واجباتك في العقيدة للدكتورة شيرين لبيب خورشيد

طباعة الموضوع

إدارة المعهد

لا إله إلا الله
إنضم
30 ديسمبر 2010
المشاركات
1,672
النقاط
38
الإقامة
بلجيكا
احب القراءة برواية
ورش عن نافع عن طريق الازرق
القارئ المفضل
عبد الجليل خالد-القزابري
الجنس
أخ

واجباتك في العقيدة
د. شيرين لبيب خورشيد



بسم الله الرحمان الرحيم.



أُخَيَّة، حان الوقت لتتعرفي على خالقك العظيم الله جلَّ جلاله، سخر للإنسان جميع ما في السموات والأرض لتتنعمي بما سخره الله لك، فهلا نذهب سوياً إلى عالم الغيب نقرأ كتاب الله ونتدبر ونتأمل سوياً حتى تخرجي بإيمان جازم يقيني لا تزعزعه مهبات الرياح ولا فتن الدنيا ومباهجها:
أنت بالفطرة تؤمنين بوجود الله - عز وجل - وأنت في عالم الذر الميثاق آمنت أنه لا إله إلا الله، آمنت أنّ الله خالق كل شيء ومالك كل شيء، له الأمر وله استسلم جميع ما في هذا الكون خضوعاً وتذللاً بحب وليس قهراً، حبّاً لله لما أنعم عليهم بهذه النعم.


تعرّفت على أعدائك الداخلية والخارجية، فهل ستتركين زمام أمرك معهم، أم ستقفين وقفة جد وحزم أمامهم وتصدينهم عن إكمال مسار حياتك حتى قراءتك لهذه الموسوعة، هل ستنفضين غبار الغفلة عن قلبك؟ هل ستفتحين قلبك للفُيوضات الربانية لتدخل وتتربع هي بدل أعدائك.


علمت أن الحواس محدودة ولا يمكن لحواسنا معرفة الغيب، وأن الحواس لا تدرك سوى ما تشاهده أو تسمعه أو تتذوقه أو تتلمسه أو تستنشقه.


وعلمت أنّ العقل الكائن في القلب أيضاً محدود وحدوده الزمان والمكان الذي أنت فيه، وحدوده فقط لمعرفة الحق وضحض الباطل، وأنّ العقل إذا ما غذيته بالعلم وسلحته بإرادة جازمة كان معيناً لك على أعدائك، ولكن إن ظللت تتخذين الجهل سبيلك فلا حول ولا قوة إلا بالله.


أيضاً علمت أن الأمور الغيبية لا يمكننا معرفتها إلا عن طريق الخبر الصادق، ألا وهو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلمت أننا إذا أردنا أن نكون مؤمنين ويطلق علينا اسم الإيمان يجب أن نصدق الخبر بيقين أنه من عند الله.


لذا أريد منك وضع قاعدة مهمة جداً ألا وهي: الأمور الغيبية التي لا نراها، لا يمكننا أن نتخيلها أو نشبهها بما نراه حولنا، ولا يمكننا القياس بأمر مشاهد عياناً مع أمر غيبي، فحين أذكر لك أي أمر غيبي لا تسرعي بإعطاء هذه النفس الأمارة والشياطين الدخول إلى قلبك وتقديم الفتن والشبهات لك لكي تتركي السير على الصراط المستقيم.


ولكي لا يكون الإنسان مثلما يقول الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدته المشهورة التي اتخذها المغني عبد العليم أغنية (أعتبروها الأهم ضمن مجموعته من الأغاني).
وعنوانها الطلاسم من ديوانه (الجداول).


تأملي لوعته، تأملي حزنه الدفين تأملي الغم الذي يعيش في أنحاء جسده، قلبه يملؤه الارتياب والشك والقلق يقول:
جئت لا أعلم من أين، ولكن أتيت
ولقد أبصرت قدامى طريقاً فمشيت
وسأبقى سائراً إن شئت أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!!
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود؟
هل أنا حرٌ طليق أم أسير في قيود؟
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود؟
هل أتمنى أنني أدري ولكني لست أدري!!
وطريقي ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأعوز؟
أأنا السائر في الدرب أم الدرب تسير؟
أم كلانا واقف والدهر يجري؟
لست أدري.
أتراني قبلما أصبحت إنساناً سوياً
كنت محواً أو محالاً أم تراني كنت شيئاً
ألهذا اللغز حل؟ أم سيبقى أبدياً.
لست أدري، ولماذا لست أدري؟
لست أدري.

لست أدري تلك إجابته عن التساؤلات التي شغلت باله، (لست أدري) إجابة عن أسئلة من أين وإلى أين وأين المصير؟


هذه ليست فقط لهذا الشاعر بل هي ما تربى عليها جيلنا الماضي منذ ألف عام هجري، حيث بعد القرن الثالث للهجرة وما توصل إليه المسلمون الأوائل من فتوحات قِبل المشرق والمغرب، ترجموا كتب الفلاسفة اليونانية، ومنها لسقراط وأفلاطون فهذه الفلسفة لعمالقة الفلاسفة في وقتهم "لست أدري" من أقوالهم (الشيء الذي لا أزال أجهله جيداً أنني لست أدري).


أما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعن جنبتي الصراط سوران، فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعند رأ س الصراط داع يقول: استقيموا على الصراط، ولا تعوجوا، وفوق ذلك داع يدعو، كلما همّ عبدٌ أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه)).


ثمّ فسره فأخبر:
أن الصراط هو الإسلام، وأن الأبواب المفتحة محارم الله وأن الستور المرخاة حدود الله، وأن الداعي على رأس الصراط هو القرآن، وأن الداعي من فوقه واعظ الله في قلب المؤمن.


الصراط المستقيم هو صراط الله المستقيم الذي رسمه الله لهم، وكلفهم أن يسلكوه ويلتزموه، هذا الصراط المستقيم الواضح المعالم، الشامل لجميع أمور حياتهم اليوميه، والمطلوب منهم في هذه الرحلة العابرة الفانية، التي تأتي بعدها حياة البقاء للحساب والجزاء، أن يسلكوا الصراط المستقيم الشامل التصديق الجازم بالقلب، الذي تفكر وتأمّل وتوصل إلى الحقائق الفكرية العملية واعترف بقلبه أنه يجب أن يسير على هذا الصراط، الشامل على العمل الصالح، بنية خالصة لوجه الله ابتغاء مرضاته ولكن كيف نتعرف على هذا الصراط إن لم نقرأ كتاب الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هذا القرآن يدعوك إلى السير على صراط نجاتك وسعادتك ويهديك إليه.


ففي هذا الصراط مفاهيم الإيمان، وأركانه، وعناصره وأحكامه، ومفاهيم الإسلام، ومفاهيم التقوى والبر والإحسان بمراتبها، ودرجات كل منها، وفضائلها، ومواعيد الجزاء بالثواب عليها، ومفاهيم المعاصي والآثام والمخالفات وتعدّي حدود الله، وما يترتب عليها من جزاء العقاب.


والمهم في ذلك أنك أنت ستختارين؛ ماذا تريدين؟
وأنت لك الحرية في اتخاذ قرارك، هل تريدين السير على هذا الصراط؟ أم أن فضولك سيجعلك تتسائلين عن هذه الأبواب لماذا وضعت؟ وما هذه الأبواب المفتحة ولماذا عليها ستور؟ وهل يمكنك الدخول إليها، وسؤال نفسك لِمَ تريدين الدخول إليها؟ إن علمت أن هذه الستور هي حدود الله، ومحظور عليك الدخول إليها، ومحظور أن تتجاوزيها، وأن من دخلها أساء لنفسه وعصى الله -عزّ وجل- مع أنك يمكنك أن ترضي نفسك الأمارة بالسوء لإشباع شهواتك وأهوائك، مع ذلك جعل الله -عزّ وجل- لك واعظ في قلبك يردعك عن الولوج إلى هذه الأبواب وهذا الواعظ هو القرآن الكريم، يدعوك ويدعو جميع الناس إلى السير على الصراط المستقيم ولقد وضّح لك كل شيء وأنار دربك في الدنيا والآخرة.


وبيّن لك ماذا ينتظرك في نهاية هذا الصراط، هل تحركت مشاعرك الوجدانية؟ هل تحركت نداءاتك الداخلية التي قذفها الله -عزّ وجل- عبر إلهامك؟ هل شدّتك إلى أن تكوني صادقة مع نفسك وصدق استسلامك لله -عزّ وجل-؟


اعلمي أن هذه المشاعر والنداءات الداخلية هو صوت الضمير الذي يأتيك بالعظة والتذكر، وتنهاك وتأمرك بما أمر الله -عزّ وجل-؟ وتقول لك ارحمي نفسك ولا تظلميها واتركي الستائر مسدلة وأكملي المسير على الصراط المستقيم.


قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187].
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].
وقال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1].


وأول طريق الصراط هو معرفة الله ومعرفة أسمائه الحسنى ومعرفة صفاته العليا، لكي تحققي الإيمان الجازم بأنه لا إله إلا الله والإيمان له أركان: أما أركان الإيمان فهي كالتالي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره.


أما معنى أركان: جمع ركن، وركن الشيء جانبه القوي، كما أن كل بناء لا يقوم إلا على أسس قوية ثابتة. كذلك فإن بناء هذا الدين لا يقوم إلا على تلك الأركان أما الإيمان في اللغة: للتصديق الجازم.


أما شرعاً: هو التصديق بالقلب، والاقرار باللسان، والعمل بالأركان.
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 3].



أما شرح هذه القاعدة فهي كالتالي:






تنتقل الخاطرة والصورة عبر الحواس إلى النفس والنفس هي المصنع الذي يخرج نتيجة عامل التلقي والاستفهام والمتوقف على الفطرة وبعدها إلى المرجعية وهي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وأما خط الحياة ألا وهي أصل علاقته بما يحيط به هل الله -جل جلاله- هو الأول في حياتك تليها نفسك ثمّ الآخر [الله - أنا - الآخر] لكي يتوازن الإنسان مع ذاته أي يجب أن يكون أمر الله -عزّ وجل- هو الأول في حياتك، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].


لذا يجب أن يكون لديك الحافز لكي تجعلي أوامر الله -عزّ وجل- هي الأحب في حياتك قبل كل شيء أنعمه الله عليك.
الله ثمّ نفسك تعطيها حقها عليك ولا تؤثري حق الآخر على نفسك وبذلك تكوني قد أديت بحق خط الحياة، قال تعالى قبل هذه الآيات: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [التوبة: 23].


إنّ هذه العقيدة لا تحتمل في القلب شريكاً، فإما تجرد لها، وإما إنسلاخ منها وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة، ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة... كلا إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب، ويخلص لها الحب، وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة، وهي المحركة والدافعة. فإذا تمّ لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة، على أن يكون مستعداً لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة.


ومفرق الطريق هو أن تسيطر العقيدة، أو يسيطر المتاع، وأن تكون الكلمة الأولى للعقيدة، أو يسيطر المتاع، وأن تكون الكلمة الأولى للعقيدة أو لعرض من أعراض هذه الأرض. فإذا اطمأن المسلم إلى أن قلبه خالص لعقيدته فلا عليه بعد هذا أن يستمتع بزينة الله والطيبات من الرزق -في غير سرف ولا مخيلة- بل إن المتاع بها حينئذ لمستحب، باعتباره لوناً من ألوان الشكر لله الذي أنعم بها ليتمتع بها عباده، وهم يذكرون أنه الرازق المنعم الوهاب.


وهكذا تتقطع أواصر الدم والنسب إذا انقطعت آصرة القلب والعقيدة. وتبطل ولاية القرابة في الأسرة إذا بطلت ولاية القرابة في الله. فلله الولاية الأولى، وفيها ترتبط البشرية جميعاً، فإذا لم تكن فلا ولاية بعد ذلك، والحبل مقطوع والعروة منقوضة، ولا يكتفي السياق بتقرير المبدأ، بل يأخذ في استعراض ألوان الوشاج والمطامع واللذائذ، ليضعها كلها في كفة ويضع العقيدة ومقتضياتها في الكفة الأخرى: الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة (وشيجة الدم والنسب والقرابة والزواج) والأموال والتجارة (مطمع الفطرة ورغبتها) والمساكن المريحة (متاع الحياة ولذتها) وفي الكفة الأخرى: حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيل الجهاد بكل مقتضياته وبكل مشقاته. الجهاد وما يتبعه من تعب ونصب، وما يتبعه من تضييق وحرمان، وما يتبعه من ألم وتضحية... ومجاهدة النفس ومجاهدة الهوى ومجاهدة شياطين الجن والإنس.


وما يكلف الله الفئة المؤمنة هذا التكليف إلا وهو يعلم أن فطرتها تطيقه - فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها - وإنه لمن رحمة الله بعباده أن أودع فطرتهم هذه الطاقة العالية من التجرد والاحتمال، وأودع فيها الشعور بلذة علوية لذلك التجرد لا تعدلها لذائذ الأرض كلها... لذة الشعور بالاتصال بالله، ولذة الرجاء في رضوان الله، ولذة الاستعلاء على الضعف والهبوط، والخلاص من ثقل اللحم والدم، والارتفاع إلى الأفق المشرق الوضيء. فإذا غلبتها ثقله الأرض ففي التطلع إلى الأفق ما يجدد الرغبة الطامعة في الخلاص والفكاك.


المصدر
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى