الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35440" data-attributes="member: 329"><p>ب – الحلم من الشيطان: </p><p>للشيطان القدرة على أن يرى الإنسان في منامه أحلاماً تزعجه وتضايقه بهدف إحزانه وإيلامه. </p><p>فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرؤى التي يراها المرء في منامه ثلاثة: رؤيا من الرحمن، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا حديث نفس وفي صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره)) .</p><p>ج- إحراق المنازل بالنار: </p><p>وذلك بواسطة بعض الحيوانات التي يغريها بذلك، ففي سنن أبي داود وصحيح ابن حبان بإسناد صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نمتم فأطفئوا سرجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه الفأرة على هذا السراج فيحرقكم)) .</p><p>د- تخبط الشيطان للإنسان عند الموت: </p><p>وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من ذلك فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من التردي, والهدم, والغرق, والحرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً)) .</p><p>هـ- إيذاؤه الوليد حين يولد: </p><p>يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها)) . وفي صحيح البخاري: ((كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب)) . وفي البخاري أيضاً: ((ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها)) . والسبب في حماية مريم وابنها من الشيطان استجابة الله دعاء أم مريم حين ولدتها: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [ آل عمران: 36].</p><p>فلما كانت صادقة في طلبها استجاب الله لها فأجار مريم وابنها من الشيطان الرجيم، وممن أجاره الله أيضاً عمار بن ياسر، ففي صحيح البخاري أن أبا الدرداء قال: (أفيكم الذي أجاره الشيطان على لسان نبيه، قال المغيرة: الذي أجاره الشيطان على لسان نبيه يعني عماراً) .</p><p>و- مرض الطاعون من الجن: </p><p>أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن فناء أمته ((بالطعن والطاعون؛ وخز أعدائكم من الجن، وفي كل شهادة)) .</p><p>وفي مستدرك الحاكم: ((الطاعون وخز أعدائكم من الجن، وهو له شهادة)) .</p><p>ولعل ما أصاب نبي الله أيوب كان بسبب الجن كما قال: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41].</p><p>ز- بعض الأمراض الأخرى: </p><p>قال صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة: ((إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان)) .</p><p>ح – مشاركته لبني آدم في طعامهم وشرابهم ومساكنهم: </p><p>ومن الأذى الذي يجلبه الشيطان للإنسان أنه يعتدي على طعامه وشرابه فيشركه فيهما، ويشركه في المبيت في منزله، يكون ذلك منه إذا خالف العبد هدى الرحمن، أو غفل عن ذكره، أما إذا كان ملتزماً بالهدى الذي هدانا الله إليه، لا يغفل عن ذكر الله، فإن الشيطان لا يجد سبيلاً إلى أموالنا وبيوتنا. فالشيطان لا يستحل الطعام إلا إذا تناول منه أحد بدون أن يسمي، فإذا ذكر اسم الله عليه، فإنه يحرم على الشيطان، روى مسلم في صحيحه عن حذيفة قال: ((كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا، حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضع يده. وإنا حضرنا معه مرة طعاماً.فجاءت جارية كأنها تدفع, فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها. ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه, وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها, فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده. والذي نفسي بيده! إن يده في يدي مع يدها)) .</p><p>وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نحفظ أموالنا من الشيطان وذلك بإغلاق الأبواب، وتخمير الآنية، وذكر اسم الله، فإن ذلك حرز لها من الشيطان، يقول صلى الله عليه وسلم: ((أغلقوا الأبواب, واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، و أوكوا قربكم، واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً، وأطفئوا مصابيحكم)) .</p><p>ويأكل الشيطان ويشرب مع الإنسان إذا أكل أو شرب بشماله، وكذلك إذا شرب واقفاً، ففي مسند أحمد عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أكل بشماله أكل معه الشيطان، ومن شرب بشماله شرب معه الشيطان)) .</p><p>وفي المسند أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يشرب قائماً فقال له: قه، قال: لم؟ قال: أيسرك أن يشرب معك الهر؟ قال: لا، قال: فإنه قد شرب معك من هو شر منه, الشيطان)) .</p><p>وكي تطرد الشياطين من المنزل لا تنس أن تذكر اسم الله عند دخول المنزل، وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك، حيث يقول: ((إذا دخل الرجل بيته، فذكر اسم الله حين يدخل وحين يطعم، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء ههنا، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء)) . </p><p>والشيء الذي نخلص إليه أن الشيطان يأمر بكل شر، ويحث عليه، وينهي عن كل خير، ويخوف منه؛ كي يرتكب الأول، ويترك الثاني. كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268]. وتخويفه إيانا الفقر بأن يقول: إن أنفقتم أموالكم افتقرتم، والفحشاء التي يأمرنا بها: هي كل فعلة فاحشة خبيثة من البخل والزنا وغير ذلك. </p><p>المبحث الثاني: أساليب الشياطين في إغواء الناس</p><p>إذا نسي الإنسان ربه واستسلم للشيطان، فإن الشيطان يستدرجه بأساليبه المختلفة حتى يخرجه عن دائرة العقل والإنسانية، ويسيره في دروب الهلاك، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [ الحـج: 4].</p><p>فمن تلبيسات الشياطين وأساليبهم في تضليل عابديهم أنهم يتمثلون لهم بأشكال مختلفة حسب معتقدهم، فتارة يظهرون لهم بصورة شيخ كما يحصل عند جهلة الصوفية الذين يقدسون شيوخهم ويجعلونهم في مرتبة قريبة من مرتبة الإله، وتارة يخاطبونهم من داخل الهياكل والأصنام كما يقع للمشركين عباد الأوثان، كمن يستغيث بالغائبين والميتين عند قبورهم وغير قبورهم، فتخاطبهم الشياطين على سبيل المكاشفة، وقد تقضي بعض حوائجهم وتدفع عنهم بعض ما يكرهونه، فيظن أحدهم أن الذي يعظمه هو الذي خاطبه وقضى حاجته .</p><p>وقد تصعد الشياطين بأتباعها من البشر في الهواء، ويدخلون المدن والحصون بالليل والأبواب مغلقة، وقد تحملهم الشياطين إلى أماكن بعيدة كمكة، فيطوفون بهم ويقفون على جبل عرفات، ولكنهم في الحقيقة لم يحجوا الحج الذي أمر الله به، ونحن نسمع بين الحين والحين عن أناس يكونون في مكان ما ثم ما نلبث أن نسمع أن آخرين قد شاهدوهم في أماكن أخرى بعيدة، في فترة زمنية بسيطة جداً، لا يمكن لهم كبشر التنقل خلالها، ولا عجب في ذلك لأن الشياطين التي أطاعوها وانقادوا لها هي التي تحملهم إلى هذه المسافات البعيدة، حتى توهم الناس أنه من أولياء الله، ولكنه في الواقع من أولياء الشيطان .</p><p>ومنهم من كانت الشياطين تخرج رجليه من القيد وتمنع السلاح أن ينفذ به، وتسبح الرخامة إذا مسحها بيده كالحارث الدمشقي الذي خرج بالشام في زمن عبد الملك بن مروان، وكان يرى الناس رجالاً وركباناً على خيل في الهواء ويقول: هي الملائكة، وإنما كانوا جناً، ولما أمسكه المسلمون ليقتلوه طعنه الطاعن بالرمح فلم ينفذ فيه، فقال له عبد الملك: إنك لم تسم الله، فسمى الله فطعنه فقتله .</p><p>ومن هؤلاء شيخ كان بمصر أوصى خادمه فقال: إذا أنا مت فلا تدع أحدا يغسلني، فأنا أجيء وأغسل نفسي، فلما مات رأى خادمه شخصاً في صورته، فاعتقد أنه هو دخل وغسل نفسه، فلما قضى ذلك الداخل غسله – أي غسل الميت - غاب، وكان ذلك شيطاناً، وكان قد أضل الميت وقال: إنك تجيء فتغسل نفسك، فلما مات جاء أيضاً في صورته ليغوي بعض الأحياء كما أغوى الميت قبل ذلك. </p><p>ومنهم من يرى عرشاً في الهواء وفوقه نور، ويسمع من يخاطبه ويقول: أنا ربك، فإن كان من أهل المعرفة علم أنه شيطان فزجره واستعاذ بالله منه فيزول . إلى غير ذلك من تلاعب الشياطين بأتباعها.</p><p>وهكذا فإن الشياطين لا تقوم بهذه الأمور لهؤلاء من الناس إلا إذا خرجوا عن الكتاب والسنة، وتكون إعانة الشياطين لهم بحسب قربهم أو بعدهم من الإسلام، فإذا وافق هؤلاء الإنس الجن على ما تختاره الجن من الكفر – كالإقسام عليهم بأسماء من يعظمونه من الجن وغيرهم، أو يكتبون القرآن بالنجاسات وما شابه ذلك – فإنهم يغورون له الماء وينقلونه إلى أماكن بعيدة، بسبب ما يرضيهم من الكفر، وقد يأتونه بما يهواه من امرأة أو صبي، أو يسرقون له بعض الأموال، وغير ذلك من أنواع الخدمة، وهذه لا تكون إلا بعد فساد عقائد هؤلاء, وكفرهم بالله, وطاعتهم للشياطين فيما يأمرونهم به .</p><p>ومن هؤلاء الناس من يستغيث بصالح أو بقبر فينزل عليه من الهواء طعام, أو نفقة, أو سلاح أو غير ذلك، فيظنه كرامة، وإنما ذلك كله من الشياطين. </p><p>ومن المشركين من كان يعبد الأصنام فيتخذها على صورة الأنبياء والصالحين، كما حصل مع قوم نوح من بعده، عندما أوحى إليهم الشيطان أن يصنعوا تماثيل لبعض الصالحين منهم – ممن توفاهم الله – ليتذكروهم، ثم مع مرور الأيام استدرجهم الشيطان فعبدوا هذه التماثيل ، قال الله تعالى عنهم:</p><p>{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالا} [ نوح: 23-24]. </p><p>ومنهم من جعل التماثيل لأجل الملائكة والجن، و في واقع الأمر أنهم إنما يعبدون الشيطان، لأنه هو الذي زين لهم عبادتها، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} [ سبأ: 40-41].. </p><p>والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)) ، و في الصحيحين عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني - يردني-، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله!! يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال: شيئاً.)) </p><p>المبحث الثالث: مدى سلطان الشيطان على الإنسان</p><p>بعض الناس يتصورون أن للشيطان تلك القدرة التي يستطيع بها أن يجبر الإنسان على ترك الطاعات وفعل المعاصي، ومن ثم فلا ذنب على الإنسان إذا قصر في طاعة الله أو فعل معصية من المعاصي، وهذا التصور إنما سببه الجهل بالقرآن الذي بين حقيقة الشيطان وأنه ليس له سلطان بقهر الإنسان على فعل المعصية أو يثبطه عن القيام بالطاعة، لأنه في هذا التصور يكون مشاركاً لله في القدرة على قهر العباد وجبرهم على ما يشاء, وهذا هو عين الشرك في الربوبية، ولو كان للشيطان مثل هذه السلطة لكان في ذلك مناقضة لتكليف الله للبشر, وفي ذلك مناقضة صريحة لما في القرآن الكريم, لأن التكليف مبني على قدرة الإنسان في اختيار الخير أو الشر, وإذا انتفى الاختيار عند الإنسان - بسبب إجبار الشيطان له على فعل المعاصي وترك الواجبات – لكان في ذلك بطلان التكليف من قبل الله للإنسان، وهذا الكلام لا يقول به إلا كافر أو جاهل، لأن بعث الله للرسل على مدار التاريخ إنما جاء لاختبار هذه الإرادة عند الإنسان، فإما أن يستجيب هذا الإنسان لداعي الله، وإما أن يستجيب لداعي الشيطان الذي يوسوس للإنسان ويزين له المعاصي، وعلى أساس هذه الاستجابة أو عدمها يكون جزاء الإنسان بالجنة أو النار. </p><p>ولقد نفى القرآن أن يكون للشيطان سلطان على الكافرين فضلا عن المؤمنين يقهرهم أو بالحجة لما يدعوهم إليه، وبين القرآن حدود سلطان الشيطان على الكافرين، وأنه مجرد دعوة للكفر والمعاصي، واستجابة منهم له في ذلك. يقول الله عز وجل في هذا الشأن حاكياً عن الشيطان: </p><p> {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 22]. </p><p>فهذا هو الشيطان في الآخرة يعلن في صغار وانكسار تخليه عن أتباعه الذين أطاعوه فيما زين لهم من المعاصي، ويوضح لهم أنه لم يكن له سلطان يجبر هؤلاء على ما كان سبباً في دخولهم جهنم. قال الإمام الشوكاني في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ} الآية. </p><p>(أي وما كان لي تسلط عليكم بإظهار حجة على ما وعدتكم به وزينته لكم {إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}: أي إلا مجرد دعائي لكم إلى الغواية والضلال بلا حجة ولا برهان..، وقيل: المراد بالسلطان هنا: القهر، أي: ما كان لي عليكم من قهر يضطركم إلى إجابتي، وقيل: هذا الاستثناء هو من باب: تحية بينهم ضرب وجيع، مبالغة في نفيه للسلطان عن نفسه، كأنه قال: إنما يكون لي عليكم سلطان إذا كان مجرد الدعاء من السلطان، وليس منه قطع) .</p><p>وهذه الأقوال بمجملها تدل على انتفاء السلطان من قبل الشيطان على أتباعه في الدنيا، وأن وظيفته كانت منحصرة في الدعوة إلى الغواية والضلال، وهذه الدعوة البراقة معراة عن الحجة والبرهان من جهة، وبعيدة عن القهر والسلطان من جهة أخرى، وإذا انتفى الأمران انتفت معهما دواعي الاستجابة لهذه الدعوة من قبل الشيطان، وبناء على ذلك فلا لوم ولا عتاب. </p><p>قال الشوكاني: ({فَلاَ تَلُومُونِي} بما وقعتم فيه بسبب وعدي لكم بالباطل وإخلافي لهذا الموعد. {وَلُومُواْ أَنفُسَكُم} باستجابتكم لي بمجرد الدعوة التي لا سلطان عليها ولا حجة، فإن من قبل المواعيد الباطلة والدعاوى الزائفة عن طريق الحق فعلى نفسه جنى ولمآربه قطع، ولا سيما ودعوتي هذه الباطلة وموعدي الفاسد وقعا معارضين لوعد الله لكم وعد الحق, ودعوته لكم إلى دار السلام، مع قيام الحجة التي لا تخفى على عاقل ولا تلتبس إلا على مخذول. </p><p>{مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}..ما أنا بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب, وما أنتم بمغيثي مما أنا فيه، وفيه إرشاد لهم إلى أن الشيطان في تلك الحالة مبتلى بما ابتلوا به من العذاب، محتاج إلى من يغيثه ويخلصه مما هو فيه، فكيف يطمعون في إغاثة من هو محتاج إلى من يغيثه؟ </p><p>{إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} لما كشف لهم القناع بأنه كافر بإشراكهم له مع الله من قبل هذا الوقت الذي قال لهم الشيطان فيه هذه المقالة، وهو ما كان منهم في الدنيا من جعله شريكاً، ولقد قام لهم الشيطان في هذا اليوم مقاماً يقصم ظهورهم ويقطع قلوبهم، فأوضح لهم: </p><p>أولاً: أن مواعيده التي كان يعدهم بها في الدنيا باطلة، معارضة لوعد الحق من الله سبحانه، وأنه أخلفهم ما وعدهم من تلك المواعيد، ولم يف لهم بشيء منها. </p><p>ثانياً: أنه أوضح لهم بأنهم قبلوا قوله بما لا يوجب القبول ولا يتفق على عقل عاقل لعدم الحجة التي لابد للعاقل منها في قبول قول غيره. </p><p>ثالثاً: أنه أوضح: بأنه لم يكن منه إلا مجرد الدعوة العاطلة عن البرهان، الخالية عن أيسر شيء مما يتمسك به العقلاء. </p><p>رابعاً: أنه نعى عليهم ما وقعوا فيه، ودفع لومهم له، وأمرهم بأن يلوموا أنفسهم، لأنهم هم الذين قبلوا الباطل البحت الذي لا يتلبس بطلانه على من له أدنى عقل. </p><p>خامساً: أنه أوضح لهم: بأنه لا نصرة عنده ولا إغاثة، ولا يستطيع لهم نفعاً ولا يدفع عنهم ضراً، بل هو مثلهم في الوقوع في البلية والعجز عن الخلوص عن هذه المحنة. </p><p>سادساً: بأنه صرح لهم بأنه قد كفر بما اعتقدوه فيه وأثبتوه له، فتضاعفت عليهم الحسرات، وتوالت عليهم المصائب) .</p><p>وبهذا يتبين أن الله لم يجعل للشيطان سلطاناً على بني آدم، لتكون إرادة الناس حرة في اختيارها طريق الخير أو الشر، ومن ثم فليس له سلطان على الإنس في عقائدهم وتوجيه إرادتهم للأعمال السيئة، فإن ذلك مما لا سبيل له إليه. </p><p>وإذا كان الشيطان قد أعلن بأنه لا سلطان له في إجبار الناس على المعاصي، ولا حجة له عليهم فيما يدعوهم إليه – وإنما يتحدد سلطانه في دعوتهم إلى الباطل وتزيينه لهم، حباً للفساد, وكيداً للإنسان، لعمق عداوته له منذ استكبر عن السجود لآدم – فمع من تثمر هذه الدعوة إذن بقبولها، ومن هم الذين يرفضونها في مقابل ذلك؟ </p><p>لقد أجابنا القرآن الكريم على هذا السؤال في كثير من الآيات الكريمة قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [ النحل: 99 - 100].</p><p>وقال: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [ سبأ: 20-21].</p><p>وقال تعالى عن إبليس عليه اللعنة: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 39 - 42]. </p><p>وقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} [ الإسراء: 65]. </p><p>إن هذه الآيات التي سقناها تبين لنا أن دعوة الشيطان للضلال والفساد إنما تثمر مع الذين يعرضون عن ذكر الله, ويتركون السلاح الذي أمر الله بالتسلح به ضد وساوس الشيطان ومراوغاته التي لا تهدأ لجر هذا الإنسان إلى الهاوية، أما المؤمنون فقد عرفوا السلاح الذي به يقاومون هذا التسلط، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [ الأعراف: 201]. وقال: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [ الأعراف: 200]. </p><p>والطائف هو الوسوسة أو مبدؤها، وهو إذا مس المؤمنين تذكروا فإذا هم مبصرون، فلا يقعون في فخ طاعته، قال محمد رشيد رضا: (والنفس الزكية الفطرة، المستقيمة لله تعالى بهداية الكتاب والسنة لا يكاد الشيطان يصلها، وإذا طاف بها طائف من وسوسته في حال الغفلة كان هو المذكر لها، فإذا هي مبصرة قائمة بما يجب عليها، فمثلها في عدم تأثير الوسوسة فيها أو عدم إفسادها لها كمثل البدن القوي في عدم استعداده لفتك جراثيم الأمراض به، كما أن النفس الفاسدة الفطرة بالشرك أو النفاق والمعاصي وسوء الأخلاق تكون مستعدة لطاعة الشيطان، كاستعداد البدن الضعيف والمزاج الفاسد لتأثير ميكروبات الأمراض، ومن الأرواح والأبدان ما ليس في منتهى القوة ولا غاية الضعف، فكل منها يتأثر بقدر استعداده، وتكون عاقبة السلامة إن كان أقرب إلى الصحة والقوة، والهلاك إن كان بضد ذلك) .</p><p>فكلما قوي الإيمان كلما ازداد الشيطان بعداً، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((إيها يا ابن الخطاب: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك)) .. وقال أيضاً: ((إن الشيطان ليفرق منك يا عمر)) وقال: ((إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس فروا من عمر)) .</p><p>وليس ذلك خاصاً بعمر، فإن من قوي إيمانه يقهر شيطانه ويذله كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إن المؤمن لينضي شياطينه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر)) .</p><p>ثم إن بعض الذنوب التي يقع بها بعض المؤمنين لا تعتبر من قبيل تسلط الشيطان عليهم، لأنهم لا يستمرون على ذلك كما ذكرت الآيات القرآنية السالفة، قال الشوكاني في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] (المراد: أنه لا تسلط له عليهم بإيقاعهم في ذنب يهلكون به ولا يتوبون منه، فلا ينافي هذا ما وقع من آدم وحواء ونحوهما، فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة عنه، وقد استثنى سبحانه من عباده هؤلاء المتبعون لإبليس من الغاوين، الذي استسلموا لغواية الشيطان وإضلاله، وهو موافق لما قاله إبليس اللعين من قوله تعالى: {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 42]). وقال القرطبي في الآية المتقدمة {إِنَّ عِبَادِي}: (قال العلماء: يعني على قلوبهم، وقال ابن عيينة: أي في أن يلقيهم في ذنب يمنعهم عفوي ويضيقه عليهم، وهؤلاء الذين هداهم الله, واجتباهم, واختارهم, واصطفاهم. قلت: ولعل قائلاً يقول: قد أخبر الله عن صفة آدم وحواء عليهما السلام بقوله: {فأزلهما الشيطان} [البقرة: 36]. وعن جملة من أصحاب نبيه بقوله: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} [آل عمران: 155].؟ فالجواب ما ذكر، وهو أنه ليس له سلطان على قلوبهم ولا موضع إيمانهم، ولا يلقيهم في ذنب يؤول إلى عدم القبول، بل تزيله التوبة وتمحوه الأوبة). </p><p>ثم إن قوله سبحانه: {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} يحتمل أن يكون خاصاً فيمن حفظه الله، ويحتمل أن يكون في أكثر الأوقات والأحوال، وقد يكون في تسلطه تفريج كربة وإزالة غمة، كما فعل ببلال، إذ أتاه يهدِّيه كما يهدَّي الصبي حتى نام، ونام صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس وفزعوا وقالوا: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس في النوم تفريط، ففرج عنهم)) .</p><p>{إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} أي الضالين المشركين، أي سلطانه على هؤلاء دليله: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [ النحل: 99 - 100]. </p><p>ومما تقدم يظهر لنا أن الذنوب التي تحصل من المؤمنين لا تحدث بسبب أن للشيطان سلطاناً عليهم، لأنها ذنوب يتبعها التوبة والاستغفار، فيعودون أقوى مما كانوا عليه من الإيمان، وسلطان الشيطان على الكافرين إنما يكون بسب استمرارهم على فعل المعاصي، حيث قد جعلوا للشيطان سبيلاً إلى قلوبهم، فلا يقلعون من معصية إلا عادوا لها أو أشد قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: 83]. وقال: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19]. وقال: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]. وقال: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [فصلت: 25]. وغير ذلك من الآيات. </p><p>فهذه الآيات قد دلت على أن الشياطين إنما تتسلط على الكافرين بسبب متابعتهم لها فيما تزين لهم من المعاصي، لأنهم لم يلجأوا إلى الله في دفعها عنهم، فخلى الله بينهم وبينها، فأزعجتهم إزعاجاً من الطاعة إلى المعصية، وأغرتهم إغراء بالشر، فلا يفترون قائلين لهم: امضوا في هذه المعاصي، حتى توقعهم في النار، فهؤلاء هم القرناء من الشياطين الذين تحدثت عنهم الآيات القرآنية كقوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [ فصلت: 25].</p><p>قال الطبري<img src="data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAIAAAAAAAP///yH5BAEAAAAALAAAAAABAAEAAAIBRAA7" class="smilie smilie--sprite smilie--sprite3" alt=":(" title="Frown :(" loading="lazy" data-shortname=":(" />أي بعثنا لهم نظراء من الشياطين فجلعناهم قرناء قرناهم بهم يزينون لهم قبائح أعمالهم، فزينوا لهم ذلك) . وهؤلاء القرناء يصاحبون أصحاب المعاصي في الدنيا فيمنعونهم من فعل الطاعات، ويحضونهم على فعل المعاصي، ثم يصاحبونهم عندما يقومون من قبورهم في الآخرة، كما ذكر الإمام القرطبي .</p><p>فهؤلاء الكفرة هم الذين استحوذ عليهم الشيطان فغلبهم وقوى عليهم وأحاط بهم، فلا يستطيعون التفلت منه بعد أن سلموا أنفسهم له يتصرف بها كيفما يريد، فلا عذر لهم في متابعتهم له، لأنه ليس له عليهم أي سلطان يجبرهم على طاعته، إنما الخور في نفوسهم هو الذي جعلهم يقعون في شراك وسوسته، كما حصل مع الذي انسلخ من آيات الله في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [ الأعراف: 175 - 176]. </p><p>وقد ذكر بعض المفسرين أنه بلعم بن باعوراء رجل من بني إسرائيل كان قد أوتي النبوة، وكان مستجاب الدعوة، فلا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، وذكر بعضهم أنه أمية بن أبي الصلت، كان قد قرأ كتب أهل الكتاب التي تبشر بمجيء الرسول عليه الصلاة والسلام، فكفر به عندما بعث، وغير ذلك من الأقوال في شأن هذا الرجل . قال الإمام الطبري: (والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله – تعالى ذكره – أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلو على قومه خبر رجل كان آتاه حججه وأدلته وهي الآيات.. وجائز أن يكون الذي أتاه الله ذلك بلعم، وجائز أن يكون أمية) .</p><p>لكن هذا الرجل خرج من الآيات التي آتاه إياها فلم يعد له صلة بها، فأتبعه الشيطان، أي: صيره تابعاً وقريناً له ينتهي أمره في معصية الله، ويخالف أمر ربه في معصية الشيطان وطاعة الرحمن، فأصبح من المتمكنين في الغواية وهم الكفار، ولو شاء الله لرفعه بهذه الآيات التي أعطيها منزلة عظيمة، ولكن الله لم يشأ ذلك لأنه مال إلى الدنيا ورغب فيها وآثرها على الآخرة، واتبع ما يهواه وترك العمل بما يقتضيه العلم الذي علمه الله، فأصبح كالكلب يلهث في كل أحواله: في الصحة والمرض، والراحة والتعب، فهذا الرجل لا يرعوي عن المعصية في جميع أحواله سواء وعظه الواعظ, وذكره المذكر, وزجره الزاجر، أو لم يقع شيء من ذلك فهو مستديم على فعل المعصية بتركه لآيات الله واتباعه للشيطان .</p><p>فهذا المثل ضربه الله لكل من يتلو القرآن أن يعتبر بهذا الرجل الذي انسلخ من آيات الله، فصار أمره إلى ما صار من اتباع الشيطان له، فإن كل من يعرض عن آيات الله يؤول مصيره إلى مثل ما صار إليه ذلك الرجل، و في ذلك دلالة على تخلي الله عن المكذبين بآياته وتركهم فريسة للشيطان يوجههم كيف شاء كما في قوله تعالى: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [ الأنعام: 71]. </p><p>فالذين يعرضون عن الله تستهويهم الشياطين، فيسارعون إليها في معصيتهم لله، فيصبحون حيارى تائهين في الأرض ، وهي صورة بليغة رسمها القرآن لكل معرض عن هدى الله سبحانه وتعالى.</p><p>وهكذا يتبين لنا أنه لا سلطان للشيطان على الناس، وإنما استجاب له بعضهم بمجرد دعوته إياهم، جرياً وراء أهوائهم وأغراضهم وشهواتهم، فهم الذين أعانوا على أنفسهم ومكنوا عدوهم من سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته، فلما أعطوا ما بأيديهم واستأسروا له، سلط عليهم عقوبة لهم، وبهذا يظهر معنى قوله سبحانه: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141]، فالآية على عمومها وظاهرها، وإنما المؤمنون يصدر منهم المعصية والمخالفة التي تضاد الإيمان ما يصير به للكافرين عليهم سبيل بحسب تلك المخالفة، فهم الذين تسببوا إلى جعل السبيل عليهم، كما تسببوا إليه يوم أحد بمعصية الرسول ومخالفته، والله سبحانه لم يجعل للشيطان على العبد سبيلاً حتى جعل له العبد سبيلاً إليه بطاعته والشرك به، فحينئذ له عليهم تسليط وقهر، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فالتوحيد والتوكل والإخلاص يمنع سلطانه، والشرك وفروعه توجب سلطانه، والجميع بقضاء من الله ومردها إليه .</p><p>الأنبياء وعصمتهم من الشياطين: </p><p>وإذا لم يكن للشيطان سلطان على المؤمنين لأخذهم بالأسباب التي تدفع كيده ووسوته فمن باب أولى أن لا يكون له تسلط على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنهم أكمل الناس إيماناً، وأبعدهم عن طاعة الشيطان، وهم الذين عصمهم الله من ذلك، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي: إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير)) .</p><p>فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن مع كل إنسان قريناً من الملائكة وقريناً من الجن، فالقرين من الملائكة يأمر بالخير، والقرين من الجن يأمر بالشر ولكن قرين الرسول عليه الصلاة والسلام من الجن أسلم إسلاماً حقيقياً كما عليه أكثر العلماء، فلا يأمره إلا بخير، وبقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من فتنة الشيطان وتسلطه، لأن تسليط الشيطان عليهم يناقض ما تقتضيه النبوة من كونهم قدوة للعالمين وأئمة للمهتدين. </p><p>وأما ما ورد خطاباً لنبينا عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: {وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]. فإن هذا النسيان الذي حصل بسبب إنساء الشيطان له لا يعتبر من قبيل التسلط على الناس واستحواذه عليه بالإغواء والإضلال الذي نفاه الله عن أنبيائه وعن عباده المخلصين..، وقد ينسي الإنسان خيراً باشتغال فكره بخير آخر .</p><p>وقد قيل: إن هذا الخطاب وإن كان ظاهراً للنبي صلى الله عليه وسلم فالمراد التعريض لأمته، لتنزهه عن أن ينسيه الشيطان. وقيل: لا وجه لهذا، فالنسيان جائز عليه كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة، قال عليه الصلاة والسلام: ((إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)) .</p><p>وهذا النسيان كما تقدم ليس مما يكون به للشيطان سلطان. </p><p>وكذلك ما ورد من إنساء الشيطان للنبي يوسف عليه السلام وهو في السجن في قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [ يوسف: 42]. فأنساه الشيطان ذكر ربه، إذ أمر الناجي من صاحبيه في السجن بذكره عند الملك ابتغاء الفرج من عنده على أحد القولين، فكان نتيجة ذلك أن لبث في السجن بضع سنين، فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنه قوله عن يوسف: (ولولا الكلمة لما لبث في السجن طول ما لبث، حيث يبتغي الفرج من عند غير الله عز وجل) .</p><p>فنسيان يوسف عليه السلام ذكر ربه في السجن ليس من جنس تسلط الشيطان على أنبيائه، لأنهم معصومون من ذلك، وما يقع منهم من نسيان لا يستمرون عليه، بل يتذكرون ويستغفرون كما في قوله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [24: ص].</p><p>وفي قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ 34: ص ]. </p><p>وأما وقوع النسيان من الأنبياء عليهم السلام بغير وسوسة من الشيطان فلا وجه للخلاف في جوازه، قال تعالى لخاتم رسله: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [ الكهف: 24]. </p><p>وأما قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو هريرة: ((ما من مولود إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها))، ثم يقول أبو هريرة: (واقرءوا إن شئتم: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [ آل عمران: 36]) . فإنه لا يفيد تسلط الشيطان على الإنسان وإغواؤه له، قال ابن حجر العسقلاني: (والذي يقتضيه لفظ الحديث لا إشكال في معناه، ولا مخالفة لما ثبت من عصمة الأنبياء، بل ظاهر الخبر أن إبليس ممكن من مس كل مولود عند ولادته، ولكن من كان من عباد الله المخلصين لم يضره ذلك المس أصلاً، واستثنى من المخلصين مريم وابنها، فإنه ذهب يمس على عادته فحيل بينه وبين ذلك، فهذا وجه الاختصاص، ولا يلزم منه تسلط على غيرهما من المخلصين ). ولو قدر الشيطان على المولود بأكثر من المس عند الولادة إلى الإفساد والغواية معه لفعل ذلك، ولكنه يعلم أن المولود لا يعرف الخير والشر أصلاً، فاكتفى بمسه عند الولادة.</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35440, member: 329"] ب – الحلم من الشيطان: للشيطان القدرة على أن يرى الإنسان في منامه أحلاماً تزعجه وتضايقه بهدف إحزانه وإيلامه. فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرؤى التي يراها المرء في منامه ثلاثة: رؤيا من الرحمن، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا حديث نفس وفي صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره)) . ج- إحراق المنازل بالنار: وذلك بواسطة بعض الحيوانات التي يغريها بذلك، ففي سنن أبي داود وصحيح ابن حبان بإسناد صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نمتم فأطفئوا سرجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه الفأرة على هذا السراج فيحرقكم)) . د- تخبط الشيطان للإنسان عند الموت: وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من ذلك فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من التردي, والهدم, والغرق, والحرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً)) . هـ- إيذاؤه الوليد حين يولد: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها)) . وفي صحيح البخاري: ((كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب)) . وفي البخاري أيضاً: ((ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها)) . والسبب في حماية مريم وابنها من الشيطان استجابة الله دعاء أم مريم حين ولدتها: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [ آل عمران: 36]. فلما كانت صادقة في طلبها استجاب الله لها فأجار مريم وابنها من الشيطان الرجيم، وممن أجاره الله أيضاً عمار بن ياسر، ففي صحيح البخاري أن أبا الدرداء قال: (أفيكم الذي أجاره الشيطان على لسان نبيه، قال المغيرة: الذي أجاره الشيطان على لسان نبيه يعني عماراً) . و- مرض الطاعون من الجن: أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن فناء أمته ((بالطعن والطاعون؛ وخز أعدائكم من الجن، وفي كل شهادة)) . وفي مستدرك الحاكم: ((الطاعون وخز أعدائكم من الجن، وهو له شهادة)) . ولعل ما أصاب نبي الله أيوب كان بسبب الجن كما قال: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41]. ز- بعض الأمراض الأخرى: قال صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة: ((إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان)) . ح – مشاركته لبني آدم في طعامهم وشرابهم ومساكنهم: ومن الأذى الذي يجلبه الشيطان للإنسان أنه يعتدي على طعامه وشرابه فيشركه فيهما، ويشركه في المبيت في منزله، يكون ذلك منه إذا خالف العبد هدى الرحمن، أو غفل عن ذكره، أما إذا كان ملتزماً بالهدى الذي هدانا الله إليه، لا يغفل عن ذكر الله، فإن الشيطان لا يجد سبيلاً إلى أموالنا وبيوتنا. فالشيطان لا يستحل الطعام إلا إذا تناول منه أحد بدون أن يسمي، فإذا ذكر اسم الله عليه، فإنه يحرم على الشيطان، روى مسلم في صحيحه عن حذيفة قال: ((كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا، حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضع يده. وإنا حضرنا معه مرة طعاماً.فجاءت جارية كأنها تدفع, فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها. ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه, وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها, فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده. والذي نفسي بيده! إن يده في يدي مع يدها)) . وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نحفظ أموالنا من الشيطان وذلك بإغلاق الأبواب، وتخمير الآنية، وذكر اسم الله، فإن ذلك حرز لها من الشيطان، يقول صلى الله عليه وسلم: ((أغلقوا الأبواب, واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، و أوكوا قربكم، واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً، وأطفئوا مصابيحكم)) . ويأكل الشيطان ويشرب مع الإنسان إذا أكل أو شرب بشماله، وكذلك إذا شرب واقفاً، ففي مسند أحمد عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أكل بشماله أكل معه الشيطان، ومن شرب بشماله شرب معه الشيطان)) . وفي المسند أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يشرب قائماً فقال له: قه، قال: لم؟ قال: أيسرك أن يشرب معك الهر؟ قال: لا، قال: فإنه قد شرب معك من هو شر منه, الشيطان)) . وكي تطرد الشياطين من المنزل لا تنس أن تذكر اسم الله عند دخول المنزل، وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك، حيث يقول: ((إذا دخل الرجل بيته، فذكر اسم الله حين يدخل وحين يطعم، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء ههنا، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء)) . والشيء الذي نخلص إليه أن الشيطان يأمر بكل شر، ويحث عليه، وينهي عن كل خير، ويخوف منه؛ كي يرتكب الأول، ويترك الثاني. كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268]. وتخويفه إيانا الفقر بأن يقول: إن أنفقتم أموالكم افتقرتم، والفحشاء التي يأمرنا بها: هي كل فعلة فاحشة خبيثة من البخل والزنا وغير ذلك. المبحث الثاني: أساليب الشياطين في إغواء الناس إذا نسي الإنسان ربه واستسلم للشيطان، فإن الشيطان يستدرجه بأساليبه المختلفة حتى يخرجه عن دائرة العقل والإنسانية، ويسيره في دروب الهلاك، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [ الحـج: 4]. فمن تلبيسات الشياطين وأساليبهم في تضليل عابديهم أنهم يتمثلون لهم بأشكال مختلفة حسب معتقدهم، فتارة يظهرون لهم بصورة شيخ كما يحصل عند جهلة الصوفية الذين يقدسون شيوخهم ويجعلونهم في مرتبة قريبة من مرتبة الإله، وتارة يخاطبونهم من داخل الهياكل والأصنام كما يقع للمشركين عباد الأوثان، كمن يستغيث بالغائبين والميتين عند قبورهم وغير قبورهم، فتخاطبهم الشياطين على سبيل المكاشفة، وقد تقضي بعض حوائجهم وتدفع عنهم بعض ما يكرهونه، فيظن أحدهم أن الذي يعظمه هو الذي خاطبه وقضى حاجته . وقد تصعد الشياطين بأتباعها من البشر في الهواء، ويدخلون المدن والحصون بالليل والأبواب مغلقة، وقد تحملهم الشياطين إلى أماكن بعيدة كمكة، فيطوفون بهم ويقفون على جبل عرفات، ولكنهم في الحقيقة لم يحجوا الحج الذي أمر الله به، ونحن نسمع بين الحين والحين عن أناس يكونون في مكان ما ثم ما نلبث أن نسمع أن آخرين قد شاهدوهم في أماكن أخرى بعيدة، في فترة زمنية بسيطة جداً، لا يمكن لهم كبشر التنقل خلالها، ولا عجب في ذلك لأن الشياطين التي أطاعوها وانقادوا لها هي التي تحملهم إلى هذه المسافات البعيدة، حتى توهم الناس أنه من أولياء الله، ولكنه في الواقع من أولياء الشيطان . ومنهم من كانت الشياطين تخرج رجليه من القيد وتمنع السلاح أن ينفذ به، وتسبح الرخامة إذا مسحها بيده كالحارث الدمشقي الذي خرج بالشام في زمن عبد الملك بن مروان، وكان يرى الناس رجالاً وركباناً على خيل في الهواء ويقول: هي الملائكة، وإنما كانوا جناً، ولما أمسكه المسلمون ليقتلوه طعنه الطاعن بالرمح فلم ينفذ فيه، فقال له عبد الملك: إنك لم تسم الله، فسمى الله فطعنه فقتله . ومن هؤلاء شيخ كان بمصر أوصى خادمه فقال: إذا أنا مت فلا تدع أحدا يغسلني، فأنا أجيء وأغسل نفسي، فلما مات رأى خادمه شخصاً في صورته، فاعتقد أنه هو دخل وغسل نفسه، فلما قضى ذلك الداخل غسله – أي غسل الميت - غاب، وكان ذلك شيطاناً، وكان قد أضل الميت وقال: إنك تجيء فتغسل نفسك، فلما مات جاء أيضاً في صورته ليغوي بعض الأحياء كما أغوى الميت قبل ذلك. ومنهم من يرى عرشاً في الهواء وفوقه نور، ويسمع من يخاطبه ويقول: أنا ربك، فإن كان من أهل المعرفة علم أنه شيطان فزجره واستعاذ بالله منه فيزول . إلى غير ذلك من تلاعب الشياطين بأتباعها. وهكذا فإن الشياطين لا تقوم بهذه الأمور لهؤلاء من الناس إلا إذا خرجوا عن الكتاب والسنة، وتكون إعانة الشياطين لهم بحسب قربهم أو بعدهم من الإسلام، فإذا وافق هؤلاء الإنس الجن على ما تختاره الجن من الكفر – كالإقسام عليهم بأسماء من يعظمونه من الجن وغيرهم، أو يكتبون القرآن بالنجاسات وما شابه ذلك – فإنهم يغورون له الماء وينقلونه إلى أماكن بعيدة، بسبب ما يرضيهم من الكفر، وقد يأتونه بما يهواه من امرأة أو صبي، أو يسرقون له بعض الأموال، وغير ذلك من أنواع الخدمة، وهذه لا تكون إلا بعد فساد عقائد هؤلاء, وكفرهم بالله, وطاعتهم للشياطين فيما يأمرونهم به . ومن هؤلاء الناس من يستغيث بصالح أو بقبر فينزل عليه من الهواء طعام, أو نفقة, أو سلاح أو غير ذلك، فيظنه كرامة، وإنما ذلك كله من الشياطين. ومن المشركين من كان يعبد الأصنام فيتخذها على صورة الأنبياء والصالحين، كما حصل مع قوم نوح من بعده، عندما أوحى إليهم الشيطان أن يصنعوا تماثيل لبعض الصالحين منهم – ممن توفاهم الله – ليتذكروهم، ثم مع مرور الأيام استدرجهم الشيطان فعبدوا هذه التماثيل ، قال الله تعالى عنهم: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالا} [ نوح: 23-24]. ومنهم من جعل التماثيل لأجل الملائكة والجن، و في واقع الأمر أنهم إنما يعبدون الشيطان، لأنه هو الذي زين لهم عبادتها، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} [ سبأ: 40-41].. والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)) ، و في الصحيحين عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني - يردني-، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله!! يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال: شيئاً.)) المبحث الثالث: مدى سلطان الشيطان على الإنسان بعض الناس يتصورون أن للشيطان تلك القدرة التي يستطيع بها أن يجبر الإنسان على ترك الطاعات وفعل المعاصي، ومن ثم فلا ذنب على الإنسان إذا قصر في طاعة الله أو فعل معصية من المعاصي، وهذا التصور إنما سببه الجهل بالقرآن الذي بين حقيقة الشيطان وأنه ليس له سلطان بقهر الإنسان على فعل المعصية أو يثبطه عن القيام بالطاعة، لأنه في هذا التصور يكون مشاركاً لله في القدرة على قهر العباد وجبرهم على ما يشاء, وهذا هو عين الشرك في الربوبية، ولو كان للشيطان مثل هذه السلطة لكان في ذلك مناقضة لتكليف الله للبشر, وفي ذلك مناقضة صريحة لما في القرآن الكريم, لأن التكليف مبني على قدرة الإنسان في اختيار الخير أو الشر, وإذا انتفى الاختيار عند الإنسان - بسبب إجبار الشيطان له على فعل المعاصي وترك الواجبات – لكان في ذلك بطلان التكليف من قبل الله للإنسان، وهذا الكلام لا يقول به إلا كافر أو جاهل، لأن بعث الله للرسل على مدار التاريخ إنما جاء لاختبار هذه الإرادة عند الإنسان، فإما أن يستجيب هذا الإنسان لداعي الله، وإما أن يستجيب لداعي الشيطان الذي يوسوس للإنسان ويزين له المعاصي، وعلى أساس هذه الاستجابة أو عدمها يكون جزاء الإنسان بالجنة أو النار. ولقد نفى القرآن أن يكون للشيطان سلطان على الكافرين فضلا عن المؤمنين يقهرهم أو بالحجة لما يدعوهم إليه، وبين القرآن حدود سلطان الشيطان على الكافرين، وأنه مجرد دعوة للكفر والمعاصي، واستجابة منهم له في ذلك. يقول الله عز وجل في هذا الشأن حاكياً عن الشيطان: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 22]. فهذا هو الشيطان في الآخرة يعلن في صغار وانكسار تخليه عن أتباعه الذين أطاعوه فيما زين لهم من المعاصي، ويوضح لهم أنه لم يكن له سلطان يجبر هؤلاء على ما كان سبباً في دخولهم جهنم. قال الإمام الشوكاني في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ} الآية. (أي وما كان لي تسلط عليكم بإظهار حجة على ما وعدتكم به وزينته لكم {إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}: أي إلا مجرد دعائي لكم إلى الغواية والضلال بلا حجة ولا برهان..، وقيل: المراد بالسلطان هنا: القهر، أي: ما كان لي عليكم من قهر يضطركم إلى إجابتي، وقيل: هذا الاستثناء هو من باب: تحية بينهم ضرب وجيع، مبالغة في نفيه للسلطان عن نفسه، كأنه قال: إنما يكون لي عليكم سلطان إذا كان مجرد الدعاء من السلطان، وليس منه قطع) . وهذه الأقوال بمجملها تدل على انتفاء السلطان من قبل الشيطان على أتباعه في الدنيا، وأن وظيفته كانت منحصرة في الدعوة إلى الغواية والضلال، وهذه الدعوة البراقة معراة عن الحجة والبرهان من جهة، وبعيدة عن القهر والسلطان من جهة أخرى، وإذا انتفى الأمران انتفت معهما دواعي الاستجابة لهذه الدعوة من قبل الشيطان، وبناء على ذلك فلا لوم ولا عتاب. قال الشوكاني: ({فَلاَ تَلُومُونِي} بما وقعتم فيه بسبب وعدي لكم بالباطل وإخلافي لهذا الموعد. {وَلُومُواْ أَنفُسَكُم} باستجابتكم لي بمجرد الدعوة التي لا سلطان عليها ولا حجة، فإن من قبل المواعيد الباطلة والدعاوى الزائفة عن طريق الحق فعلى نفسه جنى ولمآربه قطع، ولا سيما ودعوتي هذه الباطلة وموعدي الفاسد وقعا معارضين لوعد الله لكم وعد الحق, ودعوته لكم إلى دار السلام، مع قيام الحجة التي لا تخفى على عاقل ولا تلتبس إلا على مخذول. {مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}..ما أنا بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب, وما أنتم بمغيثي مما أنا فيه، وفيه إرشاد لهم إلى أن الشيطان في تلك الحالة مبتلى بما ابتلوا به من العذاب، محتاج إلى من يغيثه ويخلصه مما هو فيه، فكيف يطمعون في إغاثة من هو محتاج إلى من يغيثه؟ {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} لما كشف لهم القناع بأنه كافر بإشراكهم له مع الله من قبل هذا الوقت الذي قال لهم الشيطان فيه هذه المقالة، وهو ما كان منهم في الدنيا من جعله شريكاً، ولقد قام لهم الشيطان في هذا اليوم مقاماً يقصم ظهورهم ويقطع قلوبهم، فأوضح لهم: أولاً: أن مواعيده التي كان يعدهم بها في الدنيا باطلة، معارضة لوعد الحق من الله سبحانه، وأنه أخلفهم ما وعدهم من تلك المواعيد، ولم يف لهم بشيء منها. ثانياً: أنه أوضح لهم بأنهم قبلوا قوله بما لا يوجب القبول ولا يتفق على عقل عاقل لعدم الحجة التي لابد للعاقل منها في قبول قول غيره. ثالثاً: أنه أوضح: بأنه لم يكن منه إلا مجرد الدعوة العاطلة عن البرهان، الخالية عن أيسر شيء مما يتمسك به العقلاء. رابعاً: أنه نعى عليهم ما وقعوا فيه، ودفع لومهم له، وأمرهم بأن يلوموا أنفسهم، لأنهم هم الذين قبلوا الباطل البحت الذي لا يتلبس بطلانه على من له أدنى عقل. خامساً: أنه أوضح لهم: بأنه لا نصرة عنده ولا إغاثة، ولا يستطيع لهم نفعاً ولا يدفع عنهم ضراً، بل هو مثلهم في الوقوع في البلية والعجز عن الخلوص عن هذه المحنة. سادساً: بأنه صرح لهم بأنه قد كفر بما اعتقدوه فيه وأثبتوه له، فتضاعفت عليهم الحسرات، وتوالت عليهم المصائب) . وبهذا يتبين أن الله لم يجعل للشيطان سلطاناً على بني آدم، لتكون إرادة الناس حرة في اختيارها طريق الخير أو الشر، ومن ثم فليس له سلطان على الإنس في عقائدهم وتوجيه إرادتهم للأعمال السيئة، فإن ذلك مما لا سبيل له إليه. وإذا كان الشيطان قد أعلن بأنه لا سلطان له في إجبار الناس على المعاصي، ولا حجة له عليهم فيما يدعوهم إليه – وإنما يتحدد سلطانه في دعوتهم إلى الباطل وتزيينه لهم، حباً للفساد, وكيداً للإنسان، لعمق عداوته له منذ استكبر عن السجود لآدم – فمع من تثمر هذه الدعوة إذن بقبولها، ومن هم الذين يرفضونها في مقابل ذلك؟ لقد أجابنا القرآن الكريم على هذا السؤال في كثير من الآيات الكريمة قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [ النحل: 99 - 100]. وقال: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [ سبأ: 20-21]. وقال تعالى عن إبليس عليه اللعنة: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 39 - 42]. وقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} [ الإسراء: 65]. إن هذه الآيات التي سقناها تبين لنا أن دعوة الشيطان للضلال والفساد إنما تثمر مع الذين يعرضون عن ذكر الله, ويتركون السلاح الذي أمر الله بالتسلح به ضد وساوس الشيطان ومراوغاته التي لا تهدأ لجر هذا الإنسان إلى الهاوية، أما المؤمنون فقد عرفوا السلاح الذي به يقاومون هذا التسلط، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [ الأعراف: 201]. وقال: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [ الأعراف: 200]. والطائف هو الوسوسة أو مبدؤها، وهو إذا مس المؤمنين تذكروا فإذا هم مبصرون، فلا يقعون في فخ طاعته، قال محمد رشيد رضا: (والنفس الزكية الفطرة، المستقيمة لله تعالى بهداية الكتاب والسنة لا يكاد الشيطان يصلها، وإذا طاف بها طائف من وسوسته في حال الغفلة كان هو المذكر لها، فإذا هي مبصرة قائمة بما يجب عليها، فمثلها في عدم تأثير الوسوسة فيها أو عدم إفسادها لها كمثل البدن القوي في عدم استعداده لفتك جراثيم الأمراض به، كما أن النفس الفاسدة الفطرة بالشرك أو النفاق والمعاصي وسوء الأخلاق تكون مستعدة لطاعة الشيطان، كاستعداد البدن الضعيف والمزاج الفاسد لتأثير ميكروبات الأمراض، ومن الأرواح والأبدان ما ليس في منتهى القوة ولا غاية الضعف، فكل منها يتأثر بقدر استعداده، وتكون عاقبة السلامة إن كان أقرب إلى الصحة والقوة، والهلاك إن كان بضد ذلك) . فكلما قوي الإيمان كلما ازداد الشيطان بعداً، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((إيها يا ابن الخطاب: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك)) .. وقال أيضاً: ((إن الشيطان ليفرق منك يا عمر)) وقال: ((إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس فروا من عمر)) . وليس ذلك خاصاً بعمر، فإن من قوي إيمانه يقهر شيطانه ويذله كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إن المؤمن لينضي شياطينه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر)) . ثم إن بعض الذنوب التي يقع بها بعض المؤمنين لا تعتبر من قبيل تسلط الشيطان عليهم، لأنهم لا يستمرون على ذلك كما ذكرت الآيات القرآنية السالفة، قال الشوكاني في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] (المراد: أنه لا تسلط له عليهم بإيقاعهم في ذنب يهلكون به ولا يتوبون منه، فلا ينافي هذا ما وقع من آدم وحواء ونحوهما، فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة عنه، وقد استثنى سبحانه من عباده هؤلاء المتبعون لإبليس من الغاوين، الذي استسلموا لغواية الشيطان وإضلاله، وهو موافق لما قاله إبليس اللعين من قوله تعالى: {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 42]). وقال القرطبي في الآية المتقدمة {إِنَّ عِبَادِي}: (قال العلماء: يعني على قلوبهم، وقال ابن عيينة: أي في أن يلقيهم في ذنب يمنعهم عفوي ويضيقه عليهم، وهؤلاء الذين هداهم الله, واجتباهم, واختارهم, واصطفاهم. قلت: ولعل قائلاً يقول: قد أخبر الله عن صفة آدم وحواء عليهما السلام بقوله: {فأزلهما الشيطان} [البقرة: 36]. وعن جملة من أصحاب نبيه بقوله: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} [آل عمران: 155].؟ فالجواب ما ذكر، وهو أنه ليس له سلطان على قلوبهم ولا موضع إيمانهم، ولا يلقيهم في ذنب يؤول إلى عدم القبول، بل تزيله التوبة وتمحوه الأوبة). ثم إن قوله سبحانه: {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} يحتمل أن يكون خاصاً فيمن حفظه الله، ويحتمل أن يكون في أكثر الأوقات والأحوال، وقد يكون في تسلطه تفريج كربة وإزالة غمة، كما فعل ببلال، إذ أتاه يهدِّيه كما يهدَّي الصبي حتى نام، ونام صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس وفزعوا وقالوا: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس في النوم تفريط، ففرج عنهم)) . {إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} أي الضالين المشركين، أي سلطانه على هؤلاء دليله: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [ النحل: 99 - 100]. ومما تقدم يظهر لنا أن الذنوب التي تحصل من المؤمنين لا تحدث بسبب أن للشيطان سلطاناً عليهم، لأنها ذنوب يتبعها التوبة والاستغفار، فيعودون أقوى مما كانوا عليه من الإيمان، وسلطان الشيطان على الكافرين إنما يكون بسب استمرارهم على فعل المعاصي، حيث قد جعلوا للشيطان سبيلاً إلى قلوبهم، فلا يقلعون من معصية إلا عادوا لها أو أشد قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: 83]. وقال: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19]. وقال: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]. وقال: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [فصلت: 25]. وغير ذلك من الآيات. فهذه الآيات قد دلت على أن الشياطين إنما تتسلط على الكافرين بسبب متابعتهم لها فيما تزين لهم من المعاصي، لأنهم لم يلجأوا إلى الله في دفعها عنهم، فخلى الله بينهم وبينها، فأزعجتهم إزعاجاً من الطاعة إلى المعصية، وأغرتهم إغراء بالشر، فلا يفترون قائلين لهم: امضوا في هذه المعاصي، حتى توقعهم في النار، فهؤلاء هم القرناء من الشياطين الذين تحدثت عنهم الآيات القرآنية كقوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [ فصلت: 25]. قال الطبري:(أي بعثنا لهم نظراء من الشياطين فجلعناهم قرناء قرناهم بهم يزينون لهم قبائح أعمالهم، فزينوا لهم ذلك) . وهؤلاء القرناء يصاحبون أصحاب المعاصي في الدنيا فيمنعونهم من فعل الطاعات، ويحضونهم على فعل المعاصي، ثم يصاحبونهم عندما يقومون من قبورهم في الآخرة، كما ذكر الإمام القرطبي . فهؤلاء الكفرة هم الذين استحوذ عليهم الشيطان فغلبهم وقوى عليهم وأحاط بهم، فلا يستطيعون التفلت منه بعد أن سلموا أنفسهم له يتصرف بها كيفما يريد، فلا عذر لهم في متابعتهم له، لأنه ليس له عليهم أي سلطان يجبرهم على طاعته، إنما الخور في نفوسهم هو الذي جعلهم يقعون في شراك وسوسته، كما حصل مع الذي انسلخ من آيات الله في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [ الأعراف: 175 - 176]. وقد ذكر بعض المفسرين أنه بلعم بن باعوراء رجل من بني إسرائيل كان قد أوتي النبوة، وكان مستجاب الدعوة، فلا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، وذكر بعضهم أنه أمية بن أبي الصلت، كان قد قرأ كتب أهل الكتاب التي تبشر بمجيء الرسول عليه الصلاة والسلام، فكفر به عندما بعث، وغير ذلك من الأقوال في شأن هذا الرجل . قال الإمام الطبري: (والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله – تعالى ذكره – أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلو على قومه خبر رجل كان آتاه حججه وأدلته وهي الآيات.. وجائز أن يكون الذي أتاه الله ذلك بلعم، وجائز أن يكون أمية) . لكن هذا الرجل خرج من الآيات التي آتاه إياها فلم يعد له صلة بها، فأتبعه الشيطان، أي: صيره تابعاً وقريناً له ينتهي أمره في معصية الله، ويخالف أمر ربه في معصية الشيطان وطاعة الرحمن، فأصبح من المتمكنين في الغواية وهم الكفار، ولو شاء الله لرفعه بهذه الآيات التي أعطيها منزلة عظيمة، ولكن الله لم يشأ ذلك لأنه مال إلى الدنيا ورغب فيها وآثرها على الآخرة، واتبع ما يهواه وترك العمل بما يقتضيه العلم الذي علمه الله، فأصبح كالكلب يلهث في كل أحواله: في الصحة والمرض، والراحة والتعب، فهذا الرجل لا يرعوي عن المعصية في جميع أحواله سواء وعظه الواعظ, وذكره المذكر, وزجره الزاجر، أو لم يقع شيء من ذلك فهو مستديم على فعل المعصية بتركه لآيات الله واتباعه للشيطان . فهذا المثل ضربه الله لكل من يتلو القرآن أن يعتبر بهذا الرجل الذي انسلخ من آيات الله، فصار أمره إلى ما صار من اتباع الشيطان له، فإن كل من يعرض عن آيات الله يؤول مصيره إلى مثل ما صار إليه ذلك الرجل، و في ذلك دلالة على تخلي الله عن المكذبين بآياته وتركهم فريسة للشيطان يوجههم كيف شاء كما في قوله تعالى: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [ الأنعام: 71]. فالذين يعرضون عن الله تستهويهم الشياطين، فيسارعون إليها في معصيتهم لله، فيصبحون حيارى تائهين في الأرض ، وهي صورة بليغة رسمها القرآن لكل معرض عن هدى الله سبحانه وتعالى. وهكذا يتبين لنا أنه لا سلطان للشيطان على الناس، وإنما استجاب له بعضهم بمجرد دعوته إياهم، جرياً وراء أهوائهم وأغراضهم وشهواتهم، فهم الذين أعانوا على أنفسهم ومكنوا عدوهم من سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته، فلما أعطوا ما بأيديهم واستأسروا له، سلط عليهم عقوبة لهم، وبهذا يظهر معنى قوله سبحانه: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141]، فالآية على عمومها وظاهرها، وإنما المؤمنون يصدر منهم المعصية والمخالفة التي تضاد الإيمان ما يصير به للكافرين عليهم سبيل بحسب تلك المخالفة، فهم الذين تسببوا إلى جعل السبيل عليهم، كما تسببوا إليه يوم أحد بمعصية الرسول ومخالفته، والله سبحانه لم يجعل للشيطان على العبد سبيلاً حتى جعل له العبد سبيلاً إليه بطاعته والشرك به، فحينئذ له عليهم تسليط وقهر، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فالتوحيد والتوكل والإخلاص يمنع سلطانه، والشرك وفروعه توجب سلطانه، والجميع بقضاء من الله ومردها إليه . الأنبياء وعصمتهم من الشياطين: وإذا لم يكن للشيطان سلطان على المؤمنين لأخذهم بالأسباب التي تدفع كيده ووسوته فمن باب أولى أن لا يكون له تسلط على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنهم أكمل الناس إيماناً، وأبعدهم عن طاعة الشيطان، وهم الذين عصمهم الله من ذلك، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي: إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير)) . فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن مع كل إنسان قريناً من الملائكة وقريناً من الجن، فالقرين من الملائكة يأمر بالخير، والقرين من الجن يأمر بالشر ولكن قرين الرسول عليه الصلاة والسلام من الجن أسلم إسلاماً حقيقياً كما عليه أكثر العلماء، فلا يأمره إلا بخير، وبقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من فتنة الشيطان وتسلطه، لأن تسليط الشيطان عليهم يناقض ما تقتضيه النبوة من كونهم قدوة للعالمين وأئمة للمهتدين. وأما ما ورد خطاباً لنبينا عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: {وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]. فإن هذا النسيان الذي حصل بسبب إنساء الشيطان له لا يعتبر من قبيل التسلط على الناس واستحواذه عليه بالإغواء والإضلال الذي نفاه الله عن أنبيائه وعن عباده المخلصين..، وقد ينسي الإنسان خيراً باشتغال فكره بخير آخر . وقد قيل: إن هذا الخطاب وإن كان ظاهراً للنبي صلى الله عليه وسلم فالمراد التعريض لأمته، لتنزهه عن أن ينسيه الشيطان. وقيل: لا وجه لهذا، فالنسيان جائز عليه كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة، قال عليه الصلاة والسلام: ((إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)) . وهذا النسيان كما تقدم ليس مما يكون به للشيطان سلطان. وكذلك ما ورد من إنساء الشيطان للنبي يوسف عليه السلام وهو في السجن في قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [ يوسف: 42]. فأنساه الشيطان ذكر ربه، إذ أمر الناجي من صاحبيه في السجن بذكره عند الملك ابتغاء الفرج من عنده على أحد القولين، فكان نتيجة ذلك أن لبث في السجن بضع سنين، فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنه قوله عن يوسف: (ولولا الكلمة لما لبث في السجن طول ما لبث، حيث يبتغي الفرج من عند غير الله عز وجل) . فنسيان يوسف عليه السلام ذكر ربه في السجن ليس من جنس تسلط الشيطان على أنبيائه، لأنهم معصومون من ذلك، وما يقع منهم من نسيان لا يستمرون عليه، بل يتذكرون ويستغفرون كما في قوله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [24: ص]. وفي قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ 34: ص ]. وأما وقوع النسيان من الأنبياء عليهم السلام بغير وسوسة من الشيطان فلا وجه للخلاف في جوازه، قال تعالى لخاتم رسله: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [ الكهف: 24]. وأما قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو هريرة: ((ما من مولود إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها))، ثم يقول أبو هريرة: (واقرءوا إن شئتم: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [ آل عمران: 36]) . فإنه لا يفيد تسلط الشيطان على الإنسان وإغواؤه له، قال ابن حجر العسقلاني: (والذي يقتضيه لفظ الحديث لا إشكال في معناه، ولا مخالفة لما ثبت من عصمة الأنبياء، بل ظاهر الخبر أن إبليس ممكن من مس كل مولود عند ولادته، ولكن من كان من عباد الله المخلصين لم يضره ذلك المس أصلاً، واستثنى من المخلصين مريم وابنها، فإنه ذهب يمس على عادته فحيل بينه وبين ذلك، فهذا وجه الاختصاص، ولا يلزم منه تسلط على غيرهما من المخلصين ). ولو قدر الشيطان على المولود بأكثر من المس عند الولادة إلى الإفساد والغواية معه لفعل ذلك، ولكنه يعلم أن المولود لا يعرف الخير والشر أصلاً، فاكتفى بمسه عند الولادة. [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية