من واجبنا نحو القرآن، الإيمان والعمل به

طباعة الموضوع

يوسف الماهر

وعن غيبة فغب
إنضم
2 مارس 2014
المشاركات
50
النقاط
6
احفظ من كتاب الله
اللهم إجعلنا من العالمين العاملين به
القارئ المفضل
الحصري
الجنس
أخ
من واجبنا نحو القرآن

الإيمان والعمل به



الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي



لقد امتَنَّ الله تعالى علينا بنعمةٍ جليلةٍ حين أنزَلَ القُرآن الكريم على عبدِه ونبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو نعمةٌ عظيمةٌ حُقَّ لنا أنْ نفرحَ بها ونعلنَ اغتباطنا بها؛ ألم يقل الله تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 57، 58]، قال ابن سعدي: "موعظة تعظُكم وتُنذِرُكم عن الأعمال الموجبة لسخط الله المقتضية لعِقابه، وتُحذِّركم عنها ببَيان آثارها ومَفاسدها، ﴿ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ وهو هذا القُرآن، شفاءٌ لما في الصُّدور من أمراض الشَّهوات وأمراض الشُّبهات... ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ ﴾ الذي هو القُرآن، الذي هو أعظمُ نعمةٍ ومنَّةٍ ﴿ وَبِرَحْمَتِهِ ﴾ الدِّين والإيمان - قلت: كما نُقِلَ ذلك عن عددٍ من أئمَّة التفسير والصحابة - ﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ من مَتاع الدُّنيا ولذَّاتها".

وقال - تعالى -: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]، قال ابن سعدي: "فالقُرآن مشتملٌ على الشِّفاء والرحمة، وليس ذلك لكلِّ أحدٍ، وإنما ذلك للمؤمنين به، المصدِّقين بآياته، العاملين بها، وأمَّا الظالمون بعدَمِ التصديق به أو عدم العمل به فلا تزيدُهم آياته إلا خَسارًا؛ إذ تقومُ عليهم الحجَّة".

وهو الكتاب الذي لو أُنزِلَ على الجبال الرَّواسي لتصدَّعت وخشَعت؛ ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21]، قال ابن سعدي: "لكمال تأثيرِه في القُلوب، فإنَّ مواعظ القُرآن أعظم المواعظ على الإطلاق".

وهو الكتاب الذي تكفَّل الله سبحانه بحِفظه، ولم يَكِلْ حِفظِه إلى مَلكٍ أو نبيٍّ؛ ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، قال ابن سعدي: "أي: في حال إنزاله وبعدَ إنزاله؛ ففي حالِ إنزاله حافظون له من استِراق كلِّ شيطانٍ رجيم، وبعدَ إنزاله أودَعَه الله في قلب رسولِه، واستودعه في قلوب أمَّتِه، وحفظ الله ألفاظَه من التغيير فيها والزيادة والنَّقص، ومَعانِيه من التَّبديل، وهذا من أعظم آيات الله ونِعَمِه على عِباده المؤمنين".

وهو الكتاب المهيمِنُ على ما عَداه من الكُتُبِ التي أنزَلَها الله - جلَّ وعلا - ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48]، قال ابن سعدي: "أي: مشتملاً على ما اشتَملتْ عليه الكُتُبُ السابقة وزيادةً في المطالب الإلهيَّة والأخلاق النفسيَّة".

ومَن أرادَ النجاةَ والفلاحَ فعليه بكتابِ الله تعالى؛ ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]، ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [الشورى: 52].

وقال - تعالى -: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ [الواقعة: 75] مساقطها في مغاربها، وما يُحدِثُ اللهُ في تلك الأوقات من الحوادث الدالَّة على عظمته وكبريائه ﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ [الواقعة: 76، 77]، والمقسم عليه إثبات القُرآن، وأنَّه حقٌّ لا ريبَ فيه، وأنَّه كريم؛ أي: كثير الخير غزير العلم، قاله ابن سعدي - رحمه الله تعالى.

وفي السُّنَّة النبويَّة الكثير من الأحاديث التي تُبيِّنُ فضائلَ القُرآن الكريم، وما اختصَّ به من الخلال:
((إنَّ هذا القُرآن سَبَبٌ طرَفُه بيد الله وطرفُه بأيديكم، فتمسَّكوا به؛ فإنَّكم لن تضلُّوا، ولن تهلكوا بعدَه أبدًا))؛ رواه الطبراني بإسنادٍ جيِّد، وصحَّحه الألباني.

وعن زيد بن أرقم أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا وإنِّي تاركٌ فيكم ثقلَيْنِ: أحدهما كتاب الله - عزَّ وجلَّ - هو حبل الله، ومَن اتَّبعه كان على الهدى، ومَن ترَكَه كان على ضلالة))؛ رواه مسلم.

وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا خطَب يقولُ: ((أمَّا بعدُ، فإنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد))؛ مسلم.

بل إنَّ أهلَ القُرآن لهم المكانةُ والرِّفعةُ؛ أخرج ابن ماجه وأحمد عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ لله أهلين من النَّاسِ))، قالوا: يا رسول الله، مَن هم؟ قال: ((هم أهل القُرآن، أهل الله وخاصَّته))، قال البوصيري: هذا إسنادٌ صحيح رجاله مُوثَّقون.

أخرج مسلمٌ أنَّ نافعَ بن عبدالحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعملُه على مكَّةَ فقال: مَن استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أَبْزَى، قال: ومَن ابن أَبْزَى؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى، قال: إنَّه قارئ لكتابِ الله - عزَّ وجلَّ - وإنَّه عالمٌ بالفرائض، قال عمر: أما إنَّ نبيَّكم - صلى الله عليه وسلم - قد قال: ((إنَّ اللهَ يرفَعُ بهذا الكتاب أقوامًا ويضعُ به آخَرين)).

فهذه مقدمة تُبيِّنُ لنا عظمَ شأن هذا القُرآن الكريم.

وبعد هذا يطرحُ التساؤل: ما واجبُنا نحو هذا القُرآن العظيم:
لما كان القُرآن الكريم مجيدًا؛ ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ﴾ [البروج: 21]؛ أي: مُتَناهٍ في الشَّرَفِ والكرَم والبَرَكة، كما قال القرطبي؛ فإنَّ له حُقوقًا عظيمة وواجبات كبيرة.

وواجبنا نحوَ هذا القُرآن الكريم مُتعدِّد مُتنوِّع، أبرزه ستَّة واجبات، أذكُر الآن خمسةً منها وأرجئُ السادسَ إلى لقاءٍ آخَر؛ لحاجته إلى التفصيل:
الواجب الأول: الإيمان به:
نعلم أنَّ الإيمانَ بالكُتُبِ التي أنزَلَها الله تعالى أحدُ أركان الإيمان؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [النساء: 136].

وقال - صلى الله عليه وسلم - لما سأَلَه جبريل عن الإيمان: ((أنْ تؤمنَ بالله وملائكته وكُتُبِه ورسله واليوم الآخِر وتؤمنَ بالقدر خيرِه وشرِّه)).

قال الطحاوي في سِياق ذِكر عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة: "وأنَّ القُرآن كلامُ الله، منه بدَا بلا كيفيَّة قولاً، وأنزَلَه على رسولِه وحيًا، وصدَّقَه المؤمنون على ذلك حقًّا، وأَيْقَنوا أنَّه كلامُ الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوقٍ ككلام البريَّة... ولا نُجادِلُ في القُرآن، ونشهدُ أنَّه كلامُ ربِّ العالمين، نزَلَ به الرُّوح الأمين، فعلَّمه سيِّد المرسلين محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وهو كلام الله تعالى، لا يُساويه شيءٌ من كلام المخلوقين، ولا نقولُ بخلقِه، ولا نخالفُ جماعةَ المسلمين"، ا.هـ.

وقال ابن عثيمين: "ونؤمنُ بأنَّ القُرآن الكريم كلام الله تعالى، تكلَّم به حقًّا، وألقاه إلى جبريل، فنزل به جبريل على قلب النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم"، ا.هـ.

الواجب الثاني: العمل به:
انطِلاقًا من طاعة الله سبحانه الواجبة؛ ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 20].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24].

وفي "صحيح مسلم" عن النَّوَّاس بن سمعان الكلابي قال: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((يُؤتَى بالقُرآنِ يومَ القيامة وأهلِه الذين كانوا يعمَلُون به، تقدمُه سورةُ البقرة وآل عمران كأنهما غَمامتان أو ظُلَّتان سَوْداوان، بينهما شرقٌ أو كأنهما حِزقان - أي: جماعتان - من طيرٍ صوافَّ، تحاجَّان عن صاحبهما))، قال في "النهاية": "الشَّرْقُ هاهنا الضَّوء، وهو الشمس والشقُّ أيضًا".

أخرج سعيد بن منصور عن مِسعَر قال: أتى عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - رجلٌ فقال: أوصِنِي فقال: "إذا سمعتَ اللهَ - عزَّ وجلَّ - يقولُ في كتابه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ فأصغِ لها سمعَك؛ فإنَّه خيرٌ تُؤمَر به، أو شرٌّ تُصرَف عنه".

أمرُ الله لا بُدَّ من تنفيذِه وامتِثاله؛ ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].



يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
إنضم
23 يونيو 2011
المشاركات
2,069
النقاط
38
الإقامة
مصر
احفظ من كتاب الله
القرآن كاملا
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
الشيخ محمود خليل الحصري
الجنس
أخ
جزاكم الله خيرًاا ,,,
نفع الله بكم وأثابكم الفردوس الأعلى .,,
 
أعلى