الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35442" data-attributes="member: 329"><p>وذكر أنه يشك في مدعي تحضير الأرواح وأن وراءهم من يدفعهم بدليل الدعاية التي عملت لهم، فتسابقت إلى تتبع أخبارهم ونشر ادعاءاتهم صحف ومجلات لم تكن من قبل تنشط لشيء يمس الروح أو الحياة الآخرة، ولم تكن في يوم من الأيام داعية إلى الدين أو الإيمان بالله. وذكر أنهم يهتمون بإحياء الدعوة الفرعونية وغيرها من الدعوات الجاهلية، كما ذكر أن الذين روجوا لأصل هذه الفكرة هم أناس فقدوا عزيزاً عليهم فيعزون أنفسهم بالأوهام، وأن أشهر من روج لهذه البدعة السيد أوليفر لودج الذي فقد ابنه في الحرب العالمية الأولى، ومثله مؤسس الروحية في مصر أحمد فهمي أبو الخير الذي مات ابنه عام (1937 م)، وكان رزق به بعد طول انتظار.</p><p>وذكر الدكتور محمد محمد حسين أنه مارس هذه البدعة فبدأ بطريقة الفنجان والمنضدة فلم يجد فيها ما يبعث على الاقتناع، وانتهى إلى مرحلة الوسيط، وحاول مشاهدة ما يدعونه من تجسيد الروح أو الصوت المباشر ويرونه دليل دعواهم فلم ينجح هو ولا غيره؛ لأنه لا وجود لذلك في حقيقة الأمر، وإنما هي ألاعيب محكمة تقوم على حيل خفية بارعة ترمي إلى هدم الأديان. وأصبحت الصهيونية العالمية الهدامة ليست بعيدة عنها. ولما لم يقتنع بتلك الأفكار الفاسدة وكشف حقيقتها انسحب منها وعزم على توضيح الحقيقة للناس ويقول: (إن هؤلاء المنحرفين لا يزالون بالناس حتى يستلوا من صدورهم الإيمان وما استقر في نفوسهم من عقيدة ويسلمونهم إلى خليط مضطرب من الظنون والأوهام. ومدعو تحضير الأرواح لا يثبتون للرسل صلوات الله وسلامه عليهم إلا صفة الوساطة الروحية، كما قال زعيمهم أرثر فندلاي في كتابه (على حافة العالم الأثري) عن الأنبياء هم: وسطاء في درجة عالية من درجات الوساطة، والمعجزات التي جرت على أيديهم ليست إلا ظواهر روحية كالظواهر التي تحدث في حجرة تحضير الأرواح). </p><p>ويقول الدكتور حسين: (إنهم إذا فشلوا في تحضير الأرواح قالوا: الوسيط غير ناجح أو مجهد أو إن شهود الجلسة غير متوافقين، أو إن بينهم من حضر إلى الاجتماع شاكاً أو متحدياً). ومن بين مزاعمهم الباطلة أنهم زعموا أن جبريل عليه السلام يحضر جلساتهم ويباركها - قبحهم الله - انتهى المقصود من كلام الدكتور محمد محمد حسين.</p><p>ومما ذكرناه في أول الجواب وما ذكرته اللجنة والدكتور محمد محمد حسين في التنويم المغناطيسي يتضح بطلان ما يدعيه محادثوا الأرواح من كونهم يحضرون أرواح الموتى ويسألونهم عما أرادوه، ويعلم أن هذه كلها أعمال شيطانية وشعوذة باطلة داخلة فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال الكهنة والعرافين وأصحاب التنجيم ونحوهم، والواجب على المسئولين في الدول الإسلامية منع هذا الباطل والقضاء عليه وعقوبة من يتعاطاه حتى يكف عنه، كما أن الواجب على رؤساء تحرير الصحف الإسلامية أن لا ينقلوا هذا الباطل وأن لا يدنسوا به صحفهم، وإذا كان لابد من نقل فليكن نقل الرد والتزييف والإبطال والتحذير من ألاعيب الشياطين من الإنس والجن ومكرهم وخداعهم وتلبيسهم على الناس، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وهو المسئول سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، ويمنحهم الفقه في الدين، ويعيذهم من خداع المجرمين وتلبيس أولياء الشياطين إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. </p><p>الفصل الثامن: دخول الجني في الإنسي</p><p>قد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه إياه.... وأنا أذكر لك أيها القارئ ما تيسر من كلام أهل العلم في ذلك إن شاء الله. </p><p>بيان كلام المفسرين رحمهم الله في قوله تعالى:</p><p>{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]، قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، ما نصه:</p><p>(يعني بذلك يخبله الشيطان في الدنيا وهو الذي يخنقه فيصرعه من المس يعني: من الجنون)، وقال البغوي رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه: {لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، (أي: الجنون. يقال: مُس الرجل فهو ممسوس إذا كان مجنوناً) ا هـ.</p><p>وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، (أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً). </p><p>وقال ابن عباس رضي الله عنه: (آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق) رواه ابن أبي حاتم .</p><p>قال: وروي عن عوف ابن مالك وسعيد بن جبير والسدي والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك. انتهى المقصود من كلامه رحمه الله. وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره على قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، (في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس). ا هـ. </p><p>وكلام المفسرين في هذا المعنى كثير من أراده وجده. </p><p>وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (إيضاح الدلالة في عموم الرسالة للثقلين) الموجود في مجموع الفتاوى(19 / 9 - 65) ما نصه بعد كلام سبق: (ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك. ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون: أن الجني يدخل في بدن المصروع، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة: 275]، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: (قلت: لأبي إن قوماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي، فقال: يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه وهذا مبسوط في موضعه).</p><p>وقال أيضاً رحمه الله في (24/ من الفتاوى ص 276- 277) ما نصه: (وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق سلف الأمة وأئمتها، وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة: 275]، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)) .</p><p>وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: (قلت لأبي إن أقواماً يقولون: إن الجني لا يدخل بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه)، وهذا الذي قاله أمر مشهور، فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضرباً عظيماً لو ضرب به جمل لأثر به أثراً عظيماً، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع غير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكانٍ إلى مكان، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علماً ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان، وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك). أ هـ. </p><p>وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد) (4/ 66 -69) ما نصه: </p><p>(الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه.</p><p>وأما صرع الأرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة، فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها، وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه، فذكر بعض علاج الصرع وقال: (هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج. </p><p>وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلة فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها).</p><p>إلى أن قال: (وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده، ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم. </p><p>وعلاج هذا النوع يكون بأمرين: أمر من جهة المصروع، وأمر من جهة المعالج، فالذي من جهة المصروع: يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها، والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان، فإن هذا نوع محاربة، والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين: أن يكون السلاح صحيحاً في نفسه جيداً، وأن يكون الساعد قوياً فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل، فكيف إذا عدم الأمران جميعاً! ويكون القلب خراباً من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه، ولا سلاح له. </p><p>والثاني من جهة المعالج: بأن يكون فيه هذان الأمران أيضاً، حتى أن من المعالجين من يكتفي بقوله: (اخرج منه) أو يقول: (بسم الله) أو يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((اخرج عدو الله أنا رسول الله)) .</p><p>وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه. ويقول قال لك الشيخ: اخرجي، فإن هذا لا يحل لك، فيفيق المصروع، وربما خاطبها بنفسه وربما كانت الروح ماردةً فيخرجها بالضرب. فيفيق المصروع ولا يحس بألم، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مراراً...) إلى أن قال: (وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والإيمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه، وربما كان عرياناً فيؤثر فيه هذا..). انتهى المقصود من كلامه رحمه الله.</p><p>وبما ذكرناه من الأدلة الشرعية وإجماع أهل العلم من أهل السنة والجماعة على جواز دخول الجني بالإنسي، يتبين للقراء بطلان قول من أنكر ذلك، وخطأ فضيلة الشيخ علي الطنطاوي في إنكاره ذلك.</p><p>وقد وعد في كلمته أنه يرجع إلى الحق متى أرشد إليه فلعله يرجع إلى الصواب بعد قراءته ما ذكرنا، نسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق. </p><p>ومما ذكرنا أيضاً يعلم أن ما نقلته صحيفة(الندوة) في عددها الصادر في (14/ 10/ 1407 هـ) (ص: 8) عن الدكتور محمد عرفان من أن كلمة جنون اختفت من القاموس الطبي، وزعمه أن دخول الجني في الإنسي ونطقه على لسانه أنه مفهوم علمي خاطئ مائة في المائة. كل ذلك باطل نشأ عن قلة العلم بالأمور الشرعية وبما قرره أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وإذا خفي هذا الأمر على كثير من الأطباء لم يكن ذلك حجة على عدم وجوده، بل يدل ذلك على جهلهم العظيم بما علمه غيرهم من العلماء المعروفين بالصدق والأمانة والبصيرة بأمر الدين، بل هو إجماع من أهل السنة والجماعة، كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية عن جميع أهل العلم، ونقل عن أبي الحسن الأشعري أنه نقل ذلك عن أهل السنة والجماعة، ونقل ذلك أيضاً عن أبي الحسن الأشعري العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشبلي الحنفي المتوفي سنة (799 هـ) في كتابه (آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان) في الباب الحادي والخمسين من كتابه المذكور. </p><p>وقد سبق في كلام ابن القيم رحمه الله أن أئمة الأطباء وعقلاءهم يعترفون به ولا يدفعونه، وإنما أنكر ذلك جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم وزنادقتهم. فاعلم ذلك أيها القارئ وتمسك بما ذكرناه من الحق ولا تغتر بجهلة الأطباء وغيرهم، ولا بمن يتكلم في هذا الأمر بغير علم ولا بصيرة، بل بالتقليد لجهلة الأطباء وبعض أهل البدع من المعتزلة وغيرهم، والله المستعان.. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز 3/302</p><p>الباب السابع: وجوب لزوم الجماعة والاعتصام بالكتاب والسنة وذم البدع</p><p>الفصل الأول: الحث على الجماعة وذم التفرق</p><p>المبحث الأول: الحث على الجماعة والأمر بلزومها</p><p>المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة</p><p>لقد وردت في كتاب الله الكريم، آيات تأمر المؤمنين وتحثهم على لزوم الجماعة، والائتلاف، وتبين لهم أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، وهي حقيقة جاء تأكيدها في أكثر من موضع في القرآن الكريم.</p><p>ولكن لابد لهذا الأصل العظيم من شروط يجب تحقيقها، وضوابط يجب مراعاتها، ولا سبيل إلى تحقيق هذه الغاية الجليلة إلا باعتبار تلك الشروط والضوابط.</p><p>لذلك جاءت آيات أخرى مبينة للشروط، وموضحة للضوابط، ومن أمثلة ذلك الأمر بإقامة الدين كله، بتوحيد الله تبارك وتعالى، واجتناب الشرك بكافة أنواعه وفروعه.</p><p>ومن ذلك أيضاً الحث على الأخوة الإيمانية، والأمر بالتعاون على البر والتقوى. وقد استنبط العلماء –رحمهم الله- من هذه الآيات، المقومات الصحيحة لاجتماع المسلمين وتآلفهم.</p><p>وفيما يلي ذكر أهم الأدلة من القرآن الكريم على وجوب لزوم الجماعة:</p><p>(الدليل الأول) قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: 102-103].</p><p>ذكر ابن جرير –رحمه الله- بأسانيده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا}. قال: الجماعة .</p><p>وذكر بأسانيده أقوالاً أخرى عن السلف في تفسير معنى (حبل الله) منها: القرآن، والإخلاص لله وحده، والإسلام .</p><p>وهذه الأقوال مؤداها واحد، ونتيجتها واحدة، فإن الاعتصام بالقرآن، والإخلاص لله وحده، والتمسك بالإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلها مما ينتج عنه تآلف المسلمين واجتماعهم وترابطهم وترابطهم وتماسك مجتمعهم.</p><p>وقال ابن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية: (يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله) .</p><p>وقال ابن كثير رحمه الله: (وقوله {وَلاَ تَفَرَّقُواْ} أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة.. وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف).</p><p>إلى أن قال: (وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ، كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضاً. وخيف عليهم الافتراق والاختلاف فقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار، وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) .</p><p>وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: عن عبد الله بن مسعود {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}. قال: الجماعة، روي عنه وعن غيره من وجوه، والمعنى كله متقارب متداخل فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة فإن الفرقة هلكة والجماعة نجاة. ورحم الله ابن المبارك حيث قال:</p><p>إن الجماعة حبل الله فاعتصموا </p><p>منه بعروته الوثقى لمن دانا </p><p></p><p></p><p>وقال الشوكاني –رحمه الله-: ({وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا}. الحبل لفظ مشترك، وأصله في اللغة السبب الذي يتوصل به إلى البغية، وهو إما تمثيل أو استعارة. أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن، ونهاهم عن التفرق الناشئ عن الاختلاف في الدين) . وتبين لنا من كلام هؤلاء العلماء الأجلاء المنهج الصحيح الذي يؤدي إلى اجتماع كلمة المسلمين وتآلفهم. فإننا نلاحظ العبارة الدقيقة التي استعملها الطبري رحمه الله حيث قال: (والاجتماع على كلمة الحق). فإنه بدون هذا الضابط لا يكون الاجتماع صحيحا.</p><p>فلابد من أن يكون أساس الاجتماع هو الحق وكلمة الحق، وهذه الكلمة غالباً ما تطلق على كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ولازمتها (محمد رسول الله) وذلك على فهم السلف الصالح لها بمراعاة شروطها، ولوازمها، وحقيقتها، ومعناها الصحيح مع معرفة نواقضها للاحتراز منها.</p><p>ثم نلاحظ أن ابن كثير رحمه الله بعد ذكره للاختلاف والفرقة التي حصلت في هذه الأمة، جعل مناط النجاة والفوز أن يكون المسلم متمسكاً بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم فيكون بذلك من الفرقة الناجية وذلك لما ورد في حديث الافتراق الصحيح الذي سيأتي تخريجه في الفضل القادم.</p><p>ويقول الشوكاني رحمه الله: (أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن). إذن فهي العودة الصحيحة إلى الينابيع التي قام عليها هذا الدين وهي الكتاب والسنة وما كان عليه سلفنا الصالح.</p><p>أما حقيقة الاعتصام بكتاب الله فيوجزها ابن القيم رحمه الله (وهو تحكيمه دون آراء الرجال ومقاييسهم، ومعقولاتهم، وأذواقهم وكشوفاتهم، ومواجيدهم. فمن لم يكن كذلك فهو منسل من هذا الاعتصام. فالدين كله في الاعتصام به وبحبله، علماً وعملاً، وإخلاصاً واستعانة، ومتابعة، واستمراراً على ذلك إلى يوم القيامة) .</p><p>وأما قوله تعالى في آخر الآية: {وَلاَ تَفَرَّقُواْ} ولا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد إليكم في كتابه من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء إلى أمره .</p><p>ثم ذكر بسنده عن قتادة في قوله تعالى: {وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ}. أنه قال: (إن الله عز وجل قد كره لكم الفرقة وقدم إليكم فيها، وحذركموها، ونهاكم عنها، ورضي لكم السمع والطاعة، والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضي الله لكم إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله) .</p><p>وقال القرطبي رحمه الله في شأن ما يستنبط من الآية من الأحكام:</p><p>(الثانية قوله تعالى: {وَلاَ تَفَرَّقُواْ} يعني في دينكم كما افترقت اليهود والنصارى في أديانهم.</p><p>عن ابن مسعود وغيره: ويجوز أن يكون معناه ولا تفرقوا متابعين للهوى والأغراض المختلفة، وكونوا في دين الله إخواناً، فيكون ذلك منعاً لهم عن التقاطع والتدابر، ودل عليه ما بعده وهو قوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}. وليس فيه دليل على تحريم الاختلاف في الفروع، فإن ذلك ليس اختلافاً إذ الاختلاف ما يتعذر معه الائتلاف والجمع وأما حكم مسائل الاجتهاد فإن الاختلاف فيها بسبب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشرع، ومازالت الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث، وهم مع ذلك متآلفون) .</p><p>وقال القرطبي رحمه الله: (وقال ابن عباس لسماك الحنفي: يا حنفي الجماعة الجماعة!! فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها، أما سمعت الله عز وجل يقول: {واعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}). إلى أن قال: (فأوجب تعالى علينا التمس بكتابه وسنة نبيه والرجوع إليهما عند الاختلاف، وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقاداً وعملاً، وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين، والسلامة من الاختلاف، وأمر بالاجتماع ونهى عن الافتراق الذي حصل لأهل الكتابين) .</p><p>الذي يتأمل في كلام القرطبي رحمه الله وخاصة قوله: (وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقاداً وعملاً، وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات) يدرك تماماً أن هذه هي الركيزة والقاعدة الأساسية في اجتماع كلمة المسلمين، وحصول تآلفهم، وأن هذا هو الحل الصحيح لمأساة الفرقة التي وقعت بين المسلمين، وأن أي حل تلفيقي آخر لن ينجح لحل مأساة فرقة المسلمين، مثل محاولة التقريب بين المذاهب العقدية التي طرحها بعض الناس في عصرنا.</p><p>وهذه الآية الكريمة من سورة آل عمران هي الآية الجامعة في هذا الباب، وكفى بها آية عظيمة استطاع المفسرون وعلماء الإسلام أن يستنبطوا منها مقومات الألفة والترابط التي تكفل اجتماع المسلمين وائتلافهم، وتقضي على أسباب الفرقة والاختلاف.</p><p>الدليل الثاني: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} [الحجرات: 10].</p><p>نصت هذه الآية الكريمة على مبدأ عظيم من مبادئ دين الإسلام ألا وهو التآخي في الله والتحابب فيه.</p><p>وقد أولى الإسلام هذا الجانب عناية كبيرة، ويعتبر من الدعائم الرئيسية التي تقوم عليها وحدة المسلمين وائتلافهم واجتماعهم. لذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان من أول الأعمال العظيمة التي قام بها بعد هجرته إلى المدينة المنورة، هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.</p><p>وقد كان لهذا التآخي عظيم الأثر في وحدة المجتمع المسلم وفي تماسكه وترابطه. يقول الشيخ محمد الصادق عرجون رحمه الله: "وبهذه المؤاخاة الاجتماعية في الارتفاق والمناصرة، والتعاون والتساعد والتعاضد، والحب في الله ولله الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم، أساساً لهذه المؤاخاة بقوله لأصحابه من المهاجرين والأنصار: "تآخوا في الله، أخوين، أخوين" تم تصحيح تركيب المجتمع المسلم.</p><p>والتآخي في الله هو الثمرة الجنية العملية للحب في الله الذي اتخذته الوحدة الإيمانية عنواناً على وجودها في واقع حياة المجتمع المسلم لقوله صلى الله عليه وسلم، في حديث البخاري: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)) .</p><p>وتصحيح تركيب المجتمع المسلم على أساس الحب في الله ولله جعل من هذا المجتمع يداً واحدة، وكلمة واحدة، وعملاً واحداً، وذمة واحدة، ودما واحدا، وفكرا واحدا، ونظاماً واحداً في سياسته ووسائل حياته وتربيته وسلوكه وأخلاقياته، كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح الثابت: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم)) اهـ . .</p><p>ولقد عد النبي صلى الله عليه وسلم، الحب في الله من أوثق عرى الإيمان فقال في الحديث الصحيح الذي يرويه عنه ابن عباس رضي الله عنهما: ((أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله)) .</p><p>وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم، الحب في الله من الأسباب التي يجد بها المؤمن حلاوة الإيمان، فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)) .</p><p>وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) وعد منهم: ((رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)) .</p><p>وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتناصحين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في. المتحابون في على منابر من نور، يغبطهم بمكانهما النبيون والصديقون والشهداء)). </p><p>وهكذا نلاحظ أن الأخوة في الله كما أن فضلها عظيم فهي من ركائز الإيمان التي ينبغي لكل مسلم أن يعنى بها.</p><p>والناظر في حياة المسلمين اليوم يرى أن هذا المبدأ العظيم قد اعتراه الوهن والضعف وذلك لتفريط المسلمين في حقه وعدم اعتنائهم به أفراداً وجماعات. فنجد على مستوى الأفراد عدم مراعاة حق الجوار حتى إن الجار قد لا يعرف جاره، وعلى مستوى الجماعات حصول القطيعة بين الجماعات التي تسلك طريق الدعوة إلى الله وتنادي بجمع كلمة المسلمين، وهم أولى بجمع كلمتهم وتآلفهم ليكونوا بذلك قدوة لمجتمعاتهم الإسلامية.</p><p>الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة: 71].</p><p>تقرر هذه الآية الكريمة مبدأ (الولاء) بين المؤمنين والمؤمنات، وهو مبدأ أوسع من المبدأ السابق الذي هو (التآخي). وما التآخي إلا جزء من الولاء، قال الشيخ محمد بن سعيد القحطاني في تعريف الولاء: (الولاية هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطناً) .</p><p>وإن كان رابط التآخي قد وهن بين المسلمين فهذا الموضوع -وهو الولاء- قد وهن وضعف من باب أولى وذلك لأسباب أهمها:</p><p>الأول: تفرق المسلمين إلى فرق وشيع وأحزاب حيث أصبح مبدأ الولاء مرتبطاً بالحزب والجماعة لا بالإسلام وهذا غبش في التصور.</p><p>يقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد: (وإن الحزبية ذات المسارات والقوالب المستحدثة التي لم يعهدها السلف من أعظم العوائق عن العلم، والتفريق عن الجماعة، فكم أوهنت حبل الاتحاد الإسلامي وغشيت المسلمين بسببها الغواشي) .</p><p>الثاني: تكالب المسلمين على الدنيا وتنافسهم عليها مما سبب بينهم الأحقاد والحسد فأصبحت علاقات الناس مبنية على أمور الدنيا ومصالحها الزائلة وهذا انقلاب في المفاهيم.</p><p>ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم، أمته من التنافس على الدنيا وعلل ذلك بأنه سبب للهلاك، وأخبر بأن هذا الأمر قد وقع في الأمم السابقة.</p><p>ففي الحديث الذي رواه عمرو بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أبشروا، وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)) .</p><p>وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً) .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35442, member: 329"] وذكر أنه يشك في مدعي تحضير الأرواح وأن وراءهم من يدفعهم بدليل الدعاية التي عملت لهم، فتسابقت إلى تتبع أخبارهم ونشر ادعاءاتهم صحف ومجلات لم تكن من قبل تنشط لشيء يمس الروح أو الحياة الآخرة، ولم تكن في يوم من الأيام داعية إلى الدين أو الإيمان بالله. وذكر أنهم يهتمون بإحياء الدعوة الفرعونية وغيرها من الدعوات الجاهلية، كما ذكر أن الذين روجوا لأصل هذه الفكرة هم أناس فقدوا عزيزاً عليهم فيعزون أنفسهم بالأوهام، وأن أشهر من روج لهذه البدعة السيد أوليفر لودج الذي فقد ابنه في الحرب العالمية الأولى، ومثله مؤسس الروحية في مصر أحمد فهمي أبو الخير الذي مات ابنه عام (1937 م)، وكان رزق به بعد طول انتظار. وذكر الدكتور محمد محمد حسين أنه مارس هذه البدعة فبدأ بطريقة الفنجان والمنضدة فلم يجد فيها ما يبعث على الاقتناع، وانتهى إلى مرحلة الوسيط، وحاول مشاهدة ما يدعونه من تجسيد الروح أو الصوت المباشر ويرونه دليل دعواهم فلم ينجح هو ولا غيره؛ لأنه لا وجود لذلك في حقيقة الأمر، وإنما هي ألاعيب محكمة تقوم على حيل خفية بارعة ترمي إلى هدم الأديان. وأصبحت الصهيونية العالمية الهدامة ليست بعيدة عنها. ولما لم يقتنع بتلك الأفكار الفاسدة وكشف حقيقتها انسحب منها وعزم على توضيح الحقيقة للناس ويقول: (إن هؤلاء المنحرفين لا يزالون بالناس حتى يستلوا من صدورهم الإيمان وما استقر في نفوسهم من عقيدة ويسلمونهم إلى خليط مضطرب من الظنون والأوهام. ومدعو تحضير الأرواح لا يثبتون للرسل صلوات الله وسلامه عليهم إلا صفة الوساطة الروحية، كما قال زعيمهم أرثر فندلاي في كتابه (على حافة العالم الأثري) عن الأنبياء هم: وسطاء في درجة عالية من درجات الوساطة، والمعجزات التي جرت على أيديهم ليست إلا ظواهر روحية كالظواهر التي تحدث في حجرة تحضير الأرواح). ويقول الدكتور حسين: (إنهم إذا فشلوا في تحضير الأرواح قالوا: الوسيط غير ناجح أو مجهد أو إن شهود الجلسة غير متوافقين، أو إن بينهم من حضر إلى الاجتماع شاكاً أو متحدياً). ومن بين مزاعمهم الباطلة أنهم زعموا أن جبريل عليه السلام يحضر جلساتهم ويباركها - قبحهم الله - انتهى المقصود من كلام الدكتور محمد محمد حسين. ومما ذكرناه في أول الجواب وما ذكرته اللجنة والدكتور محمد محمد حسين في التنويم المغناطيسي يتضح بطلان ما يدعيه محادثوا الأرواح من كونهم يحضرون أرواح الموتى ويسألونهم عما أرادوه، ويعلم أن هذه كلها أعمال شيطانية وشعوذة باطلة داخلة فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال الكهنة والعرافين وأصحاب التنجيم ونحوهم، والواجب على المسئولين في الدول الإسلامية منع هذا الباطل والقضاء عليه وعقوبة من يتعاطاه حتى يكف عنه، كما أن الواجب على رؤساء تحرير الصحف الإسلامية أن لا ينقلوا هذا الباطل وأن لا يدنسوا به صحفهم، وإذا كان لابد من نقل فليكن نقل الرد والتزييف والإبطال والتحذير من ألاعيب الشياطين من الإنس والجن ومكرهم وخداعهم وتلبيسهم على الناس، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وهو المسئول سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، ويمنحهم الفقه في الدين، ويعيذهم من خداع المجرمين وتلبيس أولياء الشياطين إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. الفصل الثامن: دخول الجني في الإنسي قد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه إياه.... وأنا أذكر لك أيها القارئ ما تيسر من كلام أهل العلم في ذلك إن شاء الله. بيان كلام المفسرين رحمهم الله في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]، قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، ما نصه: (يعني بذلك يخبله الشيطان في الدنيا وهو الذي يخنقه فيصرعه من المس يعني: من الجنون)، وقال البغوي رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه: {لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، (أي: الجنون. يقال: مُس الرجل فهو ممسوس إذا كان مجنوناً) ا هـ. وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، (أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً). وقال ابن عباس رضي الله عنه: (آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق) رواه ابن أبي حاتم . قال: وروي عن عوف ابن مالك وسعيد بن جبير والسدي والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك. انتهى المقصود من كلامه رحمه الله. وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره على قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، (في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس). ا هـ. وكلام المفسرين في هذا المعنى كثير من أراده وجده. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (إيضاح الدلالة في عموم الرسالة للثقلين) الموجود في مجموع الفتاوى(19 / 9 - 65) ما نصه بعد كلام سبق: (ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك. ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون: أن الجني يدخل في بدن المصروع، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة: 275]، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: (قلت: لأبي إن قوماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي، فقال: يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه وهذا مبسوط في موضعه). وقال أيضاً رحمه الله في (24/ من الفتاوى ص 276- 277) ما نصه: (وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق سلف الأمة وأئمتها، وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة: 275]، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)) . وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: (قلت لأبي إن أقواماً يقولون: إن الجني لا يدخل بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه)، وهذا الذي قاله أمر مشهور، فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضرباً عظيماً لو ضرب به جمل لأثر به أثراً عظيماً، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع غير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكانٍ إلى مكان، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علماً ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان، وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك). أ هـ. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد) (4/ 66 -69) ما نصه: (الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه. وأما صرع الأرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة، فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها، وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه، فذكر بعض علاج الصرع وقال: (هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج. وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلة فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها). إلى أن قال: (وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده، ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم. وعلاج هذا النوع يكون بأمرين: أمر من جهة المصروع، وأمر من جهة المعالج، فالذي من جهة المصروع: يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها، والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان، فإن هذا نوع محاربة، والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين: أن يكون السلاح صحيحاً في نفسه جيداً، وأن يكون الساعد قوياً فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل، فكيف إذا عدم الأمران جميعاً! ويكون القلب خراباً من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه، ولا سلاح له. والثاني من جهة المعالج: بأن يكون فيه هذان الأمران أيضاً، حتى أن من المعالجين من يكتفي بقوله: (اخرج منه) أو يقول: (بسم الله) أو يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((اخرج عدو الله أنا رسول الله)) . وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه. ويقول قال لك الشيخ: اخرجي، فإن هذا لا يحل لك، فيفيق المصروع، وربما خاطبها بنفسه وربما كانت الروح ماردةً فيخرجها بالضرب. فيفيق المصروع ولا يحس بألم، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مراراً...) إلى أن قال: (وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والإيمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه، وربما كان عرياناً فيؤثر فيه هذا..). انتهى المقصود من كلامه رحمه الله. وبما ذكرناه من الأدلة الشرعية وإجماع أهل العلم من أهل السنة والجماعة على جواز دخول الجني بالإنسي، يتبين للقراء بطلان قول من أنكر ذلك، وخطأ فضيلة الشيخ علي الطنطاوي في إنكاره ذلك. وقد وعد في كلمته أنه يرجع إلى الحق متى أرشد إليه فلعله يرجع إلى الصواب بعد قراءته ما ذكرنا، نسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق. ومما ذكرنا أيضاً يعلم أن ما نقلته صحيفة(الندوة) في عددها الصادر في (14/ 10/ 1407 هـ) (ص: 8) عن الدكتور محمد عرفان من أن كلمة جنون اختفت من القاموس الطبي، وزعمه أن دخول الجني في الإنسي ونطقه على لسانه أنه مفهوم علمي خاطئ مائة في المائة. كل ذلك باطل نشأ عن قلة العلم بالأمور الشرعية وبما قرره أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وإذا خفي هذا الأمر على كثير من الأطباء لم يكن ذلك حجة على عدم وجوده، بل يدل ذلك على جهلهم العظيم بما علمه غيرهم من العلماء المعروفين بالصدق والأمانة والبصيرة بأمر الدين، بل هو إجماع من أهل السنة والجماعة، كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية عن جميع أهل العلم، ونقل عن أبي الحسن الأشعري أنه نقل ذلك عن أهل السنة والجماعة، ونقل ذلك أيضاً عن أبي الحسن الأشعري العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشبلي الحنفي المتوفي سنة (799 هـ) في كتابه (آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان) في الباب الحادي والخمسين من كتابه المذكور. وقد سبق في كلام ابن القيم رحمه الله أن أئمة الأطباء وعقلاءهم يعترفون به ولا يدفعونه، وإنما أنكر ذلك جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم وزنادقتهم. فاعلم ذلك أيها القارئ وتمسك بما ذكرناه من الحق ولا تغتر بجهلة الأطباء وغيرهم، ولا بمن يتكلم في هذا الأمر بغير علم ولا بصيرة، بل بالتقليد لجهلة الأطباء وبعض أهل البدع من المعتزلة وغيرهم، والله المستعان.. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز 3/302 الباب السابع: وجوب لزوم الجماعة والاعتصام بالكتاب والسنة وذم البدع الفصل الأول: الحث على الجماعة وذم التفرق المبحث الأول: الحث على الجماعة والأمر بلزومها المطلب الأول: الأدلة من الكتاب على لزوم الجماعة لقد وردت في كتاب الله الكريم، آيات تأمر المؤمنين وتحثهم على لزوم الجماعة، والائتلاف، وتبين لهم أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، وهي حقيقة جاء تأكيدها في أكثر من موضع في القرآن الكريم. ولكن لابد لهذا الأصل العظيم من شروط يجب تحقيقها، وضوابط يجب مراعاتها، ولا سبيل إلى تحقيق هذه الغاية الجليلة إلا باعتبار تلك الشروط والضوابط. لذلك جاءت آيات أخرى مبينة للشروط، وموضحة للضوابط، ومن أمثلة ذلك الأمر بإقامة الدين كله، بتوحيد الله تبارك وتعالى، واجتناب الشرك بكافة أنواعه وفروعه. ومن ذلك أيضاً الحث على الأخوة الإيمانية، والأمر بالتعاون على البر والتقوى. وقد استنبط العلماء –رحمهم الله- من هذه الآيات، المقومات الصحيحة لاجتماع المسلمين وتآلفهم. وفيما يلي ذكر أهم الأدلة من القرآن الكريم على وجوب لزوم الجماعة: (الدليل الأول) قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: 102-103]. ذكر ابن جرير –رحمه الله- بأسانيده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا}. قال: الجماعة . وذكر بأسانيده أقوالاً أخرى عن السلف في تفسير معنى (حبل الله) منها: القرآن، والإخلاص لله وحده، والإسلام . وهذه الأقوال مؤداها واحد، ونتيجتها واحدة، فإن الاعتصام بالقرآن، والإخلاص لله وحده، والتمسك بالإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلها مما ينتج عنه تآلف المسلمين واجتماعهم وترابطهم وترابطهم وتماسك مجتمعهم. وقال ابن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية: (يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله) . وقال ابن كثير رحمه الله: (وقوله {وَلاَ تَفَرَّقُواْ} أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة.. وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف). إلى أن قال: (وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ، كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضاً. وخيف عليهم الافتراق والاختلاف فقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار، وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) . وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: عن عبد الله بن مسعود {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}. قال: الجماعة، روي عنه وعن غيره من وجوه، والمعنى كله متقارب متداخل فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة فإن الفرقة هلكة والجماعة نجاة. ورحم الله ابن المبارك حيث قال: إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا وقال الشوكاني –رحمه الله-: ({وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا}. الحبل لفظ مشترك، وأصله في اللغة السبب الذي يتوصل به إلى البغية، وهو إما تمثيل أو استعارة. أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن، ونهاهم عن التفرق الناشئ عن الاختلاف في الدين) . وتبين لنا من كلام هؤلاء العلماء الأجلاء المنهج الصحيح الذي يؤدي إلى اجتماع كلمة المسلمين وتآلفهم. فإننا نلاحظ العبارة الدقيقة التي استعملها الطبري رحمه الله حيث قال: (والاجتماع على كلمة الحق). فإنه بدون هذا الضابط لا يكون الاجتماع صحيحا. فلابد من أن يكون أساس الاجتماع هو الحق وكلمة الحق، وهذه الكلمة غالباً ما تطلق على كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ولازمتها (محمد رسول الله) وذلك على فهم السلف الصالح لها بمراعاة شروطها، ولوازمها، وحقيقتها، ومعناها الصحيح مع معرفة نواقضها للاحتراز منها. ثم نلاحظ أن ابن كثير رحمه الله بعد ذكره للاختلاف والفرقة التي حصلت في هذه الأمة، جعل مناط النجاة والفوز أن يكون المسلم متمسكاً بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم فيكون بذلك من الفرقة الناجية وذلك لما ورد في حديث الافتراق الصحيح الذي سيأتي تخريجه في الفضل القادم. ويقول الشوكاني رحمه الله: (أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن). إذن فهي العودة الصحيحة إلى الينابيع التي قام عليها هذا الدين وهي الكتاب والسنة وما كان عليه سلفنا الصالح. أما حقيقة الاعتصام بكتاب الله فيوجزها ابن القيم رحمه الله (وهو تحكيمه دون آراء الرجال ومقاييسهم، ومعقولاتهم، وأذواقهم وكشوفاتهم، ومواجيدهم. فمن لم يكن كذلك فهو منسل من هذا الاعتصام. فالدين كله في الاعتصام به وبحبله، علماً وعملاً، وإخلاصاً واستعانة، ومتابعة، واستمراراً على ذلك إلى يوم القيامة) . وأما قوله تعالى في آخر الآية: {وَلاَ تَفَرَّقُواْ} ولا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد إليكم في كتابه من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء إلى أمره . ثم ذكر بسنده عن قتادة في قوله تعالى: {وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ}. أنه قال: (إن الله عز وجل قد كره لكم الفرقة وقدم إليكم فيها، وحذركموها، ونهاكم عنها، ورضي لكم السمع والطاعة، والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضي الله لكم إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله) . وقال القرطبي رحمه الله في شأن ما يستنبط من الآية من الأحكام: (الثانية قوله تعالى: {وَلاَ تَفَرَّقُواْ} يعني في دينكم كما افترقت اليهود والنصارى في أديانهم. عن ابن مسعود وغيره: ويجوز أن يكون معناه ولا تفرقوا متابعين للهوى والأغراض المختلفة، وكونوا في دين الله إخواناً، فيكون ذلك منعاً لهم عن التقاطع والتدابر، ودل عليه ما بعده وهو قوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}. وليس فيه دليل على تحريم الاختلاف في الفروع، فإن ذلك ليس اختلافاً إذ الاختلاف ما يتعذر معه الائتلاف والجمع وأما حكم مسائل الاجتهاد فإن الاختلاف فيها بسبب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشرع، ومازالت الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث، وهم مع ذلك متآلفون) . وقال القرطبي رحمه الله: (وقال ابن عباس لسماك الحنفي: يا حنفي الجماعة الجماعة!! فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها، أما سمعت الله عز وجل يقول: {واعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}). إلى أن قال: (فأوجب تعالى علينا التمس بكتابه وسنة نبيه والرجوع إليهما عند الاختلاف، وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقاداً وعملاً، وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين، والسلامة من الاختلاف، وأمر بالاجتماع ونهى عن الافتراق الذي حصل لأهل الكتابين) . الذي يتأمل في كلام القرطبي رحمه الله وخاصة قوله: (وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقاداً وعملاً، وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات) يدرك تماماً أن هذه هي الركيزة والقاعدة الأساسية في اجتماع كلمة المسلمين، وحصول تآلفهم، وأن هذا هو الحل الصحيح لمأساة الفرقة التي وقعت بين المسلمين، وأن أي حل تلفيقي آخر لن ينجح لحل مأساة فرقة المسلمين، مثل محاولة التقريب بين المذاهب العقدية التي طرحها بعض الناس في عصرنا. وهذه الآية الكريمة من سورة آل عمران هي الآية الجامعة في هذا الباب، وكفى بها آية عظيمة استطاع المفسرون وعلماء الإسلام أن يستنبطوا منها مقومات الألفة والترابط التي تكفل اجتماع المسلمين وائتلافهم، وتقضي على أسباب الفرقة والاختلاف. الدليل الثاني: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} [الحجرات: 10]. نصت هذه الآية الكريمة على مبدأ عظيم من مبادئ دين الإسلام ألا وهو التآخي في الله والتحابب فيه. وقد أولى الإسلام هذا الجانب عناية كبيرة، ويعتبر من الدعائم الرئيسية التي تقوم عليها وحدة المسلمين وائتلافهم واجتماعهم. لذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان من أول الأعمال العظيمة التي قام بها بعد هجرته إلى المدينة المنورة، هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. وقد كان لهذا التآخي عظيم الأثر في وحدة المجتمع المسلم وفي تماسكه وترابطه. يقول الشيخ محمد الصادق عرجون رحمه الله: "وبهذه المؤاخاة الاجتماعية في الارتفاق والمناصرة، والتعاون والتساعد والتعاضد، والحب في الله ولله الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم، أساساً لهذه المؤاخاة بقوله لأصحابه من المهاجرين والأنصار: "تآخوا في الله، أخوين، أخوين" تم تصحيح تركيب المجتمع المسلم. والتآخي في الله هو الثمرة الجنية العملية للحب في الله الذي اتخذته الوحدة الإيمانية عنواناً على وجودها في واقع حياة المجتمع المسلم لقوله صلى الله عليه وسلم، في حديث البخاري: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)) . وتصحيح تركيب المجتمع المسلم على أساس الحب في الله ولله جعل من هذا المجتمع يداً واحدة، وكلمة واحدة، وعملاً واحداً، وذمة واحدة، ودما واحدا، وفكرا واحدا، ونظاماً واحداً في سياسته ووسائل حياته وتربيته وسلوكه وأخلاقياته، كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح الثابت: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم)) اهـ . . ولقد عد النبي صلى الله عليه وسلم، الحب في الله من أوثق عرى الإيمان فقال في الحديث الصحيح الذي يرويه عنه ابن عباس رضي الله عنهما: ((أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله)) . وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم، الحب في الله من الأسباب التي يجد بها المؤمن حلاوة الإيمان، فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) وعد منهم: ((رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)) . وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتناصحين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في. المتحابون في على منابر من نور، يغبطهم بمكانهما النبيون والصديقون والشهداء)). وهكذا نلاحظ أن الأخوة في الله كما أن فضلها عظيم فهي من ركائز الإيمان التي ينبغي لكل مسلم أن يعنى بها. والناظر في حياة المسلمين اليوم يرى أن هذا المبدأ العظيم قد اعتراه الوهن والضعف وذلك لتفريط المسلمين في حقه وعدم اعتنائهم به أفراداً وجماعات. فنجد على مستوى الأفراد عدم مراعاة حق الجوار حتى إن الجار قد لا يعرف جاره، وعلى مستوى الجماعات حصول القطيعة بين الجماعات التي تسلك طريق الدعوة إلى الله وتنادي بجمع كلمة المسلمين، وهم أولى بجمع كلمتهم وتآلفهم ليكونوا بذلك قدوة لمجتمعاتهم الإسلامية. الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة: 71]. تقرر هذه الآية الكريمة مبدأ (الولاء) بين المؤمنين والمؤمنات، وهو مبدأ أوسع من المبدأ السابق الذي هو (التآخي). وما التآخي إلا جزء من الولاء، قال الشيخ محمد بن سعيد القحطاني في تعريف الولاء: (الولاية هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطناً) . وإن كان رابط التآخي قد وهن بين المسلمين فهذا الموضوع -وهو الولاء- قد وهن وضعف من باب أولى وذلك لأسباب أهمها: الأول: تفرق المسلمين إلى فرق وشيع وأحزاب حيث أصبح مبدأ الولاء مرتبطاً بالحزب والجماعة لا بالإسلام وهذا غبش في التصور. يقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد: (وإن الحزبية ذات المسارات والقوالب المستحدثة التي لم يعهدها السلف من أعظم العوائق عن العلم، والتفريق عن الجماعة، فكم أوهنت حبل الاتحاد الإسلامي وغشيت المسلمين بسببها الغواشي) . الثاني: تكالب المسلمين على الدنيا وتنافسهم عليها مما سبب بينهم الأحقاد والحسد فأصبحت علاقات الناس مبنية على أمور الدنيا ومصالحها الزائلة وهذا انقلاب في المفاهيم. ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم، أمته من التنافس على الدنيا وعلل ذلك بأنه سبب للهلاك، وأخبر بأن هذا الأمر قد وقع في الأمم السابقة. ففي الحديث الذي رواه عمرو بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أبشروا، وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)) . وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً) . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية