمى يوسف . وقال ابن حزم: (ولم يبعث إلى الجن نبي من الإنس البتة قبل محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه ليس الجن من قوم إنسي، وباليقين ندري أنهم قد أنذروا، فصح أنه جاءهم أنبياء منهم قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ}) .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35438, member: 329"] والإنذار هو الإعلام بالخوف بعد انعقاد أسبابه، فعلم أنهم منذرون لهم بالنار إن عصوا الرسول عليه الصلاة والسلام . ثم ما جاء من أمر هذا النفر من الجن لقولهم بإجابة دعوة الرسول عليه السلام المستجابة لمغفرة الله لذنوب الجن ونجاتهم من العذاب، وذلك في قوله تعالى عن هؤلاء النفر: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [ الأحقاف: 31]. والذنب هو مخالفة الأمر وارتكاب النهي، وقوله: {وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وهذا يدل على أن من لا يستجب منهم لداعي الله لم يجره من العذاب الأليم، وفيه بشارة لمن آمن بالرسول واستجاب لدعوته، وإنذار لمن كذب وعصى، وهذا صريح في تعلق الشريعة الإسلامية بهم . ثم عقب تعالى على ذلك بقوله عنهم: {وَمَن لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [ الأحقاف: 32]. وهذا تهديد شديد لمن تخلف عن إجابة داعي الله منهم، قال الإمام الطبري: (يقول تعالى مخبراً عن قيل هؤلاء النفر لقومهم: ومن لا يجب أيها القوم رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم وداعيه إلى ما بعثه بالدعاء إليه، وهو توحيده والعمل بطاعته، فليس بمعجز ربه بهربه إذا أراد عقوبته على تكذيبه داعيه إلى الإسلام وتركه تصديقه، وإن ذهب في الأرض هارباً، لأنه حيث كان فهو في سلطانه وقبضته، وليس لمن لم يجب داعي الله من دون ربه نصراء ينصرونه من الله إذا عاقبه ربه على كفره به وتكذيبه داعيه) . ب- قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ} [ الأنعام: 128]. ثم قوله بعد ذلك: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} [ الأنعام: 130] فهذه الآيات تتحدث عن الجن والإنس وموقفهم من بعضهم بعضاً، واستذكارهم لاستمتاعهم ببعضهم في الدنيا سواء كان بطاعة الإنس للجن فيما يأمرون به من الشهوات، أو التجاء الإنس بالجن عند النزول في واد أو قفر موحش لا أنيس به، وتلذذ بهذه الطاعة من قبل الإنس، التي تشعر بسيادة الجن على الإنس فكان من نتيجة هذا الاستمتاع البعد عن طاعة الله، الذي ترتب عليه الخلود في النار كما نصت عليه الآية الكريمة. وقوله: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ} [الأنعام: 128] فيه خطاب للصنفين، وهو صريح في اشتراكهم في العذاب واشتراكهم في العذاب يدل على اشتراكهم في التكليف. وقوله في الآية الأخرى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا} فيه إنذار لهم بالخوف من عذاب ربهم على لسان الرسل الذين بعثوا إليهم، إذ هم تنكبوا الطريق ولم يمتثلوا لهذا الإنذار. ج - قوله تعالى في سورة سبأ إخباراً عن سليمان عليه السلام: {وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12]. ففي هذه الآية تهديد للجن بالعذاب إذا هم خالفوا أمره تعالى في طاعة نبيه سليمان عليه السلام فيما يسخرهم به من القيام بشتى الأعمال التي يأمرهم بها، وهو يدل على تكليفهم، وإلا لما استحقوا العذاب على هذه المخالفة. د – ما جاء في سورة الرحمن من التهديد للجن والإنس في قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [ الرحمن: 31 -40]. فقد جاءت هذه الآيات بعد الحديث عن خلق النوعين: الإنس والجن في قوله تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [ الرحمن: 15]. ثم خاطب الله النوعين بالخطاب المتضمن لاستدعاء الإيمان منهم، وإنكار تكذيبهم بآياته، وترغيبهم في وعده، وتخويفهم من وعيده، وتهديده بقوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} وتخويفهم من عواقب ذنوبهم وأنه لعلمه بها لا يحتاج أن يسألهم عنها سؤال استعلام، بل {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ} [ الرحمن: 41]. ثم ذكر عقاب الصنفين وثوابهم، وهذا كله صريح في أنهم هم المكلفون المنهيون المثابون المعاقبون . وقوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} (وعيد للصنفين المكلفين بالشرائع، قال قتادة: معناه فراغ الدنيا وانقضاؤها, ومجيء الآخرة والجزاء فيها، والله سبحانه لا يشغله شيء عن شيء، والفراغ في اللغة على وجهين: فراغ من الشغل، وفراغ بمعنى القصد، وهو في هذا الموضع بالمعنى الثاني، وقد قصد لمجازاتهم بأعمالهم يوم الجزاء ). أما قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33]. فعلى الراجح من أقوال المفسرين أن هذا خطاب للجن والإنس في الآخرة عندما يجتمعون في صعيد واحد للحساب، حيث تكون الملائكة قد أحاطت بأقطار الأرض, وأحاط سرادق النار بالآفاق، فهرب الخلائق، فلا يجدون مهرباً ولا منفذاً، كما قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [ غافر: 32-33]. قال مجاهد:(فارين غير معجزين) . وقال الضحاك: (إذا سمعوا زفير النار ندُّوا هرباً، فلا يأتون قطراً من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفاً، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [ الحاقة: 17])، وعلى هذا فيكون المعنى: يا معشر الجن والإنس إن قدرتم أن تتجاوزوا أقطار السماوات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر على عذابكم في الآخرة فافعلوا. و قوله تعالى بعد ذلك: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ} [ الرحمن: 39]. فيه دليل على إضافة الذنوب إلى الثقلين، وهذا دليل على أنهما سوياً في التكليف . وكذلك ما ورد من الآيات في ذم الشياطين ولعنهم, والتحرز من غوائلهم وشرهم، وذكر ما أعد الله لهم من العذاب، وهذه الخصال لا يفعلها الله تعالى إلا لمن خالف الأمر والنهي، وارتكب الكبائر وهتك المحارم مع تمكنه أن لا يفعل ذلك، وقدرته على فعل خلافه، وهذا كله يدل على أنهم مكلفون . هـ - ما جاء في سورة الجن من إخبار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام من استماع نفر من الجن إليه بقوله عنهم: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [ الجن: 13-17]. ثم التعقيب في أواخر السورة بقوله: {إِلا بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [ الجن: 23]. فهو الجزاء من الله للمؤمنين من الجن والإنس على أعمالهم، فإن الله لا يبخس أحداً من عباده على عمل عمله في الدنيا، بالإضافة إلى أن الله لن يحمله في الدنيا أكثر مما يستطيع، أما في الآخرة فإن الله أعد للمسلمين نعيماً مقيماً، لأنهم تحروا الصواب واختاروه عن معرفة وقصد، بعد تبين ووضوح. وأما القاسطون وهم الجائرون الظالمون المجانبون للعدل والصلاح، فهم حطب جهنم جزاء أعمالهم، ولو استقام هؤلاء النفر من الجن والإنس على الإسلام لأسقيناهم ماء موفوراً نغدقه عليهم، فيفيض عليهم بالرزق والرخاء، لنفتنهم فيه ونبتليهم أيشكرون أم يكفرون . وقد دلت هذه الآيات على أن الجن يجزون بأعمالهم خيراً أو شراً، وأنهم لا يعذبون في النار، وهذا مترتب على تكليفهم في الدنيا بفعل الطاعات وترك المعاصي، وإلا لما كان هذا العذاب للعصاة منهم، والثواب للطائعين منهم كذلك. ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أن الجن مكلفون بنص القرآن، وأنهم هم والإنس في ذلك سواء، وأنهم سيحاسبون على هذا التكليف في الآخرة، فإن أحسنوا فلهم الجنة، وإن أساءوا فالنار مثواهم جزاء عادلاً من الله سبحانه. المطلب الثاني: الأدلة من السنة وردت كثير من الأحاديث التي تثبت تكليف الجن، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأ عليهم القرآن، وأنهم مكلفون بالإيمان برسالته، فمن هذه الأحاديث: 1- أخرج مسلم في صحيحه من حديث عامر قال: ((سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، ففقدناه. فالتمسناه في الأودية والشعاب. فقلنا: استطير أواغتيل. قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم. فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء. قال فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم. فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معه. فقرأت عليهم القرآن، فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. وسألوه الزاد. فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم، أوفر ما يكون لحماً. وكل بعرة علف لدوابكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم)) . فقد دل هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتاه داعي الجن في إحدى الليالي، فذهب معه، وقرأ عليهم القرآن. وقراءته – عليه السلام – القرآن على الجن تدل على أنهم مكلفون بهذا الكتاب كما كلف به الإنس. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ. وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء. وأرسلت عليهم الشهب. فرجعت الشياطين إلى قومهم. فقالوا: مالكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء. وأرسلت علينا الشهب. قالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث. فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها. فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ. وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له. وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فرجعوا إلى قومهم فقالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1-2 ]. فأنزل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}[الجن: 1]) . فقد دل هذا الحديث على استماع الجن للقرآن وتعجبهم منه. ثم انطلاقهم إلى قومهم منذرين بهذا القرآن، ولا شك أن هذا يدل على تكليفهم، وإلا لما انطلقوا إلى أقوامهم محذرين من عدم الإيمان به، وهو ظاهر في تعلق الشريعة بهم. 3- روي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أتلو القرآن على الجن، فمن يذهب معي؟ فسكتوا، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، ثم قال عبد الله بن مسعود: أنا أذهب معك يا رسول الله، فانطلق حتى جاء الحجون، عند شعب أبي دب، فخط عليَّ خطاً فقال: لا تجاوزه، ثم مضى إلى الحجون، فانحدر عليه أمثال الحجل، يحدرون الحجارة بأقدامهم يمشون يقرعون في دفوفهم كما تقرع النسوة دفوفها، حتى غشوه فلا أراه، فقمت: فأوحى إليّ بيده أن أجلس، فتلا القرآن، فلم يزل صوته يرتفع، ولصقوا بالأرض حتى ما أراهم، فلما انفتل إليّ قال: أردت أن تأتيني؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: ما كان ذلك لك، هؤلاء الجن أتوا يستمعون القرآن، ثم ولوا إلى قومهم منذرين، فسألوني الزاد، فزودتهم العظم والبعر، فلا يستطيبن أحدكم بعظم ولا بعر)) فقوله عليه الصلاة والسلام: ((أمرت أن أتلو القرآن على الجن)) فيه دليل على تكليف الجن، حيث أمره الله سبحانه بقراءته عليهم، ثم قوله في الحديث: ((هؤلاء الجن أتوا يستمعون القرآن، ثم ولوا إلى قومهم منذرين)) فيه دليل على تكليفهم كذلك، بعد استماعهم للقرآن انطلقوا منذرين محذرين من الأعراض عن كتاب الله، ولا يكون هذا إلا فيمن كلفهم الله بالإيمان به والتبليغ لدينه. 4- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم. ونصرت بالرعب. وأحلت لي الغنائم. وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً. وأرسلت إلى الخلق كافة. وختم بي النبيون)) . قال السبكي: (ومحل الاستدلال قوله: ((وأرسلت إلى الخلق كافة)) فإنه يشمل الجن والإنس، وحمله على الإنس خاصة تخصيص بغير دليل، فلا يجوز) . ثم يقول: (حديث مسلم الذي استدللنا به أصرح الأحاديث الدالة على شمول الرسالة للجن والإنس) . وجاء من طرق هذا الحديث ما ورد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أرسلت إلى الجن والإنس، وإلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم دون الأنبياء، وجعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً)) . قال السبكي: (وهذا الحديث أصرح من حديث مسلم، لكنه ليس في الصحة مثله) . هذا وقد تكررت وفادات الجن على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الألوسي أنها ست وفادات كما تقدم. و في إحدى المرات التي قرأ الرسول عليه السلام القرآن عليهم تبعه رجلان منهم وهو يصلي بأصحابه، فصليا بصلاته، وهذا صريح في تكليفهم. والأحاديث الواردة في قراءة الرسول عليه الصلاة والسلام القرآن على الجن، تفيد أنهم مكلفون بالتكاليف الشرعية، ومحاسبون على أفعالهم، واجتماع هذه الروايات مع بعضها آكد في دلالتها على تكليف الجن من دلالتها على تكليفهم في حال انفرادها.. المبحث الثاني: جنس الرسل المبعوثة إلى الجن هل بعث إلى الجن رسل منهم، أم أن الرسل المبعوثين إليهم من الإنس فقط؟. اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: الأول: أن رسل الجن هم من البشر، ولم يبعث إلى الجن رسول منهم، وهو رأي الجمهور من العلماء . الثاني: أنه ليس في الجن رسل ولكن منهم نذر عن الرسل، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وابن جريج وأبو عبيد . الثالث: أنه قد بعث إلى الجن رسل منهم، وهو رأي مقاتل والضحاك وابن حزم الأندلسي . والذي ينبغي أن يعلم في هذا المقام أن الجمهور والضحاك ومن معه متفقون على أن محمداً صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الجن والإنس معاً، وإنما الاختلاف بينهم في أنه هل بعث إلى الجن رسل من جنسهم قبل مبعث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أم لا؟ فالضحاك ومن معه يقولون: بأنه قد بعث إلى الجن رسل منهم قبل نبينا عليه السلام، والجمهور على خلافه، قال السبكي: (ومن نقل عن الضحاك مطلقاً أن رسل الجن منهم فهو محمول على هذا التقييد -أي قبل نبينا عليه السلام- ولم ينقل أحد عنه أن ذلك في هذه المسألة، وإن توهم أحد ذلك عليه فقد أخطأ، ويجب عليه النزوع وعدم اعتقاده، وأن لا ينسب إلى رجل عالم ما يخالف الإجماع، فيكون قد جنى عليه جناية يطالبه بها بين يدي الله تعالى) وقال: (ولم يقل الضحاك ولا أحد غيره باستمرار ذلك في هذه الملة، وإنما محل الخلاف في ذلك في الملل المتقدمة خاصة، وأما في هذه الملة فمحمد صلى الله عليه وسلم هو المرسل إليهم وإلى غيرهم، والاستدلال بالإجماع في ذلك صحيح) . وإليك تفصيل هذه الأقوال مع ذكر أدلتها: القول الأول: وهو قول الجمهور بأن رسل الجن هم من البشر وليسوا من الجن. قال السبكي: (كونه صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الإنس والجن كافة، وأن رسالته شاملة للثقلين، فلا أعلم فيه خلافاً، ونقل جماعة الإجماع عليه) . وقال ابن نجيم: (الجمهور على أنه لم يكن من الجن نبي) , وقال ابن حجر الهيتمي: (وجمهور الخلف والسلف أنه لم يكن فيهم رسول ولا نبي خلافاً للضحاك) . وقال في موضع آخر: (ولم يبعث إليهم نبي قبل نبينا قطعاً على ما قاله ابن حزم) . وإيمان الجن بالتوراة كما يدل عليه أواخر سورة الأحقاف كان تبرعاً كإيمان بعض العرب من قريش وغيرهم بالإنجيل، إذ لم يثبت أن موسى أرسل لغير بني إسرائيل والقبط، ولا أن عيسى أرسل لغير بني إسرائيل . وقال القاضي بدر الدين الشبلي: (وجمهور العلماء سلفاً وخلفاً على أنه لم يكن من الجن قط رسول، ولم تكن الرسل إلا من الإنس، ونقل معنى هذا عن ابن عباس, وابن جريج, ومجاهد, والكلبي, وأبي عبيد, والواحدي) . وقال ابن مفلح الحنبلي: (وليس منهم رسول، ذكر القاضي، وابن عقيل وغيرهما) وقال ابن القيم:(ولما كان الإنس أكمل من الجن وأتم عقولاً ازدادوا عليهم بثلاثة أصناف أخر ليس شيء منها للجن وهم: الرسل, والأنبياء, والمقربون، فليس في الجن صنف من هؤلاء بل حليتهم الصلاح) . أدلة الجمهور: استدل الجمهور بالكتاب والسنة والإجماع: أولاً: الأدلة من الكتاب: ومنها: 1- قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ بلى} [ الأنعام: 130]. قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (ولما كانت الجن ممن يخاطب ويعقل قال: {مِّنكُمْ} وإن كانت الرسل من الإنس، وغلب الإنس في الخطاب كما يغلب المذكر على المؤنث، و في التنزيل: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22]، أي من أحدهما، وإنما يخرج من الملح دون العذاب، فكذلك الرسل من الإنس دون الجن، فمعنى: (منكم) أي: من أحدكم، وكان هذا جائزا، لأن ذكرها سبق. وقيل: إنما صير الرسل في مخرج اللفظ من الجميع لأن الثقلين قد ضمتهما عرصة القيامة، والحساب عليهم دون الخلق، فلما صاروا في تلك العرصة في حساب واحد، في شأن الثواب والعقاب – خوطبوا يومئذ بمخاطبة واحدة، كأنهم جماعة واحدة، لأن بدء خلقهم للعبودية، والثواب والعقاب على العبودية، ولأن الجن أصلهم من مارج من نار وأصلنا من تراب، وخلقهم غير خلقنا، فمنهم مؤمن وكافر، وعدونا إبليس عدو لهم يعادي مؤمنهم ويوالي كافرهم، وففيهم أهواء: شيعة, وقدرية, ومرجئة, يتلون كتابنا) . وقال الألوسي:(ومنكم أي من جملتكم، لكن لا على أن يأتي كل رسول كل واحدة من الأمم، ولا على أن أولئك الرسل عليهم السلام من جنس الفريقين معاً، بل على أن يأتي كل أمة رسول خاص بها، وعلى أن تكون من الإنس خاصة، إذ المشهور أنه ليس من الجن رسل وأنبياء، ونظيره في هذا قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22]، فإنهما إنما يخرجان من الملح فقط. والفراء قدر مضافاً لذلك: أي من أحدكم) . وهذا هو تأويل الآية عند فريق من الجمهور، وهو منقول عن الكلبي وطائفة من السلف . 2- قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى} [ يوسف: 109]. قال القرطبي:(وهذا رد على القائلين: {وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} [الأنعام: 8]. أي: أرسلنا رجالاً ليس فيهم امرأة, ولا جني, ولا ملك.. قال الحسن: لم يبعث الله نبياً من أهل البادية قط, ولا من النساء, ولا من الجن.. قال العلماء: من شرط الرسول أن يكون آدميا مدنياً، وإنما قالوا آدمياً تحرزاً من قوله: {يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [ الجن: 6]. والله أعلم) . وقال ابن القيم في الآية: (فهذا يدل على أنه لم يرسل جنياً, ولا امرأة, ولا بدوياً، وأما تسميته تعالى الجن رجالاً في قوله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}[ الجن: 6]. فلم يطلق عليهم الرجال، بل هي تسمية مقيدة بقوله: {مِّنَ الْجِنِّ} فهم رجال من الجن، ولا يستلزم دخولهم في الرجال عند الإطلاق، كما تقول: رجال من حجارة, ورجال من خشب ونحوه) . 3- قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [ النساء: 163]. و قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [ العنكبوت: 27]. وذلك إخباراً عن إسماعيل عليه السلام. فهذه الآيات قد أخبرت أن الله قد جعل النبوة في الرجال من البشر، ولو كان في الجن رسل وأنبياء لأخبر القرآن بذلك، والآيات السالفة إخبار من الله عن إبراهيم عليه السلام أن الله قد جعل النبوة في ذريته من بعده، قال القرطبي: (فلم يبعث الله نبياً بعد إبراهيم إلا من صلبه) . 4- قوله تعالى: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20]. فقد أخبر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن الرسل الذين بعثهم قبله كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، والمقصود بذلك أنهم بشر، وليس في الآية ما يدل على بعث الرسل من خلاف الإنس. 5- قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33]. قال الفخر الرازي: (وأجمعوا على أن المراد بهذا الاصطفاء إنما هو النبوة، فوجب كون النبوة مخصوصة بهؤلاء فقط) ، فلا يدخل فيه الجن أو غيرهم من البشر. 6- مجموع الأدلة التي دلت على أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قد بعث إلى الجن، وهي كثيرة جداً، وقد تقدمت، وهذه الأدلة تفيد أن الرسل المبعوثين إلى الجن هم من البشر، كما هو الشأن في رسالة نبينا إلى الثقلين، حيث كانت دعوته عليه السلام شاملة للإنس والجن جميعاً، قال ابن تيمية: (يجب على الإنسان أن يعلم أن الله عز وجل أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثقلين: الإنس والجن، وأوجب عليهم الإيمان به وبما جاء به وطاعته.. وأن كل من قامت عليه الحجة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من الإنس والجن فلم يؤمن به استحق عقاب الله تعالى، كما يستحقه أمثاله من الكافرين الذين بعث إليهم الرسول، وهذا أصل متفق عليه بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين، وسائر طوائف المسلمين: أهل السنة والجماعة وغيرهم رضي الله عنهم، لم يخالف أحد من طوائف المسلمون في وجود الجن ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم) . وقال أيضاً: (والآيات التي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم فيها خطاب لجميع الخلق من الإنس والجن، إذ كانت رسالته عامة للثقلين، وإن كان من أسباب نزول الآيات ما كان موجوداً في العرب، فليس شيء من الآيات مختصاً بالسبب المعين الذي نزل فيه باتفاق المسلمين) وقال ابن حجر الهيتمي: (وقد تساهل من قال: بأن رسالته صلى الله عليه وسلم – إلى الجن – اشتهرت اشتهاراً قريباً من الضروري بآيات القرآن، وشهرة عموم رسالته تدل على ذلك كمنكر الإجماع، و في كفره خلاف مذكور في الأصول) . والأدلة على إرسال نبينا عليه الصلاة والسلام إلى الجن إنما تفيد أن الرسل من البشر، ولو كان رسل الجن منهم لما كلف نبيه بقراءة القرآن عليهم وتبليغهم وإنذارهم، ولكانت هذه من مهمة رسول الجن إليهم. 7- قوله تعالى: إخباراً عن النفر من الجن الذين ولوا إلى قومهم منذرين بعد سماعهم القرآن من الرسول عليه السلام: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الأحقاف: 30]. والذي نفهمه من هذه الآية أن هذا النفر من الجن كان منهم من آمن بموسى عليه السلام، مما يدل على أنه مرسل إليهم، قال القرطبي: (عن ابن عباس: أن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى، فلذلك قالت: {أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى}.. قال مقاتل: ولم يبعث الله نبياً إلى الجن والإنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم) و في هذا دليل على أنه لم يبعث إلى الجن رسولاً منهم. ثانياً: الأدلة من السنة: أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود..)) الحديث . فإخباره عليه الصلاة والسلام أن كل نبي من الأنبياء السابقين كان يبعث إلى قومه خاصة فيه دليل على أن الجن لم يبعث إليهم رسول منهم، وذلك أن القوم في اللغة: هم جماعة الرجل من الرجال والنساء، فتخصيص الحديث بعث الرسل السابقين إلى أقوامهم بقوله: ((إلى قومه)) فيه دليل على أنهم جماعة ذلك النبي من الناس دون الجن، إذ لم يعهد في اللغة إطلاق لفظ القوم على جماعة الرجل من الجن. وقوله عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: ((وبعثت إلى كل أحمر وأسود)) فيه مزيد بيان لما قلناه، حيث إن رسالة من قبله من الأنبياء كانت لأقوامهم من البشر خاصة، وامتاز نبينا عليه الصلاة والسلام على غيره من الأنبياء بأنه قد بعث إلى الجن والإنس جميعاً، كما نص على ذلك الحديث المتقدم، و في هذا دلالة على أنه لم يكن في الجن رسل منهم. وأما من ذكر بأن الرسل السابقين قبل نبينا عليه الصلاة والسلام كانوا يبعثون إلى الإنس والجن جميعاً – كما ذكر الكلبي – فإن ذلك معارض بالحديث المتقدم، حيث اختص الرسول عليه السلام على غيره من الأنبياء بأنه بعث إلى الجن والإنس جميعاً، ولم يحصل هذا لغير نبينا عليه الصلاة والسلام. ثالثاً: الإجماع: قال الألوسي: (وادعى بعض قيام الإجماع على أنه لم يرسل إلى الجن رسل منهم، وإنما أرسل إليهم من الإنس) . ولكن الفخر الرازي اعترض على هذا الإدعاء فقال: (وما رأيت في تقرير هذا القول حجة إلا ادعاء الإجماع وهو بعيد، لأنه كيف ينعقد الإجماع مع حصول الاختلاف) ؟ القول الثاني: بأن في الجن نذراً، وليس منهم رسل، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهم من السلف ... قال القرطبي: (وقال ابن عباس: رسل الجن هم الذين بلغوا قومهم ما سمعوه من الوحي كما قال: {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ}) ثم قال: (وقال مجاهد: الرسل من الإنس والنذر من الجن ثم قرأ: {إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ}) يقول القرطبي: (وهو – أي قول مجاهد – معنى قول ابن عباس، وهو الصحيح) وقال ابن القيم: (قال غير واحد من السلف: الرسل من الإنس، وأما الجن ففيهم النذر) وقال الإمام الطبري: (عن ابن عباس {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [ الأحقاف: 29]، قال كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين، فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً إلى قومهم) . وقال السبكي: (والذين خالفوا الضحاك في تمسكه بظاهر قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ} [الأنعام: 130]. إنما يؤلون هذه الآية، فقد قال ابن عباس ومجاهد وابن جريج وأبو عبيد: معناه: أن رسل الإنس رسل من الله إليهم، ورسل الجن قوم من الجن ليسوا رسلاً عن الله، ولكن بثهم الله في الأرض، فسمعوا كلام رسل الله، الذين هم من بني آدم، وجاءوا إلى قومهم من الجن فأخبروهم، كما اتفق للذين صرفهم الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستمعوا القرآن وولوا إلى قومهم منذرين، فهم رسل عن الرسل، لا رسل عن الله تعالى، ويسمون نذراً، ويجوز تسميتهم رسلاً، لتسمية رسل عيسى رسلاً في قوله تعالى: {إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ} [ يــس: 14] وجاء قوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ} على ذلك، فالرسل على الإطلاق من الإنس، وهم رسل الله، والنذر من الجن، وهم رسل الرسل ويجوز تسميتهم رسلاً) . وهذا القول هو التوجيه الآخر لفريق من الجمهور لقوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ} وعلى هذا الأساس فهو لا يخالف رأي الجمهور، بل يؤيده ويدعمه. وبناء على ما تقدم فإن القولين معناهما واحد، وهو أنه لم يبعث إلى الجن رسل منهم إلى الرسل من الإنس فقط، وأدلة الفريق الثاني هي نفس أدلة الفريق الأول. القول الثالث: القائلون بأن في الجن رسلاً منهم، وهو قول الضحاك، وذكر القرطبي ذلك عن مقاتل رحمه الله فقال: (وقال مقاتل والضحاك: أرسل الله رسلاً من الجن كما أرسل من الإنس) . وذكر الإمام الطبري أنه يوجد غير الضحاك من القائلين بهذا القول فقال: (وأما الذين قالوا بقول الضحاك فإنهم قالوا: إن الله أخبر أن من الجن رسلاً أرسلوا إليهم، كما أخبر أن من الإنس رسلاً أرسلوا إليهم) . فلعل ابن جرير قصد مقاتلاً رحمه الله. ونقل الألوسي أن الذين ذكروا بأن من الجن أنبياء منهم قد صرحوا بأن رسولاً منهم يسمى يوسف . وقال ابن حزم: (ولم يبعث إلى الجن نبي من الإنس البتة قبل محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه ليس الجن من قوم إنسي، وباليقين ندري أنهم قد أنذروا، فصح أنه جاءهم أنبياء منهم قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ}) . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية