الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35441" data-attributes="member: 329"><p>وقال القرطبي: (ولا يلزم من هذا أن نخس الشيطان يلزم منه إضلال الممسوس وإغواءه، فإن ذلك ظن فاسد، فكم تعرض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء, ومع ذلك عصمهم الله مما يرومه الشيطان كما قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [ الحجر: 42]. هذا مع أن كل واحد من بني آدم قد وكل به قرينه من الشياطين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمريم وابنها وإن عصما من نخسه فلم يعصما من ملازمته لهما ومقارنته والله أعلم) .</p><p>وبناء على ما تقدم يظهر لنا أن عمل الشيطان إنما ينحصر بالوسوسة والدعوة إلى الضلال، فالأنبياء والمؤمنون قد أخذوا بالأسباب التي ترد وسوسته كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]. فإذا هم منتبهون حذرون من وسوسته {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} [ الأعراف: 202]. </p><p>وإما إخوان الشياطين وهم الفجار من ضلال الإنس، فإن الشياطين تمدهم في الغي وتكون مدداً لهم، وهي لا تقصر في مد الكفرة بهذا الغي والضلال، وفي التعبير بإخوانهم في الآية ما يشير إلى أن هؤلاء الكفرة والعصاة بمتابعتهم للشياطين فيما تزين لهم من المعاصي قد أصبحوا إخواناً لها) فنسأل الله السلامة والعافية.. </p><p>الفصل السادس: الجن وعلم الغيب</p><p>المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء</p><p>كان الجن قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم يسترقون أخباء السماء، وهو ما يوحيه الله لملائكته، وأصل ذلك قوله تعالى إخباراً عنهم: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [ الجن: 9]. </p><p>قال القرطبي: (كان الجن يقعدون مقاعد لاستماع أخبار السماء، وهم المردة من الجن، كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة، فحرسها الله بالشهب المحرقة، فقالت الجن حينئذ: {فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا}) .</p><p>ويبين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر في حديثه الذي رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الملائكة تتحدث في العنان - والعنان الغمام - بالأمر يكون في الأرض، فتستمع الشياطين فتقرها في أذن الكاهن كما تقر القاروة، فيزيدون معها مائة كذبة)) .</p><p>ومن ذلك أيضاً ما أخرجه البخاري قال: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان، حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا:ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ووصف سفيان بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا: يوم كذا، كذا وكذا! فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء)) .</p><p>و في رواية عند مسلم في صحيحه: ((تلك الكلمة من الحق يحفظها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة, فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة)) .</p><p>وهكذا فإن الجن كان يستمعون لأخبار السماء، ثم يلقون ذلك إلى الكهان من الإنس، فيزيدون على الكلمة مائة كذبة من عندهم، فيصدق الناس ذلك، قال الماوردي: (فأما استراقهم للسمع فقد كانوا في الجاهلية قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم يسترقونه، ولذلك كانت الكهانة في الإنس لإلقاء الجن إليهم ما استرقوه من السمع في مقاعد لهم، كانوا يقربون فيها من السماء كما قال تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [ الجن: 9]) .</p><p>وقال ابن جزى الكلبي في تفسير قوله تعالى: {إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [ الصافات: 10]. (والمعنى: لا تسمع الشياطين أخبار السماء، إلا الشيطان الذي خطف الخطفة) .</p><p>وقد اختلف العلماء في استراق الجن للسمع بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم: </p><p>1- فقال قوم: إن استراق الجن لأخبار السماء قد زال بمبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك زالت الكهانة. </p><p>2- وقال آخرون: إن استراقهم باق بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام .</p><p>واختلفوا كذلك في أن الجن هل كانوا يرمون بالشهب قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا؟ </p><p>أ- فقال قوم: لم تكن ترمى الجن قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام. وقد نسب النسفي هذا القول للجمهور فقال: (والجمهور على أن ذلك لم يكن قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم) .</p><p>قال القرطبي: (وقال الكلبي وقوم: لم تكن تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما وسلامه خمسمائة عام، وإنما كان من أجل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث منعوا من السموات كلها وحرست بالملائكة والشهب، ومنعت من الدنو من السماء، وبه قال عطية العوفي عن ابن عباس، وهذا قول عبد الله بن سابور. وقال نافع بن جبير: كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رميت بالشهب) .</p><p>ومما يؤيد هذا القول ما ورد عن ابن عباس قال: (كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعاً، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوه فيكون باطلاً، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس – ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك – فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي بين جبلين – أراه قال: بمكة – فلقوه فأخبروه فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض) .</p><p>وذكر القرطبي وجها آخر عن ابن عباس قال: (وقد كانت الشياطين لا يحجبون عن السماء، فكانوا يدخلونها ويلقون أخبارها على الكهنة، فيزيدون عليها تسعاً، فيحدثون بها أهل الأرض، الكلمة حق والتسع باطل، فإذا أرادوا شيئاً مما قالوه صدقوهم مما جاءوا به، فلما ولد عيسى بن مريم عليهما السلام منعوا من ثلاث سماوات، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها، فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب) .</p><p>و في هذا دليل على أن الشياطين لم تكن ترمى بالشهب قبل بعثته عليه الصلاة والسلام. </p><p>وتمسك من قال بأن الشهب لم يكن يرمى بها أيضاً قبل بعثة الرسول عليه السلام بظاهر قوله تعالى: {فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [الجن: 9]. </p><p>إذ قد دل على أن الجن لم تكن ترمى قبل المبعث حيث رتب الرمي على الاستماع بعد المبعث. </p><p>وقد أنكر الجاحظ الرمي قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم, وأنكر كل شعر ورد في الرمي فقال: (كل شعر روي فيه فهو مصنوع) .</p><p>ب- وقال ابن قتيبة: إن الرجم كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة، وكانوا يسترقون في بعض الأحوال، فلما بعث منعوا من ذلك أصلاً. </p><p>فعلى هذا القول يكون حمل الجن على الضرب في الأرض وطلب السبب –أي السبب الذي من أجله منعوا من استراق السمع – إنما كان لكثرة الرجم، ومنعهم عن الاستراق بالكلية .</p><p>وقيل: إنما زاد الرمي إنذاراً بمبعث الرسول عليه الصلاة والسلام .</p><p>المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس</p><p>إن العلوم والأخبار التي يلقيها الجن إلى الإنس يمكن تقسيمها إلى قسمين: </p><p>القسم الأول: ما يتعلق بالأمور الغيبية. </p><p>القسم الثاني: ما يتعلق بالعلوم والأخبار التي تتعلق بالأمور المشهودة, أو الإخبار عن الوقائع الماضية. </p><p>أما بالنسبة للقسم الأول فيمكن تقسيمه إلى قسمين: </p><p>أ- أن تكون من الغيبيات التي استأثر الله بعلمها. </p><p>ب- أن تكون من المغيبات التي قضى الله أمرها في السماء وأصبحت معلومة لذوي الاختصاص من الملائكة أو من البشر، مما يطلع الله عليه من شاء من رسله. </p><p>أما بالنسبة للقسم الأول: ... أنه من اختصاص الله، ولا يمكن لأي مخلوق في هذا العالم أن يعرف عنه شيئاً، سواء كان في ذلك الملائكة أو الجن أو الإنس، لأن الآيات القرآنية قد أخبرت أن علم ذلك لله وحده دون سواه، ولا يكون التحدث عن شيء من هذا الغيب إلا من قبيل الافتراء على الله، وهو يناقض الإيمان، ومدعيه كافر، لمعارضته الآيات القرآنية الدالة على اختصاص الله بذلك قال تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59] وقال: {قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65].</p><p>أما بالنسبة للثاني: وهو المغيبات التي قضى الله أمرها في السماء، وأصبحت معلومة لذوي الاختصاصات من الملائكة أو من البشر... إلخ. </p><p>فقد تقدمت فيه الأحاديث من أن الله إذا قضى الأمر في السماء، بأن يتكلم بالأمر الذي يوحيه إلى جبريل بما أراده، فيلخص هذا القول ويمضي في الملائكة حتى يفزعوا منه، فيعلمون أن الله لا يقول إلا الحق، فيسمع مسترق السمع من الجن الكلمة، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقي الكلمة، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها الكاهن مائة كذبة .</p><p>وفي الأحاديث الواردة بهذا الصدد دليل على أن الجن يسترقون السمع من الملائكة، وكانوا يقذفون بالشهب خصوصاً بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. </p><p>فما تسمعه الملائكة بعد إلقاء الأمر إلى جبريل قد خرج عن الغيب الذي اختص به الله، إذ علمت به الملائكة، فعندئذ تحاول الجن استماع ذلك، فربما يسمعون كلمة، وربما لا يسمعون، لأن الشهب لهم بالمرصاد. </p><p>وأما قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26]. فقد قال القرطبي:</p><p>(اختص الله بعلم الغيب فهو له وحده، إلا ما شاء الله من اطلاع بعض الرسل، لأنهم مؤيدون بالمعجزات، ومنها الإخبار عن بعض الغائبات، وقال العلماء رحمهم الله تعالى: لما تمدح الله سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم, ودلالة صادقة على نبوتهم، وليس المنجم ومن ضاهاه، ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه) .</p><p>والآية لا تناقض ما تقدم من الأحاديث الدالة على استراق للسمع بعد أن يلقي الله كلامه إلى جبريل، لأن الجن قد منعوا من استراق السمع أصلاً، وما يستمعونه عندئذ لا يعتبر غيباً بالنسبة للملائكة ولمسترق السمع، كما حصل مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن صياد المتقدم.</p><p>ومضمون الاستدلال في الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين كذب ابن صياد وأن ما يقوله هو من الكهانة، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد خبأ له سورة الدخان فأخبره شيطانه الذي يأتيه ببعض حروفها، لأنه لم يقدر أن يستطلع إلا ذلك، ولن يقدر على أكثر منه، لأن الله قد حفظ رسله من الشياطين بما أرصده لهم من الملائكة الذين يحرسونهم من الشياطين عن أن يتشبهوا بصور الملك، فإذا جاء أحدهم شيطان في صورة ملك قالوا: هذا شيطان فاحذره، وان جاء الملك قالوا: هذا رسول ربك .</p><p>دلالة موت النبي سليمان عليه السلام على عدم معرفة الجن علم الغيب.</p><p>قصه موت النبي سليمان عليه السلام فيها دليل على أن الجن لا يعلمون الغيب، كما أخبر القرآن بذلك، قال تعالى: </p><p>{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}[ سبأ: 14].</p><p>قال القرطبي في تفسير الآية: (أي: فلما حكمنا على سليمان بالموت حتى صار كالأمر المفروغ منه ووقع به الموت, وذلك أنه كان متكئاً على عصا فانكسرت به بسبب أكل الأرضة لها – وهي دابة صغيرة تأكل الخشب – فوقع ميتا – فعلم موته بذلك، فكانت الأرضة دالة على موته، وكان قد سأل الله تعالى أن لا تعلم الجن بموته حتى تمضي عليه سنة) .</p><p>وقد ذكر المفسرون أوجهاً لسبب طلب سليمان عليه السلام من ربه أن يعمي موته على الجن: </p><p>فقال جماعة منهم: إنه طلب ذلك حتى يري الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، بخلاف ما كانوا يظنونه من أن الجن تعلم ذلك، وقد كانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب أشياء، وأنهم يعلمون ما في غد. </p><p>وقال آخرون: إن طلبه ذلك إنما كان لأن داود عليه السلام قد أسس بيت المقدس، فمات ولم يتمه، فأوصى سليمان بإتمام بنائه، فأمر سليمان الجن باتمام بنائه، فلما دنا أجله قال لأهله: لا تخبروهم بموتي حتى يتموا بناء المسجد، وكان قد بقي لاتمامه سنة، فلبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلي، واتكأ على عصاه فمات، ولم تعلم الجن إلى أن مضت سنة وتم بناء المسجد .</p><p>واستنكر بعض المفسرين أن يمكن سليمان عليه السلام هذه المدة الطويلة – وهي سنة – دون أن يعلم به أحد من رعيته، وهو أمر لا يمكن أن يحدث مع إنسان عادي، فكيف يكون بنبي يكون له هذا الملك الواسع!.</p><p>وبناء عليه فقد اعتبر هذا النفر أن معنى الآية: أن سليمان حين حان أجله وقضى الله عليه الموت – أي أوجب عليه الموت حين جاء وقته، كان سليمان حين مات قائماً بين الجن وهم بين يديه يعملون له – لم يعلموا بموته، وظلوا يعملون فيما أمرهم به، لم يدلهم على أنه قد مات إلا دابة الأرض التي كانت تأكل منسأته – أي عصاه – التي كان يتكئ عليه. فلما عبثت دابة الأرض بالعصا، زايلت موضعها وسقطت على الأرض، وخر سليمان على الأرض كذلك، وهنا علم الجن أن سليمان قد مات، فأخلوا مكانهم ومضوا إلى حيث يشاءون، ولو كانوا يعلمون الغيب لعلموا أن سليمان قد مات ولو كان بعيداً عنهم، فكيف وهو تحت سلطانهم وبصرهم؟! .</p><p>وربما كان السوس مسلطاً على العصا التي يحملها وهو لا يدري، فكان متكئاً عليها في مجلس من مجالسه، لم تتحمل طول اتكائه عليها، فانكسرت به حين مات، وثقل جسمه كما هو الشأن في كل ميت، وكانت الجن تمر عليه فتحسبه أنه في غفوة أو في سنة من النوم .</p><p>وبناء على هذا القول في تفسير الآية فإن سليمان عليه السلام ما كان ليمكث هذه المدة الطويلة لا يعلم به أحد من رعيته، حتى تكون الأرضة هي التي كشفت ذلك بأكلها للعصا التي كان يتكئ عليها, وقد كان ميتاً قبل سقوطه بزمن طويل. </p><p>وعلى الرغم من اختلاف الأقوال في المدة التي أمضاها سليمان ميتاً قبل علم الجن به، إلا أنها تتفق جميعاً على أن موته كان برهاناً على أن الجن مع ما لهم من القدرة على التنقل السريع بين أماكن نائية والانطلاق في آفاق فسيحة، فإنهم لا يعلمون الغيب، وذلك من خلال موت سليمان عليه السلام، بخلاف ما كانت تظن الجن ويظن الإنس كذلك، أنهم أقدر من الإنسان على النظر البعيد الذي يكشف ما سيأتي به الغد بالنسبة للإنسان، فعلم الغيب لله وحده. </p><p>القسم الثاني: وهو ما يتعلق بالعلوم والأخبار التي تتعلق بالأمور المشهودة, أو الإخبار عن الوقائع الماضية. </p><p>بالنسبة لهذا القسم فإن الجن يمكن أن تخبر به الإنس، لأن الجن عندهم القدرة على الانطلاق في آفاق فسيحة, والتنقل بين الأماكن البعيدة، لما ميزهم الله بذلك عن الإنسان، فمثلاً: قد يسافر رجل من بلد إلى بد آخر, ويحمل بعض الأغراض معه، فإن الجن بحكم تنقلهم السريع يمكن أن يخبروا شخصاً آخر ممن يتصلون به عن الساعة التي تحرك فيها، و في أي شيء يركب، وما هي الأغراض التي يحملها فيكون هذا بالنسبة للإنسان غيباً من الغيوب لكونه لم يشاهده، ولم يبلغه بطريق من طرق العلم المعتادة، وأما بالنسبة للجن فهو واقع محسوس، وهو في واقع الأمر ليس من علم الغيب، وإنما هو مشاهدة، حيث كان عن واقع محسوس يراه الجن رأي العين، فهو حضور بالنسبة للجن, ولكنه غيب بالنسبة للإنسان البعيد عن موقع الحدث، حيث يرى الجن – ولا نرى نحن البشر – ما وراء الأبواب الموصدة أو الجدر القائمة ونحوها .</p><p>وقد يخبرون الإنس عن الوقائع الماضية بحكم أعمارهم الطويلة التي تزيد على أعمار الإنس، فقد يخبرون شخصاً يعيش اليوم عن حدث وقع قبل مائة عام أو أكثر، وقد يموت الميت ويبقى قرينه من الجن، فيخبرون عن أحوال الميت، وقد حصل من ذلك الكثير كما ذكر ابن تيمية .</p><p>وهذا الإخبار من قبل الجن للإنس عن الأحوال الماضية والأمور المغيبة عن الإنسان قد يكون الجني فيها صادقاً وقد يكون كاذباً، إذ أن في الجن من يشبهون الإنس في الصدق والكذب، بل إن صفاتهم بشكل عام تفوق صفات الإنس سوءا. </p><p>ومن جهة أخرى فإنه لا يصح الوثوق بشيء من أخبارهم لانعدام مقاييس تحديد الصادقين والكاذبين منهم بالنسبة إلينا، لكونه عالماً مغيباً عنا، ولفجور من تلقي إليهم الجن بهذه الأخبار، فيذيعونها بدورهم بين الناس، مع ما يصطنعونه من قبل أنفسهم من الكذب. </p><p>وكثير من الناس في الجاهلية من كانت الجن تخبرهم ببعض الأمور التي تغيب عن الإنس. </p><p>قال ابن تيمية: (والأسود العنسي الذي ادعى النبوة كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأمور المغيبة، فلما قاتله المسلمون كانوا يخافون من الشياطين أن يخبروه بما يقولون فيه، حتى أعانتهم عليه امرأته لما تبين لها كفره فقتلوه، وكذلك مسيلمة الكذاب كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات, ويعينه على بعض الأمور. وأمثال هؤلاء كثيرون) .</p><p>وقال في موضع آخر: (والشيطان يضل بني آدم بحسب قدرته من فمن عبد الشمس والكواكب، كما يفعل أهل دعوة الكواكب، فإنه ينزل عليه الشيطان يخاطبه ويحدثه ببعض الأمور، ويسمون ذلك: روحانية الكواكب وهو شيطان. </p><p>والشيطان وإن أعان الإنسان على بعض مقاصده فإنه يضر أضعاف ما ينفعه، وعاقبة من أطاعه إلى شر، إلا أن يتوب الله عليه، وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم الشياطين، وكذلك من استغاث بميت أو غائب) .</p><p>ومن هذا القبيل ما يخبر به بعض من يتصلون بالجن في الوقت الحاضر، حيث تخبرهم الجن عن بعض الوقائع التي تجري في أماكن بعيدة لا يراها الإنس، أو قد يخبرون عن اسم الشخص وما يتعلق بأحواله مما لا يعلمه إلا هو أو بعض المقربين له، فيخبره بهذه الأمور الجني الذي يأتيه، ثم يقوم الشخص بدوره بإخبار ذلك إلى بعض من يدخلون عليه، فيدهش الإنسان لهذه الأمور، وإنما هي في الواقع غيب بالنسبة له، ولمن لا يعلم ذلك من بني جنسه من الإنس الذي لا يعلمون مثل ذلك، ولكنها أمور مشهودة بالنسبة للجن، ووظيفتهم في هذه الحالة نقل هذه الأمور إلى من يخدمونهم من الإنس مقابل طاعتهم لهم، ولذلك فإنك تجد أكثر الذين يتعاملون من الجن مع الإنس تاركين للصلاة والعبادات الأخرى، مهينين للقرآن الكريم، كأن يكتبوه بنجاسة، أو يقلبون بعض الآيات القرآنية، أو يقرأون ويكتبون بعض الطلاسم والأدعية غير مفهومة المعنى، مما يرضاه الجن الكفرة مقابل جلب سحر، أو منع شخص عن زوجته، وغير ذلك مما هو واقع ومشاهد في كل عصر. </p><p>ومن هؤلاء من يشترط على الداخل عليهم من الإنس أن لا يقرأ القرآن ولا يذكر اسم الله تعالى، وذلك لأن الشياطين التي يتعاملون معها تهرب عند قراءة القرآن أو سماع ذكر الله، قال ابن تيمية: </p><p>(ولهذا من يكون إخباره عن شيطان فإنه لا يكاشف أهل الإيمان والتوحيد وأهل القلوب المنورة بنور الله، بل يهرب منهم, ويعترف أنه لا يكاشف هؤلاء وأمثالهم، وتعترف الجن والإنس – الذين خوارقهم بمعاونة الجن لهم – أنهم لا يمكنهم أن يظهروا هذه الخوارق بحضرة أهل الإيمان و القرآن, ويقولون: أحوالنا لا تظهر قدام الشرع والكتاب والسنة، وإنما تظهر عند الكفار والفجار، وهذا لأن أولئك أولياء الشيطان, ولهم شياطين يعاونون شياطين المخدومين, ويتفقون على ما يفعلونه من الخوارق الشيطانية) .</p><p>فليحذر المسلم الدخول على أمثال هؤلاء، وليعلم أن الذي يخبرون به ليس من علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وإنما هو من الأمور المشهودة للجن والغائبة عن الإنس. </p><p>وإذا كانت الشياطين تخبر الكهان – وأمثالهم ممن يتصلون بالجن ويتعاملون معهم – ببعض الأمور، وقد يكون ذلك صادقاً أو كاذباً، فإنه لا يجوز تصديقهم أو إتيانهم ... وينبغي أن يعلم أن ما تخبر به الأنبياء من الأمور المشهود ليس مما تقدر عليه الشياطين، وإن قدر أنه من جنس ما تقدر الشياطين عليه، فالمميز في هذه الحال بين النبي والكاهن اختلاف حاليهما قولاً وعملاً. </p><p>وكذلك بالنسبة للإخبار بالأمور المشهودة، قد تخبر الأنبياء به مالا تقدر الشياطين على الإخبار به كما قال تعالى عن عيسى عليه السلام: {وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 49].</p><p>قال أبو السعود في تفسيره: (أي أخبركم بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها) .</p><p>وقال ابن تيمية: (وبالنسبة للإخبار بالأمور المشهودة والوقائع الماضية فإن الأنبياء عليهم السلام يخبرون منه بما لا يمكن للشياطين أن تخبر به، كما في إخبار المسيح في قوله تعالى: {وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} [آل عمران: 49]، فإن الجن قد يخبرون بما يأكله بعض الإنس وبما يدخرونه، لكن الشياطين إنما تتسلط على ما لم يذكر اسم الله عليه، كما إذا دخل الإنسان بيته فإنهم يدخلون معه، وإذا أكل ولم يسم فإنهم يأكلون معه، أو قد يدخر الإنسان شيئاً ولا يذكر اسم الله عليه، فإن الجن تعرفه، وقد تسرق الجن بعض الأموال أو المتاع مما لم يذكر اسم الله عليه. </p><p>وأما من ذكر اسم الله على ما تقدم فإنه لا سلطان للجن على ذلك بسرقته أو معرفة مكانه، والمسيح عليه السلام كان يخبر المؤمنين بما يأكلون ويدخرون مما ذكر اسم الله عليه والجن لا تعلم به) .. </p><p> </p><p>الفصل السابع: الجن ودعوى تحضير الأرواح</p><p>تمهيد</p><p>طالما سمعنا في هذا القرن عن تحضير الأرواح، حيث ملأت هذه الفكرة الدنيا بضجيجها، وانتشرت انتشاراً سريعاً في الشرق والغرب، وعقدت لها المجالس والمحاضرات والندوات، وألفت فيها كثير من الكتب والمجلات، وأنشئت لها المدارس والجامعات، وآمن بها الكثير في الشرق والغرب من المسلمين وغيرهم، وخاض أنصارها معارك كلامية، ودافعوا فيها عن فكرتهم أمام المنكرين، ومازلنا نعيش آثارها في أيامنا هذه، ونقرأ الكثير عنها.</p><p>فكرة مجملة عن تحضير الأرواح: </p><p>كانت بداية نشأة هذه الفكرة في أمريكا، حيث حصل سنة 1846م أن رجلاً اسمه فيكمان يسكن في قرية هيد سفيل من مقاطعة نيويورك قد سمع ذات ليلة طرقات متعددة على أرض بيته، فذهب ليكتشف الفاعل، فأعيته الحيلة، فصبر على مضض، ولكنه قام ذات ليلة منذعراً من صراخ ابنة صغيرة له، فسألها عما نابها، فزعمت أنها أحست بيد مرت على جسمها وهي في سريرها، فلم ير الرجل بداً من هجر منزله، فخلفه فيه رجل متنور يقال له جون فوكس، فحصل لعائلته ما حصل لسابقتها من الأصوات التي لا تجعل للنوم مساغاً من الجفون، فكانت زوجة جون فوكس تنادي جيرانها، وتستعين في البحث عن الفاعل، فلم يهتدوا إليه، فتجاسرت هذه المرأة ذات ليلة وقالت لذلك الطارق: أحدث عشر طرقات، ففعل، فقالت له: كم عمر ابنتي كاترينه؟ فطرق طرقات على قدر سني عمرها، ثم قالت له: إن كنت روحاً فأحدث طرقتين أيضاً، فأحدثهما، ولم تزل به المرأة حتى علمت بواسطة الطرق أنها روح رجل كان ساكناً في ذلك البيت، فقتله جاره ليسرق ماله ودفنه فيه، فلم يسع زوجة فوكس، إلا استحضار الجيران واستجواب الروح أمامهم، فأجابت بما جعلهم مندهشين مقتنعين في آن واحد، فكان الحال كما أخبرت الروح. </p><p>وقد ضبطت الحكومة الأمريكية هذه الواقعة، وأجرتها مجراها القانوني وكلفت لجنة بدراسة هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر التي كانت تحدث بين وقت وآخر، وبحثها القانوني الشهير أدمون، فاعتقد صحتها وألف فيها كتاباً ضخماً سنة 1865، وتبعه الأستاذ مايس أستاذ الكيمياء في المجمع العلمي الأمريكي، فنسب حصولها لأرواح الموتى. </p><p>ولكن الأمر الذي أحدث الدوي الكبير هو اعتقاد الأستاذ روبيرهار بهذا المذهب، وتأليفه فيه كتاباً سماه الأبحاث التجريبية على الظواهر الروحية، فانتشب الصراع من ذلك اليوم بين المصدقين والمكذبين، ولم يبق عالم ولا كاتب ولا كاهن، إلا وألقى بنفسه في تلك المعمعة، فانتقل هذا المذهب بعد ذلك إلى إنجلترا، ووجد له أنصاراً يدافعون عنه، وعلى رأس هؤلاء أحد رؤساء الجمعية الملكية الانجليزية كروركس، ثم أخذ المذهب بالانتشار إلى أقطار العالم، وأصبح له ملايين من الأتباع وأكثر من مائتي مجلة تدافع عنه وتنشره .. </p><p> المبحث الأول: علاقة الجن بتحضير الأرواح</p><p>لقد كانت الشياطين تنزل على الكهنة فتخبرهم بالكلمة من الحق فيكذبون معها مائة كذبة، وكانوا يتراءون لهم في صور مختلفة كما تقدم معنا، ومن صفات الجن التشكل في الصور المختلفة، وبإمكانهم أن يظهروا للإنسان في صورة أشخاص يكون للشخص معرفة مسبقة بهم قبل موتهم، ولقد تمثل الشيطان للمشركين يوم وقعة بدر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، وحرضهم على قتال الرسول عليه السلام ثم تولى عنهم بعد ذلك عندما عاين الملائكة، وتمثل الشيطان كذلك لأبي هريرة في صورة شيخ يريد السرقة، ولقد شاهدهم ابن مسعود في صور مختلفة، وفي إحدى الليالي التي كلم فيها عليه الصلاة والسلام الجن، رأى ابن مسعود الجن يتقطعون مثل قطع السحاب، ومرة رآهم يتحدرون على الرسول كأمثال النسور والحجل، وغير ذلك مما هو من صفات الجن، ولقد ثبت وجودهم واتصالهم ببني آدم اتصالاً وثيقاً وأنهم يعيشون معهم على الأرض، وأحياناً يدخلون في أجسامهم ويتسلطون عليهم بكيفية لا يعلمها إلا الله. </p><p>وبناء على ذلك فإن الجن يمكن أن يتشبهوا بالرياح, والأنوار مختلفة الألوان, وبالسحاب, والدخان, والشخصيات العظيمة، كما يمكن للجن تقليد أي شخصية حية أو ميتة بعد موتها، فأعمارها تزيد على أعمار بني آدم كما في بعض الآثار، كما أن تكليم الجني للإنسان على لسان إنسان أخر أمر ثابت كما تقدم معنا، وتحريك الجني لقلم ليكتب, أوسلسلة ترسم بواسطة قلم أو أثاث حجرة أو غير ذلك مما نسمع عنه أمر ممكن وواقع .</p><p>فلم لا يكون ما يزعمه دعاة استحضار الأرواح من عبث مردة الجن الذين همهم السخرية ببعض البشر الذين يوافقونهم في أعمالهم؟!. </p><p>المبحث الثاني: حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح</p><p>لقد شاع بين كثيرٍ من الناس من الكتّاب وغيرهم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح، وزعموا أنهم يستحضرون أرواح الموتى بطريقة اخترعها المشتغلون بهذه الشعوذة، يسألونها عن أخبار الموتى من نعيم وعذاب، وغير ذلك من الشئون التي يظن أن عند الموتى علماً بها في حياتهم. ولقد تأملت هذا الموضوع كثيراً فاتضح لي أنه علم باطل، وأنه شعوذة شيطانية يراد منها إفساد العقائد والأخلاق والتلبيس على المسلمين، والتوصل إلى دعوى علم الغيب في أشياء كثيرة. </p><p>ولهذا رأيت أن أكتب في ذلك كلمة موجزة لإيضاح الحق والنصح للأمة وكشف التلبيس عن الناس، فأقول: لا ريب أن هذه المسألة مثل جميع المسائل يجب ردها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أثبتاه أو أحدهما أثبتناه، وما نفياه أو أحدهما نفيناه، كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[النساء:59].</p><p>ومسألة (الروح) من الأمور الغيبية التي اختص الله سبحانه وتعالى بعلمها ومعرفة كنهها، فلا يصح الخوض فيها إلا بدليل شرعي، قال الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا}[ الجن: 27]، وقال سبحانه في سورة النمل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} الآية [النمل:65]. </p><p>وقد اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بالروح في قوله تعالى في سورة الإسراء: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلًا}[ الإسراء: 85]، فقال بعضهم: إنه الروح الذي في الأبدان وعلى هذا فالآية دليل على أن الروح أمر من أمر الله لا يعلم الناس عنه شيئاً إلا ما علمهم الله إياه؛ لأن ذلك أمر من الأمور التي اختص الله سبحانه بعلمها وحجب ذلك عن الخلق، وقد دل القران الكريم والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أرواح الموتى تبقى بعد موت الأبدان، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى..} الآية [الزمر: 42]</p><p>وثبت: ((أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه، وقالوا: ما نراه انطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمدٍ بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا)) .</p><p>وثبت عنه صلى الله عليه وسلم ((إن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه)) .</p><p>قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به).</p><p>ونقل ابن القيم أن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42]. (بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتساءلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها).</p><p>ثم قال ابن القيم رحمه الله: (وقد دل على التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحي فيصادف خبره كما أخبر). فهذا هو الذي عليه السلف من أن أرواح الأموات باقية إلى ما شاء الله وتسمع، ولكن لم يثبت أنها تتصل بالأحياء في غير المنام، كما أنه لا صحة لما يدعيه المشعوذون من قدرتهم على تحضير أرواح من يشاءون من الأموات ويكلمونها ويسألونها فهذه ادعاءات باطلة ليس لها ما يؤيدها من النقل ولا من العقل، بل إن الله سبحانه وتعالى هو العالم بهذه الأرواح والمتصرف فيها وهو القادر على ردها إلى أجسامها متى شاء ذلك، فهو المتصرف وحده في ملكه وخلقه لا ينازعه منازع. أما من يدعي غير ذلك فهو يدعي ما ليس له به علم، ويكذب على الناس فيما يروجه من أخبار الأرواح؛ إما لكسب مال، أو لإثبات قدرته على ما لا يقدر عليه غيره، أو للتلبيس على الناس لإفساد الدين والعقيدة. </p><p>وما يدعيه هؤلاء الدجالون من تحضير الأرواح إنما هي أرواح شياطين يخدمها بعبادتها وتحقيق مطالبها، وتخدمه بما يطلب منها كذباً وزوراً في انتحالها أسماء من يدعونه من الأموات، كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:112-113]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:128]، وذكر علماء التفسير أن استمتاع الجن بالإنس بعبادتهم إياهم بالذبائح والنذور والدعاء، وأن استمتاع الإنس بالجن قضاء حوائجهم التي يطلبونها منهم، وإخبارهم ببعض المغيبات التي يطلع عليها الجن في بعض الجهات النائية، أو يسترقونها من السمع، أو يكذبونه وهو الأكثر، ولو فرضنا أن هؤلاء الإنس لا يتقربون إلى الأرواح التي يستحضرونها بشيء من العبادة فإن ذلك لا يوجب حل ذلك وإباحته؛ لأن سؤال الشياطين والعرافين والكهنة والمنجمين ممنوع شرعاً، وتصديقهم فما يخبرون به أعظم تحريماً وأكبر إثماً بل هو من شعب الكفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) ، وفي مسند أحمد والسنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) .</p><p>وقد جاء في هذا المعنى أحاديث وآثار كثيرة، ولا شك أن هذه الأرواح التي يستحضرونها بزعمهم داخلة فيما منع منه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها من جنس الأرواح التي تقترن بالكهان والعرافين من أصناف الشياطين فيكون لها حكمها، فلا يجوز سؤالها ولا استحضارها ولا تصديقها، بل كل ذلك محرم ومنكر بل وباطل، لما سمعت من الأحاديث والآثار في ذلك، ولأن ما ينقلونه عن هذه الأرواح يعتبر من علم الغيب، وقد قال الله سبحانه: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: 65].</p><p>وقد تكون هذه الأرواح هي الشياطين المقترنة بالأموات الذين طلبوا أرواحهم فتخبر بما تعلمه من حال الميت في حياته مدعية أنها روح الميت الذي كانت مقترنة به، فلا يجوز تصديقها ولا استحضارها ولا سؤالها كما تقدم الدليل على ذلك. وما يحضِّره ليس إلا الشياطين والجن يستخدمهم مقابل ما يتقرب به إليهم من العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله، فيصل بذلك إلى حد الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة - نعوذ بالله من ذلك -.</p><p>ولقد أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في دار الإفتاء السعودية فتوى عن التنويم المغناطيسي الذي هو أحد أنواع تحضير الأرواح هذا نصها: (التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة باستخدام جني يسلطه المنوِّم على المنوَّم، فيتكلم بلسانه ويكسبه قوةً على بعض الأعمال بسيطرته عليه إن صدق مع المنوم وكان طوعاً له، مقابل ما يتقرب به المنوِّم إليه، ويجعل ذلك الجني المنوَّم طوع إرادة المنوِّم يقوم بما يطلبه منه من الأعمال بمساعدة الجني له إن صدق ذلك الجني مع المنوم، وعلى ذلك يكون استغلال التنويم المغناطيسي واتخاذه طريقاً أو وسيلة للدلالة على مكان سرقة أو ضالة أو علاج مريض، أو القيام بأي عملٍ آخر بواسطة المنوِّم غير جائز بل هو شرك لما تقدم، ولأنه التجاء إلى غير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية التي جعلها الله سبحانه إلى المخلوقات وأباحها لهم) انتهى كلام اللجنة. </p><p>وممن كشف حقيقة هذه الدعوى الباطلة الدكتور محمد محمد حسين في كتابه (الروحية الحديثة حقيقتها وأهدافها) وكان ممن خدع بهذه الشعوذة زمناً طويلاً، ثم هداه الله إلى الحق وكشف زيف تلك الدعوى بعد أن توغل فيها ولم يجد فيها سوى الخرافات والدجل، وقد ذكر أن المشتغلين بتحضير الأرواح يسلكون طرقاً مختلفة، منهم المبتدئون الذين يعتمدون على كوب صغير أو فنجان يتنقل بين حروف قد رسمت فوق منضدة، وتتكون إجابات الأرواح المستحضرة - حسب زعمهم - من مجموع الحروف بحسب ترتيب تنقله فيها، ومنهم من يعتمد على طريقة السلة يوضع في طرفها قلم يكتب الإجابات على أسئلة السائلين، ومنهم من يعتمد على وسيط كوسيط التنويم المغناطيسي.</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35441, member: 329"] وقال القرطبي: (ولا يلزم من هذا أن نخس الشيطان يلزم منه إضلال الممسوس وإغواءه، فإن ذلك ظن فاسد، فكم تعرض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء, ومع ذلك عصمهم الله مما يرومه الشيطان كما قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [ الحجر: 42]. هذا مع أن كل واحد من بني آدم قد وكل به قرينه من الشياطين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمريم وابنها وإن عصما من نخسه فلم يعصما من ملازمته لهما ومقارنته والله أعلم) . وبناء على ما تقدم يظهر لنا أن عمل الشيطان إنما ينحصر بالوسوسة والدعوة إلى الضلال، فالأنبياء والمؤمنون قد أخذوا بالأسباب التي ترد وسوسته كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]. فإذا هم منتبهون حذرون من وسوسته {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} [ الأعراف: 202]. وإما إخوان الشياطين وهم الفجار من ضلال الإنس، فإن الشياطين تمدهم في الغي وتكون مدداً لهم، وهي لا تقصر في مد الكفرة بهذا الغي والضلال، وفي التعبير بإخوانهم في الآية ما يشير إلى أن هؤلاء الكفرة والعصاة بمتابعتهم للشياطين فيما تزين لهم من المعاصي قد أصبحوا إخواناً لها) فنسأل الله السلامة والعافية.. الفصل السادس: الجن وعلم الغيب المبحث الأول: استراق الجن لأخبار السماء كان الجن قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم يسترقون أخباء السماء، وهو ما يوحيه الله لملائكته، وأصل ذلك قوله تعالى إخباراً عنهم: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [ الجن: 9]. قال القرطبي: (كان الجن يقعدون مقاعد لاستماع أخبار السماء، وهم المردة من الجن، كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة، فحرسها الله بالشهب المحرقة، فقالت الجن حينئذ: {فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا}) . ويبين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر في حديثه الذي رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الملائكة تتحدث في العنان - والعنان الغمام - بالأمر يكون في الأرض، فتستمع الشياطين فتقرها في أذن الكاهن كما تقر القاروة، فيزيدون معها مائة كذبة)) . ومن ذلك أيضاً ما أخرجه البخاري قال: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان، حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا:ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ووصف سفيان بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا: يوم كذا، كذا وكذا! فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء)) . و في رواية عند مسلم في صحيحه: ((تلك الكلمة من الحق يحفظها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة, فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة)) . وهكذا فإن الجن كان يستمعون لأخبار السماء، ثم يلقون ذلك إلى الكهان من الإنس، فيزيدون على الكلمة مائة كذبة من عندهم، فيصدق الناس ذلك، قال الماوردي: (فأما استراقهم للسمع فقد كانوا في الجاهلية قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم يسترقونه، ولذلك كانت الكهانة في الإنس لإلقاء الجن إليهم ما استرقوه من السمع في مقاعد لهم، كانوا يقربون فيها من السماء كما قال تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [ الجن: 9]) . وقال ابن جزى الكلبي في تفسير قوله تعالى: {إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [ الصافات: 10]. (والمعنى: لا تسمع الشياطين أخبار السماء، إلا الشيطان الذي خطف الخطفة) . وقد اختلف العلماء في استراق الجن للسمع بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم: 1- فقال قوم: إن استراق الجن لأخبار السماء قد زال بمبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك زالت الكهانة. 2- وقال آخرون: إن استراقهم باق بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام . واختلفوا كذلك في أن الجن هل كانوا يرمون بالشهب قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا؟ أ- فقال قوم: لم تكن ترمى الجن قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام. وقد نسب النسفي هذا القول للجمهور فقال: (والجمهور على أن ذلك لم يكن قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم) . قال القرطبي: (وقال الكلبي وقوم: لم تكن تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما وسلامه خمسمائة عام، وإنما كان من أجل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث منعوا من السموات كلها وحرست بالملائكة والشهب، ومنعت من الدنو من السماء، وبه قال عطية العوفي عن ابن عباس، وهذا قول عبد الله بن سابور. وقال نافع بن جبير: كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رميت بالشهب) . ومما يؤيد هذا القول ما ورد عن ابن عباس قال: (كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعاً، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوه فيكون باطلاً، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس – ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك – فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي بين جبلين – أراه قال: بمكة – فلقوه فأخبروه فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض) . وذكر القرطبي وجها آخر عن ابن عباس قال: (وقد كانت الشياطين لا يحجبون عن السماء، فكانوا يدخلونها ويلقون أخبارها على الكهنة، فيزيدون عليها تسعاً، فيحدثون بها أهل الأرض، الكلمة حق والتسع باطل، فإذا أرادوا شيئاً مما قالوه صدقوهم مما جاءوا به، فلما ولد عيسى بن مريم عليهما السلام منعوا من ثلاث سماوات، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها، فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب) . و في هذا دليل على أن الشياطين لم تكن ترمى بالشهب قبل بعثته عليه الصلاة والسلام. وتمسك من قال بأن الشهب لم يكن يرمى بها أيضاً قبل بعثة الرسول عليه السلام بظاهر قوله تعالى: {فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [الجن: 9]. إذ قد دل على أن الجن لم تكن ترمى قبل المبعث حيث رتب الرمي على الاستماع بعد المبعث. وقد أنكر الجاحظ الرمي قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم, وأنكر كل شعر ورد في الرمي فقال: (كل شعر روي فيه فهو مصنوع) . ب- وقال ابن قتيبة: إن الرجم كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة، وكانوا يسترقون في بعض الأحوال، فلما بعث منعوا من ذلك أصلاً. فعلى هذا القول يكون حمل الجن على الضرب في الأرض وطلب السبب –أي السبب الذي من أجله منعوا من استراق السمع – إنما كان لكثرة الرجم، ومنعهم عن الاستراق بالكلية . وقيل: إنما زاد الرمي إنذاراً بمبعث الرسول عليه الصلاة والسلام . المبحث الثاني: ما تلقيه الجن إلى الإنس إن العلوم والأخبار التي يلقيها الجن إلى الإنس يمكن تقسيمها إلى قسمين: القسم الأول: ما يتعلق بالأمور الغيبية. القسم الثاني: ما يتعلق بالعلوم والأخبار التي تتعلق بالأمور المشهودة, أو الإخبار عن الوقائع الماضية. أما بالنسبة للقسم الأول فيمكن تقسيمه إلى قسمين: أ- أن تكون من الغيبيات التي استأثر الله بعلمها. ب- أن تكون من المغيبات التي قضى الله أمرها في السماء وأصبحت معلومة لذوي الاختصاص من الملائكة أو من البشر، مما يطلع الله عليه من شاء من رسله. أما بالنسبة للقسم الأول: ... أنه من اختصاص الله، ولا يمكن لأي مخلوق في هذا العالم أن يعرف عنه شيئاً، سواء كان في ذلك الملائكة أو الجن أو الإنس، لأن الآيات القرآنية قد أخبرت أن علم ذلك لله وحده دون سواه، ولا يكون التحدث عن شيء من هذا الغيب إلا من قبيل الافتراء على الله، وهو يناقض الإيمان، ومدعيه كافر، لمعارضته الآيات القرآنية الدالة على اختصاص الله بذلك قال تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59] وقال: {قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65]. أما بالنسبة للثاني: وهو المغيبات التي قضى الله أمرها في السماء، وأصبحت معلومة لذوي الاختصاصات من الملائكة أو من البشر... إلخ. فقد تقدمت فيه الأحاديث من أن الله إذا قضى الأمر في السماء، بأن يتكلم بالأمر الذي يوحيه إلى جبريل بما أراده، فيلخص هذا القول ويمضي في الملائكة حتى يفزعوا منه، فيعلمون أن الله لا يقول إلا الحق، فيسمع مسترق السمع من الجن الكلمة، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقي الكلمة، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها الكاهن مائة كذبة . وفي الأحاديث الواردة بهذا الصدد دليل على أن الجن يسترقون السمع من الملائكة، وكانوا يقذفون بالشهب خصوصاً بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. فما تسمعه الملائكة بعد إلقاء الأمر إلى جبريل قد خرج عن الغيب الذي اختص به الله، إذ علمت به الملائكة، فعندئذ تحاول الجن استماع ذلك، فربما يسمعون كلمة، وربما لا يسمعون، لأن الشهب لهم بالمرصاد. وأما قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26]. فقد قال القرطبي: (اختص الله بعلم الغيب فهو له وحده، إلا ما شاء الله من اطلاع بعض الرسل، لأنهم مؤيدون بالمعجزات، ومنها الإخبار عن بعض الغائبات، وقال العلماء رحمهم الله تعالى: لما تمدح الله سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم, ودلالة صادقة على نبوتهم، وليس المنجم ومن ضاهاه، ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه) . والآية لا تناقض ما تقدم من الأحاديث الدالة على استراق للسمع بعد أن يلقي الله كلامه إلى جبريل، لأن الجن قد منعوا من استراق السمع أصلاً، وما يستمعونه عندئذ لا يعتبر غيباً بالنسبة للملائكة ولمسترق السمع، كما حصل مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن صياد المتقدم. ومضمون الاستدلال في الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين كذب ابن صياد وأن ما يقوله هو من الكهانة، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد خبأ له سورة الدخان فأخبره شيطانه الذي يأتيه ببعض حروفها، لأنه لم يقدر أن يستطلع إلا ذلك، ولن يقدر على أكثر منه، لأن الله قد حفظ رسله من الشياطين بما أرصده لهم من الملائكة الذين يحرسونهم من الشياطين عن أن يتشبهوا بصور الملك، فإذا جاء أحدهم شيطان في صورة ملك قالوا: هذا شيطان فاحذره، وان جاء الملك قالوا: هذا رسول ربك . دلالة موت النبي سليمان عليه السلام على عدم معرفة الجن علم الغيب. قصه موت النبي سليمان عليه السلام فيها دليل على أن الجن لا يعلمون الغيب، كما أخبر القرآن بذلك، قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}[ سبأ: 14]. قال القرطبي في تفسير الآية: (أي: فلما حكمنا على سليمان بالموت حتى صار كالأمر المفروغ منه ووقع به الموت, وذلك أنه كان متكئاً على عصا فانكسرت به بسبب أكل الأرضة لها – وهي دابة صغيرة تأكل الخشب – فوقع ميتا – فعلم موته بذلك، فكانت الأرضة دالة على موته، وكان قد سأل الله تعالى أن لا تعلم الجن بموته حتى تمضي عليه سنة) . وقد ذكر المفسرون أوجهاً لسبب طلب سليمان عليه السلام من ربه أن يعمي موته على الجن: فقال جماعة منهم: إنه طلب ذلك حتى يري الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، بخلاف ما كانوا يظنونه من أن الجن تعلم ذلك، وقد كانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب أشياء، وأنهم يعلمون ما في غد. وقال آخرون: إن طلبه ذلك إنما كان لأن داود عليه السلام قد أسس بيت المقدس، فمات ولم يتمه، فأوصى سليمان بإتمام بنائه، فأمر سليمان الجن باتمام بنائه، فلما دنا أجله قال لأهله: لا تخبروهم بموتي حتى يتموا بناء المسجد، وكان قد بقي لاتمامه سنة، فلبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلي، واتكأ على عصاه فمات، ولم تعلم الجن إلى أن مضت سنة وتم بناء المسجد . واستنكر بعض المفسرين أن يمكن سليمان عليه السلام هذه المدة الطويلة – وهي سنة – دون أن يعلم به أحد من رعيته، وهو أمر لا يمكن أن يحدث مع إنسان عادي، فكيف يكون بنبي يكون له هذا الملك الواسع!. وبناء عليه فقد اعتبر هذا النفر أن معنى الآية: أن سليمان حين حان أجله وقضى الله عليه الموت – أي أوجب عليه الموت حين جاء وقته، كان سليمان حين مات قائماً بين الجن وهم بين يديه يعملون له – لم يعلموا بموته، وظلوا يعملون فيما أمرهم به، لم يدلهم على أنه قد مات إلا دابة الأرض التي كانت تأكل منسأته – أي عصاه – التي كان يتكئ عليه. فلما عبثت دابة الأرض بالعصا، زايلت موضعها وسقطت على الأرض، وخر سليمان على الأرض كذلك، وهنا علم الجن أن سليمان قد مات، فأخلوا مكانهم ومضوا إلى حيث يشاءون، ولو كانوا يعلمون الغيب لعلموا أن سليمان قد مات ولو كان بعيداً عنهم، فكيف وهو تحت سلطانهم وبصرهم؟! . وربما كان السوس مسلطاً على العصا التي يحملها وهو لا يدري، فكان متكئاً عليها في مجلس من مجالسه، لم تتحمل طول اتكائه عليها، فانكسرت به حين مات، وثقل جسمه كما هو الشأن في كل ميت، وكانت الجن تمر عليه فتحسبه أنه في غفوة أو في سنة من النوم . وبناء على هذا القول في تفسير الآية فإن سليمان عليه السلام ما كان ليمكث هذه المدة الطويلة لا يعلم به أحد من رعيته، حتى تكون الأرضة هي التي كشفت ذلك بأكلها للعصا التي كان يتكئ عليها, وقد كان ميتاً قبل سقوطه بزمن طويل. وعلى الرغم من اختلاف الأقوال في المدة التي أمضاها سليمان ميتاً قبل علم الجن به، إلا أنها تتفق جميعاً على أن موته كان برهاناً على أن الجن مع ما لهم من القدرة على التنقل السريع بين أماكن نائية والانطلاق في آفاق فسيحة، فإنهم لا يعلمون الغيب، وذلك من خلال موت سليمان عليه السلام، بخلاف ما كانت تظن الجن ويظن الإنس كذلك، أنهم أقدر من الإنسان على النظر البعيد الذي يكشف ما سيأتي به الغد بالنسبة للإنسان، فعلم الغيب لله وحده. القسم الثاني: وهو ما يتعلق بالعلوم والأخبار التي تتعلق بالأمور المشهودة, أو الإخبار عن الوقائع الماضية. بالنسبة لهذا القسم فإن الجن يمكن أن تخبر به الإنس، لأن الجن عندهم القدرة على الانطلاق في آفاق فسيحة, والتنقل بين الأماكن البعيدة، لما ميزهم الله بذلك عن الإنسان، فمثلاً: قد يسافر رجل من بلد إلى بد آخر, ويحمل بعض الأغراض معه، فإن الجن بحكم تنقلهم السريع يمكن أن يخبروا شخصاً آخر ممن يتصلون به عن الساعة التي تحرك فيها، و في أي شيء يركب، وما هي الأغراض التي يحملها فيكون هذا بالنسبة للإنسان غيباً من الغيوب لكونه لم يشاهده، ولم يبلغه بطريق من طرق العلم المعتادة، وأما بالنسبة للجن فهو واقع محسوس، وهو في واقع الأمر ليس من علم الغيب، وإنما هو مشاهدة، حيث كان عن واقع محسوس يراه الجن رأي العين، فهو حضور بالنسبة للجن, ولكنه غيب بالنسبة للإنسان البعيد عن موقع الحدث، حيث يرى الجن – ولا نرى نحن البشر – ما وراء الأبواب الموصدة أو الجدر القائمة ونحوها . وقد يخبرون الإنس عن الوقائع الماضية بحكم أعمارهم الطويلة التي تزيد على أعمار الإنس، فقد يخبرون شخصاً يعيش اليوم عن حدث وقع قبل مائة عام أو أكثر، وقد يموت الميت ويبقى قرينه من الجن، فيخبرون عن أحوال الميت، وقد حصل من ذلك الكثير كما ذكر ابن تيمية . وهذا الإخبار من قبل الجن للإنس عن الأحوال الماضية والأمور المغيبة عن الإنسان قد يكون الجني فيها صادقاً وقد يكون كاذباً، إذ أن في الجن من يشبهون الإنس في الصدق والكذب، بل إن صفاتهم بشكل عام تفوق صفات الإنس سوءا. ومن جهة أخرى فإنه لا يصح الوثوق بشيء من أخبارهم لانعدام مقاييس تحديد الصادقين والكاذبين منهم بالنسبة إلينا، لكونه عالماً مغيباً عنا، ولفجور من تلقي إليهم الجن بهذه الأخبار، فيذيعونها بدورهم بين الناس، مع ما يصطنعونه من قبل أنفسهم من الكذب. وكثير من الناس في الجاهلية من كانت الجن تخبرهم ببعض الأمور التي تغيب عن الإنس. قال ابن تيمية: (والأسود العنسي الذي ادعى النبوة كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأمور المغيبة، فلما قاتله المسلمون كانوا يخافون من الشياطين أن يخبروه بما يقولون فيه، حتى أعانتهم عليه امرأته لما تبين لها كفره فقتلوه، وكذلك مسيلمة الكذاب كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات, ويعينه على بعض الأمور. وأمثال هؤلاء كثيرون) . وقال في موضع آخر: (والشيطان يضل بني آدم بحسب قدرته من فمن عبد الشمس والكواكب، كما يفعل أهل دعوة الكواكب، فإنه ينزل عليه الشيطان يخاطبه ويحدثه ببعض الأمور، ويسمون ذلك: روحانية الكواكب وهو شيطان. والشيطان وإن أعان الإنسان على بعض مقاصده فإنه يضر أضعاف ما ينفعه، وعاقبة من أطاعه إلى شر، إلا أن يتوب الله عليه، وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم الشياطين، وكذلك من استغاث بميت أو غائب) . ومن هذا القبيل ما يخبر به بعض من يتصلون بالجن في الوقت الحاضر، حيث تخبرهم الجن عن بعض الوقائع التي تجري في أماكن بعيدة لا يراها الإنس، أو قد يخبرون عن اسم الشخص وما يتعلق بأحواله مما لا يعلمه إلا هو أو بعض المقربين له، فيخبره بهذه الأمور الجني الذي يأتيه، ثم يقوم الشخص بدوره بإخبار ذلك إلى بعض من يدخلون عليه، فيدهش الإنسان لهذه الأمور، وإنما هي في الواقع غيب بالنسبة له، ولمن لا يعلم ذلك من بني جنسه من الإنس الذي لا يعلمون مثل ذلك، ولكنها أمور مشهودة بالنسبة للجن، ووظيفتهم في هذه الحالة نقل هذه الأمور إلى من يخدمونهم من الإنس مقابل طاعتهم لهم، ولذلك فإنك تجد أكثر الذين يتعاملون من الجن مع الإنس تاركين للصلاة والعبادات الأخرى، مهينين للقرآن الكريم، كأن يكتبوه بنجاسة، أو يقلبون بعض الآيات القرآنية، أو يقرأون ويكتبون بعض الطلاسم والأدعية غير مفهومة المعنى، مما يرضاه الجن الكفرة مقابل جلب سحر، أو منع شخص عن زوجته، وغير ذلك مما هو واقع ومشاهد في كل عصر. ومن هؤلاء من يشترط على الداخل عليهم من الإنس أن لا يقرأ القرآن ولا يذكر اسم الله تعالى، وذلك لأن الشياطين التي يتعاملون معها تهرب عند قراءة القرآن أو سماع ذكر الله، قال ابن تيمية: (ولهذا من يكون إخباره عن شيطان فإنه لا يكاشف أهل الإيمان والتوحيد وأهل القلوب المنورة بنور الله، بل يهرب منهم, ويعترف أنه لا يكاشف هؤلاء وأمثالهم، وتعترف الجن والإنس – الذين خوارقهم بمعاونة الجن لهم – أنهم لا يمكنهم أن يظهروا هذه الخوارق بحضرة أهل الإيمان و القرآن, ويقولون: أحوالنا لا تظهر قدام الشرع والكتاب والسنة، وإنما تظهر عند الكفار والفجار، وهذا لأن أولئك أولياء الشيطان, ولهم شياطين يعاونون شياطين المخدومين, ويتفقون على ما يفعلونه من الخوارق الشيطانية) . فليحذر المسلم الدخول على أمثال هؤلاء، وليعلم أن الذي يخبرون به ليس من علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وإنما هو من الأمور المشهودة للجن والغائبة عن الإنس. وإذا كانت الشياطين تخبر الكهان – وأمثالهم ممن يتصلون بالجن ويتعاملون معهم – ببعض الأمور، وقد يكون ذلك صادقاً أو كاذباً، فإنه لا يجوز تصديقهم أو إتيانهم ... وينبغي أن يعلم أن ما تخبر به الأنبياء من الأمور المشهود ليس مما تقدر عليه الشياطين، وإن قدر أنه من جنس ما تقدر الشياطين عليه، فالمميز في هذه الحال بين النبي والكاهن اختلاف حاليهما قولاً وعملاً. وكذلك بالنسبة للإخبار بالأمور المشهودة، قد تخبر الأنبياء به مالا تقدر الشياطين على الإخبار به كما قال تعالى عن عيسى عليه السلام: {وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 49]. قال أبو السعود في تفسيره: (أي أخبركم بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها) . وقال ابن تيمية: (وبالنسبة للإخبار بالأمور المشهودة والوقائع الماضية فإن الأنبياء عليهم السلام يخبرون منه بما لا يمكن للشياطين أن تخبر به، كما في إخبار المسيح في قوله تعالى: {وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} [آل عمران: 49]، فإن الجن قد يخبرون بما يأكله بعض الإنس وبما يدخرونه، لكن الشياطين إنما تتسلط على ما لم يذكر اسم الله عليه، كما إذا دخل الإنسان بيته فإنهم يدخلون معه، وإذا أكل ولم يسم فإنهم يأكلون معه، أو قد يدخر الإنسان شيئاً ولا يذكر اسم الله عليه، فإن الجن تعرفه، وقد تسرق الجن بعض الأموال أو المتاع مما لم يذكر اسم الله عليه. وأما من ذكر اسم الله على ما تقدم فإنه لا سلطان للجن على ذلك بسرقته أو معرفة مكانه، والمسيح عليه السلام كان يخبر المؤمنين بما يأكلون ويدخرون مما ذكر اسم الله عليه والجن لا تعلم به) .. الفصل السابع: الجن ودعوى تحضير الأرواح تمهيد طالما سمعنا في هذا القرن عن تحضير الأرواح، حيث ملأت هذه الفكرة الدنيا بضجيجها، وانتشرت انتشاراً سريعاً في الشرق والغرب، وعقدت لها المجالس والمحاضرات والندوات، وألفت فيها كثير من الكتب والمجلات، وأنشئت لها المدارس والجامعات، وآمن بها الكثير في الشرق والغرب من المسلمين وغيرهم، وخاض أنصارها معارك كلامية، ودافعوا فيها عن فكرتهم أمام المنكرين، ومازلنا نعيش آثارها في أيامنا هذه، ونقرأ الكثير عنها. فكرة مجملة عن تحضير الأرواح: كانت بداية نشأة هذه الفكرة في أمريكا، حيث حصل سنة 1846م أن رجلاً اسمه فيكمان يسكن في قرية هيد سفيل من مقاطعة نيويورك قد سمع ذات ليلة طرقات متعددة على أرض بيته، فذهب ليكتشف الفاعل، فأعيته الحيلة، فصبر على مضض، ولكنه قام ذات ليلة منذعراً من صراخ ابنة صغيرة له، فسألها عما نابها، فزعمت أنها أحست بيد مرت على جسمها وهي في سريرها، فلم ير الرجل بداً من هجر منزله، فخلفه فيه رجل متنور يقال له جون فوكس، فحصل لعائلته ما حصل لسابقتها من الأصوات التي لا تجعل للنوم مساغاً من الجفون، فكانت زوجة جون فوكس تنادي جيرانها، وتستعين في البحث عن الفاعل، فلم يهتدوا إليه، فتجاسرت هذه المرأة ذات ليلة وقالت لذلك الطارق: أحدث عشر طرقات، ففعل، فقالت له: كم عمر ابنتي كاترينه؟ فطرق طرقات على قدر سني عمرها، ثم قالت له: إن كنت روحاً فأحدث طرقتين أيضاً، فأحدثهما، ولم تزل به المرأة حتى علمت بواسطة الطرق أنها روح رجل كان ساكناً في ذلك البيت، فقتله جاره ليسرق ماله ودفنه فيه، فلم يسع زوجة فوكس، إلا استحضار الجيران واستجواب الروح أمامهم، فأجابت بما جعلهم مندهشين مقتنعين في آن واحد، فكان الحال كما أخبرت الروح. وقد ضبطت الحكومة الأمريكية هذه الواقعة، وأجرتها مجراها القانوني وكلفت لجنة بدراسة هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر التي كانت تحدث بين وقت وآخر، وبحثها القانوني الشهير أدمون، فاعتقد صحتها وألف فيها كتاباً ضخماً سنة 1865، وتبعه الأستاذ مايس أستاذ الكيمياء في المجمع العلمي الأمريكي، فنسب حصولها لأرواح الموتى. ولكن الأمر الذي أحدث الدوي الكبير هو اعتقاد الأستاذ روبيرهار بهذا المذهب، وتأليفه فيه كتاباً سماه الأبحاث التجريبية على الظواهر الروحية، فانتشب الصراع من ذلك اليوم بين المصدقين والمكذبين، ولم يبق عالم ولا كاتب ولا كاهن، إلا وألقى بنفسه في تلك المعمعة، فانتقل هذا المذهب بعد ذلك إلى إنجلترا، ووجد له أنصاراً يدافعون عنه، وعلى رأس هؤلاء أحد رؤساء الجمعية الملكية الانجليزية كروركس، ثم أخذ المذهب بالانتشار إلى أقطار العالم، وأصبح له ملايين من الأتباع وأكثر من مائتي مجلة تدافع عنه وتنشره .. المبحث الأول: علاقة الجن بتحضير الأرواح لقد كانت الشياطين تنزل على الكهنة فتخبرهم بالكلمة من الحق فيكذبون معها مائة كذبة، وكانوا يتراءون لهم في صور مختلفة كما تقدم معنا، ومن صفات الجن التشكل في الصور المختلفة، وبإمكانهم أن يظهروا للإنسان في صورة أشخاص يكون للشخص معرفة مسبقة بهم قبل موتهم، ولقد تمثل الشيطان للمشركين يوم وقعة بدر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، وحرضهم على قتال الرسول عليه السلام ثم تولى عنهم بعد ذلك عندما عاين الملائكة، وتمثل الشيطان كذلك لأبي هريرة في صورة شيخ يريد السرقة، ولقد شاهدهم ابن مسعود في صور مختلفة، وفي إحدى الليالي التي كلم فيها عليه الصلاة والسلام الجن، رأى ابن مسعود الجن يتقطعون مثل قطع السحاب، ومرة رآهم يتحدرون على الرسول كأمثال النسور والحجل، وغير ذلك مما هو من صفات الجن، ولقد ثبت وجودهم واتصالهم ببني آدم اتصالاً وثيقاً وأنهم يعيشون معهم على الأرض، وأحياناً يدخلون في أجسامهم ويتسلطون عليهم بكيفية لا يعلمها إلا الله. وبناء على ذلك فإن الجن يمكن أن يتشبهوا بالرياح, والأنوار مختلفة الألوان, وبالسحاب, والدخان, والشخصيات العظيمة، كما يمكن للجن تقليد أي شخصية حية أو ميتة بعد موتها، فأعمارها تزيد على أعمار بني آدم كما في بعض الآثار، كما أن تكليم الجني للإنسان على لسان إنسان أخر أمر ثابت كما تقدم معنا، وتحريك الجني لقلم ليكتب, أوسلسلة ترسم بواسطة قلم أو أثاث حجرة أو غير ذلك مما نسمع عنه أمر ممكن وواقع . فلم لا يكون ما يزعمه دعاة استحضار الأرواح من عبث مردة الجن الذين همهم السخرية ببعض البشر الذين يوافقونهم في أعمالهم؟!. المبحث الثاني: حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح لقد شاع بين كثيرٍ من الناس من الكتّاب وغيرهم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح، وزعموا أنهم يستحضرون أرواح الموتى بطريقة اخترعها المشتغلون بهذه الشعوذة، يسألونها عن أخبار الموتى من نعيم وعذاب، وغير ذلك من الشئون التي يظن أن عند الموتى علماً بها في حياتهم. ولقد تأملت هذا الموضوع كثيراً فاتضح لي أنه علم باطل، وأنه شعوذة شيطانية يراد منها إفساد العقائد والأخلاق والتلبيس على المسلمين، والتوصل إلى دعوى علم الغيب في أشياء كثيرة. ولهذا رأيت أن أكتب في ذلك كلمة موجزة لإيضاح الحق والنصح للأمة وكشف التلبيس عن الناس، فأقول: لا ريب أن هذه المسألة مثل جميع المسائل يجب ردها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أثبتاه أو أحدهما أثبتناه، وما نفياه أو أحدهما نفيناه، كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[النساء:59]. ومسألة (الروح) من الأمور الغيبية التي اختص الله سبحانه وتعالى بعلمها ومعرفة كنهها، فلا يصح الخوض فيها إلا بدليل شرعي، قال الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا}[ الجن: 27]، وقال سبحانه في سورة النمل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} الآية [النمل:65]. وقد اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بالروح في قوله تعالى في سورة الإسراء: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلًا}[ الإسراء: 85]، فقال بعضهم: إنه الروح الذي في الأبدان وعلى هذا فالآية دليل على أن الروح أمر من أمر الله لا يعلم الناس عنه شيئاً إلا ما علمهم الله إياه؛ لأن ذلك أمر من الأمور التي اختص الله سبحانه بعلمها وحجب ذلك عن الخلق، وقد دل القران الكريم والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أرواح الموتى تبقى بعد موت الأبدان، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى..} الآية [الزمر: 42] وثبت: ((أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه، وقالوا: ما نراه انطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمدٍ بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا)) . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم ((إن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه)) . قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به). ونقل ابن القيم أن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42]. (بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتساءلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها). ثم قال ابن القيم رحمه الله: (وقد دل على التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحي فيصادف خبره كما أخبر). فهذا هو الذي عليه السلف من أن أرواح الأموات باقية إلى ما شاء الله وتسمع، ولكن لم يثبت أنها تتصل بالأحياء في غير المنام، كما أنه لا صحة لما يدعيه المشعوذون من قدرتهم على تحضير أرواح من يشاءون من الأموات ويكلمونها ويسألونها فهذه ادعاءات باطلة ليس لها ما يؤيدها من النقل ولا من العقل، بل إن الله سبحانه وتعالى هو العالم بهذه الأرواح والمتصرف فيها وهو القادر على ردها إلى أجسامها متى شاء ذلك، فهو المتصرف وحده في ملكه وخلقه لا ينازعه منازع. أما من يدعي غير ذلك فهو يدعي ما ليس له به علم، ويكذب على الناس فيما يروجه من أخبار الأرواح؛ إما لكسب مال، أو لإثبات قدرته على ما لا يقدر عليه غيره، أو للتلبيس على الناس لإفساد الدين والعقيدة. وما يدعيه هؤلاء الدجالون من تحضير الأرواح إنما هي أرواح شياطين يخدمها بعبادتها وتحقيق مطالبها، وتخدمه بما يطلب منها كذباً وزوراً في انتحالها أسماء من يدعونه من الأموات، كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:112-113]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:128]، وذكر علماء التفسير أن استمتاع الجن بالإنس بعبادتهم إياهم بالذبائح والنذور والدعاء، وأن استمتاع الإنس بالجن قضاء حوائجهم التي يطلبونها منهم، وإخبارهم ببعض المغيبات التي يطلع عليها الجن في بعض الجهات النائية، أو يسترقونها من السمع، أو يكذبونه وهو الأكثر، ولو فرضنا أن هؤلاء الإنس لا يتقربون إلى الأرواح التي يستحضرونها بشيء من العبادة فإن ذلك لا يوجب حل ذلك وإباحته؛ لأن سؤال الشياطين والعرافين والكهنة والمنجمين ممنوع شرعاً، وتصديقهم فما يخبرون به أعظم تحريماً وأكبر إثماً بل هو من شعب الكفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) ، وفي مسند أحمد والسنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) . وقد جاء في هذا المعنى أحاديث وآثار كثيرة، ولا شك أن هذه الأرواح التي يستحضرونها بزعمهم داخلة فيما منع منه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها من جنس الأرواح التي تقترن بالكهان والعرافين من أصناف الشياطين فيكون لها حكمها، فلا يجوز سؤالها ولا استحضارها ولا تصديقها، بل كل ذلك محرم ومنكر بل وباطل، لما سمعت من الأحاديث والآثار في ذلك، ولأن ما ينقلونه عن هذه الأرواح يعتبر من علم الغيب، وقد قال الله سبحانه: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: 65]. وقد تكون هذه الأرواح هي الشياطين المقترنة بالأموات الذين طلبوا أرواحهم فتخبر بما تعلمه من حال الميت في حياته مدعية أنها روح الميت الذي كانت مقترنة به، فلا يجوز تصديقها ولا استحضارها ولا سؤالها كما تقدم الدليل على ذلك. وما يحضِّره ليس إلا الشياطين والجن يستخدمهم مقابل ما يتقرب به إليهم من العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله، فيصل بذلك إلى حد الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة - نعوذ بالله من ذلك -. ولقد أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في دار الإفتاء السعودية فتوى عن التنويم المغناطيسي الذي هو أحد أنواع تحضير الأرواح هذا نصها: (التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة باستخدام جني يسلطه المنوِّم على المنوَّم، فيتكلم بلسانه ويكسبه قوةً على بعض الأعمال بسيطرته عليه إن صدق مع المنوم وكان طوعاً له، مقابل ما يتقرب به المنوِّم إليه، ويجعل ذلك الجني المنوَّم طوع إرادة المنوِّم يقوم بما يطلبه منه من الأعمال بمساعدة الجني له إن صدق ذلك الجني مع المنوم، وعلى ذلك يكون استغلال التنويم المغناطيسي واتخاذه طريقاً أو وسيلة للدلالة على مكان سرقة أو ضالة أو علاج مريض، أو القيام بأي عملٍ آخر بواسطة المنوِّم غير جائز بل هو شرك لما تقدم، ولأنه التجاء إلى غير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية التي جعلها الله سبحانه إلى المخلوقات وأباحها لهم) انتهى كلام اللجنة. وممن كشف حقيقة هذه الدعوى الباطلة الدكتور محمد محمد حسين في كتابه (الروحية الحديثة حقيقتها وأهدافها) وكان ممن خدع بهذه الشعوذة زمناً طويلاً، ثم هداه الله إلى الحق وكشف زيف تلك الدعوى بعد أن توغل فيها ولم يجد فيها سوى الخرافات والدجل، وقد ذكر أن المشتغلين بتحضير الأرواح يسلكون طرقاً مختلفة، منهم المبتدئون الذين يعتمدون على كوب صغير أو فنجان يتنقل بين حروف قد رسمت فوق منضدة، وتتكون إجابات الأرواح المستحضرة - حسب زعمهم - من مجموع الحروف بحسب ترتيب تنقله فيها، ومنهم من يعتمد على طريقة السلة يوضع في طرفها قلم يكتب الإجابات على أسئلة السائلين، ومنهم من يعتمد على وسيط كوسيط التنويم المغناطيسي. [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية