كيف أبدأ في طلب علم الحديث ؟

طباعة الموضوع

ام مصطفى

Moderator
إنضم
23 أغسطس 2011
المشاركات
481
النقاط
16
الإقامة
مصر
احفظ من كتاب الله
جزع عم وبعض السور
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
ماهر المعيقلى
الجنس
اخت
كيف أبدأ في طلب علم الحديث ؟

السؤال: ما قولكم في الذي يريد طلب علوم الحديث ، كيف أبدأ ، مع العلم أني تبحرت في العقيدة ولله الحمد ، وأجد نفسي تميل كثيراً لعلوم الحديث ، وأريد أن أبدأ وأحتاج نصحكم ؟
الجواب :
الحمد لله
يمكننا أن نجمل النصيحة في منهجية طلب علوم الحديث الشريف بالأمور الآتية :
أولاً :
العناية التامة بحفظ متون السنة النبوية ، إذ هي الغاية والثمرة التي نصب العلماء لأجلها علوم الحديث جميعها ، فلا يجوز لطالب العلم أن ينشغل بالوسيلة عن الغاية .
وحفظ متون السنة النبوية يبدأ بحفظ الأحاديث المتفق عليها بين الصحيحين ، ثم حفظ ما انفرد به البخاري ، ثم حفظ ما انفرد به مسلم ، لتنتهي بذلك المرحلة الأولى الأهم في تكوين العقلية الحديثية لدى طالب علم الحديث .
وينتقل بعدها إلى حفظ زوائد الكتب الستة والمسانيد المشهورة على أحاديث الصحيحين ، ويستعين عليها بالكتب الكثيرة التي اعتنت بجمع هذه الزوائد وترتيبها .
وأفضل طرق الحفظ تكرار المحفوظ على مدى أيام عدة بعد اليوم الذي حفظ فيه ، وهي الطريقة التي نصح بها الزرنوجي رحمه الله حين قال :
" ينبغي لطالب العلم أن يعد ويقدر لنفسه تقديراً في التكرار ، فإنه لا يستقر قلبه حتى يبلغ ذلك المبلغ ، وينبغي أن يكرر سبق الأمس – يعني ما حفظه بالأمس - خمس مرات ، وسبق اليوم الذي قبل الأمس أربع مرات ، والسبق الذي قبله ثلاث ، والذي قبله اثنين ، والذي قبله واحد ، فهذا أدعى إلى الحفظ والتكرار" انتهى.
"تعليم المتعلم" (ص/60)
فإن لم يتمكن الطالب من الحفظ التام فلا أقل من الاستكثار من قراءة هذه الأحاديث حتى يستحضرها الذهن ، ويستوعبها القلب ، ويسهل تذكرها على الذاكرة .
وقد سبق التفصيل في هذا الموضوع في جواب السؤال رقم : (113469)
ثانياً :
لا بد أن يهتم طالب علم الحديث بحفظ مدارات الأسانيد وما استطاع من أسماء الرواة وتراجمهم ، فأسانيد السنة النبوية تنقسم – من حيث شهرتها – إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أسانيد أساسية ، تروى بالإسناد الواحد منها مئات الأحاديث ، وتعتبر ركيزة من الركائز التي نقلت إلينا السنة النبوية ، بل ليس من كتب السنة كتاب إلا وهو معتمد عليها ، ومكثر منها ، وذلك :
كإسناد : الأعمش ، عن ذكوان أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة .
وإسناد : الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة .
وإسناد : حماد بن سلمة ، عن ثابت بن أسلم ، عن أنس .
وإسناد : عبيد الله بن عمر العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر .
ويمكن استخراج هذه السلاسل الإسنادية التي تروى بها مئات الروايات من خلال كتاب " تحفة الأشراف " للإمام المزي .
كما يمكن الاستعانة بحفظ رواتها ورجالها بكتاب : " طبقات المكثرين من رواية الحديث "، تأليف الشيخ : عادل الزرقي . وتقديم العلامة : عبد الله السعد . طبعته : دار طويق .
فإذا اعتنى طالب علم الحديث بهذه الأسانيد وحفظها ، ثم بدأ بتنزيل هذه الأسانيد على المتون التي سبق له حفظها من كتب السنة : فقد استودع في قلبه بذلك مئات الأحاديث بأسانيدها ، وبدأ بذلك مرحلة جديدة من التمكن الأصيل في هذا العلم الشريف .
القسم الثاني : أسانيد أقل شهرة ، تروى بها عشرات الروايات ، ولكنها تشتمل على بعض الإشكالات المشهورة ، كالانقطاع ، أو التدليس ، أو الإرسال ، ونحو ذلك ، ويمكن الاطلاع على بعض هذه الأسانيد في كتاب : " تحفة التحصيل " للعلائي .
فإذا اعتنى طالب العلم بهذه الأسانيد أيضاً ، واستظهر إشكالاتها الحديثية : فقد قطع شوطاً كبيراً في التمكن من هذا الفن .
وأما القسم الثالث : فهي أسانيد الأحاديث الموضوعة والضعيفة ، التي رويت بها أحاديث كثيرة أيضاً ، فهي أيضا مما لا بد من عناية طالب العلم بها ، إذ يقبح بالمتخصص أن يخفى عليه ما اشتهر بين علماء الحديث بالضعف والنكارة أو الوضع ، ولتحقيق ذلك لا بد من إدمان القراءة في كتاب : " ميزان الاعتدال " للإمام الذهبي ، وكتاب : " الكامل في ضعفاء الرجال " لابن عدي ، وكتاب : " الموضوعات " لابن الجوزي .
ثالثاً :
فإذا قطع طالب علم السنة النبوية شوطا كبيرا في حفظ متون السنة واستظهارها : شرع بعد ذلك في استشراح تلك المتون ، ومعرفة غريبها وأوجه تفسيرها ، وقد قال الخطيب البغدادي رحمه الله : " العلم هو الفهم والدراية ، وليس بالإكثار والتوسع في الرواية " انتهى. " الجامع لأخلاق الراوي " (ص/174)
ولكن يجب أن يتنبه طالب العلم إلى ضرورة الاقتصار – في بداية الطلب - على الشرح المختصر الذي يحل الغريب ، ولا يطول في بيان المسائل الفقهية والعلمية ، فذلك أمر يطول على الطالب ، ويتشعب به إلى أودية قد لا يحسن الخروج منها ، فحبذا لو قرأ شرحاً مختصراً ، ككتاب " المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " للإمام القرطبي ، وكتاب " المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج " للإمام النووي ، فيلخص معنى الحديث وشرح مفرداته من هذه الكتب على نسخته الخاصة التي حفظ منها الحديث نفسه ، حتى إذا ما راجع محفوظه من السنة النبوية رافق ذلك الاطلاع على توضيحٍ مختصرٍ للحديث ، فجمع بين فضيلتين .
أما العناية بالمسائل الفقهية المستنبطة من الحديث فذلك شأن آخر ، لا ينبغي تأصيله من كتب شروح الحديث ، وإنما من كتب الفقه التي ترتب مسائل الفقه على طريقة الأصول والفروع المبنية على واحد من المذاهب الأربعة .
رابعاً :
في علوم " مصطلح الحديث " ننصح طالب العلم أن يعتني بكتاب : " تحرير علوم الحديث " للشيخ عبد الله الجديع ، قراءة ، ومدارسة ، وحفظاً لمسائله ، فهو كتاب رائد في بابه ، تميز بتأصيل علوم الحديث من خلال الواقع العملي لمسالك النقاد ، ومن خلال استقراء جميع التأصيلات النظرية الواردة في كتب العلل والتراجم ، فضلاً عن كتب مصطلح الحديث الأخرى .
فإن طال الكتاب على الطالب ، أو كان مبتدئاً في الطلب : اقتصر على " نزهة النظر شرح نخبة الفكر " للحافظ ابن حجر ، أو عمل تلخيصاً لكتاب الشيخ عبد الله الجديع ، واعتنى بهذا الملخص ، حتى إذا ما أتقنه انطلق يتوسع في قراءة الكتب الأخرى ، وأهمها : " النكت على ابن الصلاح " للحافظ ابن حجر ، و" فتح المغيث " للحافظ السخاوي .
خامساً :
لا بد من حصص كافية من القراءة في نوعين آخرين من الكتب :
النوع الأول : كتب العلل والتخريج التي هي بمثابة التطبيق العملي لعلوم الحديث الشريف ، فيطلع الطالب من خلالها على نماذج واسعة من الأحكام الحديثية والفوائد الإسنادية ، فتنفتح له آفاق البحث والنظر .
النوع الثاني : الدراسات المعاصرة للمتخصصين في فنون الحديث الشريف ، مثل كتب العلامة عبد الرحمن المعلمي رحمه الله ، وكذلك الرسائل العلمية المتخصصة ، ونحن نعيش اليوم – بحمد الله – نهضة علمية حديثية لا تكاد تجد لها نظيراً في العصور المتأخرة من تاريخ العلم الشرعي ، وكثير من هذه الدراسات تشتمل على مناقشات علمية متمكنة ، ومباحثات مهمة في مسائل ضرورية ، لا ينبغي لطالب علم الحديث أن يقصر نظره عنها ، أو يعزب فكره عن العناية بها ، وسيجد أنه بقراءته في هذه الدراسات المعاصرة سيزيد من رصيد تمكنه ، وتتوسع مداركه ، وتنقدح في ذهنه الكثير من المباحث التي تحتاج إلى دراسة وتأمل ، فلعله يساهم في تحقيق ذلك .
وقبل ذلك كله تذكير النفس بتقوى الله تعالى ، فهي غاية كل العلوم ، ومن اشتغل بالعلم عن العمل فقد ضل وهلك ، بل الواجب أن يُرى أثر العلم في تخشع المتعلم وتواضعه واشتهار خلقه وأدبه بين الناس .
عن الحسن البصري رحمه الله قال :
" كان الرجل يطلب العلم ، فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وهديه ولسانه ويده " انتهى.
" الزهد " لعبد الله بن المبارك (رقم/79)
ويقول ابن الصلاح رحمه الله :
" من أراد التصدي لإسماع الحديث أو لإفادة شيء من علومه : فليقدم تصحيح النية وإخلاصها ، وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية وأدناسها ، وليحذر بلية حب الرئاسة ورعوناتها " انتهى.
" علوم الحديث " (ص/213)
والله أعلم .


الإسلام سؤال وجواب
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
أعلى