الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35439" data-attributes="member: 329"><p>أدلة هذا الفريق: </p><p>استدل هذا الفريق على ما ذهب إليه بما يلي: </p><p>1- قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ}. </p><p>قال الشوكاني: (وظاهره أن الله بعث في الدنيا إلى الجن رسلاً منهم، كما بعث إلى الإنس رسلاً منهم) . وقال ابن حجر الهيتمي: (وظاهر القرآن يشهد للضحاك، والأكثرون في خلافه) . وقال الألوسي: (وظاهر الآية يقتضي إرسال الرسل إلى كل من المعشرين من جنسهم) .</p><p>ووجه استدلال الضحاك بهذه الآية: أن الله خاطب الجن والإنس بأنه قد بعث إليهم رسلاً منهما، بدليل قوله تعالى: {مِّنكُمْ} وهو يقتضي بعث الرسل إلى الجن منهم وبعث الرسل إلى الإنس منهم كذلك. </p><p>2- وذكر الفخر الرازي أن الضحاك احتج بقوله بإرسال الرسل إلى الجن منهم بقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [ فاطر: 24]. ويقول: (ويمكن أن يحتج الضحاك بوجه آخر وهو قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9]. قال المفسرون: السبب في استئناس الإنسان بالإنسان أكمل من استئناسه بالملك، فوجب في حكمة الله تعالى أن يجعل رسول الإنس من الإنس ليكمل هذا الاستئناس، إذا ثبت هذا المعنى فهذا السبب حاصل في الجن، فوجب أن يكون رسول الجن من الجن) .</p><p>3- قال ابن حجر الهيتمي: (وما يدل لما قاله الضحاك ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12]. قال: سبع أرضين، في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدمكم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى) .</p><p>4- ذكر ابن نجيم أن الضحاك وابن حزم احتجا على أنه كان من الجن نبي بقوله عليه الصلاة والسلام: ((وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة)) الحديث. قال: (وليس الجن من قومه، ولا شك أنهم أنذروا، فصح أنه جاءهم أنبياء منهم) .</p><p>القول الراجح: يتبين لنا مما تقدم من أدلة الفريقين أن قول الجمهور هو القول الراجح، وذلك للأدلة التي اعتمدوا عليها.. </p><p> المبحث الثالث: جزاء الجن في الآخرة</p><p>تمهيد</p><p>وإذا كان الجن مكلفين بالإيمان بالله وطاعته فلا شك أن مؤمنهم يستحق الثواب، وأن كافرهم يستحق العقاب، جزاء لكل منهم حسب عمله. </p><p>وقد تحدثت آيات القرآن الكريم عن ثواب الجن وعقابهم في مواضع متعددة، جامعة بينهم وبين الإنس: </p><p>قال تعالى مخاطباً الجن والإنس: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 46]. وقال: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 56- 57]. وقال: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31]. وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119]. وقال: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [ الشعراء: 94 - 95]. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ثواب الجن وعقابهم بحسب أعمالهم. </p><p>المطلب الأول: جزاء كافرهم في الآخرة</p><p>قد اتفق الجمهور على أن كفارهم يعذبون في النار قال ابن القيم: (وقد اتفق المسلمون على أن كفار الجن في النار، وقد دل على ذلك القرآن في غير موضع كقوله تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13]، وقوله: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85]، فملؤها منه – أي إبليس به وبكفار ذريته. وقال تعالى: {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ} [الأعراف: 38]). إلى أن يقول: (وبالجملة فهذا أمر معلوم بالاضطرار في دين الإسلام) . وقال: (ولما كان أبوهم – أي إبليس – هو أول من دعا إلى معصية الله، و على يده حصل كل كفر وفسوق وعصيان فهو الداعي إلى النار، وكان أول من يكسى حلة من النار يوم القيامة، يسحبها وينادي: واثبوراه، فأتباعه من أولاده وغيرهم خلفه ينادون: واثبوراه، حتى قيل: إن كل عذاب يقسم على أهل النار يبدأ به فيه ثم يصير إليهم) . وقال ابن حجر الهيتمي: (واعلم أن العلماء اتفقوا على أن كافرهم يعذب في الآخرة) ، قال الألوسي في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 158]. (أي: والله لقد علمت الشياطين – أي جنسهم – أن الله تعالى يحضرهم، ولابد من النار ويعذبهم بها، ولو كانوا مناسبين له تعالى أو شركاء في استحقاق العبادة أو التصرف لما عذبهم سبحانه) .</p><p>وقال الإمام الطبري في تفسيره لقوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [فصلت: 25]. (عن السدي: {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أي: وحق على هؤلاء الذين قيضنا لهم قرناء من الشياطين، فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم العذاب في أمم قد مضت قبلهم من ضربائهم، حق عليهم من عذابنا مثل الذي حق على هؤلاء: بعضهم من الجن، وبعضهم من الإنس {إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} أن تلك الأمم الذين حق عليهم عذابنا من الجن والإنس كانوا مغبونين ببيعهم رضا الله ورحمته، بسخطه وعذابه) . </p><p>المطلب الثاني: جزاء مؤمنهم في الآخرة</p><p>وأما بالنسبة لثواب مؤمنيهم في الآخرة: </p><p>فقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال: </p><p>القول الأول: أنه لا ثواب لهم إلا النجاة من النار ثم يقال لهم: كونوا تراباً مثل البهائم. وهو قول أبي حنيفة، وحكاه سفيان الثوري عن الليث بن أبي سليم، وهو رواية عن مجاهد، وبه قال الحسن البصري. </p><p>قال ابن القيم: (وحكى عن أبي حنيفة وغيره أن ثوابهم نجاتهم من النار) . وقال الماوردي: (وحكى سفيان عن ليث أنهم يثابون على الإيمان بأن يجازوا على النار خلاصاً منها، ثم يقال لهم: كونوا تراباً كالبهائم) .</p><p>وقال القرطبي: (وقال أبو حنيفة: ليس ثواب الجن إلا أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم كونوا تراباً كالبهائم) . وذكر الشوكاني عن أبي الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال: (مسلمو الجن لا يدخلون الجنة ولا النار، وذلك أن أخرج أباهم من الجنة، فلا يعيده ولا يعيد ولده) . وقال ابن نجيم: (واختلف العلماء في حكم مؤمن الجن: فقال قوم: لا ثواب لهم إلا النجاة من النار، وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله) . وعن الليث: (ثوابهم أن يجاروا من النار ثم يقال لهم: كونوا تراباً كالبهائم، وعن أبي الزناد كذلك) . وقال الحسن: (ليس لمؤمني الجن ثواب غير نجاتهم من النار) وذكر القرطبي في رواية عن مجاهد أن الجن لا يدخلون الجنة وإن صرفوا عن النار .</p><p>أدلة هذا الفريق: </p><p>استدل هذا الفريق بقوله تعالى إخباراً عن النفر من الجن الذين استمعوا القرآن: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31]. </p><p>ووجه استدلالهم بها: أن المغفرة للذنوب لا تستلزم الإثابة لأنه ستر، والإثابة بالوعد فضل . وقال ابن القيم: (واحتج هؤلاء بهذه الآية فجعل غاية ثوابهم إجارتهم من العذاب الأليم) . والآية قد دلت على إجارتهم من النار ولم تذكر دخولهم الجنة، أو الثواب على أعمالهم.</p><p>القول الثاني: أنهم يثابون على الطاعة بدخول الجنة، على خلاف في حالهم فيها، نقله ابن حزم عن الجمهور، وممن قال به الضحاك وابن عباس، وهو قول الخليفة عمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب الأئمة: مالك, والشافعي, وأحمد, وأصحابهم . وابن أبي ليلى, والأوزاعي، ورجحه القرطبي، وهو قول أكثر المفسرين.</p><p>القول الثالث: التوقف في المسألة. </p><p>قال الألوسي: (قال الكردي: وهو في أكثر الروايات. و في فتاوى أبي إسحاق الصفار أن الإمام – أبا حنيفة – يقول: لا يكونون في الجنة ولكن في معلوم الله تعالى، لأنه لا استحقاق للعبد على الله تعالى، ولم يقل بطريق الوعد في حقهم إلا المغفرة والإجارة من العذاب، أما نعيم الجنة فموقوف على الدليل) . وقال القشيري: (والصحيح أن هذا – أي دخولهم الجنة – مما لم يقطع فيه بشيء والله أعلم) .</p><p>لكن الجمهور من المسلمين القائلين بثواب المؤمنين من الجن في الآخرة اختلفوا في كيفية الثواب؟: </p><p>1- فقد ذهب الأكثرون منهم إلى أنهم في الجنة ويصيبون من نعيمها .</p><p>2- ونقل عن الخليفة عمر بن عبد العزيز أنهم يكونون في ربض الجنة، وذكره الألوسي عن الإمام مالك وطائفة من العلماء . وقال ابن تيمية: (وروي في حديث رواه الطبراني: أنهم يكونون في ربض الجنة، يراهم الإنس من حيث لا يرونهم) . وذكر ابن القيم أن سهل بن عبد الله قال: بأنهم يكونون في ربض الجنة، يراهم المؤمنون من حيث لا يرونهم .</p><p>- وقال جماعة: أنهم على الأعراف بين الجنة والنار، ذكره الألوسي ومقتضى هذا القول أنهم يدخلون الجنة فيما بعد، إذ أن هذا هو نهاية أصحاب الأعراف.</p><p>- وفي رواية ذكرها ابن نجيم عن الضحاك أنهم يلهمون التسبيح والذكر، فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة . ولكن ذكر النووي في شرحه لصحيح مسلم أن الضحاك قال بأن الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون . وهو ما نقله الفخر الرازي عنه إذ يقول: (قال الضحاك: يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون، والدليل على صحة هذا القول: أن كل دليل دل على أن البشر يستحقون الثواب على الطاعة فهو بعينه قائم في حق الجن) وعقب الفخر الرازي على ذلك بقوله: (والفرق بين البابين بعيد) أي ثواب الإنس وثواب الجن. وقال القرطبي: (واختلفوا في دخول مؤمني الجن الجنة على حسب الاختلاف في أصلهم، فمن زعم أنهم من الجان لا من ذرية إبليس قال: يدخلون الجنة بإيمانهم، ومن قال: إنهم من ذرية إبليس فلهم فيه قولان: أحدهما: وهو قول الحسن: يدخلونها.الثاني: وهو رواية مجاهد: لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار، حكاه الماوردي) .</p><p>القول الراجح مما تقدم: </p><p>والراجح – والله أعلم – أن الجن يثابون على أعمالهم, ويدخلون الجنة, ويصيبون من نعيمها، وذلك لأن ظواهر الآيات الواردة في جزاء الجن في الآخرة تقتضي ذلك. لأنها جاءت عامة في استحقاق المحسنين لجزاء أعمالهم، ولم يرد دليل يخصصها، فتبقى على عمومها، وهو مذهب أكثر الفقهاء. </p><p>قال الفخر الرازي: (والصحيح أنهم في حكم بني آدم، فيستحقون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، وهذا القول قول ابن أبي ليلى ومالك، وجرت بينه وبين أبي حنيفة في هذا الباب مناظرة) . وقال الألوسي: (وعموميات الآيات تدل على الثواب) . وقال ابن حجر الهيتمي: (والصحيح الذي قاله ابن أبي ليل, والأوزاعي, ومالك, والشافعي, وأحمد, وأصحابهم رضي الله عنهم، أنهم يثابون على طاعتهم) . وقال الشوكاني: (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: الخلق أربعة: فخلق في الجنة كلهم، وخلقان في الجنة والنار، فأما الذين في الجنة كلهم فالملائكة، وأما الذين في النار كلهم فالشياطين، وأما الذين في الجنة والنار فالإنس والجن، لهم الثواب, وعليهم العقاب) . وقال النووي في شرح صحيح مسلم: (والصحيح أنهم يدخلونها ويتنعمون فيها بالأكل والشرب وغيرها، وهذا قول الحسن البصري, والضحاك, ومالك بن أنس, وابن أبي ليلى وغيرهم) . وقال ابن القيم: (وأما الجمهور فقالوا: مؤمنهم في الجنة كما أن كافرهم في النار) .</p><p>وأيضا فقد تقدم القول بتكليفهم فيكون الواجب عليهم كالواجب علينا وهو ما فيه ثواب، ولا ثواب في الآخرة إلا الجنة. </p><p>وأما القول: بأنه لا جزاء لهم إلا الجنة محتجاً بقوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31]. فمن الواضح أنه لا يلزم من الاقتصار على ذكر المغفرة والنجاة من العذاب نفي ثوابهم، كيف وقد ثبت بالأدلة المتعددة ثوابهم وتنعمهم بالجنة كما سيأتي. </p><p>وأما من قال بأنهم على الأعراف: بين الجنة والنار فهو قول لا دليل عليه، ثم إن وقوف أصحاب الأعراف عقاب من الله يعقبه دخول الجنة كما قال تعالى: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف: 46]. ولذلك قال بعض السلف: ما أطمعهم إلا ليدخلهم، والحديث في مؤمني الجن الذين لا عقاب عليهم .</p><p>وأما من قال بالتوقف في كيفية ثوابهم فهو بعيد، إذ لا موجب له مع شهادة النصوص بدخولهم الجنة .</p><p>وأما من قال بأنهم في ربض الجنة، أو أنهم يلهمون التسبيح فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من النعيم، فأنها أقوال لا دليل عليها. </p><p>قال محمد رشيد رضا في هذه الأقوال: (وشذ من قال أن مسلمي الجن لا يدخلون الجنة، إذ ليس لهم ثواب، وأشد منه شذوذاً من زعم أنهم لا يدخلون الجنة ولا النار، نقل ذلك السيوطي عن ليث بن أبي سليم، وهو مخالف لنصوص القرآن، وليث هذا مضطرب الحديث وإن روى عنه مسلم، وقد اختلط عقله في آخر عمره، ولعله قال هذا القول وغيره مما أنكر عليه بعد اختلاطه) .</p><p>الأدلة على ذلك: </p><p>1- قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا}. </p><p>قال ابن القيم: (أي ولكل درجات في الخير والشر يوفونها ولا يظلمون شيئاً من أعمالهم، وهو ظاهر جداً في ثوابهم وعقابهم، وأن مسيئهم يستحق العذاب باساءته، ومحسنهم يستحق الدرجات بإحسانه) . وقال محمد رشيد رضا: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا} (أي ولكل من معشري الجن والإنس الذين بلغتهم دعوة الرسل درجات ومنازل من جزاء أعمالهم، تتفاوت بتفاوتهم فيها) . وقال بدر الدين الشبلي<img src="data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAIAAAAAAAP///yH5BAEAAAAALAAAAAABAAEAAAIBRAA7" class="smilie smilie--sprite smilie--sprite3" alt=":(" title="Frown :(" loading="lazy" data-shortname=":(" />وقال ابن الصلاح في بعض تعاليقه: حكي عن ابن عبد الحكم أنه سئل عن الجن: هل لهم جزاء في الآخرة على أعمالهم؟ فقال: نعم، والقرآن يدل على ذلك، قال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا} . الآية).</p><p>2- قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [ الجن: 15]. </p><p>قال سيد قطب: (ودل هذا على أن الجن يعذبون بالنار، ومفهومه أنهم كذلك ينعمون بالجنة، هكذا يوحي النص القرآني، وهو الذي نستمد منه تصورنا، فليس لقائل بعد هذا أن يقول شيئاً يستند فيه إلى تصور غير قرآني عن طبيعة الجن وطبيعة النار أو الجنة، فسيكون ما قاله الله حقاً بلا جدال) .</p><p>3- قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31].</p><p>قال الألوسي: (وهذا ونحوه يدل على أن الجن مكلفون، ولم ينص ههنا على ثوابهم إذا أطاعوا، وعموميات الآيات تدل على الثواب، وعن ابن عباس: لهم ثواب وعليهم عقاب، يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها، ولعل الاقتصار هنا على ما ذكر لما فيه من التذكير بالذنوب، والمقام مقام الإنذار، فلذا لم يذكر فيه شيء من الثواب) . وقال ابن القيم: (وقد ثبت أنهم إذا أجابوا داعي الله غفر لهم وأجارهم من عذابه، وكل من غفر له دخل الجنة ولابد، وليس فائدة المغفرة إلا الفوز بالجنة والنجاة من النار) . وقال القرطبي في الآية السالفة: (هذه الآي تدل على أن الجن كالإنس في الأمر والنهي والثواب والعقاب) .</p><p>والله سبحانه وهو أعدل العادلين إذا كان يعذب عاصيهم فعدله يقتضي أن يكافئ طائعهم بالثواب على عمله، قال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [ طـه: 112]. أي لا يخاف زيادة سيئاته ولا نقصان حسناته، وإذا كان المؤمنون ينادون يوم القيامة لاستلام جوائزهم فكيف لا ينادى مؤمنو الجن لاستلام هذه الجوائز؟ !، وذلك جزاء عادلاً من الله على عملهم في الدنيا، ورحمة منه لعباده المؤمنين. </p><p>وقد ذكر الإمام البخاري في (صحيحه) بابا سماه: باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم وفي هذا دلالة على ثوابهم بنعيم الجنة يوم القيامة.</p><p>4- قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا}. </p><p>قال ابن القيم: (وبهذه الحجة احتج البخاري، ووجه الاحتجاج بها: أن البخس المنفي هو نقصان الثواب، والرهق: الزيادة في العقوبة على ما عمل، فلا ينقص من ثواب حسناته، ولا يزداد في سيئاته) .</p><p>5- قوله تعالى في سورة الرحمن: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [ الرحمن: 56]. </p><p>قال الشوكاني: (و في هذه الآية – بل في كثير من آيات هذه السورة دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا بالله سبحانه وعملوا بفرائضه وانتهوا عن مناهيه) .</p><p>و في هذه الآية دليل على أن الجن ينالهم نصيبهم من الحور العين كالإنس، قال الإمام القرطبي: (في هذه الآية دليل على أن الجن تغشى كالإنس وتدخل الجنة، ويكون لهم فيها جنيات، قال ضمرة: للمؤمنين منهم أزواج من الحور العين، فالإنسيات للإنس والجنيات للجن) . وقال النسفي: (وهذا دليل على أن الجن يطمثون كما يطمث الإنس) . وقال الألوسي: (ويجوز أن تكون الحور كلهن نوعاً واحداً، ويعطي الجن منهن، لكنه في تلك النشأة غيره في هذه النشأة، ويقال: ما يعطاه الإنسي منهن، لم يطمثها إنسي قبله، وما يعطاه الجني لم يطمثها جني قبله، وبهذا فسر البلخي الآية. وقال الشعبي والكلبي: تلك القاصرات الطرف من نساء الدنيا لم يمسهن منذ أنشئن النشأة الآخرة خلق قبل، والذي يعطاه الإنسي زوجته المؤمنة التي كانت له في الدنيا، ويعطى غيرها من نسائها المؤمنات أيضاً، وكذا الجني يعطى زوجته المؤمنة التي كانت له في الدنيا من الجن، ويعطى غيرها من نساء الجن المؤمنات أيضاً، ويبعد أن يعطى الجني من نساء الدنيا الإنسانيات في الآخرة, والذي يغلب على الظن أن الإنسي يعطى من الإنسيات والحور، والجن يعطى من الجنيات والحور، ولا يعطى إنسي جنية, ولا جني إنسية، وما يعطاه المؤمن إنسياً كان أو جنياً من الحور شيء يليق به وتشتهيه نفسه، وحقيقة تلك النشأة وراء ما يخطر بالبال) .</p><p>ثم قال الألوسي: (واستدل بالآية على أن الجن يدخلون الجنة ويجامعون فيها كالإنس، فهم باقون فيها منعمين، كبقاء المعذبين منهم في النار، وهو مقتضى ظاهر ما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد وابن أبي ليلى والأوزاعي، وعليه الأكثر كما ذكره العيني في شرح البخاري من أنهم يثابون على الطاعة, ويعاقبون على المعصية, ويدخلون الجنة، فإن ظاهره أنهم كالإنس يوم القيامة) .</p><p>وقد استدل ابن القيم بقوله تعالى في سورة الرحمن: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إلى قوله: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن: 46- 56]. </p><p>قال ابن القيم: وهذا يدل على أن ثواب محسنهم الجنة من عدة وجوه: </p><p>أ- أن (من) من صيغ العموم، فتتناول كل خائف. </p><p>ب- أنه رتب الجزاء المذكور على خوف مقامه تعالى، فدل على استحقاقه به. </p><p>ج- قوله عقيب هذا الوعد: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [ الرحمن: 47 ].</p><p>د- أنه ذكر في وصف نسائهم أنهن: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} وهذا والله أعلم معناه: أنه لم يطمث نساء الإنس إنس قبلهم ولا نساء الجن جن قبلهم .</p><p>وقال ابن كثير في قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [ الرحمن: 46]. (وهذه الآية عامة في الإنس والجن، فهي من أدل دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا واتقوا) .</p><p>إلى غير ذلك من آيات هذه السورة – أي سورة الرحمن – الدالة على ثواب الجن في الآخرة وتنعمهم بالجنة. </p><p>قال ابن القيم: (وقد ثبت أن منهم المؤمنين فيدخلون في العموم، كما أن كافرهم يدخل في الكافرين المستحقين للوعيد، ودخول مؤمنهم في آيات الوعد أولى من دخول كافرهم في آيات الوعيد، فإن الوعد فضله، والوعيد عدله، وفضله من رحمته، وهي تغلب غضبه. وأيضا فإن دخول عاصيهم النار إنما كان لمخالفته أمر الله، فإذا أطاع الله أدخل الجنة، وأيضا فإنه لا دار للمكلفين سوى الجنة أو النار، وكل من لم يدخل النار من المكلفين فالجنة مثواه) .. </p><p>الفصل الخامس: أهداف الشيطان وأساليبه في إغواء الناس ومدى سلطانه عليهم</p><p>المبحث الأول: أهداف الشيطان</p><p>الهدف البعيد: </p><p> هناك هدف وحيد يسعى الشيطان لتحقيقه في نهاية الأمر، هو أن يلقى الإنسان في الجحيم، ويحرمه الجنة، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [ فاطر:6 ]. </p><p>الأهداف القريبة</p><p>ذلك هو هدف الشيطان البعيد، أما الأهداف فهي: </p><p>1- إيقاع العباد في الشرك والكفر: </p><p>وذلك بدعوتهم إلى عبادة غير الله والكفر بالله وشريعته: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [ الحشر: 16].</p><p>وروى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم، فقال في خطبته: ((يا أيها الناس، إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي هذا، إن كل ما منحته عبدي فهو له حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فأتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً)) .</p><p>2- إذا لم يستطع تكفيرهم فيوقعهم في الذنوب: </p><p>فإذا لم يستطع إيقاعهم في الشرك والكفر، فإنه لا ييئس، ويرضى بما دون ذلك من إيقاعهم في الذنوب والمعاصي، وغرس العداوة والبغضاء في صفوفهم، ففي سنن الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن: ((ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً، ولكن ستكون له طاعة في بعض ما تحقرون من أعمالكم، فيرضى بها)) . و في صحيح البخاري وغيره: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)) . أي بإيقاع العداوة والبغضاء بينهم، وإغراء بعضهم ببعض، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91].</p><p>وهو يأمر بكل شر {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169].</p><p>وخلاصة الأمر فكل عبادة محبوبة لله فهي بغيضة إلى الشيطان، وكل معصية مكروهة للرحمن فهي محبوبة للشيطان. </p><p>3- صده العباد عن طاعة الله: </p><p>وهو لا يكتفي بدعوة الناس إلى الكفر والذنوب والمعاصي بل يصدهم عن فعل الخير، فلا يترك سبيلاً من سبل الخير يسلكه عبد من عباد الله إلا قعد فيه، يصدهم ويميل بهم، ففي الحديث: ((إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك ؟! فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول (الطول: الحبل الطويل، يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره، والطرف الآخر في يد الفرس ليدور فيه، ويرعى ولا يذهب لوجهه). فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال, فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال؟! قال: فعصاه فجاهد: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخل الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله أن يدخل الجنة)) .</p><p>ومصداق ذلك في كتاب الله ما حكاه الله عن الشيطان أنه قال لرب العزة: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [ الأعراف: 16- 17].</p><p>وقوله {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ}: أي على صراطك، فهو منصوب بنزع الخافض أوهو منصوب بفعل مضمر، أي لألزمن صراطك، أو لأرصدنه، أو لأعوجنه. </p><p>وعبارات السلف في تفسير الصراط متقاربة، فقد فسره ابن عباس بأنه الدين الواضح، وابن مسعود بأنه كتاب الله، وقال جابر: (هو الإسلام)، وقال مجاهد<img src="data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAIAAAAAAAP///yH5BAEAAAAALAAAAAABAAEAAAIBRAA7" class="smilie smilie--sprite smilie--sprite3" alt=":(" title="Frown :(" loading="lazy" data-shortname=":(" />هو الحق) .</p><p>فالشيطان لا يدع سبيلاً من سبل الخير إلا قعد فيه يصد الناس عنه. </p><p>4- إفساد الطاعات: </p><p>إذا لم يستطع الشيطان أن يصدهم عن الطاعات، فإنه يجتهد في إفساد العبادة والطاعة، كي يحرمهم الأجر والثواب، فقد جاء أحد الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: ((إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يلبسها عليَّ. </p><p>فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه. واتفل على يسارك ثلاثاً. قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني)) .</p><p>فإذا دخل العبد في صلاته أجلب عليه الشيطان يوسوس له, ويشغله عن طاعة الله, ويذكره بأمور الدنيا، ففي صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة، أحال له ضراط، حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة، ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس)) .</p><p>وفي رواية: ((فإذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر من قبل حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى)) . </p><p>5- الإيذاء البدني والنفسي: </p><p>كما يهدف الشيطان إلى إضلال الإنسان بالكفر والذنوب، فإنه يهدف إلى إيذاء المسلم في بدنه ونفسه، ونحن نسوق بعض ما نعرفه من هذا الإيذاء. </p><p>أ- مهاجمة الرسول صلى الله عليه وسلم: </p><p>وذلك كما في الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بمهاجمة الشيطان له، ومجيء الشيطان بشهاب من نار ليرميه في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم.</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35439, member: 329"] أدلة هذا الفريق: استدل هذا الفريق على ما ذهب إليه بما يلي: 1- قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ}. قال الشوكاني: (وظاهره أن الله بعث في الدنيا إلى الجن رسلاً منهم، كما بعث إلى الإنس رسلاً منهم) . وقال ابن حجر الهيتمي: (وظاهر القرآن يشهد للضحاك، والأكثرون في خلافه) . وقال الألوسي: (وظاهر الآية يقتضي إرسال الرسل إلى كل من المعشرين من جنسهم) . ووجه استدلال الضحاك بهذه الآية: أن الله خاطب الجن والإنس بأنه قد بعث إليهم رسلاً منهما، بدليل قوله تعالى: {مِّنكُمْ} وهو يقتضي بعث الرسل إلى الجن منهم وبعث الرسل إلى الإنس منهم كذلك. 2- وذكر الفخر الرازي أن الضحاك احتج بقوله بإرسال الرسل إلى الجن منهم بقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [ فاطر: 24]. ويقول: (ويمكن أن يحتج الضحاك بوجه آخر وهو قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9]. قال المفسرون: السبب في استئناس الإنسان بالإنسان أكمل من استئناسه بالملك، فوجب في حكمة الله تعالى أن يجعل رسول الإنس من الإنس ليكمل هذا الاستئناس، إذا ثبت هذا المعنى فهذا السبب حاصل في الجن، فوجب أن يكون رسول الجن من الجن) . 3- قال ابن حجر الهيتمي: (وما يدل لما قاله الضحاك ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12]. قال: سبع أرضين، في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدمكم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى) . 4- ذكر ابن نجيم أن الضحاك وابن حزم احتجا على أنه كان من الجن نبي بقوله عليه الصلاة والسلام: ((وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة)) الحديث. قال: (وليس الجن من قومه، ولا شك أنهم أنذروا، فصح أنه جاءهم أنبياء منهم) . القول الراجح: يتبين لنا مما تقدم من أدلة الفريقين أن قول الجمهور هو القول الراجح، وذلك للأدلة التي اعتمدوا عليها.. المبحث الثالث: جزاء الجن في الآخرة تمهيد وإذا كان الجن مكلفين بالإيمان بالله وطاعته فلا شك أن مؤمنهم يستحق الثواب، وأن كافرهم يستحق العقاب، جزاء لكل منهم حسب عمله. وقد تحدثت آيات القرآن الكريم عن ثواب الجن وعقابهم في مواضع متعددة، جامعة بينهم وبين الإنس: قال تعالى مخاطباً الجن والإنس: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 46]. وقال: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 56- 57]. وقال: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31]. وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119]. وقال: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [ الشعراء: 94 - 95]. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ثواب الجن وعقابهم بحسب أعمالهم. المطلب الأول: جزاء كافرهم في الآخرة قد اتفق الجمهور على أن كفارهم يعذبون في النار قال ابن القيم: (وقد اتفق المسلمون على أن كفار الجن في النار، وقد دل على ذلك القرآن في غير موضع كقوله تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13]، وقوله: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85]، فملؤها منه – أي إبليس به وبكفار ذريته. وقال تعالى: {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ} [الأعراف: 38]). إلى أن يقول: (وبالجملة فهذا أمر معلوم بالاضطرار في دين الإسلام) . وقال: (ولما كان أبوهم – أي إبليس – هو أول من دعا إلى معصية الله، و على يده حصل كل كفر وفسوق وعصيان فهو الداعي إلى النار، وكان أول من يكسى حلة من النار يوم القيامة، يسحبها وينادي: واثبوراه، فأتباعه من أولاده وغيرهم خلفه ينادون: واثبوراه، حتى قيل: إن كل عذاب يقسم على أهل النار يبدأ به فيه ثم يصير إليهم) . وقال ابن حجر الهيتمي: (واعلم أن العلماء اتفقوا على أن كافرهم يعذب في الآخرة) ، قال الألوسي في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 158]. (أي: والله لقد علمت الشياطين – أي جنسهم – أن الله تعالى يحضرهم، ولابد من النار ويعذبهم بها، ولو كانوا مناسبين له تعالى أو شركاء في استحقاق العبادة أو التصرف لما عذبهم سبحانه) . وقال الإمام الطبري في تفسيره لقوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [فصلت: 25]. (عن السدي: {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أي: وحق على هؤلاء الذين قيضنا لهم قرناء من الشياطين، فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم العذاب في أمم قد مضت قبلهم من ضربائهم، حق عليهم من عذابنا مثل الذي حق على هؤلاء: بعضهم من الجن، وبعضهم من الإنس {إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} أن تلك الأمم الذين حق عليهم عذابنا من الجن والإنس كانوا مغبونين ببيعهم رضا الله ورحمته، بسخطه وعذابه) . المطلب الثاني: جزاء مؤمنهم في الآخرة وأما بالنسبة لثواب مؤمنيهم في الآخرة: فقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال: القول الأول: أنه لا ثواب لهم إلا النجاة من النار ثم يقال لهم: كونوا تراباً مثل البهائم. وهو قول أبي حنيفة، وحكاه سفيان الثوري عن الليث بن أبي سليم، وهو رواية عن مجاهد، وبه قال الحسن البصري. قال ابن القيم: (وحكى عن أبي حنيفة وغيره أن ثوابهم نجاتهم من النار) . وقال الماوردي: (وحكى سفيان عن ليث أنهم يثابون على الإيمان بأن يجازوا على النار خلاصاً منها، ثم يقال لهم: كونوا تراباً كالبهائم) . وقال القرطبي: (وقال أبو حنيفة: ليس ثواب الجن إلا أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم كونوا تراباً كالبهائم) . وذكر الشوكاني عن أبي الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال: (مسلمو الجن لا يدخلون الجنة ولا النار، وذلك أن أخرج أباهم من الجنة، فلا يعيده ولا يعيد ولده) . وقال ابن نجيم: (واختلف العلماء في حكم مؤمن الجن: فقال قوم: لا ثواب لهم إلا النجاة من النار، وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله) . وعن الليث: (ثوابهم أن يجاروا من النار ثم يقال لهم: كونوا تراباً كالبهائم، وعن أبي الزناد كذلك) . وقال الحسن: (ليس لمؤمني الجن ثواب غير نجاتهم من النار) وذكر القرطبي في رواية عن مجاهد أن الجن لا يدخلون الجنة وإن صرفوا عن النار . أدلة هذا الفريق: استدل هذا الفريق بقوله تعالى إخباراً عن النفر من الجن الذين استمعوا القرآن: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31]. ووجه استدلالهم بها: أن المغفرة للذنوب لا تستلزم الإثابة لأنه ستر، والإثابة بالوعد فضل . وقال ابن القيم: (واحتج هؤلاء بهذه الآية فجعل غاية ثوابهم إجارتهم من العذاب الأليم) . والآية قد دلت على إجارتهم من النار ولم تذكر دخولهم الجنة، أو الثواب على أعمالهم. القول الثاني: أنهم يثابون على الطاعة بدخول الجنة، على خلاف في حالهم فيها، نقله ابن حزم عن الجمهور، وممن قال به الضحاك وابن عباس، وهو قول الخليفة عمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب الأئمة: مالك, والشافعي, وأحمد, وأصحابهم . وابن أبي ليلى, والأوزاعي، ورجحه القرطبي، وهو قول أكثر المفسرين. القول الثالث: التوقف في المسألة. قال الألوسي: (قال الكردي: وهو في أكثر الروايات. و في فتاوى أبي إسحاق الصفار أن الإمام – أبا حنيفة – يقول: لا يكونون في الجنة ولكن في معلوم الله تعالى، لأنه لا استحقاق للعبد على الله تعالى، ولم يقل بطريق الوعد في حقهم إلا المغفرة والإجارة من العذاب، أما نعيم الجنة فموقوف على الدليل) . وقال القشيري: (والصحيح أن هذا – أي دخولهم الجنة – مما لم يقطع فيه بشيء والله أعلم) . لكن الجمهور من المسلمين القائلين بثواب المؤمنين من الجن في الآخرة اختلفوا في كيفية الثواب؟: 1- فقد ذهب الأكثرون منهم إلى أنهم في الجنة ويصيبون من نعيمها . 2- ونقل عن الخليفة عمر بن عبد العزيز أنهم يكونون في ربض الجنة، وذكره الألوسي عن الإمام مالك وطائفة من العلماء . وقال ابن تيمية: (وروي في حديث رواه الطبراني: أنهم يكونون في ربض الجنة، يراهم الإنس من حيث لا يرونهم) . وذكر ابن القيم أن سهل بن عبد الله قال: بأنهم يكونون في ربض الجنة، يراهم المؤمنون من حيث لا يرونهم . - وقال جماعة: أنهم على الأعراف بين الجنة والنار، ذكره الألوسي ومقتضى هذا القول أنهم يدخلون الجنة فيما بعد، إذ أن هذا هو نهاية أصحاب الأعراف. - وفي رواية ذكرها ابن نجيم عن الضحاك أنهم يلهمون التسبيح والذكر، فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة . ولكن ذكر النووي في شرحه لصحيح مسلم أن الضحاك قال بأن الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون . وهو ما نقله الفخر الرازي عنه إذ يقول: (قال الضحاك: يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون، والدليل على صحة هذا القول: أن كل دليل دل على أن البشر يستحقون الثواب على الطاعة فهو بعينه قائم في حق الجن) وعقب الفخر الرازي على ذلك بقوله: (والفرق بين البابين بعيد) أي ثواب الإنس وثواب الجن. وقال القرطبي: (واختلفوا في دخول مؤمني الجن الجنة على حسب الاختلاف في أصلهم، فمن زعم أنهم من الجان لا من ذرية إبليس قال: يدخلون الجنة بإيمانهم، ومن قال: إنهم من ذرية إبليس فلهم فيه قولان: أحدهما: وهو قول الحسن: يدخلونها.الثاني: وهو رواية مجاهد: لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار، حكاه الماوردي) . القول الراجح مما تقدم: والراجح – والله أعلم – أن الجن يثابون على أعمالهم, ويدخلون الجنة, ويصيبون من نعيمها، وذلك لأن ظواهر الآيات الواردة في جزاء الجن في الآخرة تقتضي ذلك. لأنها جاءت عامة في استحقاق المحسنين لجزاء أعمالهم، ولم يرد دليل يخصصها، فتبقى على عمومها، وهو مذهب أكثر الفقهاء. قال الفخر الرازي: (والصحيح أنهم في حكم بني آدم، فيستحقون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، وهذا القول قول ابن أبي ليلى ومالك، وجرت بينه وبين أبي حنيفة في هذا الباب مناظرة) . وقال الألوسي: (وعموميات الآيات تدل على الثواب) . وقال ابن حجر الهيتمي: (والصحيح الذي قاله ابن أبي ليل, والأوزاعي, ومالك, والشافعي, وأحمد, وأصحابهم رضي الله عنهم، أنهم يثابون على طاعتهم) . وقال الشوكاني: (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: الخلق أربعة: فخلق في الجنة كلهم، وخلقان في الجنة والنار، فأما الذين في الجنة كلهم فالملائكة، وأما الذين في النار كلهم فالشياطين، وأما الذين في الجنة والنار فالإنس والجن، لهم الثواب, وعليهم العقاب) . وقال النووي في شرح صحيح مسلم: (والصحيح أنهم يدخلونها ويتنعمون فيها بالأكل والشرب وغيرها، وهذا قول الحسن البصري, والضحاك, ومالك بن أنس, وابن أبي ليلى وغيرهم) . وقال ابن القيم: (وأما الجمهور فقالوا: مؤمنهم في الجنة كما أن كافرهم في النار) . وأيضا فقد تقدم القول بتكليفهم فيكون الواجب عليهم كالواجب علينا وهو ما فيه ثواب، ولا ثواب في الآخرة إلا الجنة. وأما القول: بأنه لا جزاء لهم إلا الجنة محتجاً بقوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31]. فمن الواضح أنه لا يلزم من الاقتصار على ذكر المغفرة والنجاة من العذاب نفي ثوابهم، كيف وقد ثبت بالأدلة المتعددة ثوابهم وتنعمهم بالجنة كما سيأتي. وأما من قال بأنهم على الأعراف: بين الجنة والنار فهو قول لا دليل عليه، ثم إن وقوف أصحاب الأعراف عقاب من الله يعقبه دخول الجنة كما قال تعالى: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف: 46]. ولذلك قال بعض السلف: ما أطمعهم إلا ليدخلهم، والحديث في مؤمني الجن الذين لا عقاب عليهم . وأما من قال بالتوقف في كيفية ثوابهم فهو بعيد، إذ لا موجب له مع شهادة النصوص بدخولهم الجنة . وأما من قال بأنهم في ربض الجنة، أو أنهم يلهمون التسبيح فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من النعيم، فأنها أقوال لا دليل عليها. قال محمد رشيد رضا في هذه الأقوال: (وشذ من قال أن مسلمي الجن لا يدخلون الجنة، إذ ليس لهم ثواب، وأشد منه شذوذاً من زعم أنهم لا يدخلون الجنة ولا النار، نقل ذلك السيوطي عن ليث بن أبي سليم، وهو مخالف لنصوص القرآن، وليث هذا مضطرب الحديث وإن روى عنه مسلم، وقد اختلط عقله في آخر عمره، ولعله قال هذا القول وغيره مما أنكر عليه بعد اختلاطه) . الأدلة على ذلك: 1- قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا}. قال ابن القيم: (أي ولكل درجات في الخير والشر يوفونها ولا يظلمون شيئاً من أعمالهم، وهو ظاهر جداً في ثوابهم وعقابهم، وأن مسيئهم يستحق العذاب باساءته، ومحسنهم يستحق الدرجات بإحسانه) . وقال محمد رشيد رضا: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا} (أي ولكل من معشري الجن والإنس الذين بلغتهم دعوة الرسل درجات ومنازل من جزاء أعمالهم، تتفاوت بتفاوتهم فيها) . وقال بدر الدين الشبلي:(وقال ابن الصلاح في بعض تعاليقه: حكي عن ابن عبد الحكم أنه سئل عن الجن: هل لهم جزاء في الآخرة على أعمالهم؟ فقال: نعم، والقرآن يدل على ذلك، قال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا} . الآية). 2- قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [ الجن: 15]. قال سيد قطب: (ودل هذا على أن الجن يعذبون بالنار، ومفهومه أنهم كذلك ينعمون بالجنة، هكذا يوحي النص القرآني، وهو الذي نستمد منه تصورنا، فليس لقائل بعد هذا أن يقول شيئاً يستند فيه إلى تصور غير قرآني عن طبيعة الجن وطبيعة النار أو الجنة، فسيكون ما قاله الله حقاً بلا جدال) . 3- قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31]. قال الألوسي: (وهذا ونحوه يدل على أن الجن مكلفون، ولم ينص ههنا على ثوابهم إذا أطاعوا، وعموميات الآيات تدل على الثواب، وعن ابن عباس: لهم ثواب وعليهم عقاب، يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها، ولعل الاقتصار هنا على ما ذكر لما فيه من التذكير بالذنوب، والمقام مقام الإنذار، فلذا لم يذكر فيه شيء من الثواب) . وقال ابن القيم: (وقد ثبت أنهم إذا أجابوا داعي الله غفر لهم وأجارهم من عذابه، وكل من غفر له دخل الجنة ولابد، وليس فائدة المغفرة إلا الفوز بالجنة والنجاة من النار) . وقال القرطبي في الآية السالفة: (هذه الآي تدل على أن الجن كالإنس في الأمر والنهي والثواب والعقاب) . والله سبحانه وهو أعدل العادلين إذا كان يعذب عاصيهم فعدله يقتضي أن يكافئ طائعهم بالثواب على عمله، قال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [ طـه: 112]. أي لا يخاف زيادة سيئاته ولا نقصان حسناته، وإذا كان المؤمنون ينادون يوم القيامة لاستلام جوائزهم فكيف لا ينادى مؤمنو الجن لاستلام هذه الجوائز؟ !، وذلك جزاء عادلاً من الله على عملهم في الدنيا، ورحمة منه لعباده المؤمنين. وقد ذكر الإمام البخاري في (صحيحه) بابا سماه: باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم وفي هذا دلالة على ثوابهم بنعيم الجنة يوم القيامة. 4- قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا}. قال ابن القيم: (وبهذه الحجة احتج البخاري، ووجه الاحتجاج بها: أن البخس المنفي هو نقصان الثواب، والرهق: الزيادة في العقوبة على ما عمل، فلا ينقص من ثواب حسناته، ولا يزداد في سيئاته) . 5- قوله تعالى في سورة الرحمن: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [ الرحمن: 56]. قال الشوكاني: (و في هذه الآية – بل في كثير من آيات هذه السورة دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا بالله سبحانه وعملوا بفرائضه وانتهوا عن مناهيه) . و في هذه الآية دليل على أن الجن ينالهم نصيبهم من الحور العين كالإنس، قال الإمام القرطبي: (في هذه الآية دليل على أن الجن تغشى كالإنس وتدخل الجنة، ويكون لهم فيها جنيات، قال ضمرة: للمؤمنين منهم أزواج من الحور العين، فالإنسيات للإنس والجنيات للجن) . وقال النسفي: (وهذا دليل على أن الجن يطمثون كما يطمث الإنس) . وقال الألوسي: (ويجوز أن تكون الحور كلهن نوعاً واحداً، ويعطي الجن منهن، لكنه في تلك النشأة غيره في هذه النشأة، ويقال: ما يعطاه الإنسي منهن، لم يطمثها إنسي قبله، وما يعطاه الجني لم يطمثها جني قبله، وبهذا فسر البلخي الآية. وقال الشعبي والكلبي: تلك القاصرات الطرف من نساء الدنيا لم يمسهن منذ أنشئن النشأة الآخرة خلق قبل، والذي يعطاه الإنسي زوجته المؤمنة التي كانت له في الدنيا، ويعطى غيرها من نسائها المؤمنات أيضاً، وكذا الجني يعطى زوجته المؤمنة التي كانت له في الدنيا من الجن، ويعطى غيرها من نساء الجن المؤمنات أيضاً، ويبعد أن يعطى الجني من نساء الدنيا الإنسانيات في الآخرة, والذي يغلب على الظن أن الإنسي يعطى من الإنسيات والحور، والجن يعطى من الجنيات والحور، ولا يعطى إنسي جنية, ولا جني إنسية، وما يعطاه المؤمن إنسياً كان أو جنياً من الحور شيء يليق به وتشتهيه نفسه، وحقيقة تلك النشأة وراء ما يخطر بالبال) . ثم قال الألوسي: (واستدل بالآية على أن الجن يدخلون الجنة ويجامعون فيها كالإنس، فهم باقون فيها منعمين، كبقاء المعذبين منهم في النار، وهو مقتضى ظاهر ما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد وابن أبي ليلى والأوزاعي، وعليه الأكثر كما ذكره العيني في شرح البخاري من أنهم يثابون على الطاعة, ويعاقبون على المعصية, ويدخلون الجنة، فإن ظاهره أنهم كالإنس يوم القيامة) . وقد استدل ابن القيم بقوله تعالى في سورة الرحمن: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إلى قوله: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن: 46- 56]. قال ابن القيم: وهذا يدل على أن ثواب محسنهم الجنة من عدة وجوه: أ- أن (من) من صيغ العموم، فتتناول كل خائف. ب- أنه رتب الجزاء المذكور على خوف مقامه تعالى، فدل على استحقاقه به. ج- قوله عقيب هذا الوعد: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [ الرحمن: 47 ]. د- أنه ذكر في وصف نسائهم أنهن: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} وهذا والله أعلم معناه: أنه لم يطمث نساء الإنس إنس قبلهم ولا نساء الجن جن قبلهم . وقال ابن كثير في قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [ الرحمن: 46]. (وهذه الآية عامة في الإنس والجن، فهي من أدل دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا واتقوا) . إلى غير ذلك من آيات هذه السورة – أي سورة الرحمن – الدالة على ثواب الجن في الآخرة وتنعمهم بالجنة. قال ابن القيم: (وقد ثبت أن منهم المؤمنين فيدخلون في العموم، كما أن كافرهم يدخل في الكافرين المستحقين للوعيد، ودخول مؤمنهم في آيات الوعد أولى من دخول كافرهم في آيات الوعيد، فإن الوعد فضله، والوعيد عدله، وفضله من رحمته، وهي تغلب غضبه. وأيضا فإن دخول عاصيهم النار إنما كان لمخالفته أمر الله، فإذا أطاع الله أدخل الجنة، وأيضا فإنه لا دار للمكلفين سوى الجنة أو النار، وكل من لم يدخل النار من المكلفين فالجنة مثواه) .. الفصل الخامس: أهداف الشيطان وأساليبه في إغواء الناس ومدى سلطانه عليهم المبحث الأول: أهداف الشيطان الهدف البعيد: هناك هدف وحيد يسعى الشيطان لتحقيقه في نهاية الأمر، هو أن يلقى الإنسان في الجحيم، ويحرمه الجنة، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [ فاطر:6 ]. الأهداف القريبة ذلك هو هدف الشيطان البعيد، أما الأهداف فهي: 1- إيقاع العباد في الشرك والكفر: وذلك بدعوتهم إلى عبادة غير الله والكفر بالله وشريعته: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [ الحشر: 16]. وروى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم، فقال في خطبته: ((يا أيها الناس، إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي هذا، إن كل ما منحته عبدي فهو له حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فأتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً)) . 2- إذا لم يستطع تكفيرهم فيوقعهم في الذنوب: فإذا لم يستطع إيقاعهم في الشرك والكفر، فإنه لا ييئس، ويرضى بما دون ذلك من إيقاعهم في الذنوب والمعاصي، وغرس العداوة والبغضاء في صفوفهم، ففي سنن الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن: ((ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً، ولكن ستكون له طاعة في بعض ما تحقرون من أعمالكم، فيرضى بها)) . و في صحيح البخاري وغيره: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)) . أي بإيقاع العداوة والبغضاء بينهم، وإغراء بعضهم ببعض، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91]. وهو يأمر بكل شر {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]. وخلاصة الأمر فكل عبادة محبوبة لله فهي بغيضة إلى الشيطان، وكل معصية مكروهة للرحمن فهي محبوبة للشيطان. 3- صده العباد عن طاعة الله: وهو لا يكتفي بدعوة الناس إلى الكفر والذنوب والمعاصي بل يصدهم عن فعل الخير، فلا يترك سبيلاً من سبل الخير يسلكه عبد من عباد الله إلا قعد فيه، يصدهم ويميل بهم، ففي الحديث: ((إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك ؟! فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول (الطول: الحبل الطويل، يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره، والطرف الآخر في يد الفرس ليدور فيه، ويرعى ولا يذهب لوجهه). فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال, فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال؟! قال: فعصاه فجاهد: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخل الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله أن يدخل الجنة)) . ومصداق ذلك في كتاب الله ما حكاه الله عن الشيطان أنه قال لرب العزة: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [ الأعراف: 16- 17]. وقوله {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ}: أي على صراطك، فهو منصوب بنزع الخافض أوهو منصوب بفعل مضمر، أي لألزمن صراطك، أو لأرصدنه، أو لأعوجنه. وعبارات السلف في تفسير الصراط متقاربة، فقد فسره ابن عباس بأنه الدين الواضح، وابن مسعود بأنه كتاب الله، وقال جابر: (هو الإسلام)، وقال مجاهد:(هو الحق) . فالشيطان لا يدع سبيلاً من سبل الخير إلا قعد فيه يصد الناس عنه. 4- إفساد الطاعات: إذا لم يستطع الشيطان أن يصدهم عن الطاعات، فإنه يجتهد في إفساد العبادة والطاعة، كي يحرمهم الأجر والثواب، فقد جاء أحد الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: ((إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يلبسها عليَّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه. واتفل على يسارك ثلاثاً. قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني)) . فإذا دخل العبد في صلاته أجلب عليه الشيطان يوسوس له, ويشغله عن طاعة الله, ويذكره بأمور الدنيا، ففي صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة، أحال له ضراط، حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة، ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس)) . وفي رواية: ((فإذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر من قبل حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى)) . 5- الإيذاء البدني والنفسي: كما يهدف الشيطان إلى إضلال الإنسان بالكفر والذنوب، فإنه يهدف إلى إيذاء المسلم في بدنه ونفسه، ونحن نسوق بعض ما نعرفه من هذا الإيذاء. أ- مهاجمة الرسول صلى الله عليه وسلم: وذلك كما في الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بمهاجمة الشيطان له، ومجيء الشيطان بشهاب من نار ليرميه في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم. [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية