الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 35443" data-attributes="member: 329"><p>وقد علق الشيخ محمد القحطاني على هذا الأثر –المنقول عن ابن عباس- بقوله: (وفي عصرنا الحاضر عصر المادة والدنيا قد أصبحت محبة الناس في الأغلب على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئاً.</p><p>ولن تقوم للأمة الإسلامية قائمة إلا بالرجوع إلى الله والاجتماع على الحب فيه والبغض فيه والولاء وله والبراء ممن أمرنا الله بالبراء منه، وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) .</p><p>إذن فعلاج الوهن الذي أصاب هذا المبدأ الإسلامي العظيم إنما يكون بالرجوع إلى الجماعة وترك الفرقة، وبتحكيم الكتاب والسنة وتدبرهما وفهمهما وبالعودة إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم.</p><p>الدليل الرابع: قول تعالى: {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} [الأنفال: 1].</p><p>وقال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9].</p><p>فقد حث سبحانه وتعالى في هذه الآيات الكريمات على إصلاح ذات البين، وعلى الإصلاح بين المؤمنين إذا حصل بينهم ما يفرق جماعتهم، وما يكدر عليهم صفو ألفتهم، وما ذلك إلا ليبقى المجتمع المسلم مترابطاً متحاباً متآلفاً.</p><p>وإذا كان فساد ذات البين هي الحالقة التي تحلق الدين كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، فإن إصلاح ذات البين هو من أعظم القربات إلى الله عز وجل، لكن قد ينتبه المسلمون إلى إصلاح ذات البين في الأمور الدنيوية، من نكاح وبيوع وميراث وما إلى ذلك، ويغفلون عن إصلاح ذات البين فيما هو أعظم وأهم ألا وهو الاختلاف فيما لا يجوز الاختلاف فيه بحال وهو أمر الدين نفسه من عقائد وسلوك وعبادات والتي مبناها على النص والتوقيف.</p><p>موقف السلف الصالح من إصلاح ذات البين في العقائد والسلوك والعبادة:</p><p>إذا نظرنا إلى سيرة سلفنا الصالح في هذا الموضوع نجد نماذج كثيرة من العلماء الأعلام الذين كانت لهم جهود موفقة في رد أهل البدع والمخالفين لأهل السنة إلى الحق.</p><p>فها هو ابن عباس رضي الله عنهما يذهب إلى الخوارج في عقر دارهم، ويناظرهم، ويزيل شبهاتهم، فيرجع منهم من شاء الله له الهداية والسلامة، ويبقى القليل فقط على بدعتهم لسيطرة أهوائهم عليهم.</p><p>وها هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يثبت في الميدان وحده، ويعلن عقيدة السلف ويظهرها في أحلك الظروف وأصعبها، ويناظر خصومه بالكتاب والسنة دون أن يخشى في الله لومة لائم، حتى لو كان الرأي المخالف لأهل السنة يتبناه السلطان، ويفرض على المسلمين فرضا بالقوة .</p><p>وها هو عبد العزيز الكناني رحمه الله لا يصبر لحظة واحدة عندما يسمع بخبر ظهور بدعة بشر المريسي ومن معه في العراق فيسافر من مكة إلى هناك بعد أن استخار الله ولجأ إليه بالدعاء أن يوفقه إلى إظهار الحق وقمع البدعة، وإقامة الحجة على خلقه، وفور وصوله إلى العراق قام بمناظرة المبتدعة جميعاً وهو وحده، فأقام عليهم الحجة، وأظهره الله عز وجل عليهم، مع أنه كان معرضاً نفسه للقتل إذا لم يستطع إقناع الأمير وإفحام الخصوم.</p><p>وها هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يناظر المبتدعة بكل طوائفهم وفرقهم جماعات وأفراداً، كمناقشته لفرقة البطائحية ، وكمناقشته للبكري، فأفحمهم، وأقام الحجة عليهم، وأظهره الله على خصومه، والتزم السنة خلق كثير، وظهرت السنة وسطع نورها فاستبانت لكل ذي بصيرة، وانتشرت بين الناس، ولازالت مناظراته، وعلمه، ونصرته للسنة يجني المسلمون ثمارها إلى يومنا هذا.</p><p>وكم من الأمثلة الكثيرة في تاريخ سلفنا الصالح المضيء لهذه المسألة المهمة ألا وهي إقامة الحجة على الناس ونشر العلم النافع، ونصر السنة، وقمع البدعة، وإصلاح ذات البين إصلاحاً علمياً صحيحاً لا كما ينادي به بعض المصلحين في عصرنا من الإصلاحات التلفيقية العاطفية.</p><p>لقد قام العلماء الأجلاء من سلفنا الصالح بواجبهم خير قيام، ونصروا دين الله عز وجل وأظهروا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحاربوا البدع والضلالات. حتى وصل الأمر بهؤلاء العلماء الأفاضل أن جعلوا إظهار السنة ومحاربة البدعة أفضل من التنسك والنوافل من صيام وقيام وما إلى ذلك، وعللوا ذلك بأن التنسك والصيام والقيام يعود نفعه على الشخص نفسه فقط ولا يتعداه إلى غيره، أما نصرة دين الله وإظهار سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقمع البدع فيعود نفعها ويعم خيرها المسلمين جميعاً.</p><p>وما قام به علماء أهل السنة من نصرة لدين الله يعتبر علماً من أعلام نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمته بخبر يفرح له كل من كان متابعاً لسنته وسائراً على هديه صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله)) .</p><p>ولنا عبرة عظيمة وعظة بليغة في سيرة سلفنا الصالح ومنهجهم النبوي القويم في الدعوة إلى الله وإبلاغه إلى الناس، وفيما يلي بعض العبر والعظات:</p><p>الأولى:</p><p>يجب على من أنعم الله عليهم باقتفاء أثر السلف الصالح، والسير على منهج النبوة، ونور الله أفهامهم وبصائرهم، ورزقهم العلم النافع المستقى من مشكاة النبوة ومن النبع الصافي أن يسعوا في إصلاح ذات بين المسلمين الذين مزقتهم الفرق الضالة المبتدعة، ومزقت صفوفهم الحزبيات الضيقة والانتماءات الطائفية.</p><p>الثانية:</p><p>إن من أوجب الواجبات على العلماء وطلبة العلم في وقتنا هذا وفي كل وقت الدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة وإظهار دين الله عز وجل، وتبصير المسلمين بدينهم، وحثهم على العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحذيرهم من البدع والانحرافات والضلالات، وإزالة الشبهات التي زرعها أولئك المبتدعة الضالون بين أفراد المسلمين ومجتمعاتهم، وفي ذلك اقتفاء للأثر وائتساء بمن مضى من خير البشر.</p><p>الثالثة:</p><p>يجب على العلماء وطلبة العلم إخلاص دعوتهم لله ومن مقتضيات ذلك ولوازمه أن لا يحزبوا الناس حولهم، بل يكون ربطهم للناس بالكتاب والسنة والعقيدة الصحيحة والمنهج السليم، ويكون تعبيد الناس لله رب العالمين.</p><p>ولا ينبغي ولا يجوز بحال أن تكون الدعوة إلى حزب أو طائفة أو شيخ معين، فلا معبود بحق إلا الله، ولا متبوع إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا انتماء إلا إلى الإسلام، ولا سبيل إلا السنة، ولا منهج إلا منهج أهل السنة والجماعة.</p><p>الرابعة:</p><p>ليثبت كل من كان على الطريق الصحيح والمنهج القويم على ما هو عليه متكلاً على الله، مخلصاً له الدين، مرتقياً في درجات الكمال والتقى فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. </p><p>المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها</p><p>الحديث الأول:</p><p>عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله يرضى لكم ثلاثاً، أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)) .</p><p>يقول النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث العظيم: (وأما الاعتصام بحبل الله فهو التمسك بعهده, وهو اتباع كتابه العزيز, وحدوده والتأدب بأدبه. والحبل يطلق على العهد, وعلى الأمان, وعلى الوصلة, وعلى السبب, وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم, ويوصلون بها المتفرق, فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور.</p><p>وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تفرقوا)) فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين, وتآلف بعضهم ببعض وهذه إحدى قواعد الإسلام) .</p><p>لقد اعتبر النووي رحمه الله لزوم جماعة المسلمين وتآلف المسلمين فيما بينهم إحدى قواعد الإسلام، وهذه القاعدة التي يؤصلها النووي بناء على ما جاء في الحديث الصحيح، هي قول علماء السلف قاطبة، وسيأتي ذكر بعض النقولات عنهم مما يبين ذلك ويؤكده.</p><p>الحديث الثاني:</p><p>عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((نضر الله عبداً سمع مقالتي هذه فحملها, فرب حامل الفقه فيه غير فقيه، ورب حامل الفقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم، إخلاص العمل لله عز وجل, ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين, فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)) .</p><p>الحديث الثالث:</p><p>خطب عمر رضي الله عنه بالشام فقال: ((قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقامي فيكم. فقال: استوصوا بأصحابي خيراً، ثم الذين يلونهم, ثم الذين لونهم, ثم يفشوا الكذب حتى يعجل الرجل بالشهادة قبل أن يسألها, وباليمين قبل أن يسألها, فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة, فإن الشيطان مع الواحد ومن الاثنين أبعد، فمن سرته حسنته, وساءته سيئته فهو مؤمن)) .</p><p>ففي هذين الحديثين الأمر الصريح بلزوم جماعة المسلمين، ولقد وقفت على كلام نفيس للإمام الشافعي رحمه الله يبين فيه معنى أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بلزوم جماعة المسلمين. فبعد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله لحديث عمر السابق قال:</p><p>(قال: فما معنى أمر النبي بلزوم جماعتهم؟</p><p>- قلت: لا معنى له إلا واحد.</p><p>- قال: فكيف لا يحتمل إلا واحداً؟</p><p>- قلت: إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة أبدان قوم متفرقين، وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجَّار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى، لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئاً، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى، إلا ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما.</p><p>1320- ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها) .</p><p>ونستخلص من كلام الشافعي رحمه الله أن المقصود بلزوم جماعة المسلمين أن يتحقق في الشخص أمران:</p><p>الأول:</p><p>أن يتبع ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم. وهذا خاص بأمر الأحكام والمعاملات.</p><p>الثاني:</p><p>أن يقول بما تقول به جماعتهم. وهذا خاص بأمر الاعتقاد. والله أعلم.</p><p>والمقصود هنا الكلام على المراد بمعنى لزوم جماعة المسلمين. أما من هي الجماعة المراد لزومها فسيأتي له مزيد بيان وتفصيل في الفصل القادم من هذا البحث إن شاء الله تعالى.</p><p>الحديث الرابع:</p><p>عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الخير, وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.</p><p>قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي – تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟</p><p>قال: نعم دعاة على أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا.</p><p>قال: هم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟</p><p>قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل تلك الفرق كلها, ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) .</p><p>قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث ((دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)) (قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج, والقرامطة, وأصحاب المحنة, وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم, ووجوب طاعته وإن فسق, وعمل المعاصي) .</p><p>ونلاحظ أن النووي رحمه الله قد أورد هذا الحديث تحت باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال, وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة .</p><p>وقال ابن حجر رحمه الله في ثنايا شرحه لهذا الحديث: (قال ابن بطال: فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين, وترك الخروج على أئمة الجور) .</p><p>ثم ذكر قول الطبري بأن الأمر هنا في الحديث للوجوب، وساق ما ذكره الطبري من أقوال في المراد بالجماعة، إلى أن قال: (قال: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزاباً فلا يتبع أحداً في الفرقة, ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر) .</p><p>ويتبين لنا من كلام العلماء في شرحهم لحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أمور:</p><p>الأول: وجوب ملازمة جماعة المسلمين.</p><p>الثاني: عدم الخروج على أئمة الجور.</p><p>الثالث: اعتزال الفرق عندما لا يكون للمسلمين إمام ولا جماعة.</p><p>الحديث الخامس:</p><p>عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ إلى النار)) .</p><p>الحديث السادس:</p><p>عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة أبداً – قال- يد الله على الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذَّ شذَّ في النار)) .</p><p>الحديث السابع:</p><p>عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((يد الله على الجماعة, فإذا شذَّ الشاذ منهم اختطفته الشياطين كما يختطف الشاة ذئب الغنم)) .</p><p>الحديث الثامن:</p><p>عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أمتي لا تجتمع على ضلالة, فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)) .</p><p>الحديث التاسع:</p><p>عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((اثنان خير من واحد، وثلاث خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة فإن الله عز وجل لن يجمع أمتي إلا على هدى)) .</p><p>الحديث العاشر:</p><p>عن كعب بن عاصم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((إن الله تعالى قد أجار لي على أمتي من ثلاث: لا يجوعوا، ولا يجتمعوا على ضلالة، ولا يستباح بيضة المسلمين)) .</p><p>نلاحظ أن الأحاديث الستة السابقة متقاربة الألفاظ، وقد جعلت التعليق عليها جميعها بعد سردها لهذا السبب، وهي تدل على أمور منها:</p><p>الأول:</p><p>أنَّ أمة الإسلام لا تجتمع على ضلالة، والمراد هنا هو إجماع العلماء خاصة.</p><p>يقول المباركفوري رحمه الله عند شرحه لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق: (الحديث يدل على أن اجتماع المسلمين حق, والمراد إجماع العلماء, ولا عبرة بإجماع العوام لأنه لا يكون عن علم).</p><p>الثاني:</p><p>حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم، أمته على الجماعة، وعلى اعتبار أن المراد باجتماع الأمة هو إجماع العلماء، فإن العوام تبع لهم في ذلك, وعليهم متابعة العلماء, وعدم الخروج عما أجمعوا عليه من أمور الدين.</p><p>الثالث:</p><p>الوعيد الشديد لمن فارق الجماعة، ويفهم هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ومن شذَّ شذَّ في النار)) .</p><p>الرابع:</p><p>قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)) .</p><p>الخامس:</p><p>وفي الأحاديث بشرى لمن امتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن لزم الجماعة، ويفهم هذا من وجهين:</p><p>الوجه الأول:</p><p>بصريح العبارة حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((يد الله مع الجماعة)) </p><p>الوجه الثاني:</p><p>بمفهوم المخالفة حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((ومن شذَّ شذَّ في النار)) . فدل هذا على أن من لزم الجماعة فهو في الجنة, وقد جاء التصريح بهذه البشرى في حديث عمر رضي الله عنه حيث جاء فيه: ((من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة)) .</p><p>الحديث الحادي عشر:</p><p>عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجماعة رحمة, والفرقة عذاب)) .</p><p>وهذا الأمر العظيم الذي قرره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث الشريف هو من الأصول الإعتقادية لأهل السنة والجماعة, حيث أدرجه الإمام الطحاوي رحمه الله ضمن بيان عقيدة أهل السنة والجماعة بقوله: (ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً) .</p><p>الحديث الثاني عشر:</p><p>عن الحارث الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات...)). فذكر الحديث بطوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأنا آمركم بخمس كلمات أمرني الله بهن: الجماعة، والسمع والطاعة, والهجرة والجهاد في سبيل الله, فمن خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع)) .</p><p>فالأمر بالجماعة والائتلاف هو أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين، وأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأمته، والأمر للوجوب كما هو معلوم ومقرر في علم الأصول، وعلى قدر امتثال المؤمنين لهذا الأمر تكون سعادتهم في الدنيا، وحسن العاقبة في الآخرة.</p><p>وتوجد أحاديث أخرى في الباب تعاضد الأحاديث السابقة وتدل إجمالاً على ما دلت عليه.</p><p>فمنها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) .</p><p>ومنها حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم, وتراحمهم, وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) .</p><p>ومن الأحاديث التي رويت مرفوعة بسند ضعيف وصحت موقوفة على ابن مسعود رضي الله عنه ما رواه اللالكائي بسنده عن ثابت بن قطبة قال: (سمعت ابن مسعود وهو يخطب. وهو يقول: يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما السبيل في الأصل إلى حبل الله الذي أمر به, وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة) . </p><p>المبحث الثاني: ذم التفرق والاختلاف</p><p>الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه</p><p>يلاحظ الباحث في آيات القرآن الكريم أن الآيات التي جاءت في ذم الفرقة أكثر عدداً من الآيات التي جاءت في الحث على الجماعة، ولا غرابة في ذلك لأن الجماعة هي الأصل وملازمتها هو الواجب والمطلوب، أما مفارقة الجماعة فأمر طارئ وحادث وهو مع ذلك أمر خطير وشنيع، فلذلك جاءت الآيات الكثيرة التي تحذر منه وتحمل في ثناياها الوعيد الشديد لمن ترك الجماعة وفارقها.</p><p>وفيما يلي ذكر هذه الأدلة:</p><p>الدليل الأول:</p><p>قوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 105-107].</p><p>قال ابن جرير رحمه الله يعني بذلك جل ثناؤه: (ولا تكونوا يا معشر الذين آمنوا كالذين تفرقوا من أهل الكتاب، واختلفوا في دين الله وأمره ونهيه، من بعد ما جاءهم البينات، من حجج الله، فيما اختلفوا فيه، وعلموا الحق فيه، فتعمدوا خلافه، وخالفوا أمر الله، ونقضوا عهده وميثاقه، جرأة على الله، وأولئك لهم يعني ولهؤلاء الذين تفرقوا، واختلفوا من أهل الكتاب، من بعد ما جاءهم عذاب من عند الله عظيم، يقول جل ثناؤه: "فلا تفرقوا يا معشر المؤمنين في دينكم تفرق هؤلاء في دينهم، ولا تفعلوا فعلهم، وتستنوا في دينكم بسنتهم، فيكون لكم من عذاب الله العظيم مثل الذي لهم) .</p><p>ثم ذكر ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما: (قوله: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ} [آل عمران: 105]: ونحو هذا في القرآن أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله) .</p><p>وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآيات السابقة: (ينهى الله تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قيام الحجة عليهم) .</p><p>ثم ساق الإمام ابن كثير رحمه الله حديث الافتراق الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله ثم قال: (وقد ورد هذا الحديث من طرق) وذلك إشارة إلى توثيقه وتقويته.</p><p>وقال القرطبي رحمه الله: (فمن بدل أو غير أو ابتدع في دين الله ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبتعدين منه المسودي الوجوه، وأشدهم طرداً وإبعاداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدلون ومبتدعون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وطمس الحق وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع، كل يخاف عليهم أن يكونوا عنوا بالآية، والخبر كما بينا، ولا يخلد في النار إلا كافر جاحد ليس في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. وقد قال ابن القاسم: وقد يكون من غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء. وكان يقول: تمام الإخلاص تجنب المعاصي) .</p><p>وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير الآية: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ}: (هم اليهود والنصارى عند جمهور المفسرين، وقيل: هم المبتدعة من هذه الأمة، وقيل: الحرورية، والظاهر الأول، والبينات الآيات الواضحة المبينة للحق الموجبة لعدم الاختلاف) .</p><p>أما قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}. فقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: (يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة – قاله ابن عباس رضي الله عنهما) .</p><p>والقول الذي ذكره ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما منقول عن الإمام مالك رحمه الله كما نص على ذلك الشاطبي بقوله: (وقال ابن وهب: سمعت مالكاً يقول: ما آية من كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} إلى قوله {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}. قال مالك: فأي كلام أبين من هذا؟ فرأيته يتأولها لأهل الأهواء. ورواه ابن القاسم وزاد: قال مالك: إنما هذه الآية لأهل القبلة) . </p><p>الدليل الثاني:</p><p>قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].</p><p>قال ابن جرير رحمه الله: (يقول تعالى ذكره: وهذا الذي وصاكم به ربكم أيها الناس في هاتين الآيتين من قوله: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 151]. وأمركم بالوفاء به، هو صراطه، يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده (مستقيماً) يعني: قويماً لا أعوجاج به عن الحق (فاتبعوه). يقول: فاعملوا به، واجعلوه لأنفسكم منهاجاً تسلكونه فاتبعوه (ولا تتبعوا السبل) يقول: ولا تسلكوا طريقاً سواه، ولا تركبوا منهاجاً غيره، ولا تبغوا ديناً خلافه من اليهودية والنصرانية والمجوسية، وعبادة الأوثان، وغير ذلك من الملل، فإنها بدع وضلالات (فتفرق بكم عن سبيله) يقول: فيشتت بكم إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق، ولا أديان أتباعكم إياها (عن سبيله)، يعني عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه، وهو الإسلام الذي وصى به الأنبياء وأمر به الأمم قبلكم) .</p><p>ثم ذكر ابن جرير رحمه الله بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً. فقال: هذا سبيل الله، ثم خط عن يمين ذلك الخط وعن شماله خطوطاً، فقال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها، ثم قرأ هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}. ثم ذكر بسنده أيضاً أن رجلاً قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم، في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد، وعن يساره جواد، وثم رجال يدعون من مر بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا... الآية}) .</p><p>وقال ابن كثير رحمه الله: (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}. وفي قوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]. ونحو هذا في القرآن قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا. قاله مجاهد وغير واحد) .</p><p>ثم ساق ابن كثير رحمه الله حديث ابن مسعود وذكر تخريجه.</p><p>وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير الآية: (قال ابن عطية: وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية، والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام، هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد) .</p><p>إلى أن قال رحمه الله: "وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث؟ ثم تلا: {قُلْ تَعَالَوْاْ} إلى ثلاث آيات، ثم قال: فمن وفى بهن فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه)) . </p><p>الدليل الثالث:</p><p>قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159].</p><p>ذكر ابن جرير رحمه الله أن علي بن أبي طالب قرأ: (فارقوا دينهم) .</p><p>قال: "وكأن عليا ذهب بقوله (فارقوا دينهم) خرجوا فارتدوا عنه من المفارقة، وأما الجمهور فقرأوا (فرقوا) . ثم قال: (والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان، قد قرأت بكل واحدة منهما أئمة من القراء، وهما متفقتا المعنى غير مختلفتيه، وذلك أن كل ضال فلدينه مفارق) .</p><p>ثم ذكر بعد ذلك الأقوال عن السلف في المقصودين بتلك الآية. فقال بعضهم: عنى بذلك اليهود والنصارى . ثم ذكر بأسانيده من قال بذلك القول ثم قال: (وقال آخرون: عنى بذلك: أهل البدع من هذه الأمة الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه) . ثم ذكر بأسانيده من قال بذلك القول .</p><p>ثم قال ابن جرير رحمه الله في تفسير الآية: (فكان من فارق دينه الذي بعث به صلى الله عليه وسلم، من مشرك ووثني ويهودي ونصراني ومتحنف مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضل به عن الصراط المستقيم والدين القيم، ملة إبراهيم المسلم، فهو برئ من محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد نه برئ، وهو داخل في عموم قوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}) . إلى أن قال: (وأما قوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ} فإنه يقول: أنا الذي إلي أمر هؤلاء المشركين الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً، والمبتدعة من أمتك الذين ضلوا عن سبيلك دونك، ودون كل أحد إما بالعقوبة إن أقاموا على ضلالتهم، وفرقتهم دينهم فأهلكهم بها، وإما بالعفو عنهم بالتوبة عليهم والتفضل مني عليهم) .</p><p>وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: (والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق فمن اختلف فيه (وكانوا شيعاً) أي فرقاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات فإن الله قد برأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما هم فيه وهذه الآية كقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الشورى: 13] الآية. وفي الحديث: ((نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد)) فهذا هو الصراط المستقيم هو ما جاءت به الرسل من عبادة الله وحده لا شريك له والتمسك بشريعة الرسول المتأخر وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء والرسل برءآء منها كما قال الله تعالى: {لَّسْتَ مِنْهُمْ}) .</p><p>وقال البغوي رحمه الله في تفسير هذه الآية: (قوله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ}. قرأ حمزة والكسائي: (فارقوا) بالألف هنا وفي سورة الروم، أي خرجوا من دينهم وتركوه وقرأ الآخرون: (فَرَّقُواْ) مشدداً، أي جعلوا دين الله وهو واحد، دين إبراهيم عليه السلام الحنيفية، أدياناً مختلفة فتهود قوم وتنصر قوم يدل عليه قوله عم وجل: {وَكَانُواْ شِيَعًا}. أي: صاروا فرقاً مختلفة وهم اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة والسدي، وقيل: هم أصحاب البدع والشبهات من هذه الأمة) . ثم استشهد بحديث العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعظنا موعظة بليغة رفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، وقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا: فقال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإن من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)).</p><p>ثم ذكر حديث الافتراق. ثم قال: "قوله عز وجل: {لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}. قيل: لست من قتالهم في شيء نسختها آية القتال، وهذا على قول من يقول: المراد منه اليهود والنصارى، ومن قال أراد بالآية أهل الأهواء قال: المراد من قوله لست منهم في شيء أي أنت بريء منهم وهم منك براء، تقول العرب إن فعلت كذا فلست مني ولست منك أي: كل واحد منا بريء من صاحبه، {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ} يعني: في الجزاء والمكافأت، {ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}. إذا ردوا للقيامة" .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 35443, member: 329"] وقد علق الشيخ محمد القحطاني على هذا الأثر –المنقول عن ابن عباس- بقوله: (وفي عصرنا الحاضر عصر المادة والدنيا قد أصبحت محبة الناس في الأغلب على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئاً. ولن تقوم للأمة الإسلامية قائمة إلا بالرجوع إلى الله والاجتماع على الحب فيه والبغض فيه والولاء وله والبراء ممن أمرنا الله بالبراء منه، وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) . إذن فعلاج الوهن الذي أصاب هذا المبدأ الإسلامي العظيم إنما يكون بالرجوع إلى الجماعة وترك الفرقة، وبتحكيم الكتاب والسنة وتدبرهما وفهمهما وبالعودة إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم. الدليل الرابع: قول تعالى: {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} [الأنفال: 1]. وقال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]. فقد حث سبحانه وتعالى في هذه الآيات الكريمات على إصلاح ذات البين، وعلى الإصلاح بين المؤمنين إذا حصل بينهم ما يفرق جماعتهم، وما يكدر عليهم صفو ألفتهم، وما ذلك إلا ليبقى المجتمع المسلم مترابطاً متحاباً متآلفاً. وإذا كان فساد ذات البين هي الحالقة التي تحلق الدين كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، فإن إصلاح ذات البين هو من أعظم القربات إلى الله عز وجل، لكن قد ينتبه المسلمون إلى إصلاح ذات البين في الأمور الدنيوية، من نكاح وبيوع وميراث وما إلى ذلك، ويغفلون عن إصلاح ذات البين فيما هو أعظم وأهم ألا وهو الاختلاف فيما لا يجوز الاختلاف فيه بحال وهو أمر الدين نفسه من عقائد وسلوك وعبادات والتي مبناها على النص والتوقيف. موقف السلف الصالح من إصلاح ذات البين في العقائد والسلوك والعبادة: إذا نظرنا إلى سيرة سلفنا الصالح في هذا الموضوع نجد نماذج كثيرة من العلماء الأعلام الذين كانت لهم جهود موفقة في رد أهل البدع والمخالفين لأهل السنة إلى الحق. فها هو ابن عباس رضي الله عنهما يذهب إلى الخوارج في عقر دارهم، ويناظرهم، ويزيل شبهاتهم، فيرجع منهم من شاء الله له الهداية والسلامة، ويبقى القليل فقط على بدعتهم لسيطرة أهوائهم عليهم. وها هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يثبت في الميدان وحده، ويعلن عقيدة السلف ويظهرها في أحلك الظروف وأصعبها، ويناظر خصومه بالكتاب والسنة دون أن يخشى في الله لومة لائم، حتى لو كان الرأي المخالف لأهل السنة يتبناه السلطان، ويفرض على المسلمين فرضا بالقوة . وها هو عبد العزيز الكناني رحمه الله لا يصبر لحظة واحدة عندما يسمع بخبر ظهور بدعة بشر المريسي ومن معه في العراق فيسافر من مكة إلى هناك بعد أن استخار الله ولجأ إليه بالدعاء أن يوفقه إلى إظهار الحق وقمع البدعة، وإقامة الحجة على خلقه، وفور وصوله إلى العراق قام بمناظرة المبتدعة جميعاً وهو وحده، فأقام عليهم الحجة، وأظهره الله عز وجل عليهم، مع أنه كان معرضاً نفسه للقتل إذا لم يستطع إقناع الأمير وإفحام الخصوم. وها هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يناظر المبتدعة بكل طوائفهم وفرقهم جماعات وأفراداً، كمناقشته لفرقة البطائحية ، وكمناقشته للبكري، فأفحمهم، وأقام الحجة عليهم، وأظهره الله على خصومه، والتزم السنة خلق كثير، وظهرت السنة وسطع نورها فاستبانت لكل ذي بصيرة، وانتشرت بين الناس، ولازالت مناظراته، وعلمه، ونصرته للسنة يجني المسلمون ثمارها إلى يومنا هذا. وكم من الأمثلة الكثيرة في تاريخ سلفنا الصالح المضيء لهذه المسألة المهمة ألا وهي إقامة الحجة على الناس ونشر العلم النافع، ونصر السنة، وقمع البدعة، وإصلاح ذات البين إصلاحاً علمياً صحيحاً لا كما ينادي به بعض المصلحين في عصرنا من الإصلاحات التلفيقية العاطفية. لقد قام العلماء الأجلاء من سلفنا الصالح بواجبهم خير قيام، ونصروا دين الله عز وجل وأظهروا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحاربوا البدع والضلالات. حتى وصل الأمر بهؤلاء العلماء الأفاضل أن جعلوا إظهار السنة ومحاربة البدعة أفضل من التنسك والنوافل من صيام وقيام وما إلى ذلك، وعللوا ذلك بأن التنسك والصيام والقيام يعود نفعه على الشخص نفسه فقط ولا يتعداه إلى غيره، أما نصرة دين الله وإظهار سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقمع البدع فيعود نفعها ويعم خيرها المسلمين جميعاً. وما قام به علماء أهل السنة من نصرة لدين الله يعتبر علماً من أعلام نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمته بخبر يفرح له كل من كان متابعاً لسنته وسائراً على هديه صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله)) . ولنا عبرة عظيمة وعظة بليغة في سيرة سلفنا الصالح ومنهجهم النبوي القويم في الدعوة إلى الله وإبلاغه إلى الناس، وفيما يلي بعض العبر والعظات: الأولى: يجب على من أنعم الله عليهم باقتفاء أثر السلف الصالح، والسير على منهج النبوة، ونور الله أفهامهم وبصائرهم، ورزقهم العلم النافع المستقى من مشكاة النبوة ومن النبع الصافي أن يسعوا في إصلاح ذات بين المسلمين الذين مزقتهم الفرق الضالة المبتدعة، ومزقت صفوفهم الحزبيات الضيقة والانتماءات الطائفية. الثانية: إن من أوجب الواجبات على العلماء وطلبة العلم في وقتنا هذا وفي كل وقت الدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة وإظهار دين الله عز وجل، وتبصير المسلمين بدينهم، وحثهم على العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحذيرهم من البدع والانحرافات والضلالات، وإزالة الشبهات التي زرعها أولئك المبتدعة الضالون بين أفراد المسلمين ومجتمعاتهم، وفي ذلك اقتفاء للأثر وائتساء بمن مضى من خير البشر. الثالثة: يجب على العلماء وطلبة العلم إخلاص دعوتهم لله ومن مقتضيات ذلك ولوازمه أن لا يحزبوا الناس حولهم، بل يكون ربطهم للناس بالكتاب والسنة والعقيدة الصحيحة والمنهج السليم، ويكون تعبيد الناس لله رب العالمين. ولا ينبغي ولا يجوز بحال أن تكون الدعوة إلى حزب أو طائفة أو شيخ معين، فلا معبود بحق إلا الله، ولا متبوع إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا انتماء إلا إلى الإسلام، ولا سبيل إلا السنة، ولا منهج إلا منهج أهل السنة والجماعة. الرابعة: ليثبت كل من كان على الطريق الصحيح والمنهج القويم على ما هو عليه متكلاً على الله، مخلصاً له الدين، مرتقياً في درجات الكمال والتقى فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. المطلب الثاني: الأدلة من السنة في الحث على الجماعة والأمر بلزومها الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله يرضى لكم ثلاثاً، أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)) . يقول النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث العظيم: (وأما الاعتصام بحبل الله فهو التمسك بعهده, وهو اتباع كتابه العزيز, وحدوده والتأدب بأدبه. والحبل يطلق على العهد, وعلى الأمان, وعلى الوصلة, وعلى السبب, وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم, ويوصلون بها المتفرق, فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تفرقوا)) فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين, وتآلف بعضهم ببعض وهذه إحدى قواعد الإسلام) . لقد اعتبر النووي رحمه الله لزوم جماعة المسلمين وتآلف المسلمين فيما بينهم إحدى قواعد الإسلام، وهذه القاعدة التي يؤصلها النووي بناء على ما جاء في الحديث الصحيح، هي قول علماء السلف قاطبة، وسيأتي ذكر بعض النقولات عنهم مما يبين ذلك ويؤكده. الحديث الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((نضر الله عبداً سمع مقالتي هذه فحملها, فرب حامل الفقه فيه غير فقيه، ورب حامل الفقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم، إخلاص العمل لله عز وجل, ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين, فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)) . الحديث الثالث: خطب عمر رضي الله عنه بالشام فقال: ((قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقامي فيكم. فقال: استوصوا بأصحابي خيراً، ثم الذين يلونهم, ثم الذين لونهم, ثم يفشوا الكذب حتى يعجل الرجل بالشهادة قبل أن يسألها, وباليمين قبل أن يسألها, فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة, فإن الشيطان مع الواحد ومن الاثنين أبعد، فمن سرته حسنته, وساءته سيئته فهو مؤمن)) . ففي هذين الحديثين الأمر الصريح بلزوم جماعة المسلمين، ولقد وقفت على كلام نفيس للإمام الشافعي رحمه الله يبين فيه معنى أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بلزوم جماعة المسلمين. فبعد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله لحديث عمر السابق قال: (قال: فما معنى أمر النبي بلزوم جماعتهم؟ - قلت: لا معنى له إلا واحد. - قال: فكيف لا يحتمل إلا واحداً؟ - قلت: إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة أبدان قوم متفرقين، وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجَّار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى، لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئاً، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى، إلا ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما. 1320- ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها) . ونستخلص من كلام الشافعي رحمه الله أن المقصود بلزوم جماعة المسلمين أن يتحقق في الشخص أمران: الأول: أن يتبع ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم. وهذا خاص بأمر الأحكام والمعاملات. الثاني: أن يقول بما تقول به جماعتهم. وهذا خاص بأمر الاعتقاد. والله أعلم. والمقصود هنا الكلام على المراد بمعنى لزوم جماعة المسلمين. أما من هي الجماعة المراد لزومها فسيأتي له مزيد بيان وتفصيل في الفصل القادم من هذا البحث إن شاء الله تعالى. الحديث الرابع: عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الخير, وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي – تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل تلك الفرق كلها, ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) . قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث ((دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)) (قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج, والقرامطة, وأصحاب المحنة, وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم, ووجوب طاعته وإن فسق, وعمل المعاصي) . ونلاحظ أن النووي رحمه الله قد أورد هذا الحديث تحت باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال, وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة . وقال ابن حجر رحمه الله في ثنايا شرحه لهذا الحديث: (قال ابن بطال: فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين, وترك الخروج على أئمة الجور) . ثم ذكر قول الطبري بأن الأمر هنا في الحديث للوجوب، وساق ما ذكره الطبري من أقوال في المراد بالجماعة، إلى أن قال: (قال: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزاباً فلا يتبع أحداً في الفرقة, ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر) . ويتبين لنا من كلام العلماء في شرحهم لحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أمور: الأول: وجوب ملازمة جماعة المسلمين. الثاني: عدم الخروج على أئمة الجور. الثالث: اعتزال الفرق عندما لا يكون للمسلمين إمام ولا جماعة. الحديث الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ إلى النار)) . الحديث السادس: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة أبداً – قال- يد الله على الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذَّ شذَّ في النار)) . الحديث السابع: عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((يد الله على الجماعة, فإذا شذَّ الشاذ منهم اختطفته الشياطين كما يختطف الشاة ذئب الغنم)) . الحديث الثامن: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أمتي لا تجتمع على ضلالة, فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)) . الحديث التاسع: عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((اثنان خير من واحد، وثلاث خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة فإن الله عز وجل لن يجمع أمتي إلا على هدى)) . الحديث العاشر: عن كعب بن عاصم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((إن الله تعالى قد أجار لي على أمتي من ثلاث: لا يجوعوا، ولا يجتمعوا على ضلالة، ولا يستباح بيضة المسلمين)) . نلاحظ أن الأحاديث الستة السابقة متقاربة الألفاظ، وقد جعلت التعليق عليها جميعها بعد سردها لهذا السبب، وهي تدل على أمور منها: الأول: أنَّ أمة الإسلام لا تجتمع على ضلالة، والمراد هنا هو إجماع العلماء خاصة. يقول المباركفوري رحمه الله عند شرحه لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق: (الحديث يدل على أن اجتماع المسلمين حق, والمراد إجماع العلماء, ولا عبرة بإجماع العوام لأنه لا يكون عن علم). الثاني: حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم، أمته على الجماعة، وعلى اعتبار أن المراد باجتماع الأمة هو إجماع العلماء، فإن العوام تبع لهم في ذلك, وعليهم متابعة العلماء, وعدم الخروج عما أجمعوا عليه من أمور الدين. الثالث: الوعيد الشديد لمن فارق الجماعة، ويفهم هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ومن شذَّ شذَّ في النار)) . الرابع: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)) . الخامس: وفي الأحاديث بشرى لمن امتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن لزم الجماعة، ويفهم هذا من وجهين: الوجه الأول: بصريح العبارة حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((يد الله مع الجماعة)) الوجه الثاني: بمفهوم المخالفة حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((ومن شذَّ شذَّ في النار)) . فدل هذا على أن من لزم الجماعة فهو في الجنة, وقد جاء التصريح بهذه البشرى في حديث عمر رضي الله عنه حيث جاء فيه: ((من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة)) . الحديث الحادي عشر: عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجماعة رحمة, والفرقة عذاب)) . وهذا الأمر العظيم الذي قرره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث الشريف هو من الأصول الإعتقادية لأهل السنة والجماعة, حيث أدرجه الإمام الطحاوي رحمه الله ضمن بيان عقيدة أهل السنة والجماعة بقوله: (ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً) . الحديث الثاني عشر: عن الحارث الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات...)). فذكر الحديث بطوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأنا آمركم بخمس كلمات أمرني الله بهن: الجماعة، والسمع والطاعة, والهجرة والجهاد في سبيل الله, فمن خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع)) . فالأمر بالجماعة والائتلاف هو أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين، وأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأمته، والأمر للوجوب كما هو معلوم ومقرر في علم الأصول، وعلى قدر امتثال المؤمنين لهذا الأمر تكون سعادتهم في الدنيا، وحسن العاقبة في الآخرة. وتوجد أحاديث أخرى في الباب تعاضد الأحاديث السابقة وتدل إجمالاً على ما دلت عليه. فمنها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) . ومنها حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم, وتراحمهم, وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) . ومن الأحاديث التي رويت مرفوعة بسند ضعيف وصحت موقوفة على ابن مسعود رضي الله عنه ما رواه اللالكائي بسنده عن ثابت بن قطبة قال: (سمعت ابن مسعود وهو يخطب. وهو يقول: يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما السبيل في الأصل إلى حبل الله الذي أمر به, وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة) . المبحث الثاني: ذم التفرق والاختلاف الفرع الأول الأدلة من الكتاب على ذم التفرق والتحذير منه يلاحظ الباحث في آيات القرآن الكريم أن الآيات التي جاءت في ذم الفرقة أكثر عدداً من الآيات التي جاءت في الحث على الجماعة، ولا غرابة في ذلك لأن الجماعة هي الأصل وملازمتها هو الواجب والمطلوب، أما مفارقة الجماعة فأمر طارئ وحادث وهو مع ذلك أمر خطير وشنيع، فلذلك جاءت الآيات الكثيرة التي تحذر منه وتحمل في ثناياها الوعيد الشديد لمن ترك الجماعة وفارقها. وفيما يلي ذكر هذه الأدلة: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 105-107]. قال ابن جرير رحمه الله يعني بذلك جل ثناؤه: (ولا تكونوا يا معشر الذين آمنوا كالذين تفرقوا من أهل الكتاب، واختلفوا في دين الله وأمره ونهيه، من بعد ما جاءهم البينات، من حجج الله، فيما اختلفوا فيه، وعلموا الحق فيه، فتعمدوا خلافه، وخالفوا أمر الله، ونقضوا عهده وميثاقه، جرأة على الله، وأولئك لهم يعني ولهؤلاء الذين تفرقوا، واختلفوا من أهل الكتاب، من بعد ما جاءهم عذاب من عند الله عظيم، يقول جل ثناؤه: "فلا تفرقوا يا معشر المؤمنين في دينكم تفرق هؤلاء في دينهم، ولا تفعلوا فعلهم، وتستنوا في دينكم بسنتهم، فيكون لكم من عذاب الله العظيم مثل الذي لهم) . ثم ذكر ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما: (قوله: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ} [آل عمران: 105]: ونحو هذا في القرآن أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله) . وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآيات السابقة: (ينهى الله تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قيام الحجة عليهم) . ثم ساق الإمام ابن كثير رحمه الله حديث الافتراق الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله ثم قال: (وقد ورد هذا الحديث من طرق) وذلك إشارة إلى توثيقه وتقويته. وقال القرطبي رحمه الله: (فمن بدل أو غير أو ابتدع في دين الله ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبتعدين منه المسودي الوجوه، وأشدهم طرداً وإبعاداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدلون ومبتدعون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وطمس الحق وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع، كل يخاف عليهم أن يكونوا عنوا بالآية، والخبر كما بينا، ولا يخلد في النار إلا كافر جاحد ليس في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. وقد قال ابن القاسم: وقد يكون من غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء. وكان يقول: تمام الإخلاص تجنب المعاصي) . وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير الآية: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ}: (هم اليهود والنصارى عند جمهور المفسرين، وقيل: هم المبتدعة من هذه الأمة، وقيل: الحرورية، والظاهر الأول، والبينات الآيات الواضحة المبينة للحق الموجبة لعدم الاختلاف) . أما قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}. فقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: (يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة – قاله ابن عباس رضي الله عنهما) . والقول الذي ذكره ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما منقول عن الإمام مالك رحمه الله كما نص على ذلك الشاطبي بقوله: (وقال ابن وهب: سمعت مالكاً يقول: ما آية من كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} إلى قوله {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}. قال مالك: فأي كلام أبين من هذا؟ فرأيته يتأولها لأهل الأهواء. ورواه ابن القاسم وزاد: قال مالك: إنما هذه الآية لأهل القبلة) . الدليل الثاني: قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]. قال ابن جرير رحمه الله: (يقول تعالى ذكره: وهذا الذي وصاكم به ربكم أيها الناس في هاتين الآيتين من قوله: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 151]. وأمركم بالوفاء به، هو صراطه، يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده (مستقيماً) يعني: قويماً لا أعوجاج به عن الحق (فاتبعوه). يقول: فاعملوا به، واجعلوه لأنفسكم منهاجاً تسلكونه فاتبعوه (ولا تتبعوا السبل) يقول: ولا تسلكوا طريقاً سواه، ولا تركبوا منهاجاً غيره، ولا تبغوا ديناً خلافه من اليهودية والنصرانية والمجوسية، وعبادة الأوثان، وغير ذلك من الملل، فإنها بدع وضلالات (فتفرق بكم عن سبيله) يقول: فيشتت بكم إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق، ولا أديان أتباعكم إياها (عن سبيله)، يعني عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه، وهو الإسلام الذي وصى به الأنبياء وأمر به الأمم قبلكم) . ثم ذكر ابن جرير رحمه الله بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً. فقال: هذا سبيل الله، ثم خط عن يمين ذلك الخط وعن شماله خطوطاً، فقال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها، ثم قرأ هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}. ثم ذكر بسنده أيضاً أن رجلاً قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم، في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد، وعن يساره جواد، وثم رجال يدعون من مر بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا... الآية}) . وقال ابن كثير رحمه الله: (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}. وفي قوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]. ونحو هذا في القرآن قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا. قاله مجاهد وغير واحد) . ثم ساق ابن كثير رحمه الله حديث ابن مسعود وذكر تخريجه. وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير الآية: (قال ابن عطية: وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية، والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام، هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد) . إلى أن قال رحمه الله: "وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث؟ ثم تلا: {قُلْ تَعَالَوْاْ} إلى ثلاث آيات، ثم قال: فمن وفى بهن فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه)) . الدليل الثالث: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159]. ذكر ابن جرير رحمه الله أن علي بن أبي طالب قرأ: (فارقوا دينهم) . قال: "وكأن عليا ذهب بقوله (فارقوا دينهم) خرجوا فارتدوا عنه من المفارقة، وأما الجمهور فقرأوا (فرقوا) . ثم قال: (والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان، قد قرأت بكل واحدة منهما أئمة من القراء، وهما متفقتا المعنى غير مختلفتيه، وذلك أن كل ضال فلدينه مفارق) . ثم ذكر بعد ذلك الأقوال عن السلف في المقصودين بتلك الآية. فقال بعضهم: عنى بذلك اليهود والنصارى . ثم ذكر بأسانيده من قال بذلك القول ثم قال: (وقال آخرون: عنى بذلك: أهل البدع من هذه الأمة الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه) . ثم ذكر بأسانيده من قال بذلك القول . ثم قال ابن جرير رحمه الله في تفسير الآية: (فكان من فارق دينه الذي بعث به صلى الله عليه وسلم، من مشرك ووثني ويهودي ونصراني ومتحنف مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضل به عن الصراط المستقيم والدين القيم، ملة إبراهيم المسلم، فهو برئ من محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد نه برئ، وهو داخل في عموم قوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}) . إلى أن قال: (وأما قوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ} فإنه يقول: أنا الذي إلي أمر هؤلاء المشركين الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً، والمبتدعة من أمتك الذين ضلوا عن سبيلك دونك، ودون كل أحد إما بالعقوبة إن أقاموا على ضلالتهم، وفرقتهم دينهم فأهلكهم بها، وإما بالعفو عنهم بالتوبة عليهم والتفضل مني عليهم) . وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: (والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق فمن اختلف فيه (وكانوا شيعاً) أي فرقاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات فإن الله قد برأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما هم فيه وهذه الآية كقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الشورى: 13] الآية. وفي الحديث: ((نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد)) فهذا هو الصراط المستقيم هو ما جاءت به الرسل من عبادة الله وحده لا شريك له والتمسك بشريعة الرسول المتأخر وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء والرسل برءآء منها كما قال الله تعالى: {لَّسْتَ مِنْهُمْ}) . وقال البغوي رحمه الله في تفسير هذه الآية: (قوله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ}. قرأ حمزة والكسائي: (فارقوا) بالألف هنا وفي سورة الروم، أي خرجوا من دينهم وتركوه وقرأ الآخرون: (فَرَّقُواْ) مشدداً، أي جعلوا دين الله وهو واحد، دين إبراهيم عليه السلام الحنيفية، أدياناً مختلفة فتهود قوم وتنصر قوم يدل عليه قوله عم وجل: {وَكَانُواْ شِيَعًا}. أي: صاروا فرقاً مختلفة وهم اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة والسدي، وقيل: هم أصحاب البدع والشبهات من هذه الأمة) . ثم استشهد بحديث العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعظنا موعظة بليغة رفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، وقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا: فقال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإن من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)). ثم ذكر حديث الافتراق. ثم قال: "قوله عز وجل: {لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}. قيل: لست من قتالهم في شيء نسختها آية القتال، وهذا على قول من يقول: المراد منه اليهود والنصارى، ومن قال أراد بالآية أهل الأهواء قال: المراد من قوله لست منهم في شيء أي أنت بريء منهم وهم منك براء، تقول العرب إن فعلت كذا فلست مني ولست منك أي: كل واحد منا بريء من صاحبه، {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ} يعني: في الجزاء والمكافأت، {ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}. إذا ردوا للقيامة" . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن العقيـــده الاســـلاميه
الموسوعة العقدية